عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 10:51 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون}
هذه الآية عامة في جميع الناس إلى يوم القيامة، في كافر ومؤمن، أي أن توبة الكافر تمحو كفره، وتوبة العاصي تمحو ذنبه، واختلف - هل يكون في المشيئة أو هو مغفور له ولابد؟ - فقالت فرقة من أهل السنة: هو مغفور له ولابد، وهذا مقتضى ظواهر القرآن، وقالت فرقة: التائب في المشيئة، لكن يغلب الرجاء في ناحيته، والعاصي في المشيئة، لكن يغلب الخوف في ناحيته.
واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية، فقال عطاء بن يسار: نزلت في وحشي قاتل حمزة، وقال السدي، وقتادة، وابن أبي إسحق: نزلت في قوم بمكة آمنوا ولم يهاجروا، وفتنتهم قريش فافتتنوا، ثم ندموا وظنوا أنهم لا توبة لهم، فنزلت، منهم الوليد، وهشام بن العاصي، وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنه كتبها بيده إلى هشام بن العاصي، الحديث. وقالت فرقة: نزلت في قوم كفار من أهل الجاهلية، قالوا: وما ينفعنا الإسلام ونحن قد زنينا وقتلنا الناس وأتينا كل كبيرة، فنزلت، وقال علي، وابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم: هذه أرجى آية في القرآن، وروى ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحب أن لي الدنيا بما فيها بهذه الآية: يا عبادي".
و"أسرفوا" معناه: أفرطوا وتعدوا الطور، و"القنوط": أعظم اليأس. وقرأ نافع وجمهور الناس: (تقنطوا) بفتح النون، قال أبو حاتم: "يلزمهم أن يقرؤوا: "من بعد ما قنطوا" بالكسر، ولم يقرأ به أحد"، وقرأ الأشهب العقيلي بضم النون، وقرأ أبو عمرو، وابن وثاب، والأعمش بكسرها، وهي لغات.
وقوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعا} عموم بمعنى الخصوص; لأن الشرك ليس بداخل في الآية إجماعا، وهي أيضا في المعاصي مقيدة بالمشيئة، و"جميعا" نصب على الحال. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: [إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي] وقرأ ابن مسعود: "إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء"). [المحرر الوجيز: 7/ 402-405]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "وأنيبوا" معناه: ارجعوا وميلوا بنفوسكم، و"الإنابة": الرجوع بالنفس إلى الشيء، وقوله سبحانه: {من قبل أن يأتيكم العذاب} توعد بعذاب الدنيا والآخرة). [المحرر الوجيز: 7/ 405]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} معناه أن القرآن العزيز تضمن عقائد نيرة، وأوامر ونواهي منجية، وعدات على الطاعات والبر، وحدودا على المعاصي ووعيدا على بعضها، فالأحسن أن يسلك الإنسان طريق التفهم والتحصيل والطاعة والانتهاء والعفو في الأمور ونحو ذلك، فهو أحسن من أن يسلك طريق الغفلة والمعصية فيجزى أو يقع تحت الوعيد، فهذا المعنى هو المقصود بـ[أحسن]، وليس المعنى أن بعض القرآن أحسن من بعض من حيث هو قرآن، وإنما هو أحسن كله بالإضافة إلى أفعال الإنسان وما يلقى من عواقبها، قال السدي: الأحسن هو ما أمر الله تعالى به في كتابه. و{[بغتة]} معناه: فجأة وعلى غير موعد، و"تشعرون" مشتق من الشعار). [المحرر الوجيز: 7/ 405]

تفسير قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين * بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين * ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين}
"أن" في هذه الآية مفعول من أجله، أي: أنيبوا وأسلموا من أجل أن تقول نفس، وقرأ الجمهور: "يا حسرتا"، والأصل: "يا حسرتي"، ومن العرب من يرد ياء الإضافة ألفا، فيقول: يا غلاما، ويا جارا، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: [يا حسرتاي] بفتح الياء، ورويت عنه بسكونها، قال أبو الفتح; جمع بين العوض والمعوض منه، وروى ابن جماز عن أبي جعفر: "يا حسرتي" بكسر التاء وبعدها ياء ساكنة، قال سيبويه: "ومعنى نداء الحسرة والويل: أي: هذا وقتك وزمانك فاحضري". و"فرطت" معناه: قصرت في اللازم، وقوله: {في جنب الله} معناه: في مقاصدي إلى الله، وفي جهة طاعته، أي: في تضييع شريعته والإيمان به، و"الجنب" يعبر به عن هذا ونحوه، ومنه قول الشاعر:
أفي جنب بكر قطعتني ملامة ... لعمري لقد طالت ملامتها بيا
ومنه قول الآخر:
الناس جنب والأمير جنب
وقال مجاهد: في جنب الله أي: في أمر الله. وقول الكافر: وإن كنت لمن الساخرين ندامة على استهزائه بأمر الله، والسخر: الاستهزاء.
وقوله تعالى: {أو تقول} في الموضعين عطف على قوله: {أن تقول} الأول، و"كرة" مصدر، من: كر يكر، وقوله: "فأكون" نصب بـ"أن" مضمرة مقدرة، وهو عطف على قوله: "كرة"، والمراد: لو أن لي كرة فكونا، فلذلك احتيج إلى "أن" لتكون مع الفعل بتأويل المصدر، ونحوه قول الشاعر - أنشده الفراء -:
فما لك منها غير ذكرى وخشية ... وتسأل عن ركبانها أين يمموا
وقد قرر بعض الناس الكلام بأنه: "لو أن لي أن أكر"، ذكره الطبري، وهذا "الكون" في هذه الآية داخل في التمني). [المحرر الوجيز: 7/ 404-407]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: "بلى" جواب لنفي مقدر في قول هذه النفس، كأنها قالت: "فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر"، أو قالت: "فإني لم يتبين لي الأمر في الدنيا"، ونحو هذا، وحق "بلى" أن يجيء بعد نفي عليه تقرير.
وقرأ الجمهور: "قد جاءتك" بفتح الكاف وبفتح التاء من قوله: "فكذبت بها واستكبرت وكنت"، على مخاطبة الكافر ذي النفس، وقرأ ابن يعمر، والجحدري بكسر الكاف والتاء في الثلاثة على خطاب النفس المذكورة، قال أبو حاتم: روتها أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ الأعمش: [بلى قد جاءته] بالهاء). [المحرر الوجيز: 7/ 407]

رد مع اقتباس