عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 05:25 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (60) إلى الآية (64) ]
{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}

قوله تعالى: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)}

قوله تعالى: {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيسحتكم بعذابٍ (61)
[معاني القراءات وعللها: 2/147]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (فيسحتكم) بفتح الباء من (سحته).
وقرأ الباقون (فيسحتكم) من (أسحت).
قال أبو منصور: هما لغتان: سحته وأسحته، إذا استأصله.
وقال الفرزدق:
وعضّ زمانٍ يا بن مروان لم يدع... من المال إلا مسحتاً أو مجلّف.
هكذا.
وأنشد الفراء، وقال: رفع (مجلّف) بإضمار (كذلك)، كأنه قال: أو مجلّف كذلك.
وروى غيره (إلا مسحتٌ أو مجلّف)، وجعل معنى لم يدع: لم يتقار ولم يبق). [معاني القراءات وعللها: 2/148]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {فيسحتكم بعذاب} [61].
قرأ حمزة، ووالكسائي، وحفص عن عاصمٍ {فيسحتكم} بضم الياء.
والباقون بالفتح. وهما لغتان سحت وأسحت: إذا استأصل يقال أسحت الجازر قلعة المعدن؛ قال الفرزدق:-
وعض زمانٍ يا ابن مروان لم يدع = من المال إلا مسحتًا أو مجلف
وينشد «مسحت» بالرفع فمن رفع. قال «لم يدع» بمعنى لم يبق. ومن نصب. قال: «أو مجلف» كذلك، ويروى: «إلا مسحتًا أو يجلف».
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/34]
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء عن أبي جعفر الرؤاسى قال: اجتاز الفرزدق بعبد الله بن أبي إسحق النحوي، فقال له: يا أبا فراس علام رفعت «إلا مسحتًا أو مجلف»؟ قال على مايسوؤك وينوؤك.
وفي غير هذا إنه قال يهجوه:
فلو كان عبد الله مولى هجوته = ولكن عبد الله مولى مواليا
وقيل له: وجب أن يقول: مولى موال مثل جوارٍ وغواش. فقال:
سلوا عن علة ذلك الذي يجر خصييه، يعني: ابن أبي إسحق. وكان أبو حاضرٍ النحوي عنده، فقال له: لحنت يا أبا فراس. قال: والله لأهجونك ببيتٍ يستشهد به إلى يوم القيامة.
أبا حاضرٍ من يزن يعرف زناؤه = ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرًا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/35]
فمد الزنا، وهو مقصور. والنجويون جعلوه شاهدًا لما ذكرنا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/36]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضم الياء وفتحها من قوله عز وجل فيسحتكم [طه/ 61].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر: (فيسحتكم) بفتح الياء من يسحت.
وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: فيسحتكم بضم الياء من أسحت، وكسر الحاء.
[الحجة للقراء السبعة: 5/228]
أبو عبيدة: يسحتكم: يهلككم قال: وبنو تميم يقولون:
يسحتكم، وأنشد:
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع... من المال إلا مسحتا أو مجلّف
وفسر لم يدع: لم يبق، وقال أبو الحسن نحو ذلك، أبو عثمان: سحت وأسحت نحو قول أبي عبيدة). [الحجة للقراء السبعة: 5/229]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {فيسحتكم} بضم الياء وكسر الحاء وقرأ الباقون بفتح الياء والحاء
قال الفراء هما لغتان يقال سحته وأسحته إذا استأصله وأهلكه). [حجة القراءات: 454]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {فيسحتكم} قرأه حفص وحمزة والكسائي بضم الياء، وكسر الحاء، وفتحها الباقون وهما لغتان، وحكى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/98]
أبو عبيدة والأخفش: سحته وأسحته، بمعنى، ومعنى {يستحكم} يسحقكم ويهلككم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/99]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {فَيُسْحِتَكُم}[آية/ 61] بضم الياء وكسر الحاء:
قرأها حمزة والكسائي وعاصم- ص- ويعقوب- يس-.
والوجه أنه من أسحته يسحته إسحاتًا: إذا استأصله، قال الفرزدق:
88- وعض زمان يا ابن مروان لم يدع =من المال إلا مسحتًا أو مجلف
فقوله: مسحت من أسحت.
وقرأ الباقون و- ياش- عن عاصم و- ح- عن يعقوب {فَيُسْحِتَكُم}بفتح الياء والحاء.
والوجه أنه من سحته يسحته سحتًا إذا استأصله، مثل أسحته، وسحت
[الموضح: 835]
أكثر اشتهاراً من أسحت). [الموضح: 836]

قوله تعالى: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)}

قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ هذان لساحران (63)
[معاني القراءات وعللها: 2/148]
قرأ ابن كثيرٍ (إن) خفيفة، (هذان) بالرفع وتشديد النون.
وقرأ حفص (إن هذان) بالرفع وتخفيف النون:
وقرأ أبو عمرو (إنّ) مشددة، (هذين) نصبًا باللغة العالية.
وقرأ الباقون (إنّ) بالتشديد، (هذان) بالرفع وتخفيف النون.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (إنّ هذين) وهي اللغة العالية التي يتكلم بها جماهير العرب إلا أنها مخالفة للمصحف، وكان أبو عمرو يذهب في مخالفته المصحف إلى قول عائشة وعثمان: إنه من غلط الكاتب فيه، وفي حروف أخر.
وأما من قرأ (إن هذان لساحران) بتخفيف (إن)، و(هذان) بالرفع فإنه ذهب إلى أن (إنّ) إذا خففت رفع ما بعدها، ولم ينصب بها، وتشديد النون من (هذانّ) لغة معروفة، وقرئ (فذانّك برهانان) على هذه اللغة.
والمعنى في قراءة (إن هذان لساحران): ما هذان إلا ساحران، بمعنى النفي، واللام في (لساحران) بمعنى: إلا وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.
[معاني القراءات وعللها: 2/149]
وأما قراءة العامّة (إنّ هذان لساحران) ففي صحته في العربية وجوه كلها حجة، منها: أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هي لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والخفض على لفظ واحد، كقولك: أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وقد أنشد الفراء بيتًا للمتلمّس حجة لهذه اللغة:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو يرى... مساغاً لناباه الشّجاع لصمّما
وقال أبو عبيد: ويروي للكسائي يقول: هي لغة لبلحارث بن كعب، وأنشد
تزوّد منّا بين أذناه ضربةً... دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال بعض النحويين في قوله (إنّ هذان لساحران) ها هنا هاء مضمرة، المعنى: إنّه هذان لساحران.
[معاني القراءات وعللها: 2/150]
وقال آخرون: (إنّ) بمعنى: نعم هذان لساحران، وقال ابن قيس الرقيّات:
ويقلن شيبٌ قد علا... ك وقد كبرت فقلت إنّه.
وقال أبو إسحاق الزجاج: أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت موقع (نعم)، وأن اللام وقعت موقعها، والمعنى: نعم هذان لهما ساحران.
قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحد.
قال: وأما قراءة أبي عمرو فإني لا أجيزها لمخالفتها المصحف، قال: ولما وجدت سبيلاً إلى موافقة المصحف لم أجز مخالفته؛ لأن اتباعه سنّة، سيما وأكثر القراء على اتباعه، ولكني أستحسن (إن هذان لساحران) وفيه إمامان: عاصم، والخليل. وموافقة أبيٍّ - رضي الله عنه). [معاني القراءات وعللها: 2/151]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {إن هذان لسحرن} [63].
فيه ست قراءاتٍ:
قرأ أبو عمرو وحدة {إن هذين} بالياء؛ لأن تثنية المنصوب، والمجرور بالياء في لغة فصحاء العرب، وأما من جعل تثنية المجرور والمنصوب بالألف فقالوا: جلست بين يداه، وأعطيت درهمان. فلغة شاذة، لا تدخل في القرآن، وهي لغة بلحرث بن كعب. قال الشاعر:
تزود منا بين أذناه ضربة = دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال أخر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/36]
طاروا علاهن فطر علاها
واشدد بمتني حقب حقواها
إن أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها
ناجية وناجيًا أباها
فلما كانت الكتابة في المصحف بالألف (إن هذان) حمله بعضهم على هذه اللغة.
وقال المبرد، وإسماعيل القاضي: أحسن ما قيل في هذا: أن يجعل «إن» بمعنى: «نعم»، والتقدير: نعم هذان لساحران. فيكون ابتداءً وخيرًا. قال الشاعر:
بكر العواذل بالضحي يلحينني والومهنة
ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه
وقرأ {إن هذان} عاصم في رواية أبي بكر، ونافع، وحمزة والكسائي وابن عامرٍ اتباعًا للمصحف. واحتجوا بما قدمت ذكره.
ولأبي عمرو حجة أخرى: وذلك أنه سمع حديث عثمان، وعائشة إنا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/37]
لنجد في مصاحفكم لحنًا، وستقيمه العرب بالسنتها.
فإن سأل سائل: كيف جاز لعثمان، وهو إمام أن يرى لحنًا في المصحف فلا يغيره؟
فالجواب: في ذلك:
أن اللحن على ثلاثة أودجه:-
فأحد ذلك أن تنصب الفاعل، وترفع المفعول، ونحو ذلك، فذلك لا يجوز في كلامٍ ولا قرآن، ولا غيره.
والوجه الثاني: أن يكون اللحن خروجًا من لغة إلى لغةٍ. فقول عثمان: نجد في مصاحفكم لحنًا، لم يرد اللحن الذي لا يجوز البتة، ولكنه أراد الخروج من لغةٍ إلى لغةٍ؛ لأن القرآن نزل بلغة قريش، لا بلغة بلحرث بن كعب. ألم تسمع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن ابن مسعودٍ يقرئ الناس بلغة هذيل {عتى حين} بالعين فكتب إليه: أما بعد، فإذا ورد عليك كتابي
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/38]
فأقرئ الناس بلغة هذا الحي من قريش. وكل قد ذهب مذهبًا، والحمد لله واجتهدوا.
والوجه الثالث: أن اللحن الفطنة، وقد فسر في غير هذا الموضع.
والقراءة الثالثة: {إن هذان لسحرن} بتخفيف «أن» قرأ بذلك حفص عن عاصمٍ. جعل «إن» جحدًا، ما هذان لساحران.
والقراءة الرابعة {إن هذان} بتخفيف «إن»، وتشديد نون التثنية، وهي قراءة ابن كثيرٍ وحفص وقد ذكرت علة تشديد النون في (النساء).
والقراءة الخامسة: أن أبيا قرأ: (إن ذان إلا ساحران) وهذا يقوى قراءة حفص وابن كثيرٍ.
والقراءة السادسة: أن ابن مسعودٍ قرأ: {إن هذان سحرن} بغير
فإن سأل سائل فقال: قد أجزت أن تجعل «إن» بمعنى «نعم».
ولا يدخل اللام بين المبتدأ وخبره. ولا يقال: زيد لقائم. فما وجه قوله:
{إن هذان}.
فالجواب في ذلك: أن من العرب من يدخل لام التأكيد في خبر المبتدأ.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/39]
فيقول زيد لأخوك. وهي لغة مستقيمة، قال الشاعر:-
خالي لأنت ومن جرير خاله = ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقال آخر:
أم الحليس لعجوز شهربه = ترضي من اللحم بعظم الرقبه
وفيه وجه أحسن من هذا كله، وذلك: أن جعفر بن محمد سئل عن {إن هذان}. فقال: إن فرعون كان لحنة قبطيا. فقال: إن هذان فحكي الله لفظه. ويخطئ هذا التوجيه أن فرعون لم يتكلم العربية... وكيف يغيب هذا عن شيخنا؟!). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/40]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: إن هذين [طه/ 63] في تشديد النون وتخفيفها.
فقرأ ابن عامر ونافع وحمزة والكسائي: (إنّ) مشدّدة النون.
هذان بألف خفيفة النون من هذان.
وقرأ ابن كثير (إن هذانّ) بتشديد نون (هذانّ) وتخفيف نون (إنّ).
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر (إنّ هذان) نون إنّ مشدّدة، وروى حفص عن عاصم إن ساكنة النون وهي مثل قراءة ابن كثير، وهذان خفيفة.
وقرأ أبو عمرو وحده (إنّ) مشدّدة النون (هذين) بالياء.
[الحجة للقراء السبعة: 5/229]
قال قائلون: (إنّ) في قوله: (إنّ هذان لساحران) بمعنى: أجل، وأن تكون (إنّ) للتأكيد والناصبة للاسم أشبه بما قبل الكلام وما بعده، فأما قبل فقوله: فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى [طه/ 62] فالتنازع إنما هو في أمر موسى وهارون، هل هما ساحران على ما ظنوه من أمرهما، وقد تقدم من قولهم ما نسبوهما فيه إلى السحر، وهو قولهم: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فهذا وإن لم يتقدمه سؤال عن سحرهم كما تقدم السّؤال مثل قوله: قالوا نعم وهو قوله: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم [الأعراف/ 44] فقد تقدم أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فيكون نعم منصرفا إلى تصديق أنفسهم فيما ادّعوه من السحر و (إن) بمنزلة نعم.
وقال: قد قال سيبويه: نعم عدة وتصديق، وأن تصرف إلى الناصبة للاسم أولى. قال الجرميّ: هو قراءة أبي عمرو وعيسى وعمرو بن عبيد وقوله: يريدان أن يخرجاكم إلى آخر الكلام، أن يكون تأكيدا لأنهما ساحران أشبه بالكلام فإن حمله على التصديق ضرب من التأكيد فإن حملت (إنّ) على أنّه بمعنى نعم بقي الكلام: هذان لساحران، فتحصل لام الابتداء داخلة على خبر المبتدأ، وهذا قد قال النحويون فيه: إنّه يجوز في الشعر على الضرورة، فإن قلت: أقدر الابتداء محذوفا، فإن هذا لا يتجه لأمرين: أحدهما: أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع من أن يستمر هذا التأويل فيه، ولم يحملوه مع ذلك عليه. والآخر: أن التأكيد باللام لا يليق به الحذف، ألا ترى أن الأوجه في الرتبة أن يتم الكلام ولا يحذف، ثم يؤكّد فأما أن
[الحجة للقراء السبعة: 5/230]
يحذف ثم يؤكّد، فليس باللائق في التقدير، ووجه قول من قال: إن ذان، وإن هذان مخفف (إن): أنّ إنّ إذا خفّفت لم يكن النصب بها كثيرا، وكان الأوجه أن يرفع الاسم بعدها، والدليل على ذلك كثرة وقوع الفعل بعدها في نحو: إن كاد ليضلنا [الفرقان/ 42] وإن كانوا ليقولون [الصافات/ 167] وإن كنا عن دراستهم لغافلين [الأنعام/ 156]، وإذا كان الأوجه الرفع بعدها رفع هذان بعدها، وأدى مع ذلك خطّ المصحف، ومن زعم أنّ هذان في الآية الألف التي فيه الألف التي كانت في هذا، ليس إلا ألف التي جلبته التثنية، فإن الأمر لو كان على ما زعم لم تنقلب هذه الألف في تثنيته، كما أن الألف التي في هذا لا تنقلب على حال، وفي كون هذه الألف مرّة ياء، ومرة ألفا دلالة على أنه كسائر التثنية، ولا فصل بين هذا وبين غيره من الأسماء المعربة، وذلك أن هذه الأسماء في الانفراد إنما بنيت لمشابهتها الحروف، فإذا ثنيت زال بالثنية مشابهتها للحروف، من حيث لم تثنّ الحروف فتصير كسائر الأسماء المعربة، ويدلّ على أن هذه الألف للتثنية أن التي كانت في الواحد قد حذفت، كما حذفت الياء من التي والذي إذا قلت: اللتان واللذان، فالياء التي كانت في الاسم قد حذفت وجيء بالتي للتثنية. ومثل حذف هذه الألف حذف الألف من أولات ومن ذوات ومن هيهات، هذه كلّها حذفت فيها الألف والياء لقلة تمكّنها، فكذلك تحذف من قولهم: هذا، ألفه، وتلحق التي تكون علما للتثنية، ومن ثم انقلبت مرّة ياء ومرة ألفا، والتي تثبت في الواحد لا يتعاورها القلب، ولا تزول عن أن تكون ألفا، وقال أبو الحسن: إن هذان لساحران بتخفيف إن لأن الكتاب: هذان فيحملها على لغة من يخفّف إنّ فيرفع بها، وإن ثقلت فهي لغة لبني الحارث بن كعب
[الحجة للقراء السبعة: 5/231]
يرفعون الاثنين في كل موضع قال: فأيّ التفسيرين فسرت فهو جيد). [الحجة للقراء السبعة: 5/232]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا إن هذان لساحران} 63
قرأ أبو عمرو (إن هذين) بالياء لأن تثنية المنصوب والمجرور بالياء في لغة فصحاء العرب وأبو عمرو مستغن عن إقامة دليل على صحّتها كما أن القارئ في قول الله جلّ وعز {قال رجلان من الّذين يخافون} مستغن عن الاحتجاج على منازعه إن نازعه في صحة قراءته
وقرأ الباقون {إن هذان لساحران} بالألف وحجتهم أنّها مكتوبة هكذا في الإمام مصحف عثمان وهذا الحرف في كتاب الله مشكل على أهل اللّغة وقد كثر اختلافهم في تفسيره ونحن نذكر جميع ما قال النحويون فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس رؤساء الرواة أنّها لغة كنانة يجعلون ألف الاثنين في الرّفع والنّصب والخفض على لفظ واحد يقولون أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان قال الشّاعر
تزود منا بين أذناه ضربة ... دعته إلى هابي التّراب عقيم
[حجة القراءات: 454]
قال الزّجاج وقال النحويون القدماء ها هنا هاء مضمرة والمعنى إنّه هذان لساحران كما تقول إنّه زيد منطلق ثمّ تقول إن زيد منطلق وقال المبرد أحسن ما قيل في هذا أن يجعل إن بمعنى نعم المعنى نعم هذان لساحران فيكون ابتداء وخبرا قال الشّاعر:
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنّه
أي نعم فإن قيل اللّام لا تدخل بين المبتدأ وخبره لا يقال زيد لقائم فما وجه هذان لساحران
الجواب في ذلك أن من العرب من يدخل لام التوكيد في خبر المبتدأ فيقول زيد لأخوك قال الشّاعر:
خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقال الزّجاج المعنى نعم هذان لساحران وقال قطرب يجوز أن يكون المعنى أجل فيكون المعنى والله أعلم {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النّجوى} قالوا أجل تصديقًا من بعضهم لبعض ثمّ قالوا {هذان لساحران} ويجوز أن يكون اللّام داخلة في الخبر على التوكيد
[حجة القراءات: 455]
وقال الفراء في {هذان} إنّهم زادوا فيها النّون في التّثنية وتركوها على حالها في الرّفع والنّصب والجر كما فعلوا في الّذي فقالوا الّذين في الرّفع والنّصب والجر
وقرأ حفص {إن هذان} بتخفف {إن} جعل إن بمعنى ما واللّام بمعنى إلّا التّقدير ما هذان إلّا ساحران
وقرأ ابن كثير {إن} بالتّخفيف {هذان} بالتّشديد و{إن} تكون أيضا بمعنى ما والأصل في هذان: هذا ان فحذف الألف وجعل التّشديد عوضا من الألف المحذوفة الّتي كانت في هذا ومن العرب من إذا حذف عوض ومنهم من إذا حذف لم يعوض فمن عوض آثر تمام الكلمة ومن لم يعوض آثر التّخفيف ومثل ذلك في تصغير مغتسل منهم من يقول مغيسل فلم يعوض ومنهم من يقول مغيسيل فعوض من التّاء ياء). [حجة القراءات: 456]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {قالوا إن هذان} قرأ ابن كثير وحفص: {قالوا إن} بتخفيف {إن}، وشدد الباقون، وقرأ أبو عمرو «هذين» بالياء، وقرأ الباقون بالألف.
وحجة من خفف أنه لما رأى القراءة وخط المصحف في {هذان} بالألف أراد أن يحتاط بالإعراب، فخفف {إن} ليحسن الرفع بعدها على الابتداء؛ لأن {إن} إذا خففت حسن رفع ما بعدها على الابتداء لنقصها عن شبه الفعل، ولأنها لم تقو قوة الفعل، فتعمل ناقصة، كما يعمل الفعل ناقصًا، في نحو: لم يك زيد أخانا، ومنهم من يعملها، وهي مخففة، عملها وهي مشددة، فالذي خفف {إن} اجتمع له في قراءته موافقة الخط وصحة الإعراب في {هذان}.
13- وحجة من شدده أنه أتى بها على أصلها، فوافق الخط، وتأول في رفع {هذان} مما نذكره.
14- وحجة من قرأ {هذان} بألف مع تشديد {إن} أنه اتبع خط المصحف، وأجرى {هذان} في النصب بألف على لغة لبني الحارث بن كعب، يلفظون بالمثنى بألف على كل حال، وأنشد النحويون في ذلك قول الشاعر:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/99]
= تزود منا بين أذناه طعنة =
فأتى بالألف في موضع الخفض، وقد قيل: إنما أتى {هذان} بألف على لغة من جعل {إن} بمعنى «نعم» فيرتفع ما بعدها بالابتداء، واستبعد ذلك بعض النحويين لدخول اللام في {لساحران} واللام إنما حقها أن تدخل في الابتداء دون الخبر، وإنما تدخل في الخبر إذا علمت {إن} في الاسم لما لم يظهر فيه الإعراب في الواحد والجمع أجريت التثنية على ذلك، فأتى بالألف على كل وجه من الإعراب، كما كان في الواحد والجمع.
15- وحجة من قرأ بالياء أنه أعمل {إن} في {هذان} فنصبته، وهي اللغة المشهورة المستعملة، لكنه خالف الخلط فضعف لذلك، وقد ذكرنا أن ابن كثير يشدد النون من {هذان} وذكرنا علته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/100]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {إنْ}بتشديد النون {هَذَينِ}بالياء [آية/ 63]:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه فيها بين، وهو أن {إنْ}هي المؤكدة الناصبة للاسم، الرافعة للخبر، و{هَذَينِ}اسمها، و{لَسَاحِرَانِ}خبرها، واللام هي لام التأكيد التي تدخل على خبر إن، وهي التي تسمى لام الابتداء.
وقرأ الباقون إلا ابن كثير و- ص- عن عاصم {إنْ}بتشديد النون، {هَذَانِ}بالألف وبتخفيف النون.
والوجه في ألف {هَذَانِ}قد ذكر فيها أقوال:
أحدها: أن يكون على لغة بني الحارث بن كعب؛ وذلك أن التثنية عندهم في الأحوال الثلاثة بالألف، يقولون: هذان أخواك ورأيت أخواك ومررت بأخواك، قال الشاعر:
89- كأن صريف ناباه إذا ما= أمرهما ترنم أخطبان
[الموضح: 836]
أراد: نابيه واخطبين، وقال آخر:
90- تزود منا بين أذناه ضربة =دعته إلى هابي التراب عقيم
أراد أذنيه، وقال الآخر:
91- إن أباها وأبا أباها= قد بلغا في المجد غايتاها
أراد غايتيها، وأما: أباها فإنه أجراها مجرى عصاها.
فقوله {هَذَانِ}ههنا في موضع نصب؛ لأن اسم {إنْ} و{لَسَاحِرَانِ}خبره، وحسن دخول اللام؛ لأنه في خبر إن.
والثاني: أن يكون {إنْ}بمعنى نعم، كما قال الشاعر:
[الموضح: 837]
92- بكر العواذل في الصبو= ح يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا = ك وقد كبرت فقلت إنه
أراد: نعم، فيكون {هَذَانِ}على هذا مبتدأ و{لَسَاحِرَانِ}خبره. ويضعف هذا الوجه من جهة دخول اللام في خبر المبتدأ، وهو إنما جاء في الشعر، قال:
93- خالي لأنت ومن جرير خاله =ينل العلاء ويكرم الأخوالا
أي: خالي أنت، فزاد اللام.
والثالث: أن يكون على إضمار الأمر أو الشأن، والتقدير: إنه هذان لساحران، أي إن الأمر أو الشأن هذان ساحران، فأضمر الأمر، كما أضمره الشاعر في قوله:
94- إن من لام في بني بنت حسا= ن ألمه وأعصه في الخطوب
أي: إن الأمر.
[الموضح: 838]
وعلى هذا يكون الأمر اسم {إنْ} و{هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}مبتدأٌ وخبره، وهما خبر {إنْ}.
وقد دخلت اللام ههنا أيضًا على خبر المبتدأ، وفيه من البعد ما ذكرناه.
والرابع: ما ذكره الزجاج وهو أنه على إضمار الأمر كما سبق، إلا أن فيه إضماراً آخر، وهو أن التقدير: إن هذان لهما ساحران، فأضمر الشأن، كأنه قال: إنه هذان، فحذف الهاء، ثم أضمر مبتدأ، وهو: هما، فقال: لهما ساحران، فيكون اسم {إنْ}مضمراً وهو الأمر أو الشأن، و{هَذَانِ}مبتدأ، ولهما مبتدأ ثان، و{سَاحِرَانِ}خبر المبتدأ الثاني، والجملة أعني: لهما وساحران خبر المبتدأ الأول، وهو {هَذَانِ}، والكل خبر {إنْ}، واللام في هذا التقدير داخلة على المبتدأ، لا على الخبر، لكنه لما حذف المبتدأ الذي هو هما انتقل اللام إلى خبره وهو ساحران.
وهذا الوجه لم يرتضه أبو علي، وقال: اللام يدل على التأكيد، والمؤكد لا يليق به الحذف؛ لأن الحذف ضد التأكيد.
والخامس: أن يكون ألف {هَذَانِ}ألف الأصل، أعني ألف هذا، وحذفت ألف التثنية؛ لأنها اجتمعت مع ألف هذا، فحذفت لالتقاء الساكنين، وإنما حذفت ألف التثنية؛ لأن النون ههنا لازم لا يسقط، فصار دليل التثنية، ودخول اللام في {لَسَاحِرَانِ}على هذا حسنٌ؛ لأنها دخلت على خبر {إنْ}، وزيف أبو علي هذا الوجه، وقال: لما ثنيت هذا، صارت وإن كانت مبنية كالأسماء المعربة، فينبغي أن يكون تثنية هذا كتثنيتها، لا فرق؛ لأنها ثنيت زالت مشابهتها للحروف؛ لأن الحروف لا تثنى.
[الموضح: 839]
والسادس: أن تكون ها من قوله {إنْ هَذَانِ}ليست للتنبيه، بل هي ضمير القصة، وهي منفصلة من: ذان، ومتصلة بأن، والتقدير: إنها ذان لساحران، أي أن القصة ذان لساحران، فيكون الضمير ضمير القصة، وهو اسم إن، وذان مبتدأ، ولساحران خبره، وهما جميعًا خبر إن، والقول في اللام على ما سبق من الزيادة.
وهذا الوجه ضعيف؛ لأنه خلاف المصحف.
قرأ ابن كثير و- ص- عن عاصم {إنْ}بالتخفيف {هَذَانِ}بالألف والنون، وخفف- ص- النون من {هَذَانِ}، وشددها ابن كثير.
ووجه تخفيف النون من {إنْ}أن {إنْ}هي المخففة من الثقيلة، وهي إذا خففت أضمر الشأن أو الأمر بعدها في الأغلب، ولهذا يكون ما بعدها رفعًا، وقلما تعمل إن مخففة إلا في شعر.
والوجه في تشديد ابن كثير نون {هَذَانِ}هو أنه جعل التشديد عوضًا من ألف هذا التي حذفت لالتقائها مع ألف التثنية، فلما حذفت عوض منها نون فأدغمت في نون التثنية، وقد سبق ذلك في سورة النساء.
وأما وجه تخفيف نون {هَذَانِ}فظاهر؛ لأنه نون التثنية). [الموضح: 840]

قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأجمعوا كيدكم (64)
قرأ أبو عمرو وحده (فاجمعوا كيدكم) بالوصل وفتح الميم، من (جمعت).
وقرأ الباقون (فأجمعوا) بألف القطع، من (أجمعت).
[معاني القراءات وعللها: 2/151]
قال الفراء: من قرأ (فأجمعوا كيدكم) فإن الإجماع: الإحكام والعزيمة على الشيء، تقول: أجمعت الخروج، وأجمعت على الخروج - وأنشد:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع... هل أغدون يوماً وأمري مجمع
أي: أحكم وعزم عليه.
قال: ومن قرأ (فاجمعوا كيدكم) فمعناه: لا تدعوا من كيدكم شيئًا إلا جئتم به). [معاني القراءات وعللها: 2/152]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ثمّ ائتوا صفًّا (64)
روى خلف عن عبيد عن شبل (ثمّ) بكسر الميم (إيتو) بقطع الألف.
وروى عبيد عن شبل عن ابن كثير (ثمّ ايتوا) بفتح الميم، ثم يأتي بعدها يياء ساكنة.
قال ابن مجاهد: وهذا أشبه بالصواب؛ لأن ابن كثير أراد بلفظه هذا اتباع الكتاب؛ لأن الأصل في (ايتوا): إأتوا، بهمزتين: الأولى مكسورة، والثانية ساكنة، فصارت الهمزة الساكنة ياء لانكسار ألف الوصل التي قبلها: لأن ألف الوصل داخلة على ألف الأصل - ألا ترى أنك تقول: أتى زيد، يأتي فتجد الألف لا تبقى [...] وهي إحدى علامتي ألف الوصل، فإذا وصلت القراءة قلت:
[معاني القراءات وعللها: 2/152]
(ثمّ أتوا) أسقطت ألف الوصل الموجودة في الابتداء مكسورة، ورجعت همزة التي توجد ياء في [...]
وروي عن ابن كثير أيضًا أنه قرأ ((ثمّ ائتوا صفًّا) مثل سائر القراء.
قال أبو منصور: أما ما روى خلف عن عبيد، عن شبل (ثمّ إيتوا) بكسر الميم وقطع الألف فهو وهم؛ لأن معنى (آتوا): أعطوا، ولا معنى له ها هنا.
وأما ما روي لشبل عن ابن كثير (ثم ايتو) بياء ساكنة فقد احتج له ابن مجاهد بما احتج به، إلا أن ما احتج به مخالف اللفظ المروي عنه - والقراءة المختارة ما اتفق عليه القراء واختاره أهل اللغة (ثمّ ائتوا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/153]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {فأجمعوا كيدكم} [64].
قرأ أبو عمرو وحده:- {فأجمعوا} بالوصل وفتح الميم موصولاً من جمعت على معنى عزمت، يقال: جمعت الأمر، وأجمعت عليه. وأزمعت الأمر، ولا يقال أزمعت عليه، وعزمت على الأمر بمعنى واحد.
وقرأ الباقون، {فأجمعوا} بقطع الألف على تقدير: أجمعوا السحر والكيد. وقد ذكرت هذا الحرف بأبين من هذا في سورة (يونس) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/40]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {ثم ائتوا صفا} [64].
فيه ثلاث قراءات: اختيار السبعة، {ثم ايتوا} بهمزة ساكنةٍ في الدرج والهمزة. فاء لفعل. فإذا وقعت ابتدأت: إيتوا بكسر الهمزة، والهمزة ساكنة. تتقلب ياء لانكسار ما قبلها. والأصل إئتوا. فإجاز الكسائي أن يبتدأ بهمزتين. والاختيار إيتوا بتليين الثانية.
والقراءة الثانية، أن خلفًا روى عن عبيد عن شبل، عن ابن كثيرٍ، {ثم ايتوا} بكسر الميم.
قال ابن مجاهدٍ: ولا وجه له.
وله عندى وجه، وذلك أن حركة الميم في ثم [تكسر] لالتقاء الساكنين. والعرب تجيز في مثل هذا نحو فظ وثم ومد وغض ورز عليك قميصك ثلاثة أوجه:
مد، ومد، ومد. قال الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير = فلا كعبًا بلغت ولا كلابا
روى: «غض»، و«غض»، و«غض»، فكذلك لو قرئ، «ثم» و«ثم» و«ثم»، لكان صوابًا كما قرئ «أف» و«أف» و«أف».
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/41]
وروى القطعي عن شبلٍ، عن ابن كثيرٍ، {ثم يتوا صفا} يفتح الميم ويأتي بعدها بياء ساكنةٍ. وكان وجه ذلك أن الهمزة قلبها ياء كقولهم: قرأت، وقريت، وأرجأت الأمر، وأرجيت.
قال الأخفش: العرب تقلب الهمزة إذا أرادوا تخفيفها، وتحويلها ياء.
إلا قولهم: «رفأت الثوب». فإنهم إذا حولوا، قالوا: رفوت الثوب بالواو. ولم يذكر العلة، والعلة في ذلك: أن العرب يهمزون ما ليس أصله الهمز تشبيهًا بغيره، كقولهم: «حلات السويق». يشبهونه: بحلات الإبل عن الماء: إذا منعتها، فكذلك إذا تركوا الهمز في قرأت شبهوه بقريت الضيف، ولم يكن رفيت في كلام العرب فردوه إلى الواو؛ لأن العرب تقول، رفوت الرجل؛ إذا سكته. قال الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لا تدع = فقلت أنكرت الوجوه هم هم
وهذا حسن جدًا، فاعرفه.
وروى أبو زيد، رفوت، ورفيت، وهو ثقة.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/42]
فإن سأل سائل: هلا قلت في قرأت قروت، لأن العرب تقول، قروت الأرض إذا تتبعتها؟
فقل: لما اجتذبه أصلان، ياء، وواو، ردوه إلى الأخف، ألا ترى أن العرب تفر من الواو إلى الياء، ولا تفر من الياء إلى الواو. فيقولون: كف خضيب، ورجل جريح، وشيطان رجيم، والأصل: مخضوبه ومجروح ومرجوم، ولا يقولون في ظريف وكريم: ظروف وكروم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/43]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز الألف من قوله تعالى: فأجمعوا كيدكم [طه/ 64] في كسر الميم وإسقاط الألف وفتح الميم.
فقرأ أبو عمرو وحده (فاجمعوا) مفتوحة الميم من جمعت.
القطعيّ عن عبيد وهارون عن أبي عمرو: فأجمعوا ألف مقطوعة مثل حمزة.
وقرأ الباقون: فأجمعوا بقطع الألف وكسر الميم من أجمعت.
احتج أبو عمرو، زعموا، للقراءة بالوصل بقوله: فجمع كيده [طه/ 60] والفعل في الموضعين جميعا معدّى إلى الكيد. قال أبو الحسن، وإنما يقولون بالقطع إذا قالوا: أجمعنا على كذا وكذا، فأما إذا قالوا: أجمعوا أمركم، وأجمعوا كيدكم، فلا يقولون إلا بالوصل، قال: والقطع أكثر القراءة، قال: فأما أن يكون لغة في ذا المعنى لأن باب فعلت وأفعلت كثير، أو يكون أجمعوا أي: أجمعوا على كذا وكذا، ثم قال: كيدكم على أمر مستأنف، فإن قيل: فقد تقدّم ذكر قوله: فجمع كيده فإذا قالوا: فأجمعوا كيدكم، كان تكريرا، قيل: لا يكون كذلك، لأن ذاك في قصة وذا في أخرى، ذاك إخبار عن فرعون في جمعه كيده وسحره، وهذا فيما يتواصى به السحرة في جمع كيدهم، وما يستظهرون في المبالغة في سحرهم، ويشبه أن يكون ذلك على لغتين كما ظنه أبو الحسن كقول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 5/232]
وأنتم معشر زيد على مائة... فأجمعوا أمركم طرّا فكيدوني
فقوله: فأجمعوا أمركم بمنزلة: فأجمعوا كيدكم لأن كيدكم من أمركم.
قال: وروى القطعي عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: ثم ائتوا صفا [طه/ 64] بفتح الميم، ثم يأتي بياء بعدها ساكنة. وروى خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: (ثمّ ايتوا) بكسر الميم بغير همز، ثم يأتي بالياء التي بعدها تاء، وهذا غلط، لا تكسر الميم من ثمّ، وحظها الفتح، ولا وجه لكسرها، وإنما أراد ابن كثير أن يتّبع الكتاب فلفظ بالياء التي خلفت الهمزة بعد فتحة الميم. وروى الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد عن شبل عن ابن كثير:
ثم ايتوا صفا مفتوحة الميم وبعدها ياء. وكذلك روى محبوب عن إسماعيل المكي عن ابن كثير وهذا هو الصواب.
وروى النّبال وغيره عن ابن كثير: ثم ائتوا صفا مثل حمزة، وكذلك قرأ الباقون قول ابن كثير: (ثمّ ايتوا صفّا) بفتح الميم ثم يأتي بياء بعدها ساكنة، وجهه فيه أنه مثل قوله: (أيذا) كأنّه قلب الهمزة ياء بعد ما خفّفها بأن جعلها بين بين إلا أنه في هذا قلبها ياء، وإن لم يكن خففها، وهذا مثل ما حكاه سيبويه في المتصل بيس، وقد كان أبين من هذا أن يقلبها ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها، مثل: راس وفاس في
[الحجة للقراء السبعة: 5/233]
المتصل، فأمّا قوله: (ثمّ ايتوا صفا) فخطأ بيّن وأصل هذا أنك تقول:
أتى يأتي، فإذا أمرت منه قلت: ايت، تجتلب همزة الوصل لسكون الهمزة التي هي فاء فلزم أن تقلب الفاء ياء لاجتماع الهمزتين، فقلت: ايت، وإن وصلته بشيء سقطت همزة الوصل، فلا يخلو ما يتصل به من أن يكون ساكنا أو متحركا، فإن كان متحركا لم يخل من أن يكون ضمّة أو فتحة أو كسرة، فإن كانت ضمّة وخففت الهمزة قلبتها واوا، فقلت: يا زيد وت، وعلى هذا: (يا صالح وتنا) [الأعراف/ 77] وعلى هذا (ومنهم من يقول اوذن لي ولا) [التوبة/ 49] وإن كانت كسرة فخفّفت الهمزة قلت: يا غلام يت بكذا، فقلبتها ياء، وإن شئت حقّقت الهمزة فقلت: يا غلام ئت بكذا، كما حققت بعد الضمة من قولك يا زيد ؤت، وإن كانت فتحة قلبتها ألفا إذا خففت الهمزة فقلت: يا غلام ات، وإن شئت حقّقت الهمزة. وعلى قياس قراءة ابن كثير: يا غلام يت، فتقلبها ياء ولا تقلبها ألفا، والوجه ما عليه الجمهور والكثرة، وقد قال قوم فيما روى بعض البغداذيين في أتى يأتي: ت بكذا وكذا، وأنشد:
ت لي آل زيد وهذا على قياس من حذف الهمزة حذفا من حيث كان حرف علّة، كما حذف من: خذ، ومر، وكل، وليس ذلك بالكثير ولا المعروف، والوجه في الآية قراءة النّبال وغيره عن ابن كثير). [الحجة للقراء السبعة: 5/234]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأجمعوا كيدكم ثمّ ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى}
قرأ أبو عمرو {فأجمعوا كيدكم} بوصل الألف وفتح الميم أي جيئوا بكل كيد تقدرون عليه أي لا تدعوا منه شيئا إلّا جئتم به وهو من جمعت الشّيء أجمعه وحجته قوله تعالى قبلها {فجمع كيده}
وقرأ الباقون {فأجمعوا} بقطع الألف وكسر الميم أي أحكموا أمركم واعزموا عليه قال الشّاعر
[حجة القراءات: 456]
يا ليت شعري والمنى لا تنفع ... هل أغدون يومًا وأمري مجمع
يريد قد أحكم وعزم عليه). [حجة القراءات: 457]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {فأجمعوا كيدكم} قرأه أبو عمرو بوصل الألف وفتح الميم، وقرأ الباقون بقطع الألف، وكسر الميم.
وحجة من وصل الألف أنه جعله من «جمع» ودليله قوله: {فجمع كيده} «طه 60» فالفعل في الموضعين معدى إلى «الكيد» قال الأخفش: إنما يقال: أجمعنا، إذا قالوا على كذا وكذا، فأما إذا قالوا: وأجمعوا كيدكم، وأجمعوا أمركم، فبالوصل يقولونه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/100]
17- وحجة من قطع الألف أنه جعل من «أجمع» وأضمر «على كذا»، فالتقدير: فأجمعوا كيدكم على موسى، وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/101]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {فَأَجْمِعُوا}[آية/ 64] بوصل الألف وفتح الميم:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أنه من جمعت خلاف فرقت، و{كَيْدَكُمْ}مفعول به، ودليله قوله تعالى {فَجَمَعَ كَيْدَهُ}، والمعنى لا تدعوا من كيدكم شيئًا إلا جئتم به.
وقرأ الباقون {فَأَجْمِعُوا}بفتح الألف وكسر الميم.
والوجه أنه يقال أجمعت الأمر: إذا عزمت عليه، وأجمعت إنما يتناول ما كان أمراً، والكيد أمر). [الموضح: 841]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس