عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 06:50 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين (99) ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجّدًا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربّي حقًّا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السّجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشّيطان بيني وبين إخوتي إنّ ربّي لطيفٌ لما يشاء إنّه هو العليم الحكيم (100)}
يخبر تعالى عن ورود يعقوب، عليه السّلام، على يوسف، عليه السّلام، وقدومه بلاد مصر، لمّا كان يوسف قد تقدّم إلى إخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين، فتحمّلوا عن آخرهم وترحّلوا من بلاد كنعان قاصدين بلاد مصر، فلمّا أخبر يوسف، عليه السّلام، باقترابهم خرج لتلقّيهم، وأمر [الملك] أمراءه وأكابر النّاس بالخروج [مع يوسف] لتلقّي نبيّ اللّه يعقوب، عليه السّلام، ويقال: إنّ الملك خرج أيضًا لتلقّيه، وهو الأشبه.
وقد أشكل قوله: {آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر} على كثيرٍ من المفسّرين، فقال بعضهم: هذا من المقدّم والمؤخّر، ومعنى الكلام: {وقال ادخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين} وآوى إليه أبويه، ورفعهما على العرش.
وقد ردّ ابن جريرٍ هذا. وأجاد في ذلك. ثمّ اختار ما حكاه عن السٌّدّي: أنّ يوسف آوى إليه أبويه لمّا تلقّاهما، ثمّ لمّا وصلوا باب البلد قال: {ادخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين}
وفي هذا نظرٌ أيضًا؛ لأنّ الإيواء إنّما يكون في المنزل، كقوله: {آوى إليه أخاه} وفي الحديث: "من آوى محدثًا" وما المانع أن يكون قال لهم بعدما دخلوا عليه وآواهم إليه: {ادخلوا مصر} وضمّنه: اسكنوا مصر {إن شاء اللّه آمنين} أي: ممّا كنتم فيه من الجهد والقحط، ويقال -واللّه أعلم -: إنّ اللّه تعالى رفع عن أهل مصر بقيّة السّنين المجدبة ببركة قدوم يعقوب عليهم، كما رفع بقيّة السّنين الّتي دعا بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أهل مكّة حين قال: "اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف"، ثمّ لمّا تضرّعوا إليه واستشفعوا لديه، وأرسلوا أبا سفيان في ذلك، فدعا لهم، فرفع عنهم بقيّة ذلك ببركة دعائه، عليه السّلام.
وقوله: {آوى إليه أبويه} قال السّدّيّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: إنّما كان أباه وخالته، وكانت أمّه قد ماتت قديمًا.
وقال محمّد بن إسحاق وابن جريرٍ: كان أبوه وأمّه يعيشان.
قال ابن جريرٍ: ولم يقم دليلٌ على موت أمّه، وظاهر القرآن يدل على حياتها. وهذا الذي نصره هو المنصور الّذي يدلّ عليه السّياق). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 411-412]

تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ورفع أبويه على العرش} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغير واحدٍ: يعني السّرير، أي: أجلسهما معه على سريره.
{وخرّوا له سجّدًا} أي: سجد له أبواه وإخوته الباقون، وكانوا أحد عشر رجلًا {وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} أي: الّتي كان قصّها على أبيه {إنّي رأيت أحد عشر كوكبًا والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4]
وقد كان هذا سائغًا في شرائعهم إذا سلّموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزًا من لدن آدم إلى شريعة عيسى، عليه السّلام، فحرّم هذا في هذه الملّة، وجعل السّجود مختصًّا بجناب الرّبّ سبحانه وتعالى.
هذا مضمون قول قتادة وغيره.
وفي الحديث أنّ معاذًا قدم الشّام، فوجدهم يسجدون لأساقفتهم، فلمّا رجع سجد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "ما هذا يا معاذ؟ " فقال: إنّي رأيتهم يسجدون لأساقفتهم، وأنت أحقّ أن يسجد لك يا رسول اللّه فقال: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ، لأمرت الزّوجة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها"
وفي حديثٍ آخر: أنّ سلمان لقي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في بعض طرق المدينة، وكان سلمان حديث عهدٍ بالإسلام، فسجد للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "لا تسجد لي يا سلمان، واسجد للحيّ الّذي لا يموت".
والغرض أنّ هذا كان جائزًا في شريعتهم؛ ولهذا خرّوا له سجّدًا، فعندها قال يوسف: {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربّي حقًّا} أي: هذا ما آل إليه الأمر، فإنّ التّأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر، كما قال تعالى: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله} [الأعراف: 53] أي: يوم القيامة يأتيهم ما وعدوا من خيرٍ وشرٍّ.
وقوله: {قد جعلها ربّي حقًّا} أي: صحيحةً صدقا، يذكر نعم اللّه عليه، {وقد أحسن بي إذ أخرجني من السّجن وجاء بكم من البدو} أي: البادية.
قال ابن جريج وغيره: كانوا أهل باديةٍ وماشيةٍ. وقال: كانوا يسكنون بالعربات من أرض فلسطين، من غور الشّام. قال: وبعضٌ يقول: كانوا بالأولاج من ناحية شعبٍ أسفل من حسمى، وكانوا أصحاب بادية وشاء وإبل.
{من بعد أن نزغ الشّيطان بيني وبين إخوتي} [ثمّ قال] {إنّ ربّي لطيفٌ لما يشاء} أي: إذا أراد أمرًا قيّض له أسبابًا ويسّره وقدّره، {إنّه هو العليم} بمصالح عباده {الحكيم} في أفعاله وأقواله، وقضائه وقدره، وما يختاره ويريده.
قال أبو عثمان النّهديّ، عن سليمان كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنةً.
قال عبد اللّه بن شدّادٍ: وإليها ينتهي أقصى الرّؤيا. رواه ابن جريرٍ.
وقال أيضًا: حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، حدّثنا هشامٌ، عن الحسن قال: كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا، ثمانون سنة، لم يفارق في الحزن قلبه، ودموعه تجري على خدّيه، وما على وجه الأرض عبدٌ أحبّ إلى اللّه من يعقوب.
وقال هشيم، عن يونس، عن الحسن: ثلاثٌ وثمانون سنةً.
وقال مبارك بن فضالة، عن الحسن: ألقي يوسف في الجبّ وهو ابن سبع عشرة سنةً، فغاب عن أبيه ثمانين سنةً، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنةً، فمات وله عشرون ومائة سنةٍ.
وقال قتادة: كان بينهما خمسٌ وثلاثون سنةً.
وقال محمّد بن إسحاق: ذكر -واللّه أعلم -أنّ غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنةً -قال: وأهل الكتاب يزعمون أنّها كانت أربعين سنةً أو نحوها، وأنّ يعقوب، عليه السّلام، بقي مع يوسف بعد أنّ قدم عليه مصر سبع عشرة سنةً، ثمّ قبضه اللّه إليه.
وقال أبو إسحاق السّبيعي، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: دخل بنو إسرائيل مصر، وهم ثلاثةٌ وستّون إنسانًا، وخرجوا منها وهم ستّمائة ألفٍ وسبعون ألفًا.
وقال أبو إسحاق، عن مسروق: دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون من بين رجلٍ وامرأةٍ. واللّه أعلم.
وقال موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ القرظي، عن عبد اللّه بن شدّادٍ: اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر. وهم ستّةٌ وثمانون إنسانًا، صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وخرجوا منها وهم ستّمائة ألفٍ ونيّفٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 412-413]

تفسير قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ربّ قد آتيتني من الملك وعلّمتني من تأويل الأحاديث فاطر السّماوات والأرض أنت وليّي في الدّنيا والآخرة توفّني مسلمًا وألحقني بالصّالحين (101)}
هذا دعاءٌ من يوسف الصّدّيق، دعا به ربّه عزّ وجلّ، لمّا تمّت النّعمة عليه، باجتماعه بأبويه وإخوته، وما منّ اللّه به عليه من النّبوّة والملك، سأل ربّه عزّ وجلّ، كما أتمّ نعمته عليه في الدّنيا أن يستمرّ بها عليه في الآخرة، وأن يتوفّاه مسلمًا حين يتوفّاه. قاله الضّحّاك، وأن يلحقه بالصّالحين، وهم إخوانه من النّبيّين والمرسلين، صلوات اللّه وسلامه [عليه و] عليهم أجمعين.
وهذا الدّعاء يحتمل أنّ يوسف، عليه السّلام، قاله عند احتضاره، كما ثبت في الصّحيحين عن عائشة، رضي اللّه عنها؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل يرفع أصبعه عند الموت، ويقول: "اللّهمّ في الرّفيق الأعلى، اللّهمّ في الرّفيق الأعلى، اللّهمّ في الرّفيق الأعلى".
ويحتمل أنّه سأل الوفاة على الإسلام واللّحاق بالصّالحين إذا حان أجله، وانقضى عمره؛ لا أنّه سأل ذلك منجزًا، كما يقول الدّاعي لغيره: "أماتك اللّه على الإسلام". ويقول الدّاعي: "اللّهمّ أحينا مسلمين وتوفّنا مسلمين وألحقنا بالصّالحين".
ويحتمل أنّه سأل ذلك منجزًا، وكان ذلك سائغًا في ملّتهم، كما قال قتادة: قوله: {توفّني مسلمًا وألحقني بالصّالحين} لمّا جمع اللّه شمله وأقرّ عينه، وهو يومئذٍ مغمورٌ في الدّنيا وملكها وغضارتها، فاشتاق إلى الصّالحين قبله، وكان ابن عبّاسٍ يقول: ما تمنّى نبيٌّ قطّ الموت قبل يوسف، عليه السّلام.
وكذا ذكر ابن جريرٍ والسّدّيّ عن ابن عبّاسٍ: أنّه أوّل نبيٍّ دعا بذلك. وهذا يحتمل أنّه أوّل من سأل الوفاة على الإسلام. كما أنّ نوحًا أوّل من قال: {ربّ اغفر لي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مؤمنًا} [نوحٍ: 28] ويحتمل أنّه أوّل من سأل نجاز ذلك، وهو ظاهر سياق قتادة، ولكنّ هذا لا يجوز في شريعتنا.
قال الإمام أحمد بن حنبلٍ، رحمه اللّه: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "لا يتمنّين أحدكم الموت لضرٍّ نزل به، فإن كان لا بدّ متمنّيًا الموت فليقل: اللّهمّ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي".
[ورواه البخاريّ ومسلمٌ، وعندهما: " لا يتمنّين أحدكم الموت لضرٍّ نزل به إمّا محسنًا فيزداد، وإمّا مسيئًا فلعلّه يستعتب، ولكن ليقل: اللّهمّ، أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي"].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا معان بن رفاعة، حدّثني عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: جلسنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكّرنا ورقّقنا، فبكى سعد بن أبي وقاصٍ فأكثر البكاء، فقال: يا ليتني متّ! فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا سعد أعندي تتمنّى الموت؟ " فردّد ذلك [ثلاث] مرّاتٍ ثمّ قال: "يا سعد، إن كنت خلقت للجنّة، فما طال عمرك، أو حسن من عملك، فهو خيرٌ لك"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا أبو يونس -هو سليم بن جبير -عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ أنّه قال: "لا يتمنّينّ أحدكم الموت ولا يدعون به من قبل أن يأتيه، إلّا أن يكون قد وثق بعمله، فإنّه إذا مات أحدكم انقطع عنه عمله، وإنّه لا يزيد المؤمن عمره إلّا خيرًا" تفرّد به أحمد
وهذا فيما إذا كان الضّرّ خاصًّا به، أمّا إذا كان فتنةً في الدّين فيجوز سؤال الموت، كما قال اللّه تعالى إخبارًا عن السّحرة لمّا أرادهم فرعون عن دينهم وتهدّدهم بالقتل قالوا: {ربّنا أفرغ علينا صبرًا وتوفّنا مسلمين} [الأعراف: 126] وقالت مريم لمّا أجاءها المخاض، وهو الطّلق، إلى جذع النخلة {يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا} [مريم: 23] لما تعلم من أنّ النّاس يقذفونها بالفاحشة؛ لأنّها لم تكن ذات زوجٍ وقد حملت وولدت، فيقول القائل أنّى لها هذا؟ ولهذا واجهوها أوّلًا بأن قالوا: {يا مريم لقد جئت شيئًا فريًّا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمّك بغيًّا} [مريم: 27، 28] فجعل اللّه لها من ذلك الحال فرجًا ومخرجًا، وأنطق الصّبيّ في المهد بأنّه عبد اللّه ورسوله، وكان آيةً عظيمةً ومعجزةً باهرةً صلوات اللّه وسلامه عليه وفي حديث معاذٍ، الّذي رواه الإمام أحمد والتّرمذيّ، في قصّة المنام والدّعاء الّذي فيه: "وإذا أردت بقومٍ فتنةً، فتوفّني إليك غير مفتونٍ".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو سلمة، أنا عبد العزيز بن محمّدٍ، عن عمرٍو عن عاصمٍ عن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيدٍ؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "اثنتان يكرههما ابن آدم الموت، والموت خير للمؤمن [من الفتنة] ويكره قلّة المال، وقلّة المال أقلّ للحساب".
فعند حلول الفتن في الدّين يجوز سؤال الموت؛ ولهذا قال عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، في آخر إمارته لمّا رأى أنّ الأمور لا تجتمع له، ولا يزداد الأمر إلّا شدّةً قال: اللهمّ، خذني إليك، فقد سئمتهم وسئموني.
وقال البخاريّ، رحمه اللّه، لمّا وقعت له تلك المحن وجرى له ما جرى مع أمير خراسان: اللّهمّ توفّني إليك.
وفي الحديث: "إنّ الرّجل ليمرّ بالقبر -أي في زمان الدّجّال -فيقول: يا ليتني مكانك" لما يرى من الفتن والزّلازل والبلابل والأمور الهائلة الّتي هي فتنةٌ لكلّ مفتونٍ.
قال أبو جعفر بن جريرٍ: وذكر أنّ بني يعقوب الّذين فعلوا بيوسف ما فعلوا، استغفر لهم أبوهم، فتاب اللّه عليهم وعفا عنهم، وغفر لهم ذنوبهم.
[ذكر من قال ذلك]:
حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسن، حدّثني حجّاجٌ، عن صالحٍ المرّيّ، عن يزيد الرّقاشي، عن أنس بن مالكٍ قال: إنّ اللّه تعالى لمّا جمع ليعقوب شمله، وأقرّ عينه خلا ولده نجيًّا، فقال بعضهم لبعضٍ: ألستم قد علمتم ما صنعتم، وما لقي منكم الشّيخ، وما لقي منكم يوسف؟ قالوا: بلى. قال: فيغرّكم عفوهما عنكم، فكيف لكم بربّكم؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشّيخ فجلسوا بين يديه، ويوسف إلى جنب أبيه قاعدًا، قالوا: يا أبانا، إنّا أتيناك في أمرٍ، لم نأتك في مثله قطّ، ونزل بنا أمرٌ لم ينزل بنا مثله. حتّى حرّكوه، والأنبياء، عليهم السّلام، أرحم البريّة، فقال: ما لكم يا بنيّ؟ قالوا: ألست قد علمت ما كان منّا إليك، وما كان منّا إلى أخينا يوسف؟ قال: بلى. قالوا: أو لستما قد عفوتما؟ قالا بلى. قالوا: فإنّ عفوكما لا يغني عنّا شيئًا، إن كان اللّه لم يعف عنّا. قال: فما تريدون يا بنيّ؟ قالوا: نريد أن تدعو اللّه لنا، فإذا جاءك الوحي من اللّه بأنّه قد عفا عمّا صنعنا قرّت أعيننا، واطمأنّت قلوبنا، وإلّا فلا قرّة عينٍ في الدّنيا أبدًا لنا. قال: فقام الشّيخ فاستقبل القبلة، وقام يوسف خلف أبيه، وقاموا خلفهما أذلّة خاشعين. قال: فدعا وأمّن يوسف، فلم يجب فيهم عشرين سنةً -قال صالحٌ المرّيّ يخيفهم -قال: حتّى إذا كان رأس العشرين نزل جبريل، عليه السّلام، على يعقوب فقال: إنّ اللّه بعثني إليك أبشّرك بأنّه قد أجاب دعوتك في ولدك، وأنّه قد عفا عما صنعوا، وأنّه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النّبوّة.
هذا الأثر موقوفٌ عن أنسٍ، ويزيد الرّقاشيّ وصالحٌ المرّيّ ضعيفان جدًّا.
وذكر السّدّيّ: أنّ يعقوب، عليه السّلام، لمّا حضره الموت، أوصى إلى يوسف بأن يدفن عند إبراهيم وإسحاق، فلمّا مات صبّره وأرسله إلى الشّام، فدفن عندهما، عليهم السّلام). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 413-417]

رد مع اقتباس