عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:19 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل العاشر: في الوقف
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل العاشر: في الوقف
اعلم أن الوقف هو: سكون يلحق آخر الكلمة استراحة عن الكلال الذي يلحق من تتابع حروفها وحركاتها.
ولهذا يكون الوقف في آخر الكلمة دون غيره.
وآخر الكلمة الموقوف عليها إذا كان اسمًا صحيحًا معربًا، لا يخلو من أن تكون حركته رفعًا أو نصبًا أو جرًا.
فالاسم المرفوع يكون في الوقف على أربعة أضرب:
أحدها: السكون نحو: هذا خالد وفرج، وعلامته: خاء فوق الحرف المسكن أرادوا به الإبانة عن أنه خفف، وربما عملوا دائرة صغيرة أرادوا بها
[الموضح: 215]
أن الحركات تدور على هذا الحرف، وإنما تدور عليه الحركات الثلاث إذا كان ساكنًا.
هذا الضرب أعني السكون هو الأصل في الوقف، وليس فيه تعرض للدلالة على الحركة.
والثاني: الإشمام: وهو أن تضم شفيتك عند إسكان الحرف وتهيئهما للفظ بالضمة لكن لست تتبعه صوتًا، وإنما يدركه البصير دون الأعمى؛ لأنه يتعلق بالبصر إذ هو صورة مرئية وليس بصوتٍ، فلا يكون للأعمى فيه حظ.
وعلامة الإشمام في الخط نقطة، يريدون أنها تهيؤ للحركة، فهو أول أحوال التلفظ بالحركة، كما أن النقطة أول الخط.
والثالث: الروم: هو أن تتبع الحرف بعد إسكانه صوتًا ضعيفًا يسمع، فهو كحركة ضعيفة من غير إشباع، وفيه حظ للأعمى؛ لأنه مدرك بحاسة السمع. وعلامة الروم في الكتابة خط بين يدي الحرف-، وأرادوا بهذا الخط المدة؛ لأن الروم صوت فهو أزيد من التهيؤ للصوت، فلذلك زادوا على النقطة حتى جعلوها خطًا.
هذا مذهب سيبويه في الإشمام والروم.
وذهب الكوفيون ومن تابعهم إلى أن الإشمام هو الصوت، وهو الذي يُسمع؛ لأنه عندهم بعض حركة، والروم هو الذي لا يسمع، لأنه روم الحركة من غير تفوه به.
والأول هو المشهور عند أهل العربية.
وإنما أرادت العرب بالإشمام والروم الدلالة على الحركة الموجودة
[الموضح: 216]
(التي) كانت قبل الوقف، فإن التمييز بين الوصل والوقف يحصل بالسكون.
والرابع: التضعيف، وهو أن تشدد آخر الكلمة فتقف عليه بالتشديد نحو: هذا فرج.
وهذا القسم أبلغ في البيان من الذي تقدم؛ لأنه قد زيد فيه حرفٌ من اللذين أدغم أحدهم في الآخر، والحرف أزيد لفظًا من تهيؤ اللفظ بالحركة ومن طلب النطق بالصوت المسموع، فلذلك صار أشد إبانة عن وجود الحركة من الإشمام والروم، إلا أنه ليس بإشارة إلى الحركة، بل هو تعويضٌ عنها، فكأنهم جعلوا أحد الحرفين في المشدد عوضًا عما زال من الحركة بالوقف.
وهذا التضعيف في الموقوف عليه إنما يكون فيما قبل آخره متحركًا من الأسماء نحو: فرج وخالدٌ، فأما الذي يكون ما قبل آخره ساكنًا فلا يقع فيه التضعيف حالة الوقف؛ لأنه لو وقع لاجتمع في الكلمة ثلاث سواكن، وهذا مما لا يقع في كلامهم. وعلامة التضعيف شين فوق الحرف ش- أرادوا به أنه مشدّد.
وأما المجرور فهو مثل المرفوع في الوقف، إلا أن الإشمام لا يكون فيه؛ لأن الإشمام تهيؤ اللفظ بالضمة وضم الشفتين استعدادًا لإخراج ما كان من جنس الواو، وهذا لا يمكن مع الإشارة إلى الكسرة، لكن الروم يقع في
[الموضح: 217]
المجرور؛ لأنه صوت فيمكن إخراجه مع الإشارة إلى الكسرة، ومن جعل الإشمام هو الذي يسمع، والروم هو طلب الحركة من غير نطقٍ، فإنه يجوز في المجرور الإشمام ويمنع الروم، على العكس مما ذكرناه.
وأما المنصوب فإن كان منصرفًا ولا لام فيه للتعريف، فإنه يبدل من التنوين فيه الألف نحو: ركبت فرسًا ورأيت فرجًا، وإن لم يكن منصرفًا أو كان فيه لام التعريف فإنه يوقف عليه بالسكون نحو: رأيت زينب وركبت الفرس.
وليس في المنصوب إشمام ولا روم، وإنما لم يدخلا فيه؛ لأن حالة النصب يقع فيها في الأغلب ألف في بدل عن التنوين، وذلك إذا كان الاسم منونًا فيظهر مع الألف الحركة التي هي الفتحة، ولا تزول في حال الوقف.
وبعض الناس يجيز الروم في المنصوب إذا كان غير منون.
وإن كان الموقوف عليه ما قبل آخره ساكنٌ، فإنهم يجوزون فيه حالة الوقف نقل حركة الإعراب إلى الساكن الذي قبل آخره في الرفع والجر دون النصب، فيقولون: هذا بكر ومررت ببكر، والأصل: بكر وبكرٍ، فنقلت حركة الراء إلى الكاف، وأما في النصب فلا ينقلونها؛ لأن الحركة غير زائلة حالة النصب في الاسم المنون.
وإن كان آخر الاسم تاء التأنيث، وكان الاسم موحدًا، أبدل من التاء في حال الوقف هاءً في الرفع والنصب والجر، تقول: هذه رحمة ونعمة و"جاعل في الأرض خليفة" وإنما أبدل فرقًا بين تاء الأصل وتاء التأنيث على ما ذكره سيبويه.
[الموضح: 218]
وخُص الهاء بالإبدال عن التاء؛ لأن كل واحد منهما من حروف الزيادة، وكل واحد منهما قد يلحقه التغيير والحذف، ألا ترى أن التاء قد يأتي عليها القلب في نحو: مصطبر ومضطغن ومدّكر، ويأتي عليه الحذف أيضًا في نحو: السه، والأصل: الستة، وكذلك الهاء قد يأتي عليه القلبُ في نحو: أهل تقلب الهاء منه همزة ثم تقلب الهمزة ألفًا فقول: آل، ويأتي عليه الحذف أيضًا في نحو: شفةٍ وسنةٍ، والأصل: شفهة وسنهة بدليل: الشفاه وسنة سنهاء، فلما اشترك التاء والهاء في الزيادة والقلب والحذف أبدل الهاء من التاء في حال الوقف.
وعند الكوفيين أن الهاء هو الأصل ثبت في الوقف هاء وأُبدل منه في الوصل التاء، وهذا فاسدٌ؛ لأن الوصل مما تجري فيه الأشياء على أصولها، والوقف موضع تغيير، فادّعاء الشيء أنه أصل في حال الوقف ومغير في حال الوصل خلاف القياس، على أن من العرب من يجري الوقف مجرى الوصل، فتقول: هذا طلحت وعليه السلام والرحمت، قال الشاعر:
2- دار لسلمى بعد حولٍ قد عفت = بل جوز تيهاء كظهر الحجفت
وقال آخر:
[الموضح: 219]
3- الله نجاك بكفي مسلمت = من بعد ما وبعد ما وبعد مت
وإن كان التاء في الجمع المؤنث نحو: مسلماتٍ وصلواتٍ لم تبدل منه في الوقف شيئًا بأن تثبته تاءً فيه، وإنما لم تبدل من التاء في الجمع الهاء لئلا يلتبس الجمع بالواحد في: بناتٍ وحصاةٍ، وأيضًا فإن الهاء حرف هوائي قريبٌ من الألف فيثقل وقوعها بعد الألف، ألا ترى أنك تقلب الهاء همزة في نحو: شاءٍ وماءٍ، لما وقعت بعد الألف، فلهذا لم تقلب التاء هاءً في الجمع حالة الوقف.
فهذه أحكام الوقف في الأسماء الصحيحة.
فأما الوقف على ما كان آخره الهمزة أو حرف العلة، فسنبين أحكامه إذا ورد في أُناء الكتاب بمشيئة الله تعالى وعونه). [الموضح: 220]


رد مع اقتباس