عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:30 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنّ وليّي اللّه ... الآية}، أحالهم على الاستنجاد بآلهتهم في ضره وأراهم أن الله هو القادر على كل شيء لا تلك، عقب ذلك بالإسناد إلى الله والتوكل عليه بأنه وليه وناصره، وقرأ جمهور الناس والقراءة «إن وليّي الله» بياء مكسورة مشددة وأخرى مفتوحة، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه «إن وليّ الله» بياء واحدة مشددة ورفع الله، قال أبو علي لا تخلو هذه القراءة من أن تدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة أو تحذف الياء التي هي لام الفعل وتدغم ياء فعيل في ياء الإضافة، ولا يجوز أن تدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة لأنه إذا فعل ذلك انفك الإدغام الأول، فليس إلا أنه حذف لام الفعل وأدغم ياء فعيل في ياء الإضافة، وقرأ ابن مسعود «الذي نزل الكتاب بالحق وهو يتولى الصالحين»، وقرأ الجحدري فيما ذكر أبو عمرو الداني «أن ولي إله» على الإضافة وفسر ذلك بأن المراد جبريل صلى الله عليه وسلم، ذكر القراءة غير منسوبة أبو حاتم وضعفها وإن كانت ألفاظ هذه الآية تلائم هذا المعنى وتصلح له، فإن ما قبلها وما بعدها يدافع ذلك). [المحرر الوجيز: 4/ 115]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والّذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون (197) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (198) خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199) وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ (200)}
الضمير في قوله: {من دونه}؛ عائد على اسم الله تعالى وهذا الضمير مصرح بما ذكرناه من ضعف قراءة من قرأ «إن ولي الله» أنه جبريل صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية أيضا بيان لحال تلك الأصنام وفسادها وعجزها عن نصرة أنفسها فضلا عن غيرها). [المحرر الوجيز: 4/ 115]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإن تدعوهم ... الآية}، قالت فرقة: المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته،
والهاء والميم في قوله: {تدعوهم}؛ للكفار ووصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون إذ لم يتحصل لهم عن النظر والاستماع فائدة ولا حلوا منه بطائل، قاله السدي ومجاهد، وقال الطبري: المراد بالضمير المذكور الأصنام، ووصفهم بالنظر كناية عن المحاذاة والمقابلة وما فيها من تخييل النظر كما تقول دار فلان تنظر إلى دار فلان، ومعنى الآية على هذا تبين جمودية الأصنام وصغر شأنها، وذهب بعض المعتزلة إلى الاحتجاج بهذه الآية على أن العباد ينظرون إلى ربهم ولا يرونه، ولا حجة لهم في الآية لأن النظر في الأصنام مجاز محض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكنا من نفوس العرب في ذلك الزمن ومستوليا على عقولها فأوعب القول في ذلك لطفا من الله تعالى بهم). [المحرر الوجيز: 4/ 115-116]

تفسير قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {خذ العفو ... الآية}، وصية من الله عز وجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم- تعم جميع أمته وأخذ بجميع مكارم الأخلاق، وقال الجمهور في قوله خذ العفو إن معناه اقبل من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفوا دون تكلف، فالعفو هنا الفضل والصفو الذي تهيأ دون تحرج، قاله عبد الله بن الزبير في مصنف البخاري، وقاله مجاهد وعروة، ومنه قول حاتم الطائي: [الطويل]
خذي العفو مني تستديمي مودتي ....... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
وقال ابن عباس والضحاك والسدي: هذه الآية، في الأموال،
وقيل هي فرض الزكاة أمر بها صلى الله عليه وسلم أن يأخذ ما سهل من أموال الناس، وعفا أي فضل وزاد من قولهم عفا النبات والشعر أي كثر، ثم نزلت الزكاة وحدودها فنسخت هذه الآية، وذكر مكي عن مجاهد أن خذ العفو معناه خذ الزكاة المفروضة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا شاذ، وقوله وأمر بالعرف معناه بكل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة، ويروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لجبريل: «ما هذا العرف الذي أمر به؟»، قال: لا أدري حتى أسأل العالم، فرجع إلى ربه فسأله ثم جاءه فقال له: يا محمد هو أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذا نصب غايات والمراد فما دون هذا من فعل الخير. وقرأ عيسى الثقفي فيما ذكر أبو حاتم «بالعرف» بضم الراء والعرف والعرف بمعنى المعروف، وقوله وأعرض عن الجاهلين حكم مترتب محكم مستمر في الناس ما بقوا، هذا قول الجمهور من العلماء، وقال ابن زيد في قوله خذ العفو- إلى- الجاهلين إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مداراة لكفار قريش ثم نسخ ذلك بآية السيف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحديث الحر بن قيس حين أدخل عمه عيينة بن حصن على عمر دليل على أنها محكمة مستمرة، لأن الحر احتج بها على عمر فقررها ووقف عندها). [المحرر الوجيز: 4/ 116-117]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ}؛ وصية من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم تعم أمته رجلا رجلا، والنزغ حركة فيها فساد، وقلّما تستعمل إلا في فعل الشيطان لأن حركاته مسرعة مفسدة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح، لا ينزغ الشيطان في يده»
فالمعنى في هذه الآية: فإما تلمن بك لمة من الشيطان فاستعذ بالله. ونزع الشيطان عام في الغضب وتحسين المعاصي واكتساب الغوائل وغير ذلك»، وفي مصنف الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن للملك لمة وإن للشيطان لمة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعن هاتين اللمتين هي الخواطر من الخير والشر، فالأخذ بالواجب هذه الآية يصلح مع الاستعاذة ويصلح أيضا مع ما يقول فيه الكفار من الأقاويل فيغضبه الشيطان لذلك، وعليم كذلك وبهذه الآية تعلق ابن القاسم في قوله: إن الاستعاذة عند القراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم). [المحرر الوجيز: 4/ 118-119]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون (201) وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون (202) وإذا لم تأتهم بآيةٍ قالوا لولا اجتبيتها قل إنّما أتّبع ما يوحى إليّ من ربّي هذا بصائر من ربّكم وهدىً ورحمةٌ لقومٍ يؤمنون (203)}
اتّقوا هنا عامة في اتقاء الشرك واتقاء المعاصي بدليل أن اللفظة إنما جاءت في مدح لهم، فلا وجه لقصرها على اتقاء الشرك وحده، وأيضا فالمتقي العائذ قد يمسه طائف من الشيطان إذ ليست العصمة إلا للأنبياء عليهم السلام وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة «طائف»، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي «طيّف»، وقرأ سعيد بن جبير «طيف»، واللفظة إما من طاف يطوف وإما من طاف يطوف وإما من طاف يطيف بفتح الياء، وهي ثابتة عن العرب، وأنشد أبو عبيدة في ذلك:
أنى المّ بك الخيال يطيف ....... ومطافه لك ذكرة وشغوف
ف «طائف» اسم فاعل كقائل من قال يقول وكبائع من باع يبيع و «طيّف» اسم فاعل أيضا كميت من مات يموت أو كبيع ولين من باع يبيع ولان يلين و «طيّف» يكون مخففا أيضا من طيف كميت من ميت، وإذا قدرنا اللفظة من طاف يطيف فطيف مصدر، وإلى هذا مال أبو علي الفارسي وجعل الطائف كالخاطر والطيف كالخطرة، وقال الكسائي: الطيف اللمم والطائف ما طاف حول الإنسان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكيف هذا وقد قال الأعشى: [الطويل]
وتصبح عن غب السرى وكانّما ....... ألمّ بها من طائف الجن أولق
ومعنى الآية: إذا مسهم غضب وزين الشيطان معه ما لا ينبغي، وقوله تذكّروا إشارة إلى الاستعاذة المأمور بها قبل، وإلى ما لله عز وجل من الأوامر والنواهي في النازلة التي يقع تعرض الشيطان فيها، وقرأ ابن الزبير «من الشيطان تأملوا فإذا هم»، وفي مصحف أبي بن كعب «إذا طاف من الشيطان طائف تأملوا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الغضب جند من جند الجن، أما ترون حمرة العين وانتفاخ العروق؟ فإذا كان ذلك فالأرض الأرض، وقوله مبصرون من البصيرة أي فإذا هم قد تبينوا الحق ومالوا إليه). [المحرر الوجيز: 4/ 119-121]

تفسير قوله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ... الآية}، في هذه الضمائر احتمالات، قال الزجاج:
هذه الآية متصلة في المعنى بقوله: ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: في هذا نظر، وقال الجمهور: إن الآية مقدرة موضعها إلا أن الضمير في قوله: {وإخوانهم}؛ عائد على الشياطين والضمير في قوله يمدّونهم عائد على الكفار وهم المراد بالإخوان، والشّيطان في الآية قبل هذه للجنس فلذلك عاد عليهم هاهنا ضمير جميع فالتقدير على هذا التأويل وإخوان للشياطين يمدونهم الشياطين في الغي، وقال قتادة إن الضميرين في الهاء والميم للكفار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فتجيء الآية على هذه معادلة للتي قبلها أي إن المتقين حالهم كذا وكذا وهؤلاء الكفار يمدهم إخوانهم من الشياطين ثم لا يقصرون، وقوله في الغيّ يحتمل أن يتعلق بقوله يمدّونهم وعليه يترتب التأويل الذي ذكرنا أولا عن الجمهور، ويحتمل أن يتعلق بالإخوان فعلى هذا يحتمل أن يعود الضميران جميعا على الكفار كما ذكرناه عن قتادة ويحتمل أن يعودا جميعا على الشياطين ويكون المعنى وإخوان الشياطين في الغي بخلاف الأخوة في الله يمدون الشياطين أي بطاعتهم لهم وقبولهم منهم، ولا يترتب هذا التأويل على أن يتعلق في الغي بالإمداد لأن الإنس لا يغوون الشياطين، والمراد بهذه الآية وصف حالة الكفار مع الشياطين كما وصف حالة المتقين معهم قبل، وقرأ جميع السبعة غير نافع «يمدونهم» من مددت، وقرأ نافع وحده «يمدونهم» بضم الياء من أمددت، فقال أبو عبيدة وغيره:
مد الشيء إذا كانت الزيادة من جنسه وأمده شيء آخر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غير مطرد، وقال الجمهور هما بمعنى واحد إلا أن المستعمل في المحبوب أمد فمنه قوله تعالى: {أنّما نمدّهم به من مالٍ وبنين} [المؤمنون: 55] وقوله: {وأمددناهم بفاكهةٍ} [الطور: 22] وقوله: {أتمدّونن بمالٍ} [النمل: 36] والمستعمل في المكروه مد فمنه قوله تعالى: {ويمدّهم في طغيانهم} [البقرة: 15] ومد الشيطان للكفرة في الغي هو التزيين لهم والإغواء المتتابع: فمن قرأ في هذه الآية «يمدونهم» بضم الميم فهو على المنهاج المستعمل، ومن قرأ «يمدونهم» فهو مقيد بقوله في الغي كما يجوز أن تقيد البشارة فتقول بشرته بشر، وقرأ الجحدري «يمادّونهم»، وقوله ثمّ لا يقصرون عائد على الجمع أي هؤلاء لا يقصرون في الطاعة للشياطين والكفر بالله عز وجل، وقرأ جمهور الناس «يقصرون» من أقصر، وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى بن عمر «يقصرون» من قصر). [المحرر الوجيز: 4/ 121-122]


رد مع اقتباس