عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 04:36 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ويأكلون كما تأكل الأنعام}، أي أكلا مجردا من فكرة ونظر، فالتشبيه بالمعنى إنما وقع فيما عدا الأكل من قلة الفكر وعدم النظر، فقوله تعالى: "كما" في موضع الحال، وهذا كما تقول: الجاهل يعيش عيش البهيمة، فأما بمقتضى اللفظ فالجاهل والعالم والبهيمة من حيث لهم عيش فهم سواء، ولكن معنى كلامك: يعيش عديم النظر والفهم كما تعيش البهيمة. و"المثوى": موضع الإقامة). [المحرر الوجيز: 7/ 644-645]

تفسير قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقد تقدم القول غير مرة في قوله تعالى: "وكأين"، وضرب الله تعالى لمكة مثلا بالقرى المهلكة على عظمها كقرية قوم عاد وغيرهم، و"أخرجتك" معناه: وقت الهجرة، ونسب الإخراج إلى القرية حملا على اللفظ، وقال: "أهلكناهم" حملا على المعنى، ويقال: إن هذه الآية نزلت إثر خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة في طريق المدينة، وقيل: نزلت بالمدينة، وقيل: نزلت بعد الحديبية بمكة عام دخلها رسول الله صلى عليه وسلم، وقيل: عام الفتح وهو مقبل إليها، وهذا كله حكمه حكم المدني). [المحرر الوجيز: 7/ 645]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم * مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم * ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم}
قوله تعالى: {أفمن كان} الآية. توقيف وتقرير على شيء متفق عليه، وهي معادلة بين هذين الفريقين، وقال قتادة: الإشارة بهذه الآية إلى محمد صلى الله عليه وسلم في أنه الذي على بينة من ربه، وإلى كفار قريش في أنهم الذين زين لهم سوء أعمالهم، وبقي اللفظ عاما لأهل هاتين الصفتين غابر الدهر. وقوله تعالى: {على بينة من ربه} معناه: على قضية واضحة وعقيدة نيرة بينة، ويحتمل أن يكون المعنى: "على أمر بين ودين بين" وألحق الهاء للمبالغة كعلامة ونسابة، والذي يسند إليه قوله تعالى: "زين" هو الشيطان، و"اتباع الأهواء": طاعتها، كأنها تذهب إلى ناحية والمرء يذهب معها). [المحرر الوجيز: 7/ 645]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في معنى قوله تعالى: {مثل الجنة} الآية، فقال النضر بن شميل وغيره: "مثل" معناه: صفة، كأنه قال: صفة الجنة ما تسمعون فيها كذا وكذا، وقال سيبويه: المعنى: فيما يتلى عليكم مثل الجنة، ثم فسر ذلك الذي يتلى بقوله: فيها كذا وكذا، والذي ساق إلى أن تجعل "مثل" بمثابة "صفة" هو أن الممثل به ليس في الآية، ويظهر أن القصد في التمثيل هو إلى الشيء الذي يتخيله المرء عند سماعه: "فيها كذا وكذا"، فإنه يتصور عند ذلك بقاعا على هذه الصورة، وذلك هي مثل الجنة ومثالها، أو في الكلام حذف يقتضيه الظاهر، كأنه تعالى يقول: مثل الجنة ظاهر في نفس من وعى هذه الأوصاف. وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "مثال الجنة"، وقرأ علي بن أبي طالب أيضا، وابن عباس رضي الله عنه: "أمثال الجنة"، وعلى هذه التأويلات كلها ففي قوله تعالى: {كمن هو خالد} حذف تقديره: أساكن هذه؟ أو تقديره: أهؤلاء؟ إشارة إلى المتقين، ويحتمل عندي أيضا أن يكون الحذف في صدر الآية، كأنه تعالى قال: أمثل أهل الجنة كمن هو خالد في النار؟ ويكون قوله مستفهما عنه بغير ألف استفهام، فالمعنى: أمثل أهل الجنة - وهي بهذه الأوصاف - كمن هو خالد في النار؟ فتكون الكاف في قوله تعالى: "كمن" مؤكدة للتشبيه، ويجيء قوله تعالى: "فيها أنهار" في موضع الحال على هذا التأويل.
و ماء غير آسن معناه: غير متغير، قاله ابن عباس: وقتادة، وسواء أنتن أو لم ينتن، يقال: أسن الماء - بفتح السين - وأسن بكسرها - وقرأ جمهور القراء: "آسن" على وزن فاعل، وقرأ ابن كثير: "أسن" على وزن فعل، وهي قراءة أهل مكة، والأسن: الذي يخشى عليه من ريح منتنة من ماء، ومنه قول الشاعر:
التارك القرن مصفرا أنامله ... يميل في الرمح ميل المائح الأسن
وقال الأخفش: "آسن" لغة، والمعنى الإخبار به عن الحال، ومن قال: "آسن" على وزن فاعل، فهو يريد به أن يكون كذلك في المستقبل، فنفى ذلك في الآية، وقرأت فرقة: "غير يسن" بالياء، قال أبو علي: وذلك على تخفيف الهمز، قال أبو حاتم عن عوف: كذلك كانت في المصحف "غير يسن" فغيرها الحجاج.
وقوله تعالى في اللبن: {لم يتغير طعمه} نفي لجميع وجوه الفساد في اللبن، وقوله تعالى: {لذة للشاربين} جمعت طيب المطعم وزوال الآفات من الصداع وغيره، و"لذة" نعت على النسب، أي: ذات لذة، وتصفية العسل مذهبة لبوسته وضرره، وقوله تعالى: {من كل الثمرات} أي: من هذه الأنواع، لكنها بعيدة الشبه، إذ تلك لا عيب فيها ولا تعب بوجه. وقوله تعالى: {ومغفرة من ربهم} معناه: وتنعيم أعطته المغفرة وسببته; وإلا فالمغفرة إنما هي قبل الجنة.
وقوله تعالى: "وسقوا" الضمير عائد على "من" لأن المراد به جمع). [المحرر الوجيز: 7/ 645-647]

رد مع اقتباس