عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 10:49 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي الاستعاذة

الاستعاذة

قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علل الاستعاذة
1- قال أبو محمد: إن سأل سائل فقال: لأي شيء جيء بالاستعاذة في أول الكلام؟
فالجواب أن الاستعاذة دعاء إلى الله جل ذكره واستجارة به من الشيطان، وامتثال لما أمر به نبيه عليه السلام إذ قال له في كتابه: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} «النحل 98».
2- فإن قيل: فما معنى الاستعاذة، وما أصل «أعوذ»؟
فالجواب: أن معنى الاستعاذة الاستجارة والامتناع بالله من همزات الشياطين بدلالة قوله تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} «المؤمنون: 97» والشيطان في الاستعاذة اسم للجنس يُراد به الشياطين بدلالة الجمع في الآية، فأما «أعوذ» فأصله «أعْوذُ» على وزن «أفعل» مثل «أدخل» فألقيت حركة الواو على العين، فسكنت الواو وانضمت العين بمنزلة «أقول»، وألف «أعوذ» ألف المتكلم في فعل ثلاثي في الماضي.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/7]
وعلة فتح الألف أنها أخت الياء والتاء والنون اللواتي يدخلن في الفعل المضارع للدلالة على الحال والاستقبال، فوجب حركة الألف كحركتهن إن فتحن فتحت الألف، وإن ضممن ضمت الألف، وكذلك قياس ألف المتكلم حيث وقعت.
3- فإن قيل: فهلا بقيت الواو مضمومة لسكون ما قبلها، وصحت كما صحت في قولهم: هذا دلو، لسكون ما قبلها؟
فالجواب أن سكون العين في «أعوذ» ليس بأصل كسكون اللام في «دلو»، وأصل العين الفتح في «عاذ»، وإنما سكنت العين لدخول الزوائد عليها، ولئلا تجتمع أربع حركات متواليات في «يضرب ويخرج» ونحوه، فلما كان سكون العين ليس بأصل لم يُعتد به، وأعلّت الواو. وأيضًا فإن الواو قد اعتلت في الماضي في «عاذ» فوجب أن تُعل في المستقبل اتباعًا، لئلا يختلف حكم الفصل.
4- فإن قيل: فما الاختيار في الاستعاذة؟
فالجواب أن الذي عليه العمل، وهو الاختيار أن يقول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وعلة اختيار ذلك ما وقع في النص بلفظ الأمر الذي معناه الترغيب في قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/8]
«النحل 98» فحضنا الله على قول {أعوذ بالله من الشيطان الرجيم} عند القراءة فعلينا امتثال هذا الذي رغبنا فيه عند افتتاح القراءة.
5- فإن قيل: فإن لفظ القرآن أتى بلفظ الأمر والحتم به، أذلك فرض على كل من قرأ القرآن أم لا؟
فالجواب أن لفظ الأمر في القرآن يأتي على وجوه كثيرة، ليس معناها الفرض والحتم، نحو قوله: {وإذا حللتم فاصطادوا} «المائدة 2» واللفظ لفظ الأمر ومعناه الإباحة، ومثله: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا} «الجمعة 10» ويأتي لفظ الأمر ومعناه الندب والإرشاد كقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} «النور 32» و{فانكحوا ما طاب لكم من النساء} «النساء 3» وكذلك قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} معناه الندب والإرشاد، ليس على الفرض والحتم.
6- فإن قيل: فإن ظاهر النص أن يتعوذ القارئ بعد القراءة لأنه قال: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} والفاء بعد ما قبلها تتبعه، هو أصلها.
فالجواب أن المعنى على خلاف الظاهر، معناه: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله، ودل على ذلك الإجماع أن الاستعاذة قبل القراءة، ودليل هذا المعنى قوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا} «الأعراف 4» فوقع في ظاهر التلاوة أن مجيء البأس بعد الهلاك، وليس المعنى على ذلك، إنما معناه: وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا، فمجيء البأس بعد إرادة الهلاك وقبل الهلاك، وكذلك التعوذ المأمور به يكون بعد إرادة القراءة، وقبل القراءة على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/9]
أصل الفاء.
7- فإن قيل: فمن أي شيء اشتق الشيطان، لعنه الله، وما وزنه، وما معناه؟
فالجواب أن اشتقاقه فيه قولان: أحدهما أنه مشتق من «شطن» إذا بعد، يقال: دار شطون، أي بعيدة، وبئر شطون، أي بعيدة القعر، فيكون وزنه على هذا «فيعالا»، سمي ذلك لبعده من رحمة الله، والقول الثاني أن يكون مشتقًا من «شاط يشيط» إذا هلك، فسمي بذلك لهلاكه بمعصيته وغضب الله عليهن فيكون وزنه على هذا «فعلان».
8- فإن قيل: فما معنى «الرجيم»؟
فالجواب أن فيه ثلاثة أقوال: الأول أن يكون بمعنى «مرجوم» وصف بذلك لأنه يرجم بالنجوم عند استراقه السمع، قال الله جل ذكره في الكواكب {وجعلناها رجومًا للشياطين} «الملك 5»، والثاني أن يكون بمعنى «المرجوم» أي: المشتوم على معصيته كما قال تعالى: {لئن لم تنته لأرجمنك} «مريم 46» أي: لأشتمنك، والثالث أن يكون بمعنى المرجوم أي: الملعون، ومعنى «الملعلون» المطرود المبعد من رحمة الله وجواره، ومنه قوله تعالى: {لعنه الله} «النساء 118» أي: أبعده من رحمته وطرده من جواره.
9- فإن قيل: فما وجه ما ذكرته في «كتاب التبصرة» أن خلفا روى عن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/10]
حمزة أنه كان يُخفي التعوذ؟
فالجواب أنه إنما كان يفعل ذلك لئلا يظن ظان أو يتوهم متوهم أنه من القرآن، أو أنه فرض لازم فتعوذ في نفسه اتباعًا لحض الله على ذلك.
10- فإن قيل: فما وجه ما ذكرت أنه روى سليم عن حمزة أنه كان يخفي التعوذ والبسملة؟
فالجواب أن ذلك إذا صح، فمعناه أنه أخفاهما لئلا يظن ظان أنهما من القرآن فاكتفى بالإخفاء عن الإظهار، ولأنه إنما يقرأ عليه القرآن، ولذلك أخفى، والتعوذ والبسملة ليسا من القرآن ففرق بالإخفاء، بين ما ليس بقرآن وبين ما هو قرآن، وأما سائر القراء فأظهروهما إذ قد وقر في النفوس، وعُلم أنهما
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/11]
ليسا من القرآن، إنما هما للاستفتاح والدعاء والتبرك، وهو الاختيار، وعليه العمل عند القراء في سائر الأمصار.
11- فإن قيل: فما وجه ما ذكرته عن المسيبي عن نافع أنه ترك التعوذ والجهر بالبسملة؟
فالجواب أنه على معنى ما ذكرنا، أنه أخفاهما إذ ليسا من القرآن، ولئلا يظن ظان أنهما من القرآن، ذلك أنه أسقطهما مرة واحدة.
والمشهور عن نافع وغيره إظهارهما). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/12]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الاستعاذة والبسملة
أما الاستعاذة: فالمرضي فيها المتلقى عن السلف، الموافق للتنزيل هو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، جهرًا عند إرادة الابتداء بالقراءة، وإلى هذا ذهب أبو عمرو وعاصمٌ، وروي أيضًا عن كثير من العلماء.
ووجه ذلك أنا ندبنا إلى ذكر ذلك في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وليس فيه زيادةٌ على هذا، فينبغي أن لا يزاد عليه.
وروي أن رجلًا كان يقرأ على أبي بن كعب فقال: أعوذ بالله السميع العليم، فقال له: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما أمرك الله حين يقول: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.
[الموضح: 221]
والمراد بقوله تعالى: إذا قرأت القرآن: إذا أردت قراءة القرآن، كما قال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
ولا يجوز أن يقال: المراد إذا فرغتم من قراءة القرآن؛ لأن الحمل على هذا يبطل المقصود؛ لأن المقصود من الاستعاذة عند القراءة هو أن يعيذنا سبحانه من أن يلقي الشيطان في تلاوتنا باطلًا، أو ما لا تجوز قراءته، أو يشغلنا بوساوسه عن التدبر له أو عن تلاوته، على غير الوجه المأمور به، وهذا بعد الفراغ من القراءة محالٌ، ويروى عن سليم عن حمزة أنه كان يتعوّذ بعد القراءة آخذًا بظاهر اللفظ، وهذه رواية مرغوبٌ عنها.
والشيطان هو إبليس، ووزنه عند بعضهم: فعلان، من تشيط النار، وهو التهابها، سمي بذلك؛ لأنه خلق من نارٍ، أو لأن مكايده وغوائله تتقد اتقاد النار، أو لأنه كالنار في تأثيره في الإنسان بالضرر، أو لأنه يصلى نار جهنم.
وقيل هو: فيعالٌ، من شطن إذا بعد؛ لأنه مبعد باللعنة، أو لأنه بعيدٌ عن الأبصار.
أما الرجيم فإنه الملعون المطرود، كأنه رجم باللعنة أي رُمي بها.
وقيل: هو الرجيم بالشهب، كما قال: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ}.
وقيل: هو فعيلٌ بمعنى فاعلٍ، أي يرجم بني آدم بالسيئات ويرميهم بالغوائل.
[الموضح: 222]
ورُوي عن ابن كثير، وروى أيضًا ش- عن نافع: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم.
ووجه هذا أنه غير مقصودٍ به إعادة لفظ القرآن؛ لأنا ما أمرنا إلا بمسألة الله تعالى أن يعيذنا عن شرّ الشيطان، فبأي لفظ، وعلى أي نظم سألناه ذلك أجزأنا، فليس اللفظ بمتعبدٍ به.
وروي عن حمزة: أستعيذُ بالله من الشيطان الرجيم، ونستعيذ أيضًا.
ووجهه أنه تعالى لما قال: {اسْتَعِذْ بِالله} فوجه امتثال هذا الأمر على لفظه أن يقال: أستعيذ بالله، كما لو قال: سل الله، فقال: أسأل الله.
وعن نافع وابن عامر والكسائي: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم.
ووجه ذلك أن فيه التمسك بلفظ القرآن وما جاء فيه الأثر، ثم يتلوه ثناء على الله عز وجل، ووصف له بما هو مذكورٌ في القرآن، وتصريحٌ بأنه يسمع استعاذته ويعلم نيته، وهذا غير ممنوع جوازه.
وعن قوم آخرين: أعوذ بالسمع العليم، وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ووجهه ما ذكرنا في قراءة ابن كثير). [الموضح: 223]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس