عرض مشاركة واحدة
  #38  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 09:35 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (136) إلى الآية (137) ]
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هذا للّه بزعمهم... (136).
قرأ الكسائي وحده (بزعمهم) بضم الزاي في الحرفين.
[معاني القراءات وعللها: 1/387]
وقرأ الباقون (بزعمهم).
قال أبو منصور: وهما لغتان: زعم وزعم). [معاني القراءات وعللها: 1/388]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (48- وقوله تعالى: {هذا لله بزعمهم} [136].
قرأ الكسائي وحده {بزعمهم}.
وقرأ الباقون بالفتح. وفيه لغة ثالثة لم يقرأ بها أحد (زعم) بكسر الزاي.
وأخبرني ابن مجاهد رحمه الله عن السمري عن الفراء قال: الفَتك والفُتك ثلاث لغات بمعنى، وكذلك الزعم والزعم والزعم بمعنى). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/170]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الزاي في قوله تعالى: بزعمهم [الأنعام/ 136] وضمّها.
فقرأ الكسائيّ وحده بزعمهم* مضمومة الزاي.
وقرأ الباقون: بزعمهم مفتوحة الزاي.
القول فيه أنهما لغتان.
وقرأ ابن عامر وحده: وما ربك بغافل عما تعملون [النمل/ 93] بالتاء، وقرأ الباقون بالياء). [الحجة للقراء السبعة: 3/409]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هذا لله بزعمهم}
قرأ الكسائي {بزعمهم} بضم الزّاي وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان). [حجة القراءات: 273]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (73- قوله: {بزعمهم} قرأه الكسائي بضم الزاي، وفتح الباقون، وهما لغتان مشهورتان، وقد قيل: من فتحه جعله مصدرًا، ومن ضمه جعله اسمًا كالنَّصَب والنَّصْب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/453]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ... (137).
قرأ ابن عامر وحده ((وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركائهم بضم الزاي، ورفع اللام من (قتل)، ونصب الدال (أولادهم)، (شركائهم) خفضا بالياء.
وقرأ الباقون (زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) بفتح الزاي، واللام من (قتل)، ورفع الشركاء، وكسر الدال.
قال أبو منصور: أما قراءة ابن عامر فهي متروكة؛ لأنها لا تجوز إلا على التقديم والتأخير الذي قاله الشاعر، كان غير جيد ولا حسن.
[معاني القراءات وعللها: 1/388]
والمعنى على قراءته: زيّن لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم.
وأنشد الفراء في مثله:
فزججتها متمكنًا... زجّ القلوص أبي مزاده
أراد: أبي مزادة القلوص.
قال أبو منصور: وهذا عند الفصحاء رديٌّ جدًّا، ولا يجوز عندي القراءة بها.
وأما قراءة العامة التي اجتمع عليها القراء فهي الجيدة البالغة بفتح الزاي، واللام من قتل، والرفع في (شركاؤهم)، فزين: فعل ماضٍ و(شركاؤهم) فاعلون، و(قتل) منصوب بالفعل.
والرفع في قوله (شركاؤهم) على تكرير الفعل، والمعنى: زينه شركاؤهم، فأضمره). [معاني القراءات وعللها: 1/389]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (50- وقوله تعالى: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركآءهم} [137].
فالأولاد في موضع نصب. وشركاؤهم: يرتفعون بفعلهم، وفعلهم التزيين. والتقدير: وكذلك زين شركاؤهم أن قتل كثير من المشركين أولادهم فهذه قراءة الناس كلهم إلا أهل الشام فإنهم قرأوا: {وكذلك زين} بضم الزاي {قتل} بالرفع {أولادهم} بالنصب {شركائهم} بالخفض على تقدير: قتل شركائهم أولادهم ففرقوا بين المضاف والمضاف إليه كما قال الشاعر:
فزجحتها متمكنا = زج القلوص أبي مزاده
أراد: زج أبي مزادة القلوص). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/171]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ]، وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم [الأنعام/ 137].
فقرأ ابن عامر وحده وكذلك زين* برفع الزاي لكثير من المشركين قتل برفع اللام، أولادهم* بنصب الدال، شركايهم* بياء.
وقرأ الباقون: زين بفتح الزاي لكثير من المشركين قتل بنصب اللام، أولادهم خفض شركاؤهم رفع.
[الحجة للقراء السبعة: 3/409]
الشركاء على قول العامة فاعل زين وهو مثل: لا ينفع نفسا إيمانها [الأنعام/ 158]، لمّا تقدم ذكر المشركين كنّى عنهم في قوله: شركاؤهم كما أنه لما تقدم ذكر النفس وإبراهيم في قوله لا ينفع نفسا إيمانها وإذ ابتلى إبراهيم ربه [البقرة/ 124] كنّى عن الاسمين المتقدم ذكرهما. وقتل أولادهم مفعول زين، وفاعل زين شركاؤهم، ولا يجوز أن يكون الشركاء فاعل المصدر الذي هو القتل كقوله: ولولا دفاع الله الناس [البقرة/ 251]، لأنّ زين حينئذ يبقى بلا فاعل، ولأن الشركاء ليسوا قاتلين، إنما هم مزيّنون القتل للمشركين، وأضيف المصدر الذي هو القتل إلى المفعولين الذين هم الأولاد، كقوله: لا يسأم الإنسان من دعاء الخير [فصلت/ 49] ونحو ذلك مما يحذف معه الفاعلون والمعنى: قتلهم أولادهم، فحذف المضاف إليه الذي هو الفاعل، كما حذف ضمير الإنسان في قوله من دعاء الخير. والمعنى: من دعائه الخير. وأما قول ابن عامر: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم، فإن الفعل المبنيّ للمفعول به، أسند إلى القتل فاعمل المصدر عمل الفعل، وأضافه إلى الفاعل، ونظير ذلك قوله: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض فاسم الله فاعل، كما أنّ الشركاء فاعلون، والمصدر مضاف إلى الشركاء الذين هم فاعلون، والمعنى: قتل شركائهم أولادهم، ففصل بين المضاف والمضاف إليه، بالمفعول به،
[الحجة للقراء السبعة: 3/410]
والمفعول به مفعول المصدر، وهذا قبيح قليل في الاستعمال، ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى، ألا ترى أنه لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام وحال السعة، مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها مواقع لا يقع فيها غيرها نحو: إن فيها قوما جبارين [المائدة/ 22].
ونحو:
.. للهجر حولا كميلا ونحو قوله:
فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله
[الحجة للقراء السبعة: 3/411]
ألا ترى أنه قد فصل بين أنّ واسمها بما يتعلق بخبرها، ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك، ألا ترى أنهم لا يجيزون: إن زيدا عمرا ضارب، إذا نصبت زيدا بضارب، فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام، مع اتساعهم في الظرف في الكلام، وإنما جاز في الشعر كقوله:
كما خطّ الكتاب بكفّ يوما... يهوديّ...
كان لا يجوز في المفعول به الذي لم يتّسع فيه بالفصل، به أجدر.
ووجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال أنه قد جاء في الشعر الفصل على حدّ ما قرأه، قال الطّرمّاح:
[الحجة للقراء السبعة: 3/412]
يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع... بواديه من قرع القسيّ الكنائن
وزعموا أن أبا الحسن أنشد:
زجّ القلوص أبي مزادة
وهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر، ألا ترى أنه قد فصل فيهما بين المصدر والمضاف إليهما، كما فصل ابن عامر بين المصدر، وما حكمه أن يكون مضافا إليه؟ وذكر سيبويه في هذه الآية قراءة أخرى، وهي: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم، وحمل الشركاء فيها على فعل مضمر غير هذا الظاهر.
[كأنه لما قيل: وكذلك زين لكثير من المشركين].
قيل: من زيّنه؟؛ فقال: زيّنه شركاؤهم. قال: ومثل ذلك قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/413]
ليبك يزيد ضارع لخصومة... ومختبط ممّا تطيح الطوائح
كأنّه لما قال: ليبك يزيد، دلّ على أن له باكيا، فقال: يبكيه ضارع، ومثل هذه الآية على هذه القراءة قوله: يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال [النور/ 36]، كأنّه لما قال:
يسبح* فدلّ على يسبح فقيل له: من يسبحه؟ قال: يسبّحه رجال). [الحجة للقراء السبعة: 3/414]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن السلمي: [وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ].
قال أبو الفتح: يحتمل رفع شركاء تأويلين:
أحدهما: وهو الوجه؛ أن يكون مرفوعًا بفعل مضمر دل عليه قوله: [زُين]؛ كأنه لما قال: زُين لكثير من المشركين قتلُ أولادهم، قيل: مَن زينه لهم؟ فقيل: زينه لهم شركاؤهم، فارتفع الشركاء بفعل مضمر دل عليه [زُين]، فهو إذن كقولك: أُكل اللحمُ زيدٌ، ورُكِبَ
[المحتسب: 1/229]
الفرسُ جعفرٌ، وترفع زيدًا وجعفرًا بفعل مضمر دل عليه هذا الظاهر، وإياك وأن تقول: أنه ارتفع بهذا الظاهر؛ لأنه هو الفاعل في المعنى لأمرين:
أحدهما: أن الفعل لا يرفع إلا الواحد فاعلًا أو مفعولًا أقيم مقام الفاعل، وقد رفع هذا الفعل ما أقيم مقام فاعله وهو [قَتْلُ أَوْلادِهِمْ]، فلا سبيل له إلى رفع اسم آخر على أنه هو الفاعل في المعنى؛ لأنك إذ انصرفت بالفعل نحو إسنادك إياه إلى المفعول لم يجز أن تتراجع عنه فتسنده إلى الفاعل؛ إذ كان لكل واحد منهما فعل يخصه دون صاحبه، كقولك: ضَرَب وضُرِب، وقَتَل وقُتِلَ، وهذا واضح.
والآخر: أن الفاعل عندنا ليس المراد به أن يكون فاعلًا في المعنى دون ترتيب اللفظ، وأن يكون اسمًا ذكرته بعد فعل وأسندته ونسبته إلى الفاعل؛ كقام زيد وقعد عمرو. ولو كان الفاعل الصناعي هو الفاعل المعنوي للزمك أن تقول: مررت برجلٌ يقرأ، فترفعه لأنه قد كان يفعل شيئًا وهو القراءة، وأن تقول: رأيت رجلٌ يحدث، فترفعه بحديثه، وأن تقولم في رفع زيد من قولك: زيد قام: إنه مرفوع بفعله؛ لأنه الفاعل في المعنى؛ لكن طريق الرفع في [شركاؤهم] هو ما أَريتك من إضمار الفعل له لترفعه به، ونحوه ما أنشده صاحب الكتاب من قول الشاعر:
لِيُبْك يزيد ضارِعٌ لخصومة ... ومُخْتبِطٌ مما تُطيح الطوائح
كأنه لما قال: ليبك يزيد، قيل: مَن يبكيه؟ فقال: ليبكه ضارع لخصومة، والحمل على المعنى كثير جدًّا، وقد أفردنا له فصلًا في جملة شجاعة العربية من كتابنا الموسوم بالخصائص.
فهذا هو الوجه المختار في رفع الشركاء وشاهده في المعنى قراءة الكافة: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}، ألا ترى أن الشركاء هم المزيِّنون لا محالة؟
وأما الوجه الآخر: فأجازه قطرب؛ وهو أن يكون الشركاء ارتفعوا في صلة المصدر الذي هو القتل بفعلهم، وكأنه: وكذلك زُين لكثير من المشركين أنْ قَتَلَ شركاؤهم أولادَهم، وشبهه بقوله: حُبِّبَ إليَّ ركوبُ الفرس زيدٌ؛ أي: أن ركب الفرسَ زيدٌ. هذا -لعمري- ونحوه صحيح المعنى، فأما الآية فليست منه، بدلالة القراءة المجتمع عليها، وأن المعنى أن المزيِّن هم الشركاء، وأن القاتل هم المشركون، وهذا واضح). [المحتسب: 1/230]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم: [وَلِيَلْبَسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ] بفتح الباء.
قال أبو الفتح: المشهور في هذا لَبِست الثوب أَلْبَسه، ولَبَست عليهم الأمر أَلْبِسُه.
فأما أن تكون هذه لغة لم تتأد إلينا: لبِست عليهم الأمر ألبَسه، في معنى لبَسته ألبِسه.
وإما أن تكون غير هذا؛ وهو أن يراد به شدة المخالطة لهم في دينهم، فالاعتراض فيه بينه وبينهم ليشكُّوا فيه ولا يتمكنوا من التفرد به، كما أن لابس الثوب شديد المماسة له والالتباس به، فيقول على هذا: لبِست إليك طاعتَك، واشتملْتُ الثقة بك؛ أي: خالطت هذه الأشياء وماسستها؛ تحققًا بها وملابسة لها، وعليه قول القُلاخ السعدي:
نكسوهُم مخشونَةً لِبَاسًا
يعني: السيوف. وقد مر به لفظًا ألبتة شاعرنا فقال:
وإنا إذا ما الموت صرَّح في الوغى ... لَبِسنا إلى حاجاتنا الضرب والطعنا
فإما أن يكون هذا الشاعر نظر إلى هذه القراءة، وإما أن يكون أراد المراد بها فسلك سنة قارئها، فاعرف ذلك ولا تقل ما يقوله من ضعفت نحيزته، ورَكَّت طريقته: هذا شاعر مُحْدث، وبالأمس كان معنا، فكيف يجوز أن يحتج به في كتاب الله جل وعز؟ فإن المعاني لا يرفعها تقدُّم، ولا يُزري بها تأخر. فأما الألفاظ فلعمري إن هذا الموضع معتبرٌ فيها، وأما المعاني ففائتة بأَنفسها إلى مغرسها، وإذا جاز لأبي العباس أن يحتج بأبي تمام في اللغة كان الاحتجاج في المعاني بالمولَّد الآخر أشبه). [المحتسب: 1/231]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم}
قرأ ابن عامر (وكذلك زين) بضم الزّاي {قتل} بالرّفع أولادهم نصب {شركائهم} بالخ {زين} على ما لم يسم فاعله {قتل} اسم ما لم يسم فاعله {أولادهم} نصب بوقو الفعل عليهم {شركائهم} جر بالإضافة على تقدير قتل شركائهم أولادهم ففرق بين المضاف والمضاف إليه وحجته قول الشّاعر:
فزججتها متمكنًا ... زج القلوص ابي مزاده
أراد زج أبي مزادة القلوص وأهل الكوفة يجوزون الفرق بين المضاف والمضاف إليه
وقرأ الباقون {وكذلك زين} بفتح الزّاي {قتل} نصب أولادهم جر {شركاؤهم} رفع وهم الفاعلون والتّقدير وكذلك زين شركاؤهم أن قتل كثير من المشركين أولادهم
[حجة القراءات: 273]
قال الزّجاج {شركاؤهم} ارتفعوا بتزيينهم ويقال إن هؤلاء المزينين كانوا يخدمون الأوثان وقيل شركاؤهم شياطينهم). [حجة القراءات: 274]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (74- وقوله: {زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} قرأ ابن عامر «زين» بضم الزاي، على ما لم يسم فاعله «قتل» بالرفع، على أنه مفعول لم يسم فاعله «أولادهم» بالنصب أعمل فيه القتل، «شركائهم» بالخفض على إضافة القتل إليهم، لأنهم الفاعلون، فأضاف الفعل إلى فاعله، على ما يجب في الأصل لكنه فرَّق بين المضاف والمضاف إليه، فقدم المفعول، وتركه منصوبًا على حاله، إذ كان متأخرًا في المعنى، وأخر المضاف، وتركه مخفوضًا، على حاله،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/453]
إذ كان متقدمًا بعد القتل، وهذه القراءة فيها ضعف، للتفريق بين المضاف والمضاف إليه لأنه إنما يجوز مثل هذا التفريق في الشعر، وأكثر ما يجوز في الشعر مع الظروف لاتساعهم في الظروف، وهو في المفعول به في الشعر بعيد، فإجازته في القرآن أبعد، وقرأ الباقون بفتح الزاي على ما يسمى فاعله، ونصبوا «قتل» بـ «زين» وخفضوا «الأولاد» لإضافة «قتل» إليهم، أضافوه إلى المفعول، ورفعوا «الشركاء» بفعلهم التزيين، فهو الأصل، والمصدر يضاف إلى المفعول به، أو إلى الفاعل، بفعلهم التزيين، فهو الأصل، والمصدر يضاف إلى المفعول به، أو إلى الفاعل، وأصله أن يضاف إلى الفاعل؛ لأنه هو أحدثه، ولأنه لا يُستغنى عنه، ويستغنى عن المفعول، وإنما جاز أن يضاف إلى المفعول كما جاز أن يقوم المفعول مقام الفاعل، ولا يحسن أن يرتفع «الشركاء» بالقتل؛ لأنه يبقى «زين» بغير فاعل، و«الشركاء» ليسوا قاتلين، إنما هم مزينون، إنما القاتلون المشركون، زين لهم شركاؤهم الذين يعبدونهم قتلهم أولادهم، فالمعنى: قتلهم أولادهم، ثم حذف المضاف إليه، وهو الفاعل، وأقيم «الأولاد» وهم مفعول بهم، مقام الفاعل، كما قال تعالى: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} «فصلت 49»، أي: من دعائه الخير، فالهاء فاعلة «الدعاء»، فحذفت وأقيم «الخير» مقامها، فخفض بالإضافة، فهذه القراءة هي الاختيار، لصحة الإعراب فيها ولأن عليها الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/454]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (58- {وَكَذَلِكَ زُيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَائِهِمْ}: بضم الزاي {قَتْلَ} رفعًا، {أَوْلادَهُمْ} نصبًا، {شُرَكَائِهِمْ} خفضًا. [آية/ 137]:
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 505]
والوجه أنه بنى الفعل للمفعول، وأسنده إلى القتل، وأعمل القتل الذي هو مصدر عمل الفعل، وأضافه إلى الشركاء، وهو فاعل، ونصب الأولاد؛ لأنه مفعول به، وفصل بالأولاد بين المضاف والمضاف إليه، والتقدير: زين لهم قتل شركائهم أولادهم، فقدم وأخر، وهو قبيح، قليل في الاستعمال؛
[الموضح: 506]
للفصل بين المضاف والمضاف إليه، ومثله لم يجيء في حال السعة، بل جاء في الشعر، قال:
32- كما خط الكتاب بكف -يومًا- = يهودي يقارب أو يزيل
أراد بكف يهودي يومًا، ففصل بالظرف بين المضاف والمضاف إليه.
ومثل الآية سواء في اللفظ قول الشاعر:
33- فزججتها متمكنًا = زج -القلوص- أبي مزاده
أراد زج أبي مزادة القلوص، فقدم وأخر وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول به، كما في الآية.
وقرأ الباقون {زَيَّنَ} بفتح الزاي والياء، {قَتْلَ} بنصب اللام {أَوْلادِهِمْ} بالخفض {شُرَكَاؤُهُمْ} بالرفع.
[الموضح: 507]
والوجه أن الشركاء على هذا فاعل {زَيَّنَ}، {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ} منصوب بأنه مفعول {زَيَّنَ}، والتقدير: زين لكثير من المشركين شركاؤهم قتل أولادهم، فأخر الفاعل وقدم المفعول به، وهذا هو الأشهر.
ويجوز أن يكون زين فعل الشيطان، والمعنى كما زين الشيطان للكفار عبادة الأصنام وبخس حق الله وتوفير ما جعلوه للأصنام، فكذلك زين لكثير منهم وأد البنات وقتل البنين للنذور، فقوله على هذا {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} على إعمال المصدر عمل الفعل، و{شُرَكَاؤُهُمْ} فاعل المصدر الذي هو القتل و{أَوْلادِهِمْ} مفعول به أضاف المصدر إليه، والتقدير: أن قتل شركاؤهم أولادهم، كما تقول: عجبت من ضرب عمرو زيد، أي من أن ضرب عمرًا زيد، أضفت المصدر إلى المفعول به، كما تضيفه إلى الفاعل، والشركاء على ما قيل قوم كانوا يخدمون الأصنام). [الموضح: 508]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس