عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 03:21 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا (69) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحًا فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ وكان اللّه غفورًا رحيمًا (70) ومن تاب وعمل صالحًا فإنّه يتوب إلى اللّه متابًا (71)}.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ -قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أيّ: الذّنب أكبر؟ قال: "أن تجعل للّه ندًّا وهو خلقك". قال: ثمّ أيّ؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قال: ثمّ أيّ؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك". قال عبد اللّه: وأنزل اللّه تصديق ذلك: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا}.
وهكذا رواه النّسائيّ عن هنّاد بن السّريّ، عن أبي معاوية، به.
وقد أخرجه البخاريّ ومسلمٌ، من حديث الأعمش ومنصورٍ -زاد البخاريّ: وواصلٍ -ثلاثتهم عن أبي وائلٍ، شقيق بن سلمة، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، عن ابن مسعودٍ، به، فاللّه أعلم، ولفظهما عن ابن مسعودٍ قال: قلت: يا رسول اللّه، أيّ الذّنب أعظم؟ الحديث.
طريقٌ غريبٌ: وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، حدّثنا عامر بن مدرك، حدّثنا السّريّ -يعني ابن إسماعيل -حدّثنا الشّعبيّ، عن مسروقٍ قال: قال عبد اللّه: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يومٍ فاتّبعته، فجلس على نشز من الأرض، وقعدت أسفل منه، ووجهي حيال ركبتيه، واغتنمت خلوته وقلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، أيّ الذّنوب أكبر؟ قال: "أن تدعو للّه ندًا وهو خلقك".قلت: ثمّ مه؟ قال: "أن تقتل ولدك كراهية أن يطعم معك". قلت: ثمّ مه؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك". ثمّ قرأ: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر}. [إلى آخر] الآية.
وقال النّسائيّ: حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن هلال بن يساف، عن سلمة بن قيسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في حجّة الوداع: "ألا إنّما هي أربعٌ -فما أنا بأشحّ عليهنّ منّي منذ سمعتهنّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -: لا تشركوا باللّه شيئًا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، ولا تزنوا، ولا تسرقوا".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن المدينيّ، رحمه اللّه، حدّثنا محمّد بن فضيل بن غزوان، حدّثنا محمّد بن سعدٍ الأنصاريّ، سمعت أبا طيبة الكلاعي، سمعت المقداد بن الأسود، رضي اللّه عنه، يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه: "ما تقولون في الزّنى"؟ قالوا: حرّمه اللّه ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه: "لأن يزني الرّجل بعشر نسوةٍ أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره". قال: "ما تقولون في السّرقة"؟ قالوا: حرّمها اللّه ورسوله، فهي حرامٌ. قال: "لأن يسرق الرّجل من عشرة أبياتٍ أيسر عليه من أن يسرق من جاره".
وقال أبو بكر بن أبي الدّنيا: حدّثنا عمّار بن نصرٍ، حدّثنا بقيّة، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن الهيثم بن مالكٍ الطّائيّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قال: "ما من ذنبٍ بعد الشّرك أعظم عند اللّه من نطفة وضعها رجلٌ في رحم لا يحل له".
وقال ابن جريج: أخبرني يعلى، عن سعيد بن جبيرٍ أنّه سمعه يحدّث عن ابن عبّاسٍ: أنّ ناسًا من أهل الشّرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثمّ أتوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّ الّذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ، لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارةٌ، فنزلت: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون}، ونزلت: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا [إنّه هو الغفور الرّحيم]} [الزّمر: 53].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن أبي فاختة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لرجلٍ: "إنّ اللّه ينهاك أن تعبد المخلوق وتدع الخالق، وينهاك أن تقتل ولدك وتغذو كلبك، وينهاك أن تزني بحليلة جارك". قال سفيان: وهو قوله: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون}.
وقوله: {ومن يفعل ذلك يلق أثامًا}. روي عن عبد اللّه بن عمرٍو أنّه قال: {أثامًا} وادٍ في جهنّم.
وقال عكرمة: {يلق أثامًا} أوديةٌ في جهنّم يعذّب فيها الزّناة. وكذا روي عن سعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ.
وقال قتادة: {يلق أثامًا} نكالًا كنّا نحدّث أنّه وادٍ في جهنّم.
وقد ذكر لنا أنّ لقمان كان يقول: يا بنيّ، إيّاك والزّنى، فإنّ أوّله مخافةٌ، وآخره ندامةٌ.
وقد ورد في الحديث الّذي رواه ابن جريرٍ وغيره، عن أبي أمامة الباهليّ -موقوفًا ومرفوعًا -أنّ "غيًّا" و"أثامًا" بئران في قعر جهنّم أجارنا اللّه منها بمنّه وكرمه.
وقال السّدّيّ: {يلق أثامًا}: جزاءً.
وهذا أشبه بظاهر الآية؛ ولهذا فسّره بما بعده مبدّلًا منه، وهو قوله: {يضاعف له العذاب يوم القيامة} أي: يكرّر عليه ويغلّظ، {ويخلد فيه مهانًا} أي: حقيرًا ذليلًا). [تفسير ابن كثير: 6/ 124-126]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقوله: {إلا من تاب وآمن وعمل [عملا] صالحًا} أي: جزاؤه على ما فعل من هذه الصّفات القبيحة ما ذكر {إلا من تاب} في الدّنيا إلى اللّه من جميع ذلك، فإنّ اللّه يتوب عليه.
وفي ذلك دلالةٌ على صحّة توبة القاتل، ولا تعارض بين هذه وبين آية النّساء: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا} [النساء: 93] فإن هذه وإن كانت مدنيّةً إلّا أنّها مطلقةٌ، فتحمل على من لم يتب، لأنّ هذه مقيّدةٌ بالتّوبة، ثمّ قد قال [اللّه] تعالى: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النّساء: 48،116].
وقد ثبتت السّنّة الصّحيحة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بصحّة توبة القاتل، كما ذكر مقرّرًا من قصّة الّذي قتل مائة رجلٍ ثمّ تاب، وقبل منه، وغير ذلك من الأحاديث.
وقوله: {فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ وكان اللّه غفورًا رحيمًا}: في معنى قوله: {يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} قولان:
أحدهما: أنّهم بدّلوا مكان عمل السّيّئات بعمل الحسنات. قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} قال: هم المؤمنون، كانوا من قبل إيمانهم على السّيّئات، فرغب اللّه بهم عن ذلك فحوّلهم إلى الحسنات، فأبدلهم مكان السّيّئات الحسنات.
وروى مجاهدٌ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان ينشد عند هذه الآية:
بدّلن بعد حرّه خريفا وبعد طول النّفس الوجيفا
يعني: تغيّرت تلك الأحوال إلى غيرها.
وقال عطاء بن أبي رباحٍ: هذا في الدّنيا، يكون الرّجل على هيئةٍ قبيحةٍ، ثمّ يبدّله اللّه بها خيرًا.
وقال سعيد بن جبيرٍ: أبدلهم بعبادة الأوثان عبادة اللّه، وأبدلهم بقتال المسلمين قتالًا مع المسلمين للمشركين، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات.
وقال الحسن البصريّ: أبدلهم اللّه بالعمل السّيّئ العمل الصّالح، وأبدلهم بالشّرك إخلاصًا، وأبدلهم بالفجور إحصانًا وبالكفر إسلامًا.
وهذا قول أبي العالية، وقتادة، وجماعةٍ آخرين.
والقول الثّاني: أنّ تلك السّيّئات الماضية تنقلب بنفس التّوبة النّصوح حسناتٍ، وما ذاك إلّا أنّه كلّما تذكّر ما مضى ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذّنب طاعةً بهذا الاعتبار. فيوم القيامة وإن وجده مكتوبًا عليه لكنّه لا يضرّه وينقلب حسنةً في صحيفته، كما ثبتت السّنّة بذلك، وصحّت به الآثار المرويّة عن السّلف، رحمهم اللّه تعالى -وهذا سياق الحديث -قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي لأعرف آخر أهل النّار خروجًا من النّار، وآخر أهل الجنّة دخولًا إلى الجنّة: يؤتى برجلٍ فيقول: نحّوا كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها، قال: فيقال له: عملت يوم كذا وكذا كذا، وعملت يوم كذا وكذا كذا؟ فيقول: نعم -لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئا - فيقال: فإنّ لك بكلّ سيّئةٍ حسنةً. فيقول: يا ربّ، عملت أشياء لا أراها هاهنا". قال: فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه. وانفرد به مسلمٌ.
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا هاشم بن يزيد، حدّثنا محمّد بن إسماعيل، حدّثني أبي، حدّثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "إذا نام ابن آدم قال الملك للشّيطان: أعطني صحيفتك. فيعطيه إيّاها، فما وجد في صحيفته من حسنةٍ محا بها عشر سيّئاتٍ من صحيفة الشّيطان، وكتبهنّ حسناتٍ، فإذا أراد أن ينام أحدكم فليكبّر ثلاثًا وثلاثين تكبيرةً، ويحمد أربعًا وثلاثين تحميدةً، ويسبّح ثلاثًا وثلاثين تسبيحةً، فتلك مائةٌ".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو سلمة وعارمٌ قالا حدّثنا ثابتٌ -يعني: ابن يزيد أبو زيدٍ -حدّثنا عاصمٌ، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: يعطى رجلٌ يوم القيامة صحيفته فيقرأ أعلاها، فإذا سيّئاته، فإذا كاد يسوء ظنّه نظر في أسفلها فإذا حسناته، ثمّ ينظر في أعلاها فإذا هي قد بدّلت حسناتٍ.
وقال أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا سليمان بن موسى الزّهريّ أبو داود، حدّثنا أبو العنبس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: ليأتينّ اللّه عزّ وجلّ بأناسٍ يوم القيامة رأوا أنّهم قد استكثروا من السّيّئات، قيل: من هم يا أبا هريرة؟ قال: الّذين يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ.
وقال أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن أبي زياد، حدثنا سيّار، حدثنا جعفر، حدّثنا أبو حمزة، عن أبي الضّيف -وكان من أصحاب معاذ بن جبلٍ -قال: يدخل أهل الجنّة الجنّة على أربعة أصنافٍ: المتّقين، ثمّ الشّاكرين، ثمّ الخائفين، ثمّ أصحاب اليمين. قلت: لم سمّوا أصحاب اليمين؟ قال: لأنّهم عملوا الحسنات والسّيّئات، فأعطوا كتبهم بأيمانهم، فقرؤوا سيّئاتهم حرفًا حرفًا -قالوا: يا ربّنا، هذه سيّئاتنا، فأين حسناتنا؟. فعند ذلك محا اللّه السّيّئات وجعلها حسناتٍ، فعند ذلك قالوا: (هاؤم اقرؤوا كتابيه)، فهم أكثر أهل الجنّة.
وقال عليّ بن الحسين زين العابدين: {يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} قال: في الآخرة.
وقال مكحولٌ: يغفرها لهم فيجعلها حسناتٍ: [رواهما ابن أبي حاتمٍ، وروى ابن جريرٍ، عن سعيد بن المسيّب مثله].
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن الوزير الدّمشقيّ، حدّثنا الوليد بن مسلم، حدّثنا أبو جابرٍ، أنّه سمع مكحولًا يحدّث قال: جاء شيخٌ كبيرٌ هرمٌ قد سقط حاجباه على عينيه، فقال: يا رسول اللّه، رجلٌ غدر وفجر، ولم يدع حاجةً ولا داجة إلّا اقتطعها بيمينه، لو قسّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم، فهل له من توبةٍ؟ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أسلمت؟ " قال: أمّا أنا فأشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فإنّ اللّه غافرٌ لك ما كنت كذلك، ومبدّلٌ سيّئاتك حسناتٍ". فقال: يا رسول اللّه، وغدراتي وفجراتي؟ فقال: "وغدراتك وفجراتك". فولّى الرّجل يهلّل ويكبّر .
وروى الطّبرانيّ من حديث أبي المغيرة، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرّحمن بن جبيرٍ، عن أبي فروة -شطب -أنّه أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا عمل الذّنوب كلّها، ولم يترك حاجةً ولا داجةً، فهل له من توبةٍ؟ فقال: "أسلمت؟ " فقال: نعم، قال: "فافعل الخيّرات، واترك السّيّئات، فيجعلها اللّه لك خيراتٍ كلّها". قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: "نعم". قال فما زال يكبّر حتّى توارى.
ورواه الطّبرانيّ من طريق أبي فروة الرّهاويّ، عن ياسين الزّيّات، عن أبي سلمة الحمصي، عن يحيى بن جابرٍ، عن سلمة بن نفيلٍ مرفوعًا.
وقال أيضًا: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا إبراهيم بن المنذر، حدّثنا عيسى بن شعيب بن ثوبان، عن فليح الشّمّاس، عن عبيد بن أبي عبيدٍ عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: جاءتني امرأةٌ فقالت: هل لي من توبةٍ؟ إنّي زنيت وولدت وقتلته. فقلت لا ولا نعمت العين ولا كرامة. فقامت وهي تدعو بالحسرة. ثمّ صلّيت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الصّبح، فقصصت عليه ما قالت المرأة وما قلت لها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " بئسما قلت! أما كنت تقرأ هذه الآية: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر} إلى قوله: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحًا فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ وكان اللّه غفورًا رحيمًا} فقرأتها عليها. فخرّت ساجدةً وقالت: الحمد للّه الّذي جعل لي مخرجًا.
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، وفي رجاله من لا يعرف واللّه أعلم. وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي بسنده بنحوه، وعنده: فخرجت تدعو بالحسرة وتقول: يا حسرتا! أخلق هذا الحسن للنّار؟ وعنده أنّه لـمّا رجع من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، تطلّبها في جميع دور المدينة فلم يجدها، فلمّا كان من اللّيلة المقبلة جاءته، فأخبرها بما قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فخرّت ساجدةً، وقالت: الحمد للّه الّذي جعل لي مخرجًا وتوبةً ممّا عملت. وأعتقت جاريةً كانت معها وابنتها، وتابت إلى اللّه عزّ وجلّ). [تفسير ابن كثير: 6/ 126-130]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى مخبرًا عن عموم رحمته بعباده وأنّه من تاب إليه منهم تاب عليه من أيّ ذنبٍ كان، جليلٍ أو حقيرٍ، كبيرٍ أو صغيرٍ: فقال {ومن تاب وعمل صالحًا فإنّه يتوب إلى اللّه متابًا} أي: فإنّ اللّه يقبل توبته، كما قال تعالى: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النّساء: 110]، وقال {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم} [التوبة: 104]، وقال {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزّمر: 53]، أي: لمن تاب إليه). [تفسير ابن كثير: 6/ 130]

رد مع اقتباس