عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 04:59 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ يتحاجّون في النّار فيقول الضّعفاء للّذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعًا فهل أنتم مغنون عنّا نصيبًا من النّار (47) قال الّذين استكبروا إنّا كلٌّ فيها إنّ اللّه قد حكم بين العباد (48) وقال الّذين في النّار لخزنة جهنّم ادعوا ربّكم يخفّف عنّا يومًا من العذاب (49) قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبيّنات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلالٍ (50)}
يخبر تعالى عن تحاجّ أهل النّار في النّار، وتخاصمهم، وفرعون وقومه من جملتهم {فيقول الضّعفاء} وهم: الأتباع {للّذين استكبروا} وهم: القادة والسّادة والكبراء: {إنّا كنّا لكم تبعًا} أي: أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدّنيا من الكفر والضّلال، {فهل أنتم مغنون عنّا نصيبًا من النّار} أي: قسطًا تتحمّلونه عنّا). [تفسير ابن كثير: 7/ 149]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({قال الّذين استكبروا إنّا كلٌّ فيها} أي: لا نتحمّل عنكم شيئًا، كفى بنا ما عندنا، وما حملنا من العذاب والنّكال. {إنّ اللّه قد حكم بين العباد} أي: يقسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقّه كلٌّ منّا، كما قال تعالى: {قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون} [الأعراف: 38]). [تفسير ابن كثير: 7/ 149]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({وقال الّذين في النّار لخزنة جهنّم ادعوا ربّكم يخفّف عنّا يومًا من العذاب} لـمّا علموا أنّ اللّه، سبحانه، لا يستجيب منهم ولا يستمع لدعائهم، بل قد قال: {اخسؤوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون:108] سألوا الخزنة -وهم كالبوّابين لأهل النّار- أن يدعوا لهم اللّه أن يخفّف عن الكافرين ولو يومًا واحدًا من العذاب، فقالت لهم الخزنة رادّين عليهم: {أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبيّنات} أي: أوما قامت عليكم الحجج في الدّنيا على ألسنة الرّسل؟ {قالوا بلى قالوا فادعوا} أي: أنتم لأنفسكم، فنحن لا ندعو لكم ولا نسمع منكم ولا نودّ خلاصكم، ونحن منكم برآء، ثمّ نخبركم أنّه سواءٌ دعوتم أو لم تدعوا لا يستجاب لكم ولا يخفّف عنكم؛ ولهذا قالوا: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلالٍ} أي: إلّا من ذهابٍ، لا يتقبّل ولا يستجاب). [تفسير ابن كثير: 7/ 149]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد (51) يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار (52) ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب (53) هدًى وذكرى لأولي الألباب (54) فاصبر إنّ وعد اللّه حقٌّ واستغفر لذنبك وسبّح بحمد ربّك بالعشيّ والإبكار (55) إنّ الّذين يجادلون في آيات اللّه بغير سلطانٍ أتاهم إن في صدورهم إلا كبرٌ ما هم ببالغيه فاستعذ باللّه إنّه هو السّميع البصير (56)}
قد أورد أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه تعالى، عند قوله تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا} سؤالًا فقال: قد علم أنّ بعض الأنبياء، عليهم الصّلاة والسّلام، قتله قومه بالكلّيّة كيحيى وزكريّا وشعياء، ومنهم من خرج من بين أظهرهم إمّا مهاجرًا كإبراهيم، وإمّا إلى السّماء كعيسى، فأين النّصرة في الدّنيا؟ ثمّ أجاب عن ذلك بجوابين.
أحدهما: أن يكون الخبر خرج عامًّا، والمراد به البعض، قال: وهذا سائغٌ في اللّغة.
الثّاني: أن يكون المراد بالنّصر الانتصار لهم ممّن آذاهم، وسواءٌ كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم، كما فعل بقتلة يحيى وزكريّا وشعياء، سلّط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم، وقد ذكر أنّ النّمروذ أخذه اللّه أخذ عزيزٍ مقتدرٍ، وأمّا الّذين راموا صلب المسيح، عليه السّلام، من اليهود، فسلّط اللّه عليهم الرّوم فأهانوهم وأذلّوهم، وأظهرهم اللّه عليهم. ثمّ قبل يوم القيامة سينزل عيسى ابن مريم إمامًا عادلًا وحكمًا مقسطًا، فيقتل المسيح الدّجّال وجنوده من اليهود، ويقتل الخنزير، ويكسر الصّليب، ويضع الجزية فلا يقبل إلّا الإسلام. وهذه نصرةٌ عظيمةٌ، وهذه سنّة اللّه في خلقه في قديم الدّهر وحديثه: أنّه ينصر عباده المؤمنين في الدّنيا، ويقرّ أعينهم ممّن آذاهم، ففي صحيح البخاريّ عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "يقول اللّه تعالى: من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالحرب" وفي الحديث الآخر: "إنّي لأثأر لأوليائي كما يثأر اللّيث الحرب" ؛ ولهذا أهلك تعالى قوم نوحٍ وعادٍ وثمود، وأصحاب الرّسّ، وقوم لوطٍ، وأهل مدين، وأشباههم وأضرابهم ممّن كذّب الرّسل وخالف الحقّ. وأنجى اللّه من بينهم المؤمنين، فلم يهلك منهم أحدًا وعذّب الكافرين، فلم يفلت منهم أحدًا.
قال السّدّيّ: لم يبعث اللّه رسولًا قطّ إلى قومٍ فيقتلونه، أو قومًا من المؤمنين يدعون إلى الحقّ فيقتلون، فيذهب ذلك القرن حتّى يبعث اللّه لهم من ينصرهم، فيطلب بدمائهم ممّن فعل ذلك بهم في الدّنيا. قال: فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا، وهم منصورون فيها.
وهكذا نصر اللّه [سبحانه] نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه على من خالفه وناوأه، وكذّبه وعاداه، فجعل كلمته هي العليا، ودينه هو الظّاهر على سائر الأديان. وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة النّبويّة، وجعل له فيها أنصارًا وأعوانًا، ثمّ منحه أكتاف المشركين يوم بدرٍ، فنصره عليهم وخذلهم له، وقتل صناديدهم، وأسر سراتهم، فاستاقهم مقرّنين في الأصفاد، ثمّ منّ عليهم بأخذه الفداء منهم، ثمّ بعد مدّةٍ قريبةٍ فتح [عليه] مكّة، فقرّت عينه ببلده، وهو البلد المحرّم الحرام المشرّف المعظّم، فأنقذه اللّه به ممّا كان فيه من الشّرك والكفر، وفتح له اليمن، ودانت له جزيرة العرب بكمالها، ودخل النّاس في دين اللّه أفواجًا. ثمّ قبضه اللّه، تعالى، إليه لما له عنده من الكرامة العظيمة، فأقام اللّه أصحابه خلفاء بعده، فبلّغوا عنه دين اللّه، ودعوا عباد اللّه إلى اللّه. وفتحوا البلاد والرّساتيق والأقاليم والمدائن والقرى والقلوب، حتّى انتشرت الدّعوة المحمّديّة في مشارق الأرض ومغاربها. ثمّ لا يزال هذا الدّين قائمًا منصورًا ظاهرًا إلى قيام السّاعة؛ ولهذا قال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد} أي: يوم القيامة تكون النّصرة أعظم وأكبر وأجلّ.
قال مجاهدٌ: الأشهاد: الملائكة.
وقوله: {يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم} بدلٌ من قوله: {ويوم يقوم الأشهاد}.
وقرأ آخرون: "يوم" بالرّفع، كأنّه فسّره به {ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظّالمين}، وهم المشركون {معذرتهم} أي: لا يقبل منهم عذرٌ ولا فديةٌ، {ولهم اللّعنة} أي: الإبعاد والطّرد من الرّحمة، {ولهم سوء الدّار} وهي النّار. قاله السّدّيّ، بئس المنزل والمقيل.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ولهم سوء الدّار} أي: سوء العاقبة). [تفسير ابن كثير: 7/ 150-151]

رد مع اقتباس