عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:21 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

[فصل] في الاستفهامين إذا اجتمعا
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : ( [فصل] في الاستفهامين إذا اجتمعا
نحو قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ... إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ}، {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا}، {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا}، {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ أَإِذَا} وما أشبهها.
[الموضح: 536]
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة بالاستفهامين، إلا في سورة العنكبوت {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}فإن ابن كثير وعاصمًا -ص- يجعلانه خبرًا، و-ص- زاد في الأعراف {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} فجعلها خبرًا.
والوجه أن كل واحد من الاستفهامين كلام مستقل لا حاجة لأحير الكلامين إلى الآخر، فمن ألحق حرف الاستفهام جعل الكلام استخبارًا، ومن لم يلحقها جعله خبرًا.
ويجوز أن يكون على معنى الإخبار وإن كان على لفظ الاستفهام، وذلك في قوله تعالي {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} يجعل تفسيرًا للفاحشة، كما أن قوله تعالى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} تفسيرًا للوصية.
وأما قوله تعالى {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا}، فليس مثل ما قدمناه؛ لأن الاستفهامين هناك قد استقلا وليس كذلك ههنا، فإن {إِذَا} من قوله {أَإِذَا كُنَّا} ظرف من الزمان يقتضي أن يكون متعلقًا بشيء، وليس في الكلام ما يصح أن يتعلق به، فهو إذًا يتعلق بمحذوف، والتقدير: أنبعث أو ونحشر إذا
[الموضح: 537]
كنا ترابًا، فحذف الفعل من اللفظ؛ لأن قوله {إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} يدل عليه، وكذلك قوله {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} قوله {إِذَا} متعلق بفعل مضمر يدل عليه قوله {إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي أيجدد خلقنا إذا كنا ترابًا، وقوله {إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} يدل عليه، ولا يعمل فيه {جَدِيدٍ}؛ لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها.
وأما قوله {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَإِذَا} بالاستفهام في إذا، فلا بد من إضمار فعل يتعلق بإذا، وهو ما يدل عليه {مَرْدُودُونَ}، كأنه قال: أنرد في الحافرة إذا كنا. ومن حذف الاستفهام من إذا فقرأ {لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ إِذَا} بغير استفهام، فإذا يتعلق بمردودون عنده.
ووجه الذي في العنكبوت كوجه الذي في الأعراف، فمن جمع بين الاستفهامين؛ فلإن كل واحدة من الجملتين مستقلة بنفسها، ومن اقتصر من الاستفهامين على واحد؛ فلأنه نقل إحدى الجملتين من الخبر إلى الاستخبار، وأبقى الأخرى على أصلها.
ونافع والكسائي ويعقوب يستفهمون بالأولى منهما في جميع القرآن، ويجعلون الثانية خبرًا إلا في ثلاثة مواضع:
أحدها: في الأعراف {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ}، (فنافع)بكسر الألف جعله خبرًا، والكسائي ويعقوب يستفهمان بهما.
والثاني: في النمل {إِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا} فنافع يستفهم بالثانية ويجعل الأولى خبرًا، وقرأ الكسائي على استفهام الأولى وجعل الثانية خبرًا وبإثبات النونين، واستفهم يعقوب بهما.
والثالث: في العنكبوت، فنافع ويعقوب يستفهمان بالثانية ويجعلان الأولى {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} خبرًا، واستفهم الكسائي بهما جميعًا.
[الموضح: 538]
وأما ابن عامر فإنه كان يستفهم بالثانية ويجعل الأولى خبرًا، إلا في أربعة مواضع: أحدها: في الأعراف {أَئِنّكم}، وفي الواقعة {أَئِذا} استفهم بهما جميعًا، وفي النمل والنازعات استفهم بالأولى فيهما وجعل الثانية خبرًا.
والوجه قد تقدم، إلا أن الكلام الأول إذا دخل عليه الاستفهام وأظهر حرفه فيه وحذف من الثاني وأريد معناه كان أحسن؛ لأنه يدل على الاستفهام بالكلام الأول، ومن استفهم بالثاني وترك الأول على الخبر، أن الدليل المذكور بعد كالدليل المذكور قبل، فإذا ذكر الاستفهام بعد كان دالاً على إرادته فيما قبل، ألا ترى أن قوله تعالى {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ}، تقديره: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون خيرا لهم، فأضمر البخل لدلالة ما بعده، وهو قوله {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} عليه.
ثم اختلفوا في الهمز فيها:
فابن عامر والكوفيون ويعقوب -ح- يهمزون ذلك كله بهمزتين.
والوجه أنه على الأصل من تحقيق الهمز؛ لأن الأصل في الهمزة أن تكون محققة ولا تكون مخففة، وقد اجتمعت همزتان، فاختار هؤلاء تحققهما على الأصل.
وكان ابن كثير ونافع -ش- ويعقوب -يس- يهمزون الجميع بهمزة واحدة مقصورة ويلينون الثانية.
والوجه أنه لما اجتمعت الهمزتان خففت الثانية منهما، وتخفيفها أن تجعل بين بين، أعني بين الهمزة والياء ههنا، وإنما هذا التخفيف لاستثقال اجتماع الهمزتين.
[الموضح: 539]
وعن ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي أيضا أنهم قرءوا بتحقيق الهمزتين وإدخال ألف بينهما.
والوجه أن ذلك لكراهة اجتماع الهمزتين أيضًا، أدخلوا بينهما ألفًا ليفصلوا بينهما به، فلا تجتمع الهمزتان.
وكان -ن و-يل- عن نافع وأبو عمرو يدخلون بين الهمزتين ألفًا مع تخفيف الثانية منهما.
والوجه أنه لما أدخل بين الهمزتين ألف كراهة اجتماع الهمزتين خففت الثانية كما خففت إذا لم يفصل بينهما بالألف؛ لأن الهمزة المخففة في حكم المحققة، فشأنها في حال التخفيف كشأنها في حال التحقيق، فكما فصل بالألف مع التحقيق، فكذلك فصل مع التخفيف، وقد سبق مثله). [الموضح: 540]


رد مع اقتباس