عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 22 ربيع الأول 1432هـ/25-02-2011م, 03:33 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

التأويلات

ذكرنا أن أبا حيان يجيز ألا يقترن جواب (إذا) الشرطية بالفاء إن كان الجواب مصدرًا بما النافية، أو (إن) النافية، وأن الرضي يجيز ألا يقترن جواب (إذا) الشرطية بالفاء إن كان الجواب جملة اسمية. وقد سلك الرضي وغيره سبيل التأويل، فأجاز في قوله تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [42: 37] أن يكون (هُمْ) توكيدًا للواو في {غَضِبُوا} [«شرح الكافية»:2/244].
أما أبو حيان فقد منع أن يكون جواب (إذا) جملة اسمية من غير أن يقترن بالفاء، وجعل (إذا) في الآية ظرفية أو (هُمْ) توكيد للضمير المرفوع. [البحر:7/502].
وكل التأويلات السابقة قيلت في الآية الآتية أيضًا: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [42: 39].
[شرح الكافية للرضي:2/104، 244]، [البحر المحيط:7/522]، [المغني:1/94].
{وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} [45: 25].
قدر الرضي القسم قبل الشرط؛ كما أجاز أن تجعل (إذا) ظرفية فقط [شرح الكافية:2/244]، وجعل ابن هشام الجواب محذوفًا. [المغني:1/91].
{هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [34: 7].
جعل الزمخشري، وأبو البقاء، وأبو حيان الجواب محذوفًا في هذه الآية دل عليه قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} تقديره: تبعثون. [الكشاف:3/252]، العكبري:2/101]، [البحر:7/259].
أما الآيات التي دخلت فيها همزة الاستفهام على (إذا) فصارت (أئذا) فقد جعل الرضي (إذا) فيها على صورة أداة الشرط، وما بعدها على صورة الشرط والجواب، وإن لم يكن في الحقيقة شرطا وجوابًا، لذلك لا مانع من أن يعمل الجواب في (إذا) وإن تصدر بما لا يعمل ما بعده فيما قبله؛ كهمزة الاستفهام و(إن) المكسورة المشددة؛ كما عرى الجواب عن الفاء.
قال في [«شرح الكافية»:2/367]: «وأما الهمزة الداخلة على (إذا) فهي في الحقيقة داخلة على ما هو في موضع الجزاء، لأنه ليس بجزاء... بل هو موضوع موضع الجزاء... فليست (إذا) إذن مع جملتيها كإن مع جملتيها، بل مرتبة جزائها التقدم من حيث المعنى على (إذا) لأنه عاملها... فالاستفهام داخل في الحقيقة عليه، فمن ثم لم يأت بالفاء في قوله تعالى: {أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [17: 49، 98] لأن التقدير: أئنا لفي خلق جديد إذا متنا، ولهذا كثير ما يكرر الاستفهام في (إنا) نحو قوله: {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ} [37: 53] لطول الكلام وبعد العهد بالاستفهام حتى يعلم أن حق الاستفهام أن يدخل على ما هو في موضع الجواب... والعامل في (إذا) قوله: «لَمَدِينُونَ» مع أن في أوله همزة الاستفهام، (وإن) ولا يعمل في غير هذا الموضع ما بعدهما فيما قبلهما».
أما أبو حيان فقد جعل (إذا) ممتحضة للظرفية، لا شرطية في قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [13: 5]. [البحر:5/366]. وقال في قوله تعالى:
{وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [17: 49].
«من قرأ (إذا) و(إنا) على صورة الخبر فلا يريد الخبر حقيقة. ولكن حذف همزة الاستفهام، لدلالة المعنى. وفي الكلام حذف تقديره: إذا كنا ترابا وعظاما نبعث أو نعاد، وحذف لدلالة ما بعده عليه، وهذا المحذوف هو جواب الشرط عند سيبويه» [البحر:6/44].
وقال في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَءِنَّا لَمُخْرَجُونَ} [27: 67] «العامل في (إذا) محذوف دل عليه مضمون الجملة الثانية، تقديره: نخرج ويمتنع إعمال {لَمُخْرَجُونَ} فيه، لأن كلا من (إن) ولام الابتداء والاستفهام يمنع أن يعمل ما بعده فيما قبله» [البحر:7/94].
وقال في قوله تعالى: {أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [32: 10].
«الناصب للظرف محذوف يدل عليه (أئنا) وما بعده. تقديره: أنبعث. ومن قرأ (إذا) بغير استفهام فجواب (إذا) محذوف، أي إذا ضللنا في الأرض نبعث» [البحر:7/199-200].
وقال في قوله تعالى: {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [37: 16].
«من قرأ بالاستفهام فجواب (إذا) محذوف، أي نبعث، أو يعرى عن الشرط، ويكون ظرفا محضًا، ويقدر العامل: أنبعث إذا متنا» [البحر:7/355].
وقال في قوله تعالى: {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [50: 3]: «أضمر جواب (إذا)، أي إذا متنا وكنا ترابًا رجعنا... وأجاز صاحب اللوامح أن يكون الجواب (رجع بعيد) على تقدير حذف الفاء. وقصر هذا أصحابنا على الضرورة، وأما في قراءة الاستفهام فالظرف منصوب بمضمر، أي أنبعث إذا متنا» [البحر:8/120-121].
من هذه النصوص نرى أن أبا حيان يجيز جعل (أئنا) بالاستفهام ظرفية فقط، وشرطية، وجوابها محذوف يدل عليه المذكور.
وأما قراءة (إذا) بغير استفهام فإذا عنده ظرفية شرطية حذف جوابها، وليس المذكور جوابًا لها.
وأما الزمخشري والعكبري فقد جعلا جواب (إذا) محذوفًا، وهو العامل في (إذا) ولم يفصلا تفصيل أبي حيان.
وفي [سيبويه:1/467]: «وإن جاء في الشعر: قد علمت أنك إذا فعلت إنك فاعل، وإذا أردت معنى الفاء جاز. والوجه والحد ما قلت لك أول مرة».
ويبدو لي أن لأدوات الشرط غير الجازمة شأنا يخالف شأن الأدوات الجازمة؛ لذلك أرى أنه يجوز أن يأتي جواب (إذا) الشرطية غير مقرون بالفاء في المواضع التي يجب اقترانه فيها بالفاء في الأدوات الجازمة لأمرين:
1- كثرة ما ورد من ذلك في القرآن ولا داعي للتأويل وتقدير جواب محذوف.
2- الجملة الفعلية المصدرة بقد لا تصلح أن تكون شرطًا للأدوات الجازمة ولذلك يجب اقترانها بالفاء إن وقعت جوابًا للشرط. وقد صلحت هذه الجملة أن تكون شرطًا لـ(لو) في كلام العرب، شعره ونثره وفي الحديث. قال عمرو بن العداء:
سعى عقالا فلم يترك لنا سيدا = فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
[مجالس ثعلب:ص171]، [المخصص:7/134]، [الخزانة:3/387]. وشواهد أخرى في [المخصص:10/180]، [الاقتضاب:ص377، 402].
وجاء في الحديث الشريف: «لو قد جاءنا مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا» [صحيح مسلم:15/83].
وهو في البخاري: كتاب الحوالات عن جابر متفق عليه.
وانظر سيرة ابن هشام على [هامش الروض:1/288، 2/211، 220، 322، 366].


[دراسات عضيمة: ق1، ج1،ص184]


رد مع اقتباس