عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 03:47 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول أإنك لمن المصدقين * أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون}
هذا التساؤل الذي بين أهل الجنة هو تساؤل راحة وتنعم، يتذكرون أمورهم في الجنة وأمر الدنيا وحال الطاعة والإيمان فيها، ثم أخبر الله تعالى عن قول قائل منهم في قصته، فهو مثال لكل من له قرين سوء، يعطي هذا المثال التحفظ من قرناء السوء، واستشعار معصيتهم، وعبر عن قول هذا الرجل بالمضي من حيث كان أمرا متيقنا حاصلا لا محالة. وقال ابن عباس وغيره: كان هذان من البشر مؤمن وكافر، وقالت فرقة: هما اللذان ذكر الله تعالى في قوله: {ليتني لم أتخذ فلانا خليلا}، وقال مجاهد: كان إنسيا وجنيا من الشياطين الكفرة، والأول أصوب. وقرأ الجمهور: "من المصدقين" بتخفيف الصاد، من التصديق، وقرأت فرقة بالتشديد للصاد، من التصدق.
وقال فرات بن ثعلبة البهراني في قصص هذين: إنهما كانا شريكين بثمانية آلافدينار، فكان أحدهما يعبد الله ويقصد من التجارة والنظر، وكان الآخر كافرا مقبلا على ماله، فحل الشركة مع المؤمن وبقي وحده لتقصير المؤمن، ثم إنه جعل كلما اشترى - شيئا من دار وجارية وبستان ونحوه - عرضه على ذلك المؤمن وفخر عليه، فيمضي المؤمن عند ذلك ويتصدق بنحو ذلك الثمن ليشتري به من الله في الجنة، فكان من أمرهما في الآخرة ما تضمنته هذه الآية. قال الطبري: وهذا الحديث يؤيد قراءة التشديد. و"مدينون" معناه: مجازون محاسبون، قاله ابن عباس، وقتادة، والسدي. والدين: الجزاء، وقد تقدم). [المحرر الوجيز: 7/ 286-287]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قال هل أنتم مطلعون * فاطلع فرآه في سواء الجحيم * قال تالله إن كدت لتردين * ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين * إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين * إن هذا لهو الفوز العظيم * لمثل هذا فليعمل العاملون}
في الكلام حذف تقديره: فقال لهذا الرجل حاضرون من الملائكة: إن قرينك هذا في جهنم يعذب، فقال عند ذلك: هل أنتم مطلعون. ويحتمل أن يخاطب بـ"أنتم" الملائكة، ويحتمل أن يخاطب رفقاءه في الجنة، ويحتمل أن يخاطب خدمته، وكل هذا حكى المهدوي، وقرأ الجمهور: "مطلعون" بفتح الطاء مشددة، وقرأ أبو عمرو - في رواية حسين - بسكونها مع فتح النون، وقرأ أبو البرهسم بسكونها وكسر النون على أنها ضمير المتكلم، ورد هذه القراءة أبو حاتم وغيره ولحنوها; وذلك أنها جمعت بين ياء الإضافة ونون المتكلم، والوجه أن تقول: "مطلعي"، ووجه القراءة أبو الفتح بن جني وقال: أنزل الفاعل منزل الفعل المضارع، وأنشد الطبري على هذا:
وما أدري وظني كل ظن ... أمسلمني إلى قومي شراحي
وقال الفراء: يريد شراحيل.
وقرأ الجمهور: "فاطلع" بصلة الألف وشد الطاء المفتوحة، وقرأ أبو عمرو في رواية الحسين: بضم الألف وسكون الطاء وكسر اللام، وهي قراءة أبي البرهسم. قال الزجاج: هي قراءة من قرأ: "مطلعون" بكسر النون، وروي أن لأهل الجنة كوى وطاقات يشرفون منها على أهل النار إذا شاؤوا على جهة النقمة والعبرة; لأنهم لهم في عذاب أهل النار وتوبيخهم سرور وراحة، حكاه الرماني عن أبي علي.
و"سواء الجحيم" وسطه، قال ابن عباس، والحسن، والناس، وسمي سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب، والجحيم متراكم جمر النار، وروي عن مطرف بن عبد الله، وخليد العصري أنه رآه قد تغير حبره وسبره، أي: تبدلتحاله، ولولا ما عرفه الله إياه لم يميزه، فقال له المؤمن عند ذلك: تالله إن كدت لتردين، أي: تهلكني بإغوائك، والردى: الهلاك، ومنه قول الأعشى:
أفي الطوف خفت علي الردى ... وكم من رد أهله لم يرم
وفي مصحف ابن مسعود: [إن كدت لتغوين] بالواو، من الغي، وذكرها أبو عمرو الداني بالراء، من الإغراء، والتاء في هذا كله مضمومة). [المحرر الوجيز: 7/ 287-289]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ورفع نعمة ربي بالابتداء، وهو إعراب ما كان بعد "لولا" عند سيبويه، والخبر محذوف تقديره: تداركته ونحوه، والمحضرين معناه: في العذاب). [المحرر الوجيز: 7/ 289]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقول المؤمن: أفما نحن بميتين إلى قوله: {وما نحن بمعذبين} يحتمل أن يكون مخاطبة لرفقائه، في الجنة لما رأى ما نزل بقرينه، ونظر إلى حاله في الجنة وحال رفقائه قدر النعمة قدرها، فقال لهم - على جهة التوقيف ما قال ويجيء - على هذا التأويل - قوله: {إن هذا لهو الفوز العظيم} وما بعده متصلا بكلامه، خطابا لرفقائه. ويحتمل أن تكونأفما نحن إلى قوله: {[بمعذبين]} مخاطبة لقرينه على جهة التوبيخ، كأنه يقول: أين الذي كنت تقول من أنا نموت وليس بعد الموت عقاب ولا عذاب؟ ويكون قوله تعالى: {إن هذا لهو الفوز العظيم} إلى قوله: {فليعمل العاملون} يحتمل أن يكون من خطاب المؤمن لقرينه، وإليه ذهب قتادة، ويحتمل أن يكون من خطاب الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، ويقوى هذا لأن قول المؤمن لمثل هذا فليعمل العاملون والآخرة ليست بدار عمل، يقلق إلا على تجوز، كأنه يقول: لمثل هذا كان ينبغي أن يعمل العاملون). [المحرر الوجيز: 7/ 289]

رد مع اقتباس