عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 11:05 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها * يومئذٍ تحدّث أخبارها * بأنّ ربّك أوحى لها * يومئذٍ يصدر النّاس أشتاتًا لّيروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
العامل في {إذا} على قول جمهور النحاة ـ وهو الذي يقتضيه القياس ـ فعلٌ مضمرٌ يقتضيه المعنى، وتقديره: يحشرون إذا، أو يجازون، ونحو هذا، ويمتنع أن يعمل فيه {زلزلت}؛ لأنّ معنى الشرط لا يفارقها، وقد تقدّمت نظائرها في غير سورةٍ.
و(زلزلت) معناه: حرّكت بعنفٍ، ومنه الزّلزال.
وقوله تعالى: {زلزالها} أبلغ من قوله: (زلزالًا) دون إضافةٍ إليها؛ وذلك أنّ المصدر غير مضافٍ يقع على كلّ قدرٍ من الزّلزال، وإن قلّ، وإذا أضيف إليها وجب أن يكون على قدر ما يستحقّه، ويستوحيه جرمها وعظمها. وهذا كما تقول: (أكرمت زيدًا كرامةً) فذلك يقع على كلّ كرامةٍ وإن قلّت بحسب (زيدٍ)، فإذا قلت: (كرامته) أوجبت أنّك قد وفّيته حقّه.
وقرأ الجمهور: {زلزالها} ـ بكسر الزاي الأولى ـ وقرأ بفتحها عاصمٌ الجحدريّ، وهو أيضًا مصدرٌ كالوسواس ونحوه). [المحرر الوجيز: 8/ 666-667]

تفسير قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(الأثقال): الموتى الذين في بطنها. قاله ابن عبّاسٍ، وهذه إشارةٌ إلى البعث، وقال قومٌ من المفسّرين - منهم منذر بن سعيدٍ والزّجّاج والنقّاش -: أخرجت موادّها وكنوزها.
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه: وليست القيامة بموطنٍ لإخراج الكنوز، وإنما تخرج كنوزها وقت الدّجّال). [المحرر الوجيز: 8/ 667]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقول الإنسان: {ما لها} هو قولٌ على معنى التعجّب من هول ما يرى.
قال جمهور المفسّرين: الإنسان هنا يراد به الكافر، وهذا متمكّنٌ؛ لأنه يرى ما لم يظنّ به قطّ ولا صدّقه.
وقال بعض المتأوّلين: هو عامٌّ في المؤمن والكافر؛ فالكافر على ما قدّمناه، والمؤمن - وإن كان قد آمن بالبعث - فإنه استهول المرئيّ، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
«ليس الخبر كالمعاينة» ). [المحرر الوجيز: 8/ 667]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(إخبار الأرض) قال ابن مسعودٍ والثّوريّ وغيرهما:
«هو شهادتها بما عمل عليها من عملٍ صالحٍ وفاسدٍ، فالتحديث - على هذا - حقيقةٌ، وكلامٌ بإدراكٍ، وحياةٌ يخلقها اللّه تعالى».
وأضاف تعالى الأخبار إليها من حيث وعتها وحصّلتها. وانتزع بعض العلماء من قوله تعالى: {تحدّث أخبارها} أنّ قول المحدّث: (حدّثنا، وأخبرنا) سواءٌ. وقال الطبريّ وقومٌ:
«التحديث في الآية مجازٌ»، والمعنى: أن ما تفعله بأمر اللّه تعالى من إخراج أثقالها، وتفتّت أجزائها، وسائر أحوالها، هو بمنزلة التحديث بأنبائها وأخبارها، ويؤيّد القول الأوّل قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّه لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنٌّ ولا إنس ولا شيءٌ إلاّ شهد له يوم القيامة».
وقرأ عبد الله بن مسعودٍ: (تنبئ أخبارها)، وقرأ سعيد بن جبيرٍ: (تبيّن) ). [المحرر الوجيز: 8/ 667]

تفسير قوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {بأنّ ربّك أوحى لها}: الباء باء السبب، وقال ابن عبّاسٍ، وابن زيدٍ، والقرطبيّ:
«المعنى: أوحى إليها». وهذا الوحي -على هذا التأويل– يحتمل أن يكون وحي إلهامٍ، ويحتمل أن يكون وحيًا برسولٍ من الملائكة، وقد قال الشاعر:
أوحى لها القرار فاستقرّت وشدّها بالرّاسيات الثّبّت
والوحي في كلام العرب: إلقاء المعنى إلقاءً خفيًّا، وقال بعض المتأوّلين: {أوحى لها} معناه: أوحى إلى ملائكته المقرّبين أن تفعل في الأرض تلك الأفعال، وقوله تعالى: {لها} بمعنى: من أجلها، ومن حيث الأفعال فيها فهي لها). [المحرر الوجيز: 8/ 668]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يصدر النّاس أشتاتاً} بمعنى: ينصرفون من موضع وردهم مختلفي الأحوال. وواحد الأشتات: شتٌّ، فقال جمهور الناس: الورد هو الكون في الأرض بالموت والدّفن، والصّدر هو القيام للبعث، و{أشتاتًا} معناه: قومٌ مؤمنون، وقومٌ كافرون، وقومٌ عصاةٌ مؤمنون، والكلّ سائرٌ إلى العرض ليرى عمله، ويقف عليه، وقال النّقّاش: الورد هو المحشر، والصّدر أشتاتاً هو صدر قومٍ إلى الجنّة، وقومٍ إلى النار.
وقوله تعالى: {ليروا أعمالهم}: إمّا أن يكون معناه: جزاء أعمالهم، يراه أهل الجنّة بالنّعيم، وأهل النار بالعذاب، وإمّا أن يكون قوله تعالى: {ليروا أعمالهم} متعلّقاً بقوله سبحانه: {بأنّ ربّك أوحى لها}.
ويكون قوله تعالى: {يومئذٍ يصدر النّاس أشتاتًا} اعتراضًا بين أثناء الكلام.
وقرأ جمهور الناس: {ليروا} ـ بضمّ الياء ـ على بناء الفعل للمفعول.
وقرأ الحسن، والأعرج، وقتادة، وحمّاد بن سلمة، والزّهريّ، وأبو حيوة: (ليروا) ـ بفتح الياء ـ على بنائه للفاعل). [المحرر الوجيز: 8/ 668-669]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر اللّه تعالى أنه من عمل عملًا رآه، قليلًا كان أو كثيرًا، فخرجت العبارة عن ذلك بمثال التقليل، وهذا هو الذي يسمّيه أهل الكلام مفهوم الخطاب، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكمٍ واحدٍ، ومنه قوله تعالى: {ولا تقل لهما أفٍّ}. وهذا كثيرٌ.
وقال بعض الناس وبعض المفسّرين: رؤية هذه الأعمال هي في الآخرة، وذلك لازمٌ من لفظ السورة وسردها، فيرى الخير كلّه من كان مؤمنًا، والكافر لا يرى في الآخرة خيرًا؛ لأنّ خيره قد عجّل له في دنياه، وكذلك المؤمن أيضًا تعجّل له سيّئاته الصغار في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها، فيجيء من مجموع هذا أن من عمل من المؤمنين مثقال ذرّةٍ من خيرٍ أو شرٍّ رآه، فيخرج من ذلك ألاّ يرى الكافر خيرًا في الآخرة.
ومنه حديث عائشة رضي اللّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللّه، أرأيت ما كان يفعل عبد اللّه بن جدعان من البرّ، وصلة الرّحم، وإطعام الطعام، أله في ذلك أجرٌ؟ فقال:
«لا، إنّه لم يقل قطّ: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدّين».
وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسمّي هذه الآية: الجامعة الفاذّة. وقد نصّ على ذلك حين سئل عن الحمر... الحديث.
وأعطى سعد بن أبي وقّاصٍ رضي اللّه عنه سائلًا تمرتين، فقبض السائل يده، فقال له سعدٌ: ما هذا؟! إنّ اللّه تعالى قبل مثاقيل الذّرّ.
وفعلت نحو هذا عائشة رضي اللّه عنها في حبّة عنبٍ.
وسمع هذه الآية صعصعة بن عقالٍ التّميميّ عند النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال:
«حسبي، لا أبالي أن أسمع غيرها».
وسمعها رجلٌ عند الحسن فقال:
«انتهت الموعظة». فقال الحسن: «فقه الرجل».
وقرأ هشامٌ، عن ابن عامرٍ، وأبو بكرٍ عن عاصمٍ: (يره) ـ بسكون الهاء ـ في الأولى والآخرة، وقرأ ابن كثيرٍ، وحمزة، والكسائيّ، ونافعٌ - فيما روى عنه ورشٌ - والحلوانيّ، عن قالون عنه في الأولى: {يره}، وأما الآخرة فهو سكون وقفٍ. وأمّا من أسكن الأولى فهي على لغة من يخفّف، ومنه قول الشاعر:
ومطواي مشتاقان له أرقان
وهذه لغةٌ لم يحكها سيبويه، لكن حكاها الأخفش، وقرأ أبو عمرٍو وحده بضمّ الهاء فيهما مشبعتان، وقرأ أبانٌ عن عاصمٍ، وابن عبّاسٍ، وأبو حيوة، وحميد بن الرّبيع، عن الكسائيّ: (يره) ـ بضمّ الياء ـ وهي رؤية بصرٍ، بمعنى: يجعله يدركه ببصره، والمعنى: يرى ثوابه وجزاءه؛ لأنّ الأعمال الماضية لا ترى بعينٍ أبدًا، وهذا الفعل كلّه من (رأيت) بمعنى أدركت ببصري، فتعدّيه إنما هو إلى مفعولٍ واحدٍ.
وقرأ عكرمة: (خيرًا يراه)، و(شرًّا يراه). وقال النقّاش: ليست برؤية بصرٍ، وإنما المعنى: يصيبه ويناله.
ويروى أن هذه السورة نزلت وأبو بكرٍ رضي اللّه عنه يأكل مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فترك أبو بكرٍ رضي اللّه عنه الأكل وبكى، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«يا أبا بكرٍ، ما يبكيك؟». قال: يا رسول اللّه، أو أسأل عن مثاقيل الذّرّ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا أبا بكرٍ، ما رأيت في الدّنيا ممّا تكره فمثاقيل ذرّ الشّرّ، ويدّخر اللّه لك مثاقيل ذرّ الخير».
و(الذّرّة) نملةٌ صغيرةٌ حمراء رقيقةٌ، لا يرجح بها ميزانٌ، ويقال: إنها تجري إذا مضى لها حولٌ، وقد تؤوّل ذلك في قول امرئ القيس:
من القاصرات الطّرف لو دبّ محولٌ ....... من الذّرّ فوق الإتب منها لأثّرا
وحكى النّقّاش أنهم قالوا: «كان بالمدينة رجلان؛ أحدهما لا يبالي عن الصغائر يرتكبها، وكان الآخر يريد أن يتصدّق فلا يجد إلا اليسير فيستحي من الصدقة، فنزلت الآية فيهما، كأنه يقال لأحدهما: تصدّق باليسير؛ فإنّ مثقال ذرة الخير ترى. وقيل للآخر: كفّ عن الصغائر؛ فإنّ مقادير ذرّ الشرّ ترى»). [المحرر الوجيز: 8/ 669-671]


رد مع اقتباس