عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 06:37 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({ولولا أن تصيبهم مصيبةٌ بما قدّمت أيديهم فيقولوا ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك ونكون من المؤمنين} أي: وأرسلناك إليهم لتقيم عليهم الحجّة ولتقطع عذرهم إذا جاءهم عذابٌ من اللّه بكفرهم، فيحتجّوا بأنّهم لم يأتهم رسولٌ ولا نذيرٌ، كما قال تعالى بعد ذكره إنزال كتابه المبارك وهو القرآن: {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم وهدًى ورحمةٌ} [الأنعام: 156، 157]، وقال: {رسلا مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للنّاس على اللّه حجّةٌ بعد الرّسل} [النّساء: 165]، وقال تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترةٍ من الرّسل أن تقولوا ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ فقد جاءكم بشيرٌ ونذيرٌ واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} [المائدة: 19]، والآيات في هذا كثيرةٌ [واللّه أعلم] ). [تفسير ابن كثير: 6/ 241]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا جاءهم الحقّ من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنّا بكلٍّ كافرون (48) قل فأتوا بكتابٍ من عند اللّه هو أهدى منهما أتّبعه إن كنتم صادقين (49) فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنّما يتّبعون أهواءهم ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدًى من اللّه إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين (50) ولقد وصّلنا لهم القول لعلّهم يتذكّرون (51)}.
يقول تعالى مخبرًا عن القوم الّذين لو عذّبهم قبل قيام الحجّة عليهم، لاحتجّوا بأنّهم لم يأتهم رسولٌ: أنّهم لـمّا جاءهم الحقّ من عنده على لسان محمّدٍ، صلوات اللّه وسلامه عليه قالوا على وجه التّعنّت والعناد والكفر والجهل والإلحاد: {لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل}، يعنون -واللّه أعلم -: من الآيات الكثيرة، مثل العصا واليد، والطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم، وتنقّص الزّروع والثّمار، ممّا يضيق على أعداء اللّه، وكفلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المنّ والسّلوى، إلى غير ذلك من الآيات الباهرة، والحجج القاهرة، الّتي أجراها اللّه على يدي موسى عليه السّلام، حجّةً وبراهين له على فرعون وملئه وبني إسرائيل، ومع هذا كلّه لم ينجع في فرعون وملئه، بل كفروا بموسى وأخيه هارون، كما قالوا لهما: {أجئتنا لتلفتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين} [يونس: 78]، وقال تعالى: {فكذّبوهما فكانوا من المهلكين} [المؤمنون: 48].ولهذا قال هاهنا: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل} أي: أولم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك الآيات العظيمة. {قالوا سحران تظاهرا،}، أي تعاونا، {وقالوا إنّا بكلٍّ كافرون} أي: بكلٍّ منهما كافرون. ولشدّة التّلازم والتّصاحب والمقارنة بين موسى وهارون، دلّ ذكر أحدهما على الآخر، كما قال الشّاعر:
فما أدري إذا يمّمت أرضًا = أريد الخير أيهما يليني...
أي: فما أدري أيليني الخير أو الشّرّ. قال مجاهد بن جبرٍ: أمرت اليهود قريشا أن يقولوا لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك، فقال اللّه: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا} قال: يعني موسى وهارون صلّى اللّه عليه وسلّم {تظاهرا} أي: تعاونا وتناصرا وصدّق كلٌّ منهما الآخر. وبهذا قال سعيد بن جبيرٍ وأبو رزين في قوله: {ساحران} يعنون: موسى وهارون. وهذا قولٌ جيّدٌ قويّ، واللّه أعلم.
وقال مسلم بن يسار، عن ابن عبّاسٍ {قالوا ساحران تظاهرا} يعني: موسى ومحمّدًا، صلوات اللّه وسلامه عليهما وهذا روايةٌ عن الحسن البصريّ.
وقال الحسن وقتادة: يعني: عيسى ومحمّدًا، صلّى اللّه عليهما وسلّم، وهذا فيه بعدٌ؛ لأنّ عيسى لم يجر له ذكرٌ هاهنا، واللّه أعلم.
وأمّا من قرأ {سحران تظاهرا}، فقال عليّ بن أبي طلحة والعوفيّ، عن ابن عبّاسٍ. يعنون: التّوراة والقرآن. وكذا قال عاصمٌ الجنديّ، والسّدّيّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، قال السّدّيّ: يعني صدّق كلّ واحدٍ منهما الآخر.
وقال عكرمة: يعنون: التّوراة والإنجيل. وهو روايةٌ عن أبي زرعة، واختاره ابن جريرٍ.
وقال الضّحّاك وقتادة: الإنجيل والقرآن. واللّه سبحانه، أعلم بالصّواب. والظّاهر على قراءة: {سحران} أنّهم يعنون: التّوراة والقرآن؛ لأنّه قال بعده: {قل فأتوا بكتابٍ من عند اللّه هو أهدى منهما أتّبعه}، وكثيرًا ما يقرن اللّه بين التّوراة والقرآن، كما في قوله تعالى {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس} إلى أن قال: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ} [الأنعام: 91، 92]،وقال في آخر السّورة: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن}، إلى أن قال: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون} [الأنعام: 155]، وقالت الجنّ: {إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى [مصدّقًا لما بين يديه]} [الأحقاف: 30] وقال ورقة بن نوفلٍ: هذا النّاموس الّذي أنزل [اللّه] على موسى. وقد علم بالضّرورة لذوي الألباب أنّ اللّه لم ينزل كتابًا من السّماء فيما أنزل من الكتب المتعدّدة على أنبيائه أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف من الكتاب الذي أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو القرآن، وبعده في الشّرف والعظمة الكتاب الّذي أنزله على موسى بن عمران، عليه السّلام، وهو التّوراة الّتي قال اللّه تعالى فيها: {إنّا أنزلنا التّوراة فيها هدًى ونورٌ يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا والرّبّانيّون والأحبار بما استحفظوا من كتاب اللّه وكانوا عليه شهداء} [المائدة: 44]. والإنجيل إنّما نزل متمّمًا للتّوراة ومحلا لبعض ما حرّم على بني إسرائيل. ولهذا قال تعالى: {قل فأتوا بكتابٍ من عند اللّه هو أهدى منهما أتّبعه إن كنتم صادقين} أي: فيما تدافعون به الحقّ وتعارضون به من الباطل). [تفسير ابن كثير: 6/ 241-243]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {فإن لم يستجيبوا لك} أي: فإن لم يجيبوك عمّا قلت لهم ولم يتّبعوا الحقّ {فاعلم أنّما يتّبعون أهواءهم} أي: بلا دليلٍ ولا حجّةٍ {ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدًى من اللّه} أي: بغير حجّةٍ مأخوذةٍ من كتاب اللّه، {إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين}). [تفسير ابن كثير: 6/ 243]

رد مع اقتباس