عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:08 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (44) إلى الآية (49) ]

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قالوا نعم... (44).
قرأ الكسائي وحده (قالوا نعم) بكسر العين في كل القرآن، وفتحها الباقون.
قال أبو منصور: هما لغتان: نعم، ونعم.
موقوفة الميم في اللغتين؛ لأنه حرفٌ جاء لمعنىً.
ونعم: جواب كلام فيه استفهام لا جحد فيه، فإذا كان فيما قبله من الاستفهام جحد فجوابه (بلى)، كقولك: ألم يأتك رسول؟ فتقول: بلى). [معاني القراءات وعللها: 1/406]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن لعنة اللّه على الظّالمين (44).
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (أن لعنة اللّه على الظّالمين) بسكون النون. من (أن) و(لعنة) مرفوعة وكذلك روى قنبل لابن كثير، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي (أنّ لعنة اللّه) بتشديد النون، ونصب (لعنة).
قال أبو منصور: من خفف (أن) منعها عملها، ورفع ما بعدها، ومن شدد النون نصب بها الاسم، والمعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/407]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعلى: {قالوا نعم} [44].
قرأ الكسائي وحده: {قالوا نعم} بفتح النون وكسر العين، وذهب إلى حديث روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رجلاً لقى النبي صلى الله عليه وسلم [بمنى] فقال: أنت الذي يزعم أنه نبي فقال: نعم». وذهب إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا: «أنه سأل رجلاً شيئًا فقال: نعم، فقال: قل: نعم، إنما النعم الإبل»
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/181]
وقرأ الباقون: {نعم} بفتح النون والعين، وهما لغتان: الفتح والكسر.
واعلم أن «نعم» جواب الاستفهام، و«بلى» جواب الجحد، كقوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى} ولا يجوز نعم هاهنا، {أو لم تؤمن قال بلى} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/182]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {أن لعنة الله على الظالمين} [44].
قرأ حمزة والكسائي وابن كثير برواية البزي، وابن عامر «أن» بالتشديد، وموضعه نصب بالفعل الذي قبله.
وقرأ الباقون {أن لعنة الله} بالتخفيف، وكذلك رواه قنبل عن ابن كثير. فمن خفف له مذهبان:
أحدهما: أنه أراد أن يخفف كما قال: {أن لا يقدرون على شيء} أراد: أنهم. وكقراءة عاصم ونافع {وأن كلا} أراد: وأن كلا، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/182]
وصدر مشرق النحر = كأن ثدييه حقان
أراد: كأن فخفف، فهذا إنشاد البصريين رحمهم الله، والكوفيون إذا خففوا رفعوا فقالوا: «كأن ثدياه» إلا أن يكون الاسم مكنيا كقوله:
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني = فراقك لم أبخل وأنت صديق
أراد: فلو أنك:
والوجه الثاني: أن يكون أراد فأذن مؤذن بينهم أي: لعنة الله فـــ «أن» بمعنى «أي»، وهذا حكاه الخليل رضي الله عنه. كقوله: {أن امشوا واصبروا} أي امشوا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/183]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: قالوا نعم [الأعراف/ 44] بفتح العين والنون في كلّ القرآن غير الكسائي؛ فإنّه قرأ: (نعم) بفتح النون وكسر العين في كلّ القرآن.
قال أبو الحسن: (نعم، ونعم) لغتان، قال: وفي القراءة: الفتح.
[الحجة للقراء السبعة: 4/19]
قال سيبويه: نعم: عدة وتصديق، قال: وإذا استفهمت أجبت بنعم، ولم يحك سيبويه فيها الكسر.
والذي يريده بقوله: عدة وتصديق أنّه يستعمل عدة، ويستعمل تصديقا، وليس يريد أن التصديق يجتمع مع العدة، ألا ترى أنّه إذا قال: أتعطيني؟، فقال: نعم، كان عدة، ولا تصديق في هذا، وإذا قال: قد كان كذا وكذا؛ فقلت:
نعم، فقد صدّقته ولا عدة في هذا.
فليس قوله في نعم أنّه عدة وتصديق؛ كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء، لأنّ إذا، يكون جوابا في الموضع الذي يكون فيه جزاء، يقول: أنا آتيك، فتقول: إذا أكرمك، فيكون جوابا لكلامه.
ويكون جزاء أيضا في هذا الموضع؛ فقد علمت أنّ قوله في نعم عدة وتصديق ليس كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء، وقوله: إذا استفهمت أجبت بنعم، تريد: استفهمت عن موجب أجبت بنعم، تقول: أيقوم زيد؟ فتقول: نعم، ولو كان مكان الإيجاب نفي لقلت: بلى، ولم تقل: نعم، كما تقول في جواب الإيجاب.
[الحجة للقراء السبعة: 4/20]
قال تعالى: ألست بربكم قالوا بلى [الأعراف/ 172] [ولم يقل: نعم]، وقال: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى [القيامة/ 3].
ويجوز في القياس على قول من قال: شهد، أن تكسر النون من نعم في لغة من كسر العين، كما كسرت الفاء في شهد.
فإن قلت: إنّ ذلك إنّما جاء في الأسماء والأفعال، فالقول أنّ نعم، وإن كان حرفا، فإنّه: إذا كان على لفظ الأسماء جاز أن تجرى في القياس مجراها، ألا ترى أنّهم أمالوا «بلى» وإن كان حرفا لما كان على لفظ الأسماء؟). [الحجة للقراء السبعة: 4/21]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد النون وتخفيفها في قوله عز وجل: أن لعنة الله [الأعراف/ 44].
فقرأ ابن كثير في رواية قنبل، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: أن لعنة الله خفيفة النون ساكنة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/21]
حدثني نصر بن محمد القاضي عن البزّي عنهم (أنّ لعنة الله) نصبا.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائيّ: (أنّ لعنة الله) نصبا، (على الظالمين) مشددة النون.
حدثني الحسين بن بشر الصوفي، عن روح بن عبد المؤمن، عن محمد بن صالح المرّي عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ) مشدّدة، وكذلك روى خلف والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ لعنة الله) نصبا.
وكلّهم قرأ التي في سورة النّور: أن لعنة الله [الآية/ 7]، وأن غضب الله [الآية/ 9] بالتشديد، غير نافع فإنّه قرأ: (أن لعنة الله)، و (وأن غضب الله) مخففتين.
[الحجة للقراء السبعة: 4/22]
أذن مؤذن [الأعراف/ 44]، بمنزلة أعلم.
قال سيبويه: أذّنت: إعلام بتصويت، فالتي تقع بعد العلم إنّما هي المشددة أو المخفّفة عنها، والتقدير: أعلم معلم أنّ لعنة الله. ومن خفّف (أن) كان على إرادة إضمار القصة والحديث، تقديره: أنّه لعنة الله، ومثل ذلك قوله: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10]، التقدير: (أنّه)، ولا تخفّف (أن) هذه إلّا وإضمار القصة والحديث يراد معها، ومن ثقّل نصب بأنّ ما بعدها، كما ينصب بالمشددة المكسورة، فالمكسورة إذا خففت لا يكون ما بعدها على إضمار القصة والحديث، كما تكون المفتوحة كذلك. والذي فصل بينهما أنّ المفتوحة موصولة، والموصولة تقتضي صلتها، فصارت لاقتضائها الصلة أشدّ اتصالا بما بعدها من المكسورة، فقدّر بعدها الضمير الذي هو من جملة صلتها، وليست المكسورة كذلك. ومن المفتوحة قول الأعشى:
في فتية كسيوف الهند قد علموا... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل
[الحجة للقراء السبعة: 4/23]
وأمّا قراءتهم في النور أن غضب الله فإنّ (أنّ) في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ؛ فأمّا تخفيف نافع أن لعنة الله فحسن، وهو بمنزلة قوله وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10].
وأمّا تخفيفه (أن غضب الله)، فإن قال قائل: فهلّا لم يستحسن هذا، لأنّ المخففة من المشدّدة لا يقع بعدها الفعل، حتى يدخل عوض من حذف أن، ومن أنّها تولى ما لا يليه من الفعل، يدلّ على ذلك قوله: علم أن سيكون منكم [المزمل/ 20]، وقوله: أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] وقوله: لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله [الحديد/ 29].
قيل: استجاز هذا، وإن لم يدخل معه شيء من هذه الحروف، لأنّه دعاء، وليس شيء من هذه الحروف يحتمل الدخول معه، ونظير هذا في أنّه لمّا كان دعاء لم يلزمه العوض. قوله: نودي أن بورك من في النار ومن حولها [النمل/ 8]؛ فولي قوله: (نودي) أن، وإن لم يدخل معها عوض، كما لم يدخل في قراءة نافع (أن غضب الله عليها)
[الحجة للقراء السبعة: 4/24]
[النور/ 9]. والدعاء قد استجيز معه ما لم يستجز مع غيره، ألا ترى أنّهم قالوا: «أما إن جزاك الله خيرا» وحمله سيبويه على إضمار القصة في «إن» المكسورة، ولم يضمر القصة مع المكسورة إلّا في هذا الموضع؟!). [الحجة للقراء السبعة: 4/25]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظّالمين}
قرأ الكسائي {قالوا نعم} بكسر العين حيث كان وحجته
[حجة القراءات: 282]
ما روي في الحديث أن رجلا لقي النّبي صلى الله عليه وسلم وآله بمنى فقال أنت الّذي يزعم أنه نبي فقال
نعم بكسر العين وروي أيضا أن عمر سأل رجلا شيئا فقال نعم فقال قل نعم إنّما النعم الإبل وقرأ الباقون نعم بالفتح وهما لغتان
قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو والقواس عن ابن كثير {أن لعنة الله} {إن} خفيفة {لعنة الله} رفع
وقرأ الباقون {إن} بالتّشديد لعنة نصب
من خفف فله مذهبان أحدهما أنه أراد أن الخفيفة عن أن الثّقيلة كما قال جلّ وعز {ألا يقدرون على شيء} أراد أنهم والثّاني بمعنى أي الّتي هي تفسير كأنّها تفسر لما أذنوا به أراد {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله} وهذا حكاه الخليل وحجّة التّخفيف قوله {ونودوا أن تلكم الجنّة} و{أن سلام عليكم} ولم يقرأ أحد أن تلكم ولا أن سلاما). [حجة القراءات: 283]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {قالوا نعم} قرأ الكسائي بكسر العين، حيث وقع وفتحها الباقون، وهما لغتان بمعنى العدة إذا استفهمت عن موجب، نحو قولك: أيقوم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
زيد، فتقول: نعم، والتصديق إذا أخبرت عما وقع، تقولك قد كان كذا، فتقول: نعم، فإذا استفهمت عن منفي فالجواب «بلى»، ولا يدخل فيه «نعم»، نحو: ألم أكرمك، فتقول: بلى، فـ «نعم» لجواب الاستفهام الداخل على الإيجاب، و«بلى» لجواب الاستفهام الداخل على النفي، ولذلك كان الجواب في قول المؤمنين للكفار: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا} بـ «نعم»؛ لأنه استفهام دخل على إيجاب، ولذلك كان الجواب في قول الله تعالى ذكره: {ألست بربكم قالوا بلى} «الأعراف 172» بـ «بلى» لأنه استفهام دخل على نفي، فاعرفه، فلست تجده مشروحًا هكذا، وكان من كسر العين في «نعم» أراد أن يفرق بين «نعم» الذي هو جواب وبين «نعم» الذي هو اسم للإبل والبقر والغنم، وقد روي عن عمر إنكار «نعم» بفتح العين في الجواب، وقال: قل نعم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/463]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {أن لعنة الله على الظالمين} قرأ البزي وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد «أن» ونصب «اللعنة» بـ «أن»، وهو الأصل، وقرأ الباقون بتخفيف «أن» ورفع «اللعنة» بالابتداء، وهي «أن» الثقيلة خففت فنقص لفظها عن شبه الفعل، فلم تعمل في اللفظ وعملت في المعنى، فرجع ما بعدها إلى أصله، وهو الابتداء، ومع «أن» إضمار القصة بخلاف المكسورة المشددة، لـ «أن» المفتوحة اسم يحتاج إلى صلة، فأضمر ما بعدها ما يكون هو الابتداء، والخبر في المعنى، وهو القصة والحديث، والمكسورة حرف لا يقتضي صلة، فلم يضمر بعدها ما يكون هو الابتداء والخبر في المعنى.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/463]
وإنما يضمر مع المكسورة الهاء، وهو اسم مفرد، وما بعد المفتوحة من الابتداء والخبر هو خبرها، وكذلك ما بعد المخففة المكسورة، إلا أن خبر المفتوحة هو اسمها في المعنى؛ لأن الجملة هي للقصة المضمرة مع المفتوحة والحديث المضمر، وليس كذلك الجملة بعد «إن» المخففة المكسورة، ليست الجملة التي هي الخبر هي الهاء المضمرة مع المكسورة، فاعرف الفرق بينهما، فإنه مشكل معدوم تفسيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/464]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {قَالُوا نَعِمْ} [آية/ 44] بكسر العين:-
قرأها الكسائي وحده في كل القرآن.
وقرأ الباقون {نَعَمْ} بفتح العين في كل القرآن.
ونعَم ونعِم بفتح العين وكسرها لغتان، وهي مبنية على الوقف في اللغتين؛ لأنها حرف جاء لمعنى، ومعناه جواب استفهام ليس فيه جحد، فإن كان في الاستفهام معنى النفي كان جوابه: بلى). [الموضح: 529]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {أَنْ لَعْنَةُ الله} [آية/ 44] بتشديد {أَنْ} ونصب {لَعْنَةُ}:-
قرأها ابن كثير في رواية البري، وابن عامر وحمزة والكسائي.
والوجه أنه على الأصل؛ لأن التشديد هو الأصل في أن، والتخفيف تغيير في هذا الباب؛ لأن التي تقع بعد العلم هي المشددة، فإذا خففت كان تغييرًا عن الأصل وكان بمعنى التشديد، ومعنى {أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}: أعلم معلم «أن لعنة الله».
وقرأ الباقون و-ل- عن ابن كثير {أَنْ} بالتخفيف و{لَعْنَةُ} بالرفع.
[الموضح: 529]
والوجه أنها مخففة من المشددة، والأصل أن؛ لأنها خففت، وأضمر بعدها الأمر أو الشأن أو القصة، والتقدير: أذن مؤذن بينهم {أَنْ لَعْنَةُ الله}، أي أن الأمر والشأن لعنة الله، فالشأن المضمر اسم أن، وما بعده جملة هي مبتدأ وخبر، ولا تخفف أن إلا وإضمار الأمر أو القصة يراد معها). [الموضح: 530]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)}

قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)}

قوله تعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {تلقاء أصحاب النار} [47].
ما اختلف القراء فيه، غير أن خلفًا روى عن الكسائي أنه كان إذا وقف على قوله {من تلقاى نفسي} قال: تلقاى فأمال، و{من نبإي المرسلين} {نبئ}، وإنما أمال هذين الحرفين طلبًا للياء. قال قوم: الياء التي هي في هجاء المصحف، لأنهما كذلك كُتبا. والصواب عندي أن الإمالة
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/188]
إنما تكون في الألفاظ لا في الخط لكن الهمزة المكسورة إذا لُينت وخففت للوقف صارت في اللفظ ياء فأمال لذلك.
وحجة الأولين ما حدثني به ابن المرزبان عن أبي الزعراء عن أبي عمرو قال: إنما أمال حمزة شاء وجاء لأنهما في مصحف أبي مكتوبين بالياء شاى وجاي.
وجمع تلقاء تلاقي. وقد كتب في المصحف {من وراى حجاب} بالياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/189]

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)}

قوله تعالى: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (وقوله تعالى: {برحمة} [49] وقف تام ثم يبتدأ: {ادخلوا الجنة} وإنما ذكرت هذا الحرف لأن الكسائي إذا وقف على اسم مؤنث نحو الآخرة والقيامة ومرية ومعصية أمال ما قبل الألف نحو رمى وقضى وحبلى وبشرى.
والباقون يفخمون على الأصل؛ لأن من شبه الهاء بالألف قليل شاذ.
فإن سأل سائل فقال: هل يجوز إمالة جميع ما في القرآن من نحو ذلك أم لا؟
فالجواب في ذلك: أن الكسائي ذكر أربعة أحرف اللواتي قدمت ذكرهن وكل ما ورد عليك مما ضارعه أملته، نحو دابة وحبة. وأما شررة وبررة فإني لا أميل؛ لأني وجدت الألف أصلاً في الإمالة، فإذا كان قبلها حرف من حروف الحلق: [الحاء] الطاء والظاء والصاد والضاد والعين والغين والخاء والقاف امتنعت من الإمالة، وكذلك إذا كان قبله راء نحو فراش وسراج؛ لأن الراء حرف فيه تكرير ففتحها بمنزلة فتحتين كما كانت كسرتها بمنزلة كسرتين في النار والأبرار والقنطار فلما امتنعت الألف في النار والأبرار والقنطار لما تقدمتها راء كانت الهاء المشبهة بالألف أمنع من الإمالة. فإن قيل: هلا تميل الطامة كما تميل الدابة؟
فقل: لا يجوز للطاء التي فيها.
فإن قيل: لم أملت المعصية؟
فقل: لأن الصاد مكسورة وإن كانت من حروف الاستعلاء.
فإن قيل: فقد أمال الآخرة وقبل الهاء راء؟
فقل: إنما حسنت الإمالة لكسرة الخاء. وهذا فصلٌ ما أعلم أن أحدًا علله فأعرفه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/184]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عكرمة: [لا يَنَالُهُم اللَّهُ بِرَحْمَةٍ دَخَلُوا الْجَنَّةَ].
وقرأ طلحة بن مُصرِّف: [بِرَحْمَةٍ أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ] أي: فُعِلَ ذلك بهم.
[المحتسب: 1/249]
قال أبو الفتح: الذي في هاتين القراءتين خطابهم بقوله سبحانه: [لا خوف عليهم ولا هم يحزنون]، وطريق ذلك أن قوله: [أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ] الوقف هنا، ثم يُستأنف فيقال: [دَخَلُوا الجنة]، أو [أُدْخِلُوا الجنة] أي: قد دخَلوا أو أُدخلوا، وإضمار قد موجود في الكلام نحو قوله: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: قد حصرت صدورهم؛ أي: فقد دخلوا الجنة، فقال لهم: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}، وقد اتسع عنهم حذف القول كقوله تعالى: {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي: يقولون لهم: سلام عليكم، وقال الشاعر:
رَجْلان من ضبة أخبرانا ... إنا رأينا رجلًا عريانا
أي قالا: إنا رأينا، ولذلك كَسَر. هكذا مذهب أصحابنا في نحو هذا من إضمار القول.
وقد يجوز أن يكون قوله: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُون} قولًا مرتجلًا لا على تقدير إضمار القول؛ لكن استأنف الله عز وجل خطابهم، فقال: [أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ]، كما استأنفه تعالى على القراءة المشهورة وهي: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} .
ومثله من ترك كلام إلى كلام آخَرَ بيتُ الكتاب، وهو قوله:
ألا يا بيتُ بالعلياء بيتُ
ألا تراه حمله على أنه نادى البيت، ثم ترك خطابه وأقبل على صاحبه، فقال: بالعلياء بيتُ، ثم رجع إلى خطاب البيت فقال له:
ولولا حب أهلك ما أتيت
وسألني قديمًا بعض مَن كان يأخذ عني، فقال: لِمَ لا يكون "بيت" الثاني تكريرًا على الأول
[المحتسب: 1/250]
كقولك: يا زيد زيد، ويكون بالعلياء في موضع الحال من البيت الأول، كما كان قول النابغة:
يا دارَ ميةَ بالعلياء
قوله: "بالعلياء" في موضع الحال؛ أي: يا دار مية عالية مرتفعة، فيكون كقوله:
يا بؤس للجهل ضَرَّارًا لأقوام
هذا معنى ما أورده بعد أن سددت السؤال ومكنته، فقلت: لا يجوز ذلك هنا؛ وذلك أنه لو كان البيت الثاني تكريرًا على الأول لقال: لولا حُب أهلك ما أتيت، فيكون كقولك: يا زيد، لولا مكانك ما فعلت كذا، وأنت لا تقول: يا زيد، ولولا مكانك لم أفعل كذا، فإذا بَطَلَ هذا ثبت ما قاله صاحب الكتاب من كونه كلامًا بعد كلام، وجملة تتلو جملة.
وهذا واضح، فقوله على هذا: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} جملة لا موضع لها من الإعراب من حيث كانت مرتجلة، وهي في القول الأول منصوب الموضع على الحال؛ أي: دخلوا الجنة أو أُدخلوا الجنة، مقولًا لهم هذا الكلام الذي هو: لا خوف عليكم، وحُذِفَ القول وهو منصوب على الحال، وأقيم مقامه قوله: [لا خوف عليكم] فانتصب انتصابه، كما أن قولهم: كلَّمته فاه إلى فِيّ منصوب على الحال؛ لأنه ناب عن: جاعلًا فاه إلى فِيّ، أو لأنه وقع موقع مشافهة التي هي نائبة عن مشافِهًا له). [المحتسب: 1/251]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس