عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 03:42 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وهذا "الوحي" إلى أم موسى، قالت فرقة: كان قولا في منامها، وقال قتادة: كان إلهاما، وقالت فرقة: كان بملك تمثل لها، وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية، وإنما إرسال الملك لها على نحو تكليم للأبرص والأقرع في الحديث المشهور وغير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوة.
وجملة أمر أم موسى أنها علمت أن الذي وقع في نفسها هو من عند الله ووعد منه; يقتضي ذلك قوله تعالى: {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق}، وهذا معنى قوله: {لتكون من المؤمنين} أي: بالوعد، وقال السدي وغيره: أمرت أن ترضعه عقب الولادة، وتصنع به ما في الآية; لأن الخوف كان عقب الولادة، وقال ابن جريج: أمرت برضاعه أربعة أشهر في بستان، فإذا خافت أن يصيح لأن لبنها لا يكفيه، صنعت به هذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأول أظهر إلا أن الآخر يعضده أمران: أحدهما قوله: {فإذا خفت عليه} و"إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان، والآخر لأنه لم يقبل المراضع، والطفل إثر ولادته لا يفعل ذلك، اللهم إلا أن يكون هذا منه بأن الله تبارك وتعالى حرمها عليه وجعله يأباها بخلاف سائر الأطفال، وقرأ عمرو بن عبد الواحد: "أن أرضعيه" بكسر النون اعتباطا لا تخفيفا، والتخفيف الفاشي فتح النون، قاله ابن جني، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، و"أليم": جمهور الماء ومعظمه، والمراد نيل مصر.
وروي في قصص هذه الآية أن أم موسى عليه السلام -واسمها يوحانة - أخذته ولفته في ثيابه، وجعلت له تابوتا صغيرا، وشدته عليه بقفل وعلقت مفتاحه عليه وأسلمته ثقة بالله وانتظارا لوعده، فلما غاب عنها عاودها خوفها، وانشغلت عليه، وأقنطها الشيطان، فاهتمت به وكادت تفتضح، وجعلت الأخت تقصه، أي: تطلب أثره).[المحرر الوجيز: 6/ 570-571]

تفسير قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون}.
الالتقاط: اللقاء على غير قصد، ومنه قول الشاعر:
ومنهل وردته التقاطا
لم ألق إذ وردته فراطا
و آل فرعون: أهله، ويروي أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في اليم فأمرت بسوقه وفتحه، فرأت فيه صبيا صغيرا فرحمته وأحبته، وقال السدي: إن جواريها كان لهن فرضة في القصر على النيل، يدخل الماء فيها إلى القصر حتى ينلنه في المرافق والمنافع، فبينا هن يغسلن في تلك الفرضة إذ جاء التابوت فحملنه إلى مولاتهن، وقال ابن إسحاق: رآه فرعون يعوم فأمر بسوقه، وآسية جالسة معه، فكان ما تقدم.
وقوله تعالى: {ليكون لهم عدوا} هي لام العاقبة، لا أن القصد بالالتقاط كان لأن يكون عدوا، وقرأ الجمهور: "وحزنا" بفتح الحاء، وقرأ حمزة، والكسائي، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش: "وحزنا" بضم الحاء وسكون الزاي، و"الخاطئ": متعمد الخطأ، والمخطئ: الذي لا يتعمده). [المحرر الوجيز: 6/ 572]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) :(واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون: قرت عين لي ولك، فقالت فرقة: كان ذلك عند التقاط التابوت لما أشعرت فرعون به; إذ سبق إلى وهمه أنه من بني إسرائيل، وأن ذلك قصد به التخلص من الذبح، فقال: علي بالذباحين، فقالت امرأته ما ذكر، فقال فرعون: أما لي فلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قال: نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له، وقال السدي: بل ربته حتى درج، فرأى فرعون فيه شهامة، وظنه من بني إسرائيل، وأخذه في يده، فمد موسى عليه السلام يده ونتف لحية فرعون، فهم حينئذ بذبحه، وحينئذ خاطبته بهذا، واختبرته له في الجمرة والياقوتة فاحترق لسانه. وقوله: {وهم لا يشعرون} أي بأنه الذي يفسد الملك على يديه، قاله قتادة وغيره. وقرأ ابن مسعود: "لا تقتلوه قرة عين لي ولك"، قدم وأخر). [المحرر الوجيز: 6/ 573]

تفسير قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: "وأصبح" عبارة عن دوام الحال واستقرارها، وهي كظل، ومنه قول أبي سفيان للعباس يوم الفتح: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما، يريد: استقر به حاله عظيما، وقرأ جمهور الناس: "فارغا" من الفراغ، واختلف في معنى ذلك، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: فارغا من كل شيء إلا من ذكر موسى عليه السلام، وقال مالك: هو ذهاب العقل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
كقوله تعالى: {وأفئدتهم هواء}. وقالت فرقة: فارغا من الصبر، وقال ابن زيد: فارغا من وعد الله تبارك وتعالى ووحيه إليها، أي: تناسته بالهم، وفتر أثره في نفسها، وقال لها إبليس: فررت به من قتل لك فيه أجر، وقتلته بيدك، وقال أبو عبيدة: فارغا من الحزن; إذ لم يغرق، وقرأ فضالة بن عبيد -ويقال: ابن عبيدة -، والحسن: "فزعا" من الفزع -بالفاء والزاي-، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "قرعا" بالقاف والراء، من القارعة، وهي الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابة رضي الله عنهم: "فرغا" بالفاء المكسورة والراء الساكنة والغين المنقوطة، ومعناها: ذاهبا هدرا تالفا من الهم والحزن، ومنه قول طليحة الأسدي:
فإن يك قتلى قد أصيبت نفوسهم ... فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال
أي: هدرا تالفا لا ينفع. وقرأ الخليل بن أحمد: "فرغا" بضم الفاء والراء.
وقوله تعالى: {إن كادت لتبدي به} أي أمر ابنها، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كادت أم موسى أن تقول: وا ابناه، وتخرج صائحة على وجهها. "والربط على القلب" تأنيسه وتقويته، ومنه قولهم للشجاع والصابر في المضايق: رابط الجأش، قال قتادة: وربط على قلبها بالإيمان. وقوله تعالى: {لتكون من المؤمنين} أي: من المصدقين بوعد الله تبارك وتعالى، وبما أوحى إليها به). [المحرر الوجيز: 6/ 573-574]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قالت لأخت موسى طمعا منها وطلبا له: "قصيه"، والقص: طلب الأثر، فيروى أن أخته خرجت في سكك المدينة تبحث متخفية، فرأته عند قوم من حاشية آل فرعون يطلبون له امرأة ترضعه حين لم يقبل المراضع، وعن جنب أي: ناحية من غير قصد ولا قرب يشعرها به، ويقال: "عن جنابة" و"عن جناب"، ومنها قول الشاعر:
لقد ذكرتني عن جناب حمامة ... بعسفان أهلي والفؤاد حزين
ومن الجنابة قول الأعشى:
أتيت حريثا زائرا عن جنابة ... وكان حريث عن عطائي جامدا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومعنى هذه الألفاظ: عن مكان جنب، أو عن بعد، ومعنى الآية: عن بعد، لم تدن منه فيشعر بها، وأنشد أبو عبيدة لعلقمة:
فلا تحرمني نائلا عن جنابة ... فإني امرؤ وسط القباب غريب
وقرأ قتادة: "عن جنب" بفتح الجيم وسكون النون، وهي قراءة الحسن، والأعرج، وقرأ "عن جانب" النعمان بن سالم، وقرأ الجمهور: "عن جنب" بضم الجيم والنون.
وقوله: {وهم لا يشعرون} معناه: لا يشعرون أنها أخته، وهذا من جملة لطائف الله تبارك وتعالى له ولأمه حسب الوعد الذي أوحي إليها. ويقال: بصرت الشيء وأبصرت بمعنى واحد متقارب، قال المهدوي: وقيل: "عن جنب" معناه: عن شوق، وهي لغة لجذام، يقولون: جنبت إلى لقائك، أي اشتقت إليه، وقال قتادة: معنى "عن جنب" أنها تنظر إليه كأنها تريده). [المحرر الوجيز: 6/ 574-576]

تفسير قوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين}.
قوله تبارك وتعالى: {وحرمنا عليه المراضع} يقتضي أن الله تعالى خصه من الامتناع من ثدي النساء بما يشذ به عن عرف الأطفال، وهو تحريم تبغيض، و"المراضع" جمع مرضع، واستعمل دون هاء التأنيث لأنه لا يلتبس بالرجال. وقوله تعالى: "من قبل" أي من أول أمره، و"قبل" مبني، والضمير في "فقالت" لأخت موسى، قال النقاش: اسمها مريم، و"يكفلونه" معناه: يحسنون تربيته وإرضاعه. وعلم القوم أن مكلمتهم من بني إسرائيل، وكان ذلك عرف بني إسرائيل، أن يكونوا مراضع وخدمة. وقوله: {وهم له ناصحون} يحتمل أن الضمير يعود على الطفل، فقالوا لها: إنك قد عرفته فأخبرينا من هو؟ فقالت: ما أردت إلا أنهم ناصحون للملك، فتخلصت منهم بهذا التأويل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن يعود الضمير على الطفل ولكن يكون النصح له بسبب الملك وحرصا على التزلف إليه والقرب منه، وفي الكلام هنا حذف يقتضيه الظاهر، وهو أنها حملتهم إلى أم موسى وكلموها في ذلك، فدرت عليه وقبلها، وحظيت بذلك، وأحسن إليها وإلى أهل بيتها، وقرت عينها، أي سرت بذلك، وروي أن فرعون لعنه الله تعالى قال لها: ما سبب قبول هذا الطفل؟ قالت له: "إني طيبة الرائحة طيبة اللبن، ودمع الفرح بارد، وعين المهموم حرى سخنة"، فمن هذا المعنى قيل: قرت العين وسخنت، وقرأ يعقوب: "نقر" بنون مضمومة وكسر القاف. و"وعد الله" تعالى المشار إليه هو الذي أوحاه إليها أولا، إما بملك أو تمثله، وإما بإلهام حسب اختلاف المفسرين في ذلك، والقول بالإلهام يضعف أن يقال فيه: "وعد". وقوله تعالى: {ولكن أكثرهم} يريد القبط).[المحرر الوجيز: 6/ 576-577]

رد مع اقتباس