عرض مشاركة واحدة
  #53  
قديم 15 محرم 1439هـ/5-10-2017م, 03:16 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

المسألة الثانية: ترتيب الآيات في السورة الواحدة

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المسألة الثانية: ترتيب الآيات في السورة الواحدة
ترتيب الآيات في السورة الواحدة لا خلاف في أنه متلقّى من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّ قرّاء الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرَأُون ويقرِئون السور من القرآن على ترتيب الآيات الذي تلقّوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد صَحّت الأحاديث بما يفيد توقيف ترتيب الآيات وانعقد الإجماع على ذلك.
- قال عبد الله بن أبي مليكة: قال ابن الزبير: قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} إلى قوله {غير إخراج} قد نسختها الأخرى، فلم تكتبها؟ قال: «تدعها يا ابن أخي، لا أغيّر شيئاً منه من مكانه». رواه البخاري في صحيحه من حديث يزيد بن زريع عن حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة به.
وابن الزبير كان من كَتَبَةِ المصاحف العثمانية.
وهذا الأثر الصحيح صريح الدلالة على أنّ عثمان رضي الله عنه لم يغيّر شيئاً في ترتيب الآيات، وأن ترتيب الآيات لم يكن فيه اختلافٌ بين الصحابة رضي الله عنهم.

وقد وردت جملة من الأحاديث يُفهم منها توقيف ترتيب الآيات، ومن ذلك:

1. حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبعه في صدري، وقال: «يا عمر! ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء » رواه مسلم من حديث قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن عمر به.

2. وحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم»، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده»، ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد، فقال: «سبحان ربي الأعلى»، فكان سجوده قريبا من قيامه). رواه مسلم وأحمد والنسائي من طريق المستورد بن الأحنف، عن صلة بن زفر، عن حذيفة .
وفي رواية عند النسائي: (فافتتح البقرة، فقرأ فقلت: يركع عند المائة فمضى، فقلت: يركع عند المائتين فمضى، فقلت: " يصلي بها في ركعة، فمضى).

3. وحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (نسخت الصحف في المصاحف، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين» وهو قوله: {من المؤمنين، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} فألحقناها في سورتها في المصحف). رواه البخاري في صحيحه من طرق عن ابن شهاب الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه.
وهذا في جمع عثمان، وقصةُ آخر آيتين من سورة التوبة قصة أخرى غير هذه، وتلك كانت في جمع أبي بكر، وقد وقعتا لرجلين وليستا لرجل واحد:
أحدهما: أبو خزيمة الخزرجي
والآخر: خزيمة بن ثابت الأوسي.

- فأما أبو خزيمة فهو ابن أوس بن زيد من بني النجار من الخزرج من قرابة زيد بن ثابت وأبيّ بن كعب وأنس بن مالك، شهد بدراً وما بعدها ومات في خلافة عثمان.
- وأمّا خزيمة بن ثابت فهو من الأوس ويكنى بأبي عمارة وهو الذي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين، وقد قتل مع عليّ بن أبي طالب في صفين، كان كافّا سلاحه حتى قُتل عمار بن ياسر؛ وكان قد سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم (تقتل عماراً الفئة الباغية) فجرّد سيفه وقاتل مع عليّ حتى قُتل.
وقد وقع خلط في بعض الروايات بين الرجلين، ونبّه إلى التفريق بينهما ابن بطّال وأبو شامة وغيرهما.

4. وحديث أبي العالية، عن أبيِّ بن كعب أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبيُّ بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة: {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}؛ فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن، فقال لهم أبي بن كعب: (إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} إلى {وهو رب العرش العظيم}). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه وابن أبي داوود في كتاب المصاحف والضياء في المختارة من طريق أبي جعفر الرازي: حدثنا الربيع بن أنس، عن أبي العالية.
وإسناده حسن، ودلالته على توقيف ترتيب الآيات ظاهر؛ فإنَّه عرف موضع الآيتين في سورة التوبة بما أقرأه إيّاه النبيّ صلى الله عليه وسلم.
والأحاديث التي فيها تعيين مواضع بعض الآيات كثيرة يتعسّر تقصّيها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو سور القرآن في الصلوات وغيرها بترتيب الآيات كما أنزله الله، حتى حُفظ عنه ذلك الترتيب، وتواتر النقل به من غير خلاف.
ولمّا جُمع القرآن في عهد أبي بكر وعهد عثمان لم يكن بين الصحابة خلاف في ترتيب الآيات، وإنما كان الاختلاف في بعض الأحرف وفي فواصل بعض الآي، والاختلاف في عدد آيات كلّ سورة كالاختلاف في بعض القراءات لا أثر له على ترتيب الآيات.

وقد روي في ترتيب الآيات حديث لا يصحّ استدلّ به بعض العلماء، وهو ما رواه الإمام أحمد من طريق ليث بن أبي سليم، عن شهر بن حوشب، عن عثمان بن أبي العاص، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً إذ شخص ببصره ثم صوَّبه حتى كاد أن يلزقه بالأرض، قال: ثم شخص ببصره فقال: (أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} ).
وليث وشهر ضعيفان، وقد اختلف على شهر فيه؛ فرواه عبد الحميد بن بهرام عن شهر عن ابن عباس في خبر إسلام عثمان بن مظعون بسياق آخر من غير ذكر موضع هذه الآية من السورة.
قال ابن كثير: (وهذا إسناد لا بأس به، ولعله عند شهر بن حوشب من الوجهين).
وقال في الأول: (إسناد جيد متصل حسن).
قال الألباني: (أنَّى له الحسْنُ، وفيه شهر؟! وعنه ليث، وقد زاد في متنه ما لم يذكره عبد الحميد في روايته عن شهر).
ولذلك جعله الألباني في السلسة الضعيفة.
وهذا الحديث الضعيف تغني عنه الأحاديث الصحيحة المتقدّمة.
- قال القاضي عياض: (لا خلاف أن تأليف كل سورة وترتيب آياتها توقيف من الله تعالى على ما هى عليه الآن فى المصحف، وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها عليه السلام).
- وقال ابن حجر: (أما ترتيب الآيات فتوقيفي بلا خلاف)). [جمع القرآن:176 - 180]


رد مع اقتباس