عرض مشاركة واحدة
  #57  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 07:17 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (197) إلى الآية (199) ]

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}

قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ... (197).
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو ويعقوب: (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) رفعًا بالتنوين.
وقرأ الباقون نصبا غير منون، على التبرئة، واتفقوا كلهم على نصب اللام من قوله: (ولا جدال في الحجّ).
قال أبو منصور: من قرأ (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) فرفعهما بقوله في الحج، وإنما يحسن الرفع إذا نسق عليه، وإن لم ينسق عليه بـ (لا) فالاختيار النصب بلا تنوين، كقوله جلّ وعزّ: (لا ريب فيه) على التبرئة، ومعنى (ولا جدال في الحجّ)، أي: لا شك أن الحج في ذي الحجة.
[معاني القراءات وعللها: 1/196]
وقرأ الباقون: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال) بالنصب في جميعها على التبرئة، ولو قرئ: (ولا جدالٌ) بالرفع والتنوين كان ذلك جائزا في كلام العرب، فأما في القرآن فلا يجوز؛ لأن القراءة سنة، ولم يقرأ بها أحد من القراء). [معاني القراءات وعللها: 1/197]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: اتفقوا في فتح الحاء من قوله عزّ وجل: الحجّ في سورة البقرة واختلفوا في آل عمران، وأنا أذكره إذا مررت به.
قال أبو علي: يريد في قوله تعالى: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ [الآية/ 197]. والحجّ مصدر لقولهم: حجّ البيت أي: قصده، ومثل الحجّ قولهم: شدّ شداً، وردّ ردّاً، وعدّ عدّاً.
قال سيبويه: قالوا: حجّ حجّا- كقولهم: ذكر ذكراً.
قال: وقالوا: حجّة- يريدون: عمل سنة، كما قالوا:
غزاة: يريدون عمل وجه واحد. فلو قرئ: الحجّ على ما حكاه سيبويه لم يمتنع في القياس.
[الحجة للقراء السبعة: 2/278]
وقولهم:- حجّ- وهم يريدون جمع الحاجّ، يمكن أن يكونوا سمّوا بالمصدر الذي هو كالذّكر تقديره: ذوو حجّ وأنشد أبو زيد:
أصوات حجّ من عمان غادي وقال:
وكأنّ عافية النّسور عليهم... حجّ بأسفل ذي المجاز نزول
ومعنى قوله تعالى: الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ تقديره:
أشهر الحج أشهر معلومات، فحذف المضاف أو يكون:
الحجّ حجّ أشهر معلومات، فحذف المصدر المضاف إلى الأشهر، وعلى هذا:
يا سارق الليلة أهل الدار أو يكون جعل الأشهر الحجّ، لمّا كان الحجّ فيها، كقولهم: ليل نائم؛ فجعل الليل النائم لمّا كان النوم فيه.
[الحجة للقراء السبعة: 2/279]
وأشهر الحج: شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة، فسمّى الشهرين وبعض الثالث أشهراً، لأن الاثنين قد يوقع عليه لفظ الجمع، كما يوقع عليه لفظ الجمع في نحو قولهم:
ظهراهما مثل ظهور التّرسين ولا يجوز على هذا القياس أن يوقع على الاثنين.
وبعض الثالث قروءٍ في قوله: ثلاثة قروءٍ [البقرة/ 228] لأنّ هذا محصور بالعدد، فلا يكون الاثنان وبعض الثالث ثلاثة). [الحجة للقراء السبعة: 2/280]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم الثّاء والقاف والتنوين ونصبهما بغير تنوين في قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق [البقرة/ 197].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فلا رفث ولا فسوق بالضم فيهما والتنوين.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: فلا رفث ولا فسوق فيهما بغير تنوين، ولم يختلفوا في نصب اللام من جدال.
قال أبو علي: روي عن طاوس قال: سألت ابن عباس عن قوله: فلا رفث ولا فسوق قال: الرفث المذكور ليس الرفث المذكور في قوله: أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم [البقرة/ 187]، ومن الرفث التعريض بذكر
[الحجة للقراء السبعة: 2/286]
الجماع، وهي الإعرابة في كلام العرب.
وروي عنه وعن ابن مسعود وابن عمر والحسن وغيرهم:
الرّفث: الجماع.
وأما الفسوق فعن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وإبراهيم وعطاء: الفسوق: المعاصي، قال: في المعاصي كلّها.
وإن تفعلوا فإنّه فسوقٌ بكم [البقرة/ 282].
ابن زيد: هو الذبح، وقرأ: أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به [الأنعام/ 145]. قال الضحاك: الفسوق: التنابز بالألقاب.
قال أبو علي: كأنه ذهب إلى قوله: بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان [الحجرات/ 11].
وقال أبو عبيدة فيما روى عنه التّوّزيّ: فلا رفث أي:
لا لغا من الكلام، واللّغا: التكلّم بما لا ينبغي، قال العجّاج:
عن اللّغا ورفث التكلّم تقول: لغيت تلغى، مثل: لقيت، تلقي، وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/287]
ولا جدال في الحجّ [البقرة/ 197] أي: لا شكّ فيه أنه لازم في ذي الحجّة، وقالوا: من المجادلة.
وقال أبو عبيدة: الرّفث إلى نسائكم: الإفضاء إلى نسائكم.
قال أبو علي: قد وافق قول أبي عبيدة ما روي عن ابن عباس، لأن ابن عباس جعل الرّفث المذكور، فيما روى عطاء عنه في قوله: فلا رفث ولا فسوق [البقرة/ 197] أنه غير الرّفث المذكور في قوله: أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم فقال في قوله: فلا رفث ولا فسوق من الرّفث:
التعريض بذكر الجماع.
وينبغي أن يكون مراده بذكر الجماع مع النساء، ويؤكد ذلك قوله: التعريض بذكر النساء، والتعريض يقتضي معرّضاً له. وإنما تأوّلناه على مراجعة النساء الحديث بذكر
الجماع، دون اللفظ به من غير مراجعتهنّ، لأنه قد روي عن ابن عباس أنه كان يطوف بالبيت وينشد:
وهنّ يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا فقيل له: أترفث؟ فقال: ليس هذا برفث، إنما الرفث مراجعة النساء الحديث بذكر الجماع. قال يعقوب فيما أخبرنا
[الحجة للقراء السبعة: 2/288]
به محمد بن السري قال يزيد بن هارون: لميساً يعني: فرجاً، وليس بامرأة بعينها. وقد وافق قول أبي عبيدة قول ابن عباس، لأنه فسّر الرفث في قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق: ما لا ينبغي أن يتكلم به، وفسر الرفث في قوله جل وعز: الرّفث إلى نسائكم [البقرة/ 187]: الإفضاء إلى نسائكم. قال أبو الحسن: وألحق إلى في قوله عز وجل: الرّفث إلى نسائكم لما كان الرفث بمعنى الإفضاء.
وأما قوله: ولا جدال في الحجّ [البقرة/ 197] فيحتمل ضربين قد أشار إليهما أبو عبيدة، أحدهما: أنه لا شك في أن فرض الحج قد تقرر في ذي الحجة، وبطل ما كان يفعله النّسأة من تأخير الشهور، وفيهم نزل: إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر [التوبة/ 37] والآخر: لا جدال: لا تجادل صاحبك ولا تماره.
فأما قوله جلّ اسمه: في الحجّ فلا يخلو (لا) من أن تقدّره بمعنى ليس، كما قال:
لا مستصرخ و: لا براح أو تقدرها غير معملة عمل ليس، وإنما يرتفع الاسم بعدها بالابتداء، فمن قدر ارتفاع الاسم بعدها بالابتداء جاز في قول سيبويه: أن يكون في الحج خبراً عن الأسماء الثلاثة، لاتفاق الأسماء في ارتفاعها بالابتداء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/289]
وأما قوله: فلا رفث ولا فسوق فبيّن.
وأما قوله: ولا جدال [البقرة/ 197] فإن لا مع جدال في موضع رفع، فقد اتفقت الأسماء في ارتفاعها بالابتداء، فلا يمنع من أن يكون قوله: في الحجّ خبرا عنها، ولا يجوز ذلك في قول أبي الحسن، لأنه يرى ارتفاع الخبر بعد لا، بلا النافية دون خبر الابتداء. ولو قدر مقدر في قوله: فلا رفث ولا فسوق، الاسم مرتفعاً بلا، كما يرتفع بليس؛ لم يجز في واحد من القولين أن يكون في الحجّ في موضع الخبر، لأن الخبر ينتصب بلا كما ينتصب بليس، وخبر لا جدال في موضع رفع بأنه خبر الابتداء، وفي قول أبي الحسن في موضع نصب بلا، فلا يجوز أن يكون خبراً عن الأسماء الثلاثة لوجود عمل عاملين مختلفين في مفعول واحد.
ولو رفع رافع: ولا جدال، ونوّن؛ لجاز أن يكون قوله: في الحجّ خبراً عن الأسماء الثلاثة. فإن رفع: فلا رفث ولا فسوق، بلا التي في معنى ليس، أضمر لها خبراً، ولم يجز أن يكون قوله: في الحجّ خبراً عنها، ولكنه يجوز أن يكون خبراً عن:
لا جدال ويجوز أن يكون صفة للجدال، فإذا جعلته صفة أضمرت لقولك: لا جدال في الحجّ خبراً، ولا يجوز أن يكون في الحجّ متعلقاً بالجدال على قول الخليل، وسيبويه.
ويجوز في قول البغداديين أن يكون متعلقاً بالجدال، وإن كانت لا النافية قد علمت فيه. ولو رفع الجدال ونوّن لجاز أن يكون في الحجّ متعلقاً بالجدال، لأن الجدال يبدل بهذا الحرف
[الحجة للقراء السبعة: 2/290]
الجار، قال تعالى: أتجادلونني في أسماءٍ سمّيتموها [الأعراف/ 71].
وحجة من فتح فقال: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال أن يقول: إنه أشد مطابقة للمعنى المقصود، ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق، كما أنه إذا قال: لا ريب فيه [البقرة/ 2] فقد نفى جميع هذا الجنس، فإذا رفع ونوّن فكأن النفي لواحد منه، ألا ترى أن سيبويه يرى: أنه إذا قال:
لا غلام عندك ولا جارية، فهو جواب من سأل فقال: أغلام عندك أم جارية؟ والفتح أولى، لأن النفي قد عم، والمعنى عليه، ألا ترى أنه لم يرخّص في ضرب من الرفث والفسوق كما لم يرخّص في ضرب من الجدال، وقد اتفق الجميع على فتح اللام من الجدال، ليتناول النفي جميع جنسه، فيجب أن يكون ما قبله من الاسمين على لفظه إذ كان في حكمه.
وحجة من رفع: أنه يعلم من الفحوى أنه ليس المنفيّ رفثا واحداً، ولكنه جميع ضروبه، وقد يكون اللفظ واحداً، والمعنى المراد به جميع، قال:
فقتلًا بتقتيل وضرباً بضربكم... جزاء العطاس لا ينام من اتّأر
[الحجة للقراء السبعة: 2/291]
ومن حجته: أن هذا الكلام نفي، والنفي قد يقع فيه الواحد موقع الجميع، وإن لم يبن فيه الاسم مع لا النافية نحو: ما رجل في الدار). [الحجة للقراء السبعة: 2/292]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {فلا رفث ولا فسوق} رفع منون {ولا جدال} نصبا قال أبو عبيد وإنّما افترقت الحروف عندهم لأنهم جعلوا قوله {فلا رفث ولا فسوق} بمعنى النّهي أي لا يكون
[حجة القراءات: 128]
فيه ذاك وتأولوا في قوله {ولا جدال} أنه لا شكّ في الحج ولا اختلاف فيه أنه في ذي الحجّة
وقرأ الباقون جميع ذلك بالنّصب وحجتهم قول ابن عبّاس {ولا جدال في الحج} قال لا تمار صاحبك حتّى تغضبه فلم يذهب بها ابن عبّاس ذلك المذهب ولكنه جعله نهيا كالحرفين الأوّلين وأن حرف النّهي دخل في الثّلاثة وحجّة من فتح أن يقول إنّه أبلغ للمعنى المقصود ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرّفث والفسوق كما أنه إذا قال لا ريب فيه فقد نفى جميع هذا الجنس وإذا رفع ونون فكأن النّفي لواحد منه فالفتح أولى لأن النّفي به أعم والمعنى عليه لأنّه لم يرخص في ضرب من الرّفث والفسوق كما لم يرخص في ضرب من الجدال فالفتح جواب قائل هل من رفث هل من فسوق ف من يدخله للعموم ولا أيضا تدخل لنفي العموم وإذا قلت هل من رجل في الدّار فجوابه لا رجل في الدّار
وحجّة من رفع أنه يعلم من الفحوى أنه ليس النّفي وقتا واحدًا ولكنه بجميع ضروبه وقد يكون اللّفظ واحدًا والمراد جميعًا). [حجة القراءات: 129]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (133- قوله: {فلا رفث ولا فسوق} قرأهما ابن كثير وأبو عمرو بالتنوين والرفع، وقرأ الباقون بالفتح من غير تنوين.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/285]
124- ووجه القراءة بالرفع والتنوين أن «لا» بمعنى «ليس» فارتفع الاسم بعدها؛ لأنه اسمها، والخبر محذوف، تقديره: فليس رفث ولا فسوق في الحج، ودل عليه {في الحج} الثاني الظاهر، وهو خبر، {ولا جدال} ويجوز أن ترفع {رفث وفسوق} بالابتداء، و«لا» للنفي، فالخبر محذوف أيضًا، ولا يحسن أن يكون {في الحج} الظاهر خبرًا عن الأسماء الثلاثة، لأن خبر «ليس» منصوب، وخبر «جدال» مرفوع؛ لأن {ولا جدال} اسم واحد في موضع رفع بالابتداء، ولا يعمل عاملان في اسم واحد، ولو رفع {ولا جدال} ونون مثل ما قبله لكان {في الحج} الظاهر خبرًا عن الثلاثة الأسماء؛ لأن الأسماء الثلاثة، كل واحد مع «لا» في موضع رفع بالابتداء والعطف، ومنعه الأخفش لأنه يرى ارتفاع الخبر بعد «لا» الثانية، وبالرفع قرأ مجاهد وابن محيصن.
125- ووجه القراءة بالفتح، من غير تنوين، أنه أتى بـ «لا» للنفي، لتدل على النفي العام، فنفى جميع الرفث وجميع الفسوق كما تقول: لا رجل في الدار، فتنفي جميع الرجال، ولا يكون ذلك إذا رفع ما بعد «لا» لأنها تصير «لا» بمعنى «ليس»، ولا تنفي إلا الواحد، والمقصود في الآية نفي جميع الرفث والفسوق، فكان الفتح أولى به لتضمنه لعموم الرفث كله، والفسوق كله، لأنه لم يرخص في ضرب من الرفث ولا في ضرب من الفسوق، كما لم يرخص في ضرب من الجدال، ولا يدل على هذا المعنى إلا الفتح، لأنه للنفي العام، وإجماع القراء على فتح «ولا جدال» يقوي فتح ما قبله، ليكون الكلام على نظام واحد، في عموم المنفي كله، في الأسماء الثلاثة في موضع رفع، كل واحد مع «لا» وقوله «في الحج» خبر عن جميعها، والفتح وجه القراءة لعمومه، ولإجماع أكثر القراء عليه، ولاتفاق أول الكلام مع آخره، وبه قرأ الأعرج وشيبة والأعمش وأبو رجاء والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/286]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (68- {فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ} [آية/ 197]:-
بالرفع والتنوين فيهما، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
ووجه ذلك أنهما مرفوعان بالابتداء، وقوله {فِي الحَجِّ} خبر عنهما، وقوله {وَلا جِدَالَ} وإن كان مفتوحًا، فإن {لا} مع {جدال} في موضع رفع أيضًا بالابتداء، فقد وافقهما في كونه مرتفعًا بالابتداء، فجاز أن يكون {فِي الحَجِّ} خبرًا عن الكل.
وقرأ الباقون {فلا رَفَثَ وَلا فُسُوق} بالفتح بغير تنوين.
ووجهه أن ذلك نفي جميع الرفث والفسوق؛ لأن النفي عام، فهو ينفي الجنس، وهذا أولى، لعموم النفي لأنواع الرفث والفسوق.
وأما {جدال} فإنه مفتوح بلا تنوين على الاتفاق، وذكر بعض أهل المعاني أنه إنما لم يأت فيه إلا الفتح؛ لأن معناه: لا شك في الحج ولا اختلاف أنه في ذي الحجة، فهو إخبار، ولا يقع خلاف ذلك، فالنفي عام لا محالة، أما الرفث والفسوق فإن نفيهما هنا نفي إخبارٍ يراد به النهي، فقد يقع عند المعصية خلافه، فلهذا وقع النفي فيهما عامًا وغير عام). [الموضح: 320]

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)}

قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير: [ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِي] يعني: آدم -عليه السلام- لقوله تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على فساد قول مَن قال: إن لام التعريف إنما تدخل الأعلام للمدح والتعظيم، وذلك تحو: العباس، والمظفر، وما جرى مجراهما. ووجه الدلالة من ذلك: أن قوله [الناسي] إنما يُعنى به آدم -عليه السلام- فصارت صفة غالبة كالنابغة والصَّعِق، وكذلك الحارث والعباس والحسن والحسين، هي وإن كانت أعلامًا فإنها تجري مجرى الصفات؛ ولذلك قال الخليل: إنهم جعلوه الشيء بعينه؛ أي: الذي حرَث وعَبَسَ، فمحمول هذا أن في هذه الأسماء الأعلام التي أصلها الصفات معاني الأفعال؛ ولذلك لحقتها لام المعرفة كما تعرف الصفات، وإذا كان فيها معاني الأفعال، وكانت الأفعال كما تكون مدحًا فكذلك ما تكون ذمًّا، فهي تحقق في العلم معنى الصفة، مدحًا كانت الصفة أو ذمًّا.
فالمدح ما ذكرناه من نحو: الحارث والمظفر والحسين والحسن، والذم ما جاء في نحو قولهم: فلان بن الصَّعِق؛ لأن ذلك داء ناله، فهي بلوى، وأن يكون ذمًّا أولى من أن يكون مدحًا، ألا ترى أن المدح ليس من مَقَاوم ذكر الأمراض والبلاوي، وإنما يقال فيه: إنه كالأسد، وإنه كالسيف؟ ومنه عمرو بن الحمِق، فهذا ذم له لا مدح، وعلى أنهم قد قالوا في الحمق: إنه الصغير اللحية، والمعنى الآخر أشيع فيه، ألا ترى إلى قوله:
فأما كيس فنجا ولكن ... عسى يغتر بي حَمِق لئيم؟
ومنه قولهم: فلان بن الثعلب، فدخلته اللام، هو علم لما فيه من معنى الخِبِّ والْخُبث،
[المحتسب: 1/119]
وذلك عيب فيه لا ثناء عليه، والباب فيه فاشٍ واسع؛ فقد صح إذن أن ما جاء من الأعلام وفيه لام التعريف فإنما ذلك لما فيه من معنى الفعل والوصفية، ثناء عليه كان ذلك أو ذمًّا له، وإنما دعا الكُتَّاب ونحوهم إلى أن قالوا: إن دخول اللام هنا إنما هو لمعنى المدح أن كان أكثره كذلك؛ لأنه إنما العرف فيه أن يسمى من الأسماء الحاملة لمعاني الأفعال مما كان فيه معنى المدح، لا أن هذا مقصور على المدح دون الذم عندنا لما ذكرنا). [المحتسب: 1/120]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس