عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 04:20 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وقالوا ربّنا عجّل لنا قطّنا قبل يوم الحساب} هذا إنكارٌ من اللّه على المشركين في دعائهم على أنفسهم بتعجيل العذاب، فإنّ القطّ هو الكتاب وقيل: هو الحظّ والنّصيب.
قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ والضّحّاك والحسن وغير واحدٍ: سألوا تعجيل العذاب -زاد قتادة كما قالوا: {اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ} [الأنفال: 32]
وقيل: سألوا تعجيل نصيبهم من الجنّة إن كانت موجودةً أن يلقوا ذاك في الدّنيا. وإنّما خرج هذا منهم مخرج الاستبعاد والتّكذيب.
وقال ابن جريرٍ: سألوا تعجيل ما يستحقّونه من الخير أو الشّرّ في الدّنيا وهذا الّذي قاله جيّدٌ، وعليه يدور كلام الضّحّاك وإسماعيل بن أبي خالدٍ واللّه أعلم.
ولـمّا كان هذا الكلام منهم على وجه الاستهزاء والاستبعاد قال اللّه تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم آمرًا له بالصّبر على أذاهم ومبشّرًا له على صبره بالعاقبة والنّصر والظّفر). [تفسير ابن كثير: 7/ 56-57]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنّه أوّابٌ (17) إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيّ والإشراق (18) والطّير محشورةً كلٌّ له أوّابٌ (19) وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب (20)}
يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود عليه السّلام: أنّه كان ذا أيدٍ والأيد: القوّة في العلم والعمل.
قال [ابن عبّاسٍ] وابن زيدٍ والسّدّيّ: الأيد: القوّة وقرأ ابن زيدٍ: {والسّماء بنيناها بأيدٍ وإنّا لموسعون} [الذّاريات: 47]
وقال مجاهدٌ: الأيد: القوّة في الطّاعة.
وقال قتادة: أعطي داود [عليه السّلام] قوّةً في العبادة وفقهًا في الإسلام، وقد ذكر لنا أنّه عليه السّلام كان يقوم ثلث اللّيل ويصوم نصف الدّهر.
وهذا ثابتٌ في الصّحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "أحبّ الصّلاة إلى اللّه صلاة داود وأحبّ الصّيام إلى اللّه صيام داود كان ينام نصف اللّيل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا ولا يفرّ إذا لاقى" وإنّه كان أوّابًا، وهو الرّجّاع إلى اللّه عزّ وجلّ في جميع أموره وشئونه). [تفسير ابن كثير: 7/ 57]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيّ والإشراق} أي: إنّه تعالى سخّر الجبال تسبّح معه عند إشراق الشّمس وآخر النّهار، كما قال تعالى: {يا جبال أوّبي معه والطّير} [سبأٍ: 10] وكذلك كانت الطّير تسبّح بتسبيحه وترجّع بترجيعه إذا مرّ به الطّير وهو سابحٌ في الهواء فسمعه وهو يترنّم بقراءة الزّبور لا تستطيع الذّهاب بل تقف في الهواء وتسبّح معه وتجيبه الجبال الشّامخات ترجّع معه وتسبّح تبعًا له.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب حدّثنا محمّد بن بشرٍ عن مسعر عن عبد الكريم عن موسى بن أبي كثيرٍ عن ابن عبّاسٍ أنّه بلغه: أنّ أمّ هانئٍ ذكرت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يوم فتح مكّة صلّى الضّحى ثمان ركعاتٍ، قال ابن عبّاسٍ: قد ظننت أنّ لهذه السّاعة صلاةً يقول اللّه تعالى: {يسبّحن بالعشيّ والإشراق}
ثمّ رواه من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن أبي المتوكّل عن أيّوب بن صفوان عن مولاه عبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ أنّ ابن عبّاسٍ كان لا يصلّي الضّحى قال: فأدخلته على أمّ هانئٍ فقلت: أخبري هذا ما أخبرتني به. فقالت أمّ هانئٍ: دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الفتح في بيتي ثمّ أمر بماءٍ صبّ في قصعةٍ ثمّ أمر بثوبٍ فأخذ بيني وبينه فاغتسل ثمّ رشّ ناحية البيت فصلّى ثمان ركعاتٍ، وذلك من الضّحى قيامهنّ وركوعهنّ وسجودهنّ وجلوسهنّ سواءٌ قريبٌ بعضهنّ من بعضٍ فخرج ابن عبّاسٍ وهو يقول: لقد قرأت ما بين اللّوحين ما عرفت صلاة الضّحى إلّا الآن: {يسبّحن بالعشيّ والإشراق} وكنت أقول: أين صلاة الإشراق وكان بعد يقول: صلاة الإشراق.
ولهذا قال: {والطّير محشورةً} أي: محبوسةً في الهواء، {كلٌّ له أوّابٌ} أي: مطيعٌ يسبّح تبعًا له.
قال سعيد بن جبيرٍ وقتادة ومالكٌ عن زيد بن أسلم وابن زيدٍ: {كلٌّ له أوّابٌ} أي: مطيعٌ). [تفسير ابن كثير: 7/ 57-58]

تفسير قوله تعالى: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ([وقوله] {وشددنا ملكه} أي: جعلنا له ملكًا كاملًا من جميع ما يحتاج إليه الملوك.
قال ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: كان أشدّ أهل الدّنيا سلطانًا.
وقال السّدّيّ: كان يحرسه في كلّ يومٍ أربعة آلافٍ.
وقال بعض السّلف: بلغني أنّه كان حرسه في كلّ ليلةٍ ثلاثةً وثلاثين ألفًا لا تدور عليهم النّوبة إلى مثلها من العام القابل.
وقال غيره: أربعون ألفًا مشتملون بالسّلاح. وقد ذكر ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ من رواية علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: أنّ نفرين من بني إسرائيل استعدى أحدهما على الآخر إلى داود عليه السّلام أنّه اغتصبه بقرًا فأنكر الآخر، ولم يكن للمدّعي بيّنةٌ فأرجأ أمرهما فلمّا كان اللّيل أمر داود عليه السّلام، في المنام بقتل المدّعي فلمّا كان النّهار طلبهما وأمر بقتل المدّعي فقال: يا نبيّ اللّه علام تقتلني وقد اغتصبني هذا بقري؟ فقال: إن اللّه عزّ وجلّ أمرني بقتلك فأنا قاتلك لا محالة. فقال: واللّه يا نبي اللّه إنّ اللّه لم يأمرك بقتلي لأجل هذا الّذي ادّعيت عليه، وإنّي لصادقٌ فيما ادّعيت ولكنّي كنت قد اغتلت أباه وقتلته، ولم يشعر بذلك أحدٌ فأمر به داود [عليه السّلام] فقتل.
قال ابن عبّاسٍ: فاشتدّت هيبته في بني إسرائيل وهو الّذي يقول اللّه عزّ وجلّ: {وشددنا ملكه}
وقوله: {وآتيناه الحكمة} قال مجاهدٌ: يعني: الفهم والعقل والفطنة. وقال مرّةً: الحكمة والعدل. وقال مرّةً: الصّواب.
وقال قتادة: كتاب اللّه واتّباع ما فيه.
وقال السّدّيّ: {الحكمة} النّبوّة.
وقوله: {وفصل الخطاب} قال شريحٌ القاضي والشّعبيّ فصل الخطاب: الشّهود والأيمان.
وقال قتادة: شاهدان على المدّعي أو يمين المدّعى عليه هو فصل الخطاب الّذي فصل به الأنبياء والرّسل -أو قال: المؤمنون والصّالحون- وهو قضاء هذه الأمّة إلى يوم القيامة وكذا قال أبو عبد الرّحمن السّلميّ.
وقال مجاهدٌ والسّدّيّ: هو إصابة القضاء وفهمه.
وقال مجاهدٌ أيضًا: هو الفصل في الكلام وفي الحكم
وهذا يشمل هذا كلّه وهو المراد واختاره ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عمر بن شبّة النّميريّ حدّثنا إبراهيم بن المنذر حدّثني عبد العزيز بن أبي ثابتٍ عن عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه عن بلال بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى رضي اللّه عنه قال: أوّل من قال: "أمّا بعد" داود عليه السّلام وهو فصل الخطاب.
وكذا قال الشّعبيّ: فصل الخطاب: "أمّا بعد"). [تفسير ابن كثير: 7/ 58-59]

رد مع اقتباس