الموضوع: أل
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 02:50 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)
الباب الثاني: في الحروف الثنائية
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الثاني: في الحروف الثنائية وهي التي كل واحدٍ منها على حرفين من حروف الهجاء بالوضع، واعلم أن جماعة لم تتعرض لها وهم أكثر النحاة ومنها طائفة لم يتعرضوا لها عند عدهم الحروف ونبهوا عليها في أماكن أخرى، ونحن نأتي إن شاء الله تعالى على عدّ جميعها ونذكر في كل واحد منها ما يليق ذكره بهذا التعليق، ونستمد من الله سبحانه حسن التوفيق، فنقول: إن جملة الحروف الثنائية التي اسقصينا حصرها ثلاثون حرفًا منها ما لم تجر عادتهم بذكره بين الحروف وهي ستة: "النون" الشديدة للتأكيد، و"الألف" و"النون" في نحو: يفعلان الزيدان، وتفعلان المرأتان، و"الواو" و"النون" في: يفعلون الزيدون إذا أسندت إلى الظاهر المرتفع بعدهما بالفاعلية على لغة أكلوني البراغيث، أي: قول من يجعل هذه العلامة للدلالة على نوعية الفاعل "كتاء" التأنيث الدالة على تأنيثه، ولفظة "نا"، و"كم"، و"ها"، الملحقة "بأيا" ضمير النصب المنفصل على رأي سيبويه في جعل المردفات حروفًا دالة على التفريع فإذا طرحنا هذه الستة بقي جميع الحروف المتداولة بين النحاة أربعة وعشرون حرفًا، وهي على حالتين كما قدمناه، فإنها إمَّا أن تكون حروفًا محضة، أي: تقع في جملة مواقعها وقاطبة استعمالاتها إلا حروفًا، وإمَّا أن تكون مشتركة بين الاسمية والحرفية، ولا يجوز أن يشارك الحرف الثنائي شيئَا من الأفعال لما تقدم من أنه لم يوضع فعل على أقل من ثلاثة أحرف أصول، فلذلك وضعنا هذا الباب أيضًا على نوعين: ملازم لمحض الحرفية، وغير ملازم، والله الموفق).[جواهر الأدب: 85]
النوع الثاني: من الحروف الثنائية المشترك بين الحروف والأسماء
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (النوع الثاني: من الحروف الثنائية المشترك بين الحروف والأسماء ولو على مذهب أحد عشر حرفًا وهي: "ال"، و"عن"، و"قد"، و"ما"، و"مذ"، و"ها"، و"الألف" و"النون" في تفعلان ويفعلان، و"الواو" و"النون" في تفعلون و يفعلون إذا رفعت هذه الأفعال ظاهرًا، و"نا"، و"كم"، و"هم"، من إيانا وإياكم وإياهم الضمير المنصوب المنفصل، ورتبنا للبحث عن كل واحد منها فصلًا بتوفيق الله تعالى وعونه).[جواهر الأدب: 149]

الفصل الأول: "ال"
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الأول: من هذا النوع، أعني الثنائي المشترك بين الحروف والأسماء.
"ال": قد اختلفت العلماء في أنها هل هي من المحضة أم من المشتركة بين الأسماء والحروف، فذهب كثير من المتقدمين منهم الرماني وابن السراج والفارسي، وتابعهم جماعة من المتأخرين منهم الأندلسي وابن الحاجب وابن مالك على أنها مشتركة، وهي في الأسماء المشتقة للوصف اسم، وإنما جعلناها في هذا النوع اسمًا اعتبارًا لمذهبهم، وذهب الأخفش والمازني وجماعة إلى أنها من المحضة اللازمة للحرفية، وأنها في الضارب ونحوه كما هي في الرجل ونحوه، واستدل كل من الفريقين بأدلة اقتصرت منها على تقرير ما خطر بالبال حال التحرير؛ فدليل من حكم بإسميتها في المشتقة أن مثل هذه لابد لها من مرفوع بها ضرورة قيامها بمحدث إمَّا ظاهرًا نحو: القائم زيد، أو مضمرًا، ولا يكون إلا مستكنًا، حتى لو أتى بمثله كان تأكيدًا له لا نفسه، وإذا تعين ثبوت الضمير فلابد له من مرجع، والمرجع لا يكون إلا اسمًا، وليس في القائم زيد، ونحوه مرجع سوى "ال"، فتعين كونها اسمًا، وقد أورد عليه إن كان مرادكم من كون المرجع إليه أسماء أن يكون عند التلفظ أو معلقًا، فإن عنيتم الأول منعناه، وإن عنيتم الثاني فمسلم، لكن الانحصار في ال ممنوع بجواز كونه صفة موصوف محذوف لدلالة الصفة عليه، أي: الرجل القائم، فيعود الضمير إليه أو يعود إلى لفظ الموصول المؤول به "ال"، أي: الذي لا إلى "أل" كما أن الضمير في قولهم: من صدق كان خيرًا له، ومن كذب كان شرًا له، عائدٌ إلى المصدر المفهوم من صفة الفعل، وإن لم يذكر لفظًا، ومنه قوله تعالى: {أعدلوا هو أقرب للتقوى}، ولا يقال: إذا كانت بمعنى الذي، والذي اسم يجب أن تكون "أل" اسمًا أيضًا؛ لأنا نقول: لا يلزم من تساوي كلمتين في المعنى تساويهما في النوع؛ لأن من التبعيضية مساوية في المعنى لبعض، وهيهات مساوية لبعد، ولم يلزم منها اسمية الأول وفعلية الثاني، ورد ردهم بأن الحكم بالإسمية لا يستلزم محذورًا، والأصل عدم التقرير والتأويل ودليل من قال أن "أل" من الحروف المحضة أنها لو كانت اسمًا لما جاز حذف "همزتها"، وذلك لأن الأسماء المتصرفة لا يكون وضعها على أقل من ثلاثة أحرف، حرف يبتدأ به، ولا يكون إلا متحركًا اضطرارًا، وحرف يوقف عليه ويسكن اختيارًا، وحرف يفصل بينهما لتنافيهما بالحركة والسكون.
فإن قيل: المتوسط إن تحرك نافى الثاني، وإلا نافى الأول، فالمنافاة باقية.
أجيب بأن المتوسط طبعه يقتضي أحدهما لا على التعيين، فلا منافاة لترتبها هنا على اقتضائه أحدهما بالطبع، وحيث كان الاعتداد هو الوضع على ثلاثة أحرف فوضع الكلمة على أقل منها نقص، ولذلك يبنى ما هو على حرف أو حرفين.
ويقال: إن وضعها وضع الحروف فلو كانت اسمًا مع أنها ثنائية، وحذفت "همزتها" كان إجحافًا، مع أنهم زادوا "أل" في الذي، وهي ثلاثية لتحسين اللفظ وتقويته في الاسمية، وهذا دليل على بعد حذفها من "أل" لو كانت اسمًا، وأجيب عن دليلهم بوجهين:
أحدهما: أن "أل" لما كانت حال حرفيتها كما هي حال اسميتها من غير تغيير سهل الحذف حال اسميتها كما سهل حال حرفيتها.
وثانيهما: أن من الأسماء المعربة المتصرفة ما يكون بعد الحذف على حرف واحد نحو: "فو"، و"ذو"، فإنهما على حرفين، وإذا لقي آخرهما ساكن آخر من كلمة بعدها تحذف "الواو" منهما لالتقاء الساكنين، وتبقى كل منهما على حرف واحد، وإذا ثبت جواز كون الاسم المعرب المتصرف على حرف واحد فلم لا يجوز كون الاسم المبني الغير المتصرف على حرف أو حرفين، وليعرف أن القائلين بحرفية "ال" اختلفوا في أنها مع لزومها الحرفية هل هي من الموصولات الحرفية أم لا.
والفرق بين قول من يقول: إنها من الموصولات الإسمية كما هو الصحيح، وقول من يقول: إنها من الموصولات الحرفية أنها إذا كانت اسمًا كانت مقدرة بالذي أو أحد فروعها الخمسة على ما يقتضيه الضمير العائد، ويكون ما بعدها صلة وإن كانت حرفًا موصولًا كانت مع ما بعدها بمنزلة اسم واحد، ويتعين على الأول أن يكون صلته اسم فاعل أو مفعول، واختلفوا في جواز وقوع الصفة المشبهة صلة، فأجازه جماعة منهم الشيخ جمال الدين ابن مالك، وقد ورد دخوله على المضارع كما سيأتي، وجعله الأكثرون من الشذوذ، وابن مالك جعله من القياسيات لقوة المشابهة بين المضارع واسم الفاعل.
واعلم أنهم اختلفوا في هذه الكلمة على ثلاثة مذاهب:
أحدها: مذهب جمهور النحاة، أنها "اللام" وحدها، واستدلوا عليه بأن التعريف ضد التنكير، وهو بحرف واحد، وهو التنوين، فذلك التعريف حملًا لأحد النقيضين على الآخر بأنه لو كانت أداة التعريف مركبة لما أفادته مع حذف "الهمزة" في الدرج لزوال التركيب بزوال جزئه، وإنما بنيت لأنها شديدة الامتزاج بالكلمة، ولهذا أدغمت في أربعة عشر حرفًا من حروف الهجاء، وإنما ألحقت بأول الكلمة، إمَّا للإهمال بحال التعريف أو لأن آخر الكلمة محل التغيير.
قلت: أو لأنه لما كان ضد التنكير وهو يلحق الآخر ألحق بالأول تحقيقًا للضدية، وإنما أجلبوا لها "الهمزة" توصلًا إلى النطق، وإنما كانت ساكنة لأنها لو كانت مفتوحة لالتبست "بلام" الابتداء، ولو كسرت لالتبست بالجارة، ولو رفعت لكانت مستثقلة مع كثرة الاستعمال الذي هو مطية التخفيف.
وقال والدي رحمه الله في رسالة الاستعاذة، وهذا لا يخلو من ضعف؛ لأن وضعهم الحرف في أول الكلمة ساكنًا مع كثرة الاستعمال بعيد، وأما المذهبان الآخران فقد اتفقا على أنها ثنائية الوضع وهو الصواب، ولهذا جعلناها من هذا الباب، ولكن اختلفا في "الهمزة"، فذهب سيبويه إلى أنها للوصل لثبوتها في الابتداء وسقوطها في الدرج، وذهب الخليل إلى أنها للقطع "كهمزة" "أم" "واو" وحذفها في الدرج للتخفيف، واستدل هذا بأنها لو كانت للوصل لكسرت كسائر "همزاته" الداخلة على الأسماء، ولما قطعت في قوله تعالى: {قل آلذكرين حرم أم الأنثيين}، ورد الأول بأن الفتحة للخفة.
والثاني: بأنه إنما قطعت ليحصل الفرق بين الخبر والاستفهام، وفيه نظر.
واعلم أن الشيخ جمال الدين بن مالك لم يذكر في "أل" سوى المذهبين الأخيرين وزعم أن الخليل وسيبويه سمياها "أل" وقالا: إنها حرف ثنائي، وأنكر على من سماها "الألف" و"اللام" وخطأه، وقال: كما لا يجوز التعبير عن هل بالها و"اللام" بل بهل، فكذلك هنا، وإنكاره على من سماها "باللام" فقط أشد.
وقال ما معناه: أنه لما رأى المتأخرون أن عند سيبويه "همزتها" للوصل تجرؤًا على إسقاط "الهمزة" وعبروا عنها "باللام" وحدها، ورجح مذهب الخليل وقال: هو الصواب، وعلى تقدير أنها للوصل لا يجوز إطراحها أيضًا لزيادتها، كما أن "همزة" استمع مقطوع بزيادتها وتسمى الكلمة بوجودها خماسية، ولذلك يفتح حرف المضارعة اعتبارًا لوجودها، ولا يجوز إسقاطها لكونها زائدة، فكذلك في "أل".
قال في الأغراب: وأنا أقول: قد نقلوا في الكتب المعتبر أن أحد المذاهب يقول في أن "اللام" لا غير، وهو مخالف لما نقله الشيخ جمال الدين بن مالك، بل نقل عن ابن كيسان أنه مذهب جمهور النحاة، وحينئذٍ فمذاهب النحاة ثلاثة، ولا وجه للإنكار على من عبر عنها "باللام" وحدها، وقد كثر ذلك وشاع في كتب الأئمة المحققين رحمهم، ولكن الأولى التعبير عنها "بأل" ؛ لأن الإمامين الخليل وسيبويه قد سمياها به فيجب اتباعهما.
قلت: وجوب الاتباع يستلزم وجوب التعبير عنه "بأل" لا ترجيحه إذا تقرر هذا، "فأل" إمَّا مؤثرة في مدخولها أو غير مؤثرة، فهي إذن صنفان.
الصنف الأول: "أل" المؤثرة والمراد بالتأثير التأثير المعنوي، وهو هنا التعريف بمعنى أنها تخرج المعرف بها من شياع التنكير إلى حصر التعريف وتعيينه، فإذا قصد بها ذلك فإما أن يقصد بها تعريف الماهية من حيث هي مع قطع النظر عن الإفراد نحو: البر خير من الشعير، والرجل خير من المرأة، وتسمى أداة الحقيقة والماهية، ويسميها كثير الجنسية وهو بعيد عن التحصيل لملاحظة الإفراد في الجنسية، والمفروض عدمها، وإمَّا أن يقصد التعريف مع ملاحظة الإفراد وهي الجنسية نحو: الدينار خيرٌ من الدرهم، والذهب خيرٌ من الفضة، وإمَّا أن يقصد تحريف الإفراد، ولا يخلو إمَّا أن يقصد تعريف جميع الإفراد أو بعضها، فإن قصد الأول فإما أن يقصد ذوات الإفراد وتسمى استغراقية، كقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر}؛ بدليل صحة الاستثناء أو صفاتها، وتسمى أحاطية، نحو: زيد كل الرجل مدحًا، أي: الجامع لصفات الرجولية وخصائصها، وعمرو كل اللئيم ذمًا، أي: المتصف بسائر خصال اللؤم، وكثير لم يفرق بينهما، بل سموها استغراقية مطلقًا، وقسمها بعضهم إلى حقيقي، كقوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة}، وعرفي نحو: جمع الأمير الرعية.
قال بعضهم: ولا بأس بتسمية هذه الثلاثة طبيعية، واعلم أنه إذا اعتبر تعدد مدلولها جاز أن يوصف مدخولها بالمفرد نظرًا إلى لفظه، وبالجمع نظرًا إلى معناه، ولا يلزم الجمع بين متنافيين الأداة، ولفظ المعرف لتجرده حينئذٍ عن معنى الوحدة، وإليه أشار أبو الحسن رضي الله عنه بقولك: «أهلك الناس الدينار الحمر والدرهم البيض»، ومنه قوله عز وجل: {أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء}، وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش، وإن منعه الجمهور.
واستغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع؛ بدليل صحة الإضراب في: لا رجال، وامتناعه في: لا رجل، كما تحقق في "لا" الجنسية، وإن قصد تعريف بعض الإفراد تسمى عهدية لقصد بعض الإفراد دون بعض، وهي على ثلاثة: اضرب ذكري وحسي وذهني؛ لأنها إمَّا أن تعرف ما سبق له ذكر في الكلام، ثم أعيد معرفًا بها، سواء سبق نكرة، كقوله تعالى: {وأرسلنا إلى فرعون رسولًا فعصى فرعون الرسول}. أو معرفة إمَّا "باللام" أيضًا، كقولك: جاءني الرجل فأوصيت الرجل بكذا، أو بغيرها كقولك: واصلني من قطعني، فأكرمت المواصل، بهذا يعلم ضعف قول بعضهم الذكرى ما سبق في الكلام نكرة، ثم أعيد وحكي بالأداة، وإمَّا أن تعرف من حضر مجلس الخطاب فيقع تارة موقع المضمرة إذا كان مدخولها هو المخاطب، كقولك: المولى يقول "ذا"، أي: أنت، وتارة موقع اسم الإشارة إذا كان غيره، كقولك لمخاطبك: الرجل يقول كذا مريدًا تعريف ثالث، أي: هذا، ومنه يعلم أيضًا ضعف قول من قال: إن المفيد للعهد الحسي ما تقع موقع اسم الإشارة، وقال بعضهم: لا تكون للعهد الحسي إلا في أربعة مواضع:
أحدها: بعد "إذا" المفاجأة نحو: خرجت "فإذا" السبع.
وثانيها: بعد أسماء الإشارة نحو: "هذا" الرجل.
وثالثها: بعد "أي" في النداء نحو: يا "أيها" الرجل.
ورابعها: في لفظ الآن، والساعة، وإمَّا أن تعرف ما هو مركوز وثابت في ذهن المخاطب فيشير المتكلم بها إلى ذلك الواحد من حيث هو معهود للمخاطب فيطلق الحقيقة على الواحد عند انتصاب القرينة كإطلاق الكلي الطبيعي على جزئي من جزئياته، كقول أحد القادمين للآخر: ادخل السوق واشتر اللحم، أراد من السوق واللحم، فردًا واحدًا من جهة أن المخاطب يعهده، والقرينة اشتمال البلد على السوق، واشتماله على اللحم.
ومنه قوله تعالى:{أخاف أن يأكله الذئب}، ومثل هذا وإن كان لفظه لفظ المعارف فيجري عليه أحكامها من وقوعه مبتدأ، وذا حال ووصفًا للمعرفة وموصوفًا بها، لكنه في قوة النكرة فيعامل معاملتها فيوصف بالجمل، كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني.
وإنما جعلناه في قوة النكرة ولم نحكم بأنه نكرة محضة لما تحقق في بابه أن النكرة هي فرد من الحقيقة غير معين، وهذا معناه نفس الحقيقة، وإنما تستفاد البعضية من القرينة كما استفيدت بعضية السوق واللحم من قرينة اشتمال البلد على السوق، والسوق على اللحم، وهذا أحسن ما تقرر وأبين ما تحرر، ومما قررناه بعلم ضعف قول أبي الحسن بن بابشاذ أن تعريف الجنس لما ثبت في الأذهان، وتعريف العهد لما ثبت في الأعيان.
الصنف الثاني: "أل" الغير المؤثرة، وقد اصطلح بعضهم على تسميتها زائدة، وإذ قد تكون عوضًا عن محذوف من الكلمة، وقد لا تكون فهي ضربان.
الضرب الأول: ما تكون فيه عوضًا عن شيء، وذلك في كلمات.
منها: لفظ الآن، قالوا: إن "أل" فيها ليست معرفة، وتدل على الزمن الحاضر بمعنى الساعة، وقيل: معناها الحد المشترك بين زماني الماضي والمستقبل، وتعني بها النحاة الزمان الذي يقع فيه ابتداء كلام المتكلم، ولو طالت مدته، كما يقال: الساعة أفعل كذا، وإن امتدّ زمان فعله، هذا هو المفهوم من كلام العرب، ومنه قول علي رضي الله عنه وقد سئل عن خضاب اللحى: «أليس سنة مأمورًا بها؟، فقال كان ذلك والإسلام قل، فأما الآن وقد اتسع نطاق الإسلام فامرء أو ما شاء»، أي: اتركوا كل شخص يفعل ما شاء من خضاب أو تركه، فلم يرد أن هذه الإباحة تختص بتلك الساعة دون غيرها، واختلف في أصلها، فقال الفراء: هي فعل ماض بمعنى قرب، فنقل إلى الاسمية وأدخلت عليه الأداة، كما قالوا في القيل والقال، وعند البصريين أصلها "أو" "أن" فحذفت "الألف" الساكنة اعتباطًا فبقيت ثلاثية وسطها "واو" متحرك قبله فتحة، فقلبت "الفاء" على ما تقرر في بابه ثم بنيت وحركت لالتقاء الساكنين، وفتحت للخفة، واختلفوا على ما تقرر في سبب البناء.
فقال الزجاج: تضمنها معنى الإشارة، فإن قولك: الآن يكون كذا معناه هذه الساعة يكون كذا وتضمن معنى الإشارة يوجب البناء.
قال الرضي: وفيه نظر؛ إذ جميع الأعلام، هكذا متضمنه معنى الإشارة مع إعرابها.
وقال المبرد: إنها حيث وضعت كجزء من الكلمة في أول وضعها، ولم تستعمل نكرة ثم عرفت كسائر المعروفات، وقد لامت طريقة واحدة ولم تتغير أشبهت الحروف في عدم التغير، ولزوم طريقة واحدة فبنيت لذلك.
وفي الأغراب: وفيه نظر؛ لأن هذه المشابهة ليست مما يوجب البناء؛ لأنهم ذكرا أن مشابهة الاسم للحرف والموجبة للبناء، تجب أن تكون بخاصة من خواص الحرف، إمَّا اللفظية وهي وضعه على حرف أو حرفين "كياء" الضمير وهائه، أو المعنوية: وهي إمَّا بالافتقار "اللام" للكلمة كالموصولات، أو بأداء معناه معنى من الإنشاءات وضعًا، كأدوات الاستفهام أو بتضمنه كأمس المتضمن معنى "أل"، أما "أن" الملازمة لطريقة واحدة توجب البناء فلا، وإلا لوجب بناء كثير من الأسماء المعربة كالملازمة للمصدرية والحالية، وقال أبو علي: لما كانت "أل" فيه قد بنيت الكلمة من أحد المعارف المشهورة حكمنا بأن تعريفها "بأل" مقدرة لأنها هي الأداة الموضوعة للتعريف غالبًا فتضمنت معنى الحرف، فبنيت كأمس، وعلى هذا لا تكون "أل" عوضًا عن أداة التعريف؛ لأنها متقدمة عليها، فكيف تكون عوضًا عنها، اللهم إلا أن يقال: لما كانت عوضًا عنها صورة، وكانت تلك محذوفة ولا تظهر، ويمكن تصور أن الفائدة التي كانت مستفادة من تلك، أعني: التعريف هي موجودة مع هذه، جاز أن ينسب إليها البدلية على سبيل التجوز.
ومنها: لفظة الجلالة، أي: الله، اختلف في أن مرتجل أم مشتق، فذهب الجمهور إلى أنه علم مرتجل للرب سبحانه وتعالى متمسكين بأدلة، ونحن نذكر ما خطر بالبال منها، وهو أنه تعالى نفى المسمى له بقوله عز من قائل: {هل تعلم له سميًا} لما تقرر أن الاستفهام الإنكاري يفيد النفي وهو يقتضي الارتجال لعدم امتناع إطلاق المشتقات على مسميات متعددة حقيقة كان، كإطلاق العالم على زيد وعمرو، أو مجازًا كقوله تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين} أطلق سبحانه صفة الخالقية على غيره تجوزًا، ويؤيده ما نص عليه الخليل رحمه الله من أطباق الناس واتفاقهم على هذا، وأن الاسم مختص بالذات المتعالية لم يطلق على غيرها بنوع من الأنواع، وأما إطلاق إله على غيرها فإمَّا منكرًا، كقوله تعالى: {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة}، وإمَّا مضافًا، كقوله تعالى: {من فعل هذا بآلهتنا}، وقولهم: إله الدار، فحكمه حكم الرب، وهذا يقوي ما ادعيناه، وأيضًا لو كان مشتقًا لما حصل التوحيد بكلمة الشهادة فقط؛ لأن المعنى حينئذٍ لا إله إلا الموصوف بهذه الصفة، وهذا عام لا يقتضي الحصر والوحدة، فيحتاج إلى أمر خارج يفيدهما، وهذا خلاف ما أجمع عليه العلماء من إفادة كلمة الشهادة، التوحيد المقتضي لنفي الشريك من غير احتياج إلى شيء آخر، فيجب بهذين الدليلين القول بارتجاله ليكون علمًا على ذات معينة متحدة لا تقبل الشركة، والتعد بوجه فيحصل الحصر والتوحيد كما يحصل حصر الكريم في قولك: لا كريم إلا زيد في زيد لكونه علمًا بخلاف: لا قائم إلا العالم، فإن العالم يجوز أن يتصف به كل من هو عالم، فلا يحصل التعيين الوحداني، فتجزم بديهة العقل في الأول بأن صفة الكريم ثابتة لزيد وحده لا شريك له فيها، وفي الثاني: لا تجزم به إلا بعد إثبات أن لا عالم سواه، وعلى هذا لا تكون "أل" فيه معرفة؛ لأن الأسماء المرتجلة موضوعة أعلامًا لا تحتاج إلى أداة تعريف، وذهب الباقون إلى أنه مشتق منقول إلى العلمية مستدلين بأن الله في قوله تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} صفة لهو، وإلا لزم خلو الكلام عن الفائدة؛ لأن قولك: هذا زيد في البلد، وهذا عمرو في الحضر، غير مفيد؛ إذ زيد زيد في البلد وغيره، وعمرو عمرو في السفر والحضر لأن ذلك يقتضي أن الزيدية ثابتة له في البلد فقط، وكذا العمرية ثابتة له في الحضر دون السفر، حتى لو فارق زيد البلد وعمرو الحضر لم يتصف ذاك بالزيدية وهذا بالعمرية، بخلاف ما إذا كانت صفة، كقولك: هذا العالم في البلد فإنه يفيد أن لا عالم في البلد سواه لدلالته على اتصافه وحده بهذه الصفة، وأيضًا فإن الأعلام إنما توضع بإزاء ما تصح الإشارة إليه، وقد امتنعت هنا لاستدعائها ذا جهة تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وأيضًا فإن الاحتياج إلى وضع الأعلام إنما يكون عند تعدد الأفراد ليحصل بها الامتياز وهو محال لقيام الدلائل القاطعة على وحدانيته تعالى، فلم يضعوا له علمًا استغناء بذلك، وقد ردوا هذه الأدلة وضعفوها، أما الأول فبامتناع وقوع الضمير موصوفًا لما تقرر في محله من أن الضمائر لا توصف، ولا يوصف بها، وإنما أتى بهو في هذا الكلام تنبيهًا على أن المعبود الحقيقي في السموات والأرضين باستحقاق هو الله تعالى؛ إذ ليس المراد من هذا التركيب إلا إثبات أن المسمى فيهما بهذا الاسم المقدس هو لرب تعالى.
وأما الثاني: فبأن قولهم: العلم إنما يوضع لما تصح الإشارة إليه بمنزلة الإشارة، وبأنا لا نسلم اشتراط صحة الإشارة لاتفاقهم على صحة وضع الأعلام بإزاء المعاني وتصريحهم بأن سبحان علم للتسبيح، وغير ذلك مما لا تصح الإشارة إليه.
وأما الثالث: فبأن العلماء قد أجمعوا على صحة ذلك مع اتحاد الحقيقة وعدم التعدد، وهذا دليل على أن الصواب هو الأول، وذكر ما بقي من أدلة الفريقين وأجوبتها مفصلًا، والخلاف في أنا عربي أم مستعرب موكول إلى رسالتنا الموسومة بعقد الجمان في تفسير إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وليعلم أن القائلين بالاشتقاق والنقل اختلفوا في أصل المشتق منه المنقول هو عنه، فمنهم من جعله من "أله" بفتح "الهمزة" وكسر "اللام" بوزن علم، ونقل فيه خمسة معان:
الأول: بمعنى فزع.
الثاني: بمعنى سكن.
الثالث: بمعنى ضرع وخضع، وهذه الثلاثة تتعدى "بإلى"؛ لأن العباد يسكنون ويركنون ويفزعون ويلتجئون ويخضعون ويضرعون إليه سبحانه.
الرابع: بمعنى حار، لتحير العقول في كنه جلاله، وهذا يعدى نفي؛ لأنه تعالى مرد دهشتهم ومرجع حيرتهم.
والخامس: بمعنى اخرج؛ لأنه تعالى أخرج الممكنات بوجوب وجوده، واحتاج كل منهما في إيجاده ونيل مراده إلى فيض جوده، وهذا يتعدى بنفسه، ومنهم من جعله من لاه بفتح "اللام" وسكون "الألف" على وزن تاه، بمعنى: احتجب، من قولهم: لاهت العروس، أي: احتجبت لاحتجابه عن العقول بعظمة جلاله وقصورها عن إدراكه بسطوع جماله، ومنهم من جعله من وله، بفتح "الواو" وكسر "اللام" بوزن دله من اضطراب العقل وذهابه؛ لأنه تعالى كلت عن إدراكه ثواقب الإفهام، وعجزت من معرفته طوائر الأوهام، وجميع الأقوال تنحصر في مادتين:
الأولى: إله، سواء كانت "الهمزة" منقلبة عن "واو"، على أن أصله وله، أو أصلية بفتح "اللام" من أله، أو كسرها من إله، فأدخلت عليه "أل" المعرفة فصار الإله، فحذفت "الهمزة" الأصلية اعتباطًا.
وقيل: المحذوف "همزة" الوصل ثم نقلت الأصلية إلى موضوعها، فصارت كلها هي لمساواتها لها محلًا وصورة، فلما اجتمع "اللامان" أدغمت الأولى في الثانية، وفخمت للتعظيم والرفع، فصارت الله، وهذا يعزى إلى الكوفيين.
قال والدي رحمه الله: والقول بأن المحذوف "همزة" الوصل ضعيف؛ لأنهما وإن اتفقا صورة ومحلًا لكنهما اختلفا حكمًا؛ لأن الزائدة "همزة" وصل، والأصلية "همزة" قطع، ولو أقيمت هذه مقام تلك لبقيت الكلمة على قطعها الأصلي؛ لعدم الموجب لحذفها في الدرج، فالأولى الجزم بأن المحذوفة هي الأصلية، حذفت "لا" لعلة.
قلت: لا نسلم عدم الوجب؛ إذ يكفي منه قيامها مقامها، فتكتسب حكمها كاكتساب العوض حكم المعوض في كثير من الأماكن، والأولى في منع أن المحذوفة "همزة" الوصل أن ذلك يستلزم النقل والتعويض المخالفين للأصل دون ضرورة الثانية لاه، فألحقت به أداة التعريف فصار اللاه، فحذفت "الألف" فصار الله، فحصل الإدغام ثم فخم، وهو يعزى إلى البصريين، والفصيح تفخيم "اللام" عند الانتقال من الضمة، كقوله تعالى: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه}، أو الفتحة، كقوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا} وترقيقها عند الانتقال من الكسرة، كقوله تعالى: {بسم الله}، وبالله أو دخول "لام" الملك، كقوله تعالى: {لله ملك السموات والأرض} إذا تقرر هذا "فأل" عوض عن "الهمزة" على القول الثاني دون الأول في المادة الأولى دون الثانية، ومنع بعض العلماء كون "أل" عوضًا عن "همزة" إله.
قال: لأنه قد ورد لاه أبوك، بمعنى: الله أبوك، فلو كانت "أل" عوضًا لزم حذف العوض والمعوض، وهو غير جائز، وجعل بعضهم "أل" في الناس عوضًا عن "همزة" أناس، فمتى ثبتت "أل" حذفت "الهمزة"، وعكسه وقد منعوه أيضًا بما رواه المبرد عن المازني من قول الشاعر:
إن المنايا تطلعـــ ..... ــن على الأناس الآمنينا
وجوزه بعضهم للضرورة، واتفقوا على فتح "الهمزة" من هذا الاسم المقدس في النداء.
قال بعضهم: إنها لما تجردت عن التعريف صارت جزءً محققًا من مصحوبها فعوملت معاملة "الهمزات" الواقعة في أوائل الكلمات لا للتعريف، فقطعت مثلها.
قال والدي في رسالة الاستعاذة: وهذا إنما يقوي إذا قلنا: إن تعريف الأول باقٍ ولا أثر "لأل" في تعريفه، أو قلنا: إنه يزداد تعريف العلم بتعريف الأداة، ولا يبعد اجتماع معرفين واحد، إنما الممتنع اجتماع أداتي تعريف، فلا يتمشى الدليل، ويكون قطع "أل" هنا بخروجها عن أصلها كما يقطعون "همزة" الوصل في الفعل المبتدأ إذا جعلته علمًا فتعامل معاملة الأسماء الأعلام، وليس فيها "همزة" للوصل هنا لذلك، حيث جعلت جزءً من هذا العلم.
ومنها: "أل" الواردة في الكلام عوضًا عن "ياء" النسبة، فإنهم ذكروا أن "ال" في لفظ المجوس عوض عن "ياء" النسبة إلى الغالب من حال التعويض، فإنه يجعل العوض في غير مكان المعوض عنه، ثم صرحوا أنه لا يجوز الجمع بينهما، فلا يقال: المجوسي، و"ال" عوض بل معرفة حتى لا يلزم الجمع بين العوض ومعوضه.
ومنها: "ال" التي جعلت عوضًا عن الضمير في مثل قولهم: ضرب زيد الظهر والبطن، ومثل قولهم: مررت برجلٍا حسن الوجه مطلقًا، وشرط بعضهم أن يكون بالتنوين والرفع، ولا طائل تحته إذ بفقد الشرط لم يخرج عن المبحث، غايته أن يكون بوجوده عوضًا عن الضمير المحذوف، وبفقده عوضًا عن المستتر في الصفة لجواز الاستتار حينئذٍ، وعلى كلا التقديرين يصدق على "ال" أنها عوض عن الضمير، ومنه قوله تعالى: {فإن الجنة هي المأوى} فإن الأكثرين على أن المعنى ضرب زيد ظهر منه وبطن منه، ومررت برجلٍ حسن وجهه، فلم تتعرف الكلمة، ولكن تعلقها به، وأما من يقول: إنه بمعنى ظهر وبطنه فقيل: فيه نظر؛ لأنه حينئذٍ تصير لفظة "ال" مفيدة تعريفًا فلا يليق جعلها من هذا الصنف لتأثيرها لأنها نائبة عن معرفة، فتفيد ما تفيده.
قلت: نظرهم ضعيف؛ لأن "ال" على كلا الوجهين عوض عن الضمير وهو معرفة مطلقًا لا عن الاسم الظاهر ليتجه النظر.
الضرب الثاني: ما زيدت فيه لا لعوض، ويسميها الجميع زائدة، وهي أقسام.
القسم الأول: ما تدخل الأعلام ودخولها عليها إمَّا للمح صفة أصلية كالحارث، أو مصدرية كالفضل، وإمَّا لتوهم اشتراك فيزال بدخولها كما يزال بالإضافة، كقول الشاعر:
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ..... بأبيض ماضي الشفرتين يمان
وإطلاق السيرافي أن دخول الأداة على الأعلام للضرورة ضعيف؛ لأنها قد وردت في غير أماكن الاضطرار، كقوله:
بكيت من منزلة وذكر دارا ..... تعفت بعدام العمرو
لقيام الوزن مع الحذف والضرورة ما لا يستقيم الوزن بدونه، كما صرح به في الكتاب، كقوله:
بإعدام العمرو ومن أسيرها ..... حراس أبواب على قصورها
القسم الثاني: ما زيدت لإصلاح اللفظ وتحسين الكلام، وهي الداخلة على الذي وفروعه، فإنها ليست فيه للتعريف على القول الصحيح؛ لأن تعريف الموصول إمَّا وضعًا وإمَّا بالصلة، وهو الأصح، فدخول "ال" فيه ليس للتعريف خلافًا لمن خالف؛ لأن الصلة تخصص الموصول؛ إذ هي جملة من فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبر، وكل منهما خاص، فجرى مجرى الصفة نهاية التخصيص.
فإن قيل: كيف تعريف الجملة وهي نكرة، ولذلك تفسر بالنكرة.
قلت: أجاب أبو البقاء بجوابين:
أحدهما: أن الجملة التي هي صلة لا تخلو من ضمير هو لموصول في المعنى والضمير معرفة فتخصصت الجملة به، والفعل في الجملة يلزمه الفاعل وهو معرفة، وكذلك المبتدأ فصارت الجملة مع الذي بمنزلة وصف معرف "بأل".
وثانيهما: أن الجملة ليست نكرة باعتبار نفسها، بل تقدر باسم نكرة، فإذا انضم إليها صار في حكم المركب، فالجملة كالمفرد النكرة، والذي نعت لما قبله، فحدث عند التركيب معنى لم يكن للمفرد على ما هو المألوف في المركبات.
القسم الثالث: ما دخلت الأعداد نحو: الثلاثة الأثواب، فإن الأصل فيه ثلاثة الأثواب؛ لأن التعريف إنما يدخل المضاف إليه، وينبغي أن يجرد المضاف عن التعريف سواء كان بأداة أو غيرها، وعند الكوفيين: إن ذلك قياس مطرد، وتمسكوا بأمور:
أحدها: ورود العدد المضاف معرفًا، كما مثل.
وثانيها: القياس على الحسن الوجه.
وثالثها: أنهما لما كانا لذات واحدة عرفوا الأول؛ لأنه محل التعريف، والثاني لأنه المقصود في الحقيقة بخلاف: غلام زيد، فإنهما متعددان لفظًا ومعنى، وأجيب عن الأول بأنه ضعيف لمخالفته ما ورد عن الفصحاء، فلا يعتد به، كقول ذي الرمة:
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ..... ثلاث الأثافي والديار البلاقع
وقول الفرزدق:
ما زال مذ عقدت يداه إزاره ..... فسما أدرك خمسة الأشبار
وعن الثاني بالفرق، وهو أن إضافة الحسن الوجه لفظية لا تفيد تعريفًا، وهذه معنوية تفيده فافترقا.
وعن الثالث: إن خاتم فضة متحدان، ولا يجوز تعريف المضاف اتفاقًا، فلو كان اتحادهما علة لجاز هنا أيضًا لامتناع تخلف المعلول عن علته التامة، وربما زيدت في جزئي المركب، فتقول: الخمسة العشر درهمًا، وقد زادوها في مميزه أيضًا، وقالوا: الخمسة العشر الدرهم، وكل ذلك عند البصريين محمول على الشذوذ.
القسم الرابع: ما زيدت في غير الأماكن المذكورة، فزيدت تارة في الحال كقراءة من قرأ: {ليخرجن الأعز منها الأذل}، مبنيًا للمفعول، فالأعز: مفعول لم يسم فاعله ليخرجن، والأذل: حال منه نكرة في المعنى للإهانة، وعنى بهما عبد الله بن أبي سلون رئيس المنافقين، أي: يخرج هو أذل من المدينة، ومنه قول الشاعر:
فأرسلها العراق ولم يذدها.
وقولهم: جاءوا الجم الغفير، أي: معتركة، وجمًا غفيرًا وتارة في التمييز، كقوله:
وطبت النفس يا زيد عن عمر،
إذ المراد: طبت نفسًا، فأدخل الأداة للضرورة، وتارة في الجملة الاسمية، كقوله:
من القوم الرسول الله منهم ..... لهم دانت رقاب بني معد
وبعضهم جعلها هنا بمعنى الذين، ويجعل الشذوذ كون صلة "الألف" و"اللام" جملة اسمية، ويجب أن تكون اسم فاعل أو مفعول كما تقرر في موضعه، وسهل بعضهم وقوع صلتها جملة فعلية إذا لصلة بها أسهل من الاسمية، واستحسن بعضهم الفعلية إذا كان الفعل مضارعًا لشدة مشابهته بالأسماء المشتقة.
قلت: السر في هذا كله أن "اللام" لما أشبهت المعرفة لفظًا والموصول معنى اقتضت الدخول على كلمة ذات جهتين تقتضي بإحداهما الدخول على الاسم، وبالأخرى الدخول على الجملة، وليس كذلك إلا المشتقات ولكون رعاية جانب المعنى أولى من رعاية جانب اللفظ سهل اتصالها بالفعلية وحسن اتصالها بالمضارع، ورأى بعض المتأخرين دخولها على المضارع قياسًا كقول الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضي حكومته ..... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
وقول الآخر:
كاليروح ويغدو لاهيًا مرحًا ..... له الخل أهلا إن يعد خليلا
وقول الآخر:
ويستخرج اليربوع من نافقائه ..... ومن جحره بالشيحة اليقصع
وقول الآخر:
يقول الخنا وابغض العجم ناطقًا ..... إلى ربه صوت الحمار اليجدع
وتارة على الظرف، كقوله:
من لا يزال شاكرًا على المعه ..... فهو حر بعيشة ذات سعة
تنبيه: قد تكون "ال" الزائدة في بعض الكلمات لازمة لمدخولها، فلا يجوز فكها منه لغلبة الاستعمال معها نحو: النجم، والثريا، والصعق، واليسع؛ لأن الأعلام لا تغير إذ لو تغيرت لم تفد ما كانت تفيده من الغلبة، والله أعلم). [جواهر الأدب: 149 - 163 ]


رد مع اقتباس