عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:44 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزةً وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا (47) وعرضوا على ربّك صفًّا لقد جئتمونا كما خلقناكم أوّل مرّةٍ بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعدًا (48) ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولا يظلم ربّك أحدًا (49)}.
يخبر تعالى عن أهوال يوم القيامة، وما يكون فيه من الأمور العظام، كما قال تعالى: {يوم تمور السّماء مورًا وتسير الجبال سيرًا} [الطّور:9، 10] أي: تذهب من أماكنها وتزول، كما قال تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرّ مرّ السّحاب} [النّمل:88]، وقال تعالى: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} [القارعة:5] وقال: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفًا فيذرها قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا} [طه:105-107] يقول تعالى: إنّه تذهب الجبال، وتتساوى المهاد، وتبقى الأرض {قاعًا صفصفًا} أي: سطحًا مستويًا لا عوج فيه {ولا أمتًا} أي: لا وادي ولا جبل؛ ولهذا قال تعالى: {وترى الأرض بارزةً} [أي: باديةً ظاهرةً، ليس فيها معلم لأحدٍ ولا مكانٌ يواري أحدًا، بل الخلق كلّهم ضاحون لربّهم لا تخفى عليه منهم خافيةٌ.
قال مجاهدٌ، وقتادة: {وترى الأرض بارزةً}] لا خمر فيها ولا غيابة. قال قتادة: لا بناء ولا شجر.
وقوله: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا} أي: وجمعناهم، الأوّلين منهم والآخرين، فلم نترك منهم أحدًا، لا صغيرًا ولا كبيرًا، كما قال: {قل إنّ الأوّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يومٍ معلومٍ} [الواقعة:50، 49]، وقال: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ} [هودٍ:103]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 164-165]

تفسير قوله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وعرضوا على ربّك صفًّا} يحتمل أن يكون المراد: أنّ جميع الخلائق يقومون بين يدي اللّه صفًّا واحدًا، كما قال تعالى: {يوم يقوم الرّوح والملائكة صفًّا لا يتكلّمون إلا من أذن له الرّحمن وقال صوابًا} [النّبإ:38] ويحتمل أنّهم يقومون صفوفًا صفوفًا، كما قال: {وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا} [الفجر:22]
وقوله: {لقد جئتمونا كما خلقناكم أوّل مرّةٍ} هذا تقريعٌ للمنكرين للمعاد، وتوبيخٌ لهم على رءوس الأشهاد؛ ولهذا قال مخاطبًا لهم: {بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعدًا} أي: ما كان ظنّكم أنّ هذا واقعٌ بكم، ولا أنّ هذا كائنٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 165]

تفسير قوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ووضع الكتاب} أي: كتاب الأعمال، الّذي فيه الجليل والحقير، والفتيل والقطمير، والصّغير والكبير {فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه} أي: من أعمالهم السيئة وأفعالهم القبيحة، {ويقولون يا ويلتنا} أي: يا حسرتنا وويلنا على ما فرّطنا في أعمارنا {مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها} أي: لا يترك ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا ولا عملًا وإن صغر {إلا أحصاها} أي: ضبطها، وحفظها.
وروى الطّبرانيّ، بإسناده المتقدّم في الآية قبلها، إلى سعد ابن جنادة قال: لمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غزوة حنين، نزلنا قفرًا من الأرض، ليس فيه شيءٌ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "اجمعوا، من وجد عودًا فليأت به، ومن وجد حطبًا أو شيئًا فليأت به. قال: فما كان إلّا ساعةٌ حتّى جعلناه ركامًا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أترون هذا؟ فكذلك تجمع الذّنوب على الرّجل منكم كما جمعتم هذا. فليتق الله رجل ولا يذنب صغيرةً ولا كبيرةً، فإنّها محصاة عليه "
وقوله: {ووجدوا ما عملوا حاضرًا} أي: من خيرٍ أوشرٍّ كما قال تعالى: {يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا} [آل عمران:30]، وقال تعالى: {ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر} [القيامة:13] وقال تعالى: {يوم تبلى السّرائر} [الطّارق:9] أي: تظهر المخبّآت والضّمائر.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو الوليد، حدّثنا شعبة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لكلّ غادرٍ لواءٌ يوم القيامة [يعرف به".
أخرجاه في الصّحيحين، وفي لفظٍ: "يرفع لكلّ غادرٍ لواءٌ يوم القيامة] عند استه بقدر غدرته، يقال: هذه غدرة فلان بن فلانٍ"
وقوله: {ولا يظلم ربّك أحدًا} أي: فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعًا، ولا يظلم أحدًا من خلقه، بل يعفر ويصفح ويرحم ويعذّب من يشاء، بقدرته وحكمته وعدله، ويملأ النّار من الكفّار وأصحاب المعاصي، [ثمّ ينجّي أصحاب المعاصي] ويخلّد فيها الكافرون وهو الحاكم الّذي لا يجور ولا يظلم، قال تعالى: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} [النّساء:40] وقال: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئًا وإن كان مثقال حبّةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء:47] والآيات في هذا كثيرةٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، أخبرنا همّام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد المكّيّ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، أنّه سمع جابر بن عبد اللّه يقول: بلغني حديثٌ عن رجلٍ سمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فاشتريت بعيرًا ثمّ شدّدت عليه رحلى، فسرت عليه شهرًا، حتّى قدمت عليه الشّام، فإذا عبد اللّه بن أنيسٍ فقلت للبوّاب: قل له: جابرٌ على الباب. فقال: ابن عبد اللّه؟ فقلت: نعم. فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقني واعتنقته، فقلت: حديثٌ بلغني عنك أنّك سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في القصاص، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "يحشر اللّه، عزّ وجلّ النّاس يوم القيامة -أو قال: العباد-عراة غرلا بهمًا" قلت: وما بهمًا؟ قال: "ليس معهم شيءٌ ثمّ يناديهم بصوتٍ يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الدّيّان، لا ينبغي لأحدٍ من أهل النّار أن يدخل النّار، وله عند أحدٍ من أهل الجنّة حقٌّ، حتّى أقصّه منه، ولا ينبغي لأحدٍ من أهل الجنّة أن يدخل الجنّة، وله عند رجلٍ من أهل النّار حقٌّ، حتّى أقصّه منه حتّى اللّطمة". قال: قلنا: كيف، وإنّما نأتي اللّه، عزّ وجلّ، حفاةً عراة غرلا بهمًا؟ قال: بالحسنات والسّيّئات".
وعن شعبة، عن العوّام بن مزاحم، عن أبي عثمان، عن عثمان بن عفّان، رضي اللّه عنه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ الجمّاء لتقتصّ من القرناء يوم القيامة" رواه عبد اللّه بن الإمام أحمد وله شواهد من وجوهٍ أخر، وقد ذكرناها عند قوله: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئًا} [الأنبياء:47] وعند قوله تعالى: {إلا أممٌ أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ ثمّ إلى ربّهم يحشرون} [الأنعام:38]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 165-167]

رد مع اقتباس