عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم اللّه الرّحمـن الرّحيم
{قل يا أيّها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابدٌ ما عبدتّم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين}.
هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرةٌ بالإخلاص فيه؛ فقوله: {قل يا أيّها الكافرون}. شمل كلّ كافرٍ على وجه الأرض، ولكن المواجهون بهذا الخطاب هم كفّار قريشٍ.
وقيل: إنّهم من جهلهم دعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عبادة أوثانهم سنةً، ويعبدون معبوده سنةً؛ فأنزل اللّه هذه السّورة.
وأمر رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيها أن يتبرّأ من دينهم بالكلّيّة؛ فقال: {لا أعبد ما تعبدون}. يعني: من الأصنام والأنداد.
{ولا أنتم عابدون ما أعبد}. وهو اللّه وحده، لا شريك له، فـ"ما" ههنا بمعنى "من".
ثمّ قال: {ولا أنا عابدٌ ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد}. أي: ولا أعبد عبادتكم، أي: لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنّما أعبد اللّه على الوجه الذي يحبّه ويرضاه.
ولهذا قال: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}. أي: لا تقتدون بأوامر اللّه وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم؛ كما قال: {إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربّهم الهدى}. فتبرّأ منهم في جميع ما هم فيه؛ فإنّ العابد لابدّ له من معبودٍ يعبده وعبادةٍ يسلكها إليه.
فالرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأتباعه يعبدون اللّه بما شرعه، ولهذا كان كلمة الإسلام: لا إله إلاّ اللّه محمّدٌ رسول اللّه، أي: لا معبود إلاّ اللّه، ولا طريق إليه إلاّ ما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، والمشركون يعبدون غير اللّه عبادةً لم يأذن بها اللّه؛ ولهذا قال لهم الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم: {لكم دينكم ولي دين}.
كما قال تعالى: {وإن كذّبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون ممّا أعمل وأنا بريءٌ ممّا تعملون}.
وقال: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم}.
وقال البخاريّ: يقال: {لكم دينكم} الكفر، {ولي دين} الإسلام، ولم يقل: ديني؛ لأنّ الآيات بالنّون، فحذف الياء كما قال {فهو يهدين}، و{يشفين}.
وقال غيره: {لا أعبد ما تعبدون} الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري، {ولا أنتم عابدون ما أعبد}. وهم الذين قالوا: {وليزيدنّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً}. انتهى ما ذكره.
ونقل ابن جريرٍ عن بعض أهل العربيّة أنّ ذلك من باب التأكيد؛ كقوله: {فإنّ مع العسر يسراً * إنّ مع العسر يسراً}. وكقوله: {لترونّ الجحيم * ثمّ لترونّها عين اليقين}. وحكاه بعضهم -كابن الجوزيّ وغيره- عن ابن قتيبة، فاللّه أعلم. فهذه ثلاثة أقوالٍ؛ أوّلها ما ذكرناه أوّلاً
الثاني: ما حكاه البخاريّ وغيره من المفسّرين أنّ المراد: {لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد} في الماضي، {ولا أنا عابدٌ ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد} في المستقبل.
الثالث: أنّ ذلك تأكيدٌ محضٌ.
وثمّ قولٌ رابعٌ نصره أبو العبّاس ابن تيميّة في بعض كتبه، وهو أنّ المراد بقوله: {لا أعبد ما تعبدون}. نفي الفعل؛ لأنّها جملةٌ فعليّةٌ.
{ولا أنا عابدٌ ما عبدتم}. نفي قبوله لذلك بالكلّيّة؛ لأنّ النّفي بالجملة الاسميّة آكدٌ، فكأنّه نفى الفعل وكونه قابلاً لذلك، ومعناه: نفي الوقوع ونفي الإمكان الشّرعيّ أيضاً، وهو قولٌ حسنٌ أيضاً، واللّه أعلم.
وقد استدلّ الإمام أبو عبد اللّه الشّافعيّ وغيره بهذه الآية الكريمة {لكم دينكم ولي دين} على أنّ الكفر كلّه ملّةٌ واحدةٌ، فورث اليهود من النّصارى وبالعكس، إذا كان بينهما نسبٌ أو سببٌ يتوارث به؛ لأنّ الأديان ماعدا الإسلام كلّها كالشّيء الواحد في البطلان، وذهب أحمد بن حنبلٍ ومن وافقه إلى عدم توريث النّصارى من اليهود وبالعكس؛ لحديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يتوارث أهل ملّتين شتّى» ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 507-508]


رد مع اقتباس