عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:27 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّ ربّك يعلم الآية نزلت تخفيفا لما كان استمر استعماله من قيام الليل إما على الوجوب أو على الندب حسب الخلاف الذي ذكرناه، ومعنى الآية: أن الله تعالى يعلم أنك تقوم أنت وغيرك من أمتك قياما مختلفا فيه، مرة يكثر ومرة يقل، ومرة أدنى من الثلثين، ومرة أدني من الثلث، وذلك لعدم تحصيل البشر لمقادير الزمن مع عدم النوم، وتقدير الزمان حقيقة إنما هو لله تعالى، وأما البشر فلا يحصي ذلك فتاب الله عليهم، أي رجع بهم من الثقل إلى الجنة وأمرهم بقراءة ما تيسّر، ونحو هذا يعطي عبارة الفراء ومنذر فإنهما قالا تحصوه تحفظوه، وهذا التأويل هو على قراءة من قرأ «ونصفه وثلث» بالخفض عطفا على الثلثين، وهي قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر. وأما من قرأ «ونصفه وثلثه» بالنصب عطفا على أدنى وهي قراءة باقي السبعة، فالمعنى عنده آخر، وذلك أن الله تعالى قرر أنهم يقدرون الزمان على نحو ما أمر به في قوله نصفه أو انقص منه قليلًا أو زد عليه [المزمل: 3- 4]، فلم يبق إلا أن يكون قوله لن تحصوه لن تستطيعوا قيامه لكثرته وشدته فخفف الله عنكم فضلا منه لا لقلة جهلهم بالتقدير وإحصاء الوقت، ونحو هذا تعطي عبارة الحسن وابن جبير تحصوه تطيعوه، وقرأ جمهور القراء والناس «وثلثه» بضم اللام، وقرأ ابن كثير في رواية شبل عنه: «وثلثه» بسكون اللام. وقوله تعالى: فاقرؤا ما تيسّر من القرآن إباحة، هذا قول الجمهور، وقال ابن جبير وجماعة هو فرض لا بد منه ولو خمسين آية، وقال الحسن وابن سيرين قيام الليل فرض، ولو قدر حلب شاة، إلا أن الحسن قال: من قرأ مائة آية لم يحاجه القرآن، واستحسن هذا جماعة من العلماء، قال بعضهم: والركعتان بعد العتمة مع الوتر مدخلتان في حكم امتثال هذا الأمر، ومن زاد زاده الله ثوابا.
وإنّ في قوله تعالى: علم أن مخففة من الثقيلة. والتقدير أنه يكون، فجاءت السين عوضا من المحذوف، وكذلك جاءت لا في قول أبي محجن: [الطويل]
ولا تدفنني بالفلاة فإنني = أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
والضرب في الأرض: هو السفر للتجارة، وضرب الأرض هو المشي للتبرز والغائط. فذكر الله تعالى أعذار بني آدم التي هي حائلة بينهم وبين قيام الليل وهي المرض والسفر في تجارة أو غزو، فخفف عنه القيام لها. وفي هذه الآية فضيلة الضرب في الأرض بل تجارة وسوق لها مع سفر الجهاد، وقال عبد الله بن عمر: أحب الموت إليّ بعد القتل في سبيل الله أن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله، ثم كرر الأمر. بقراءة ما تيسر منه تأكيدا و «الصلاة» و «الزكاة» هما المفروضتان، ومن قال إن القيام بالليل غير واجب قال معنى الآية خذوا من هذا الثقل بما تيسر وحافظوا على فرائضكم، ومن قال إن شيئا من القيام واجب قال: قرنه الله بالفرائض لأنه فرض. وإقراض الله تعالى: هو إسلاف العمل الصالح عنده. وقرأ جمهور الناس «هو خيرا» على أن يكون هو فصلا، وقرأ محمد بن السميفع وأبو السمال «هو خير» بالرفع على أن يكون هو ابتداء، و «خير» خبره والجملة تسد مسد المفعول الثاني ل تجدوه.
ثم أمر تعالى بالاستغفار وأوجب لنفسه صفة الغفران لا إله غيره، قال بعض العلماء فالاستغفار بعد الصلاة مستنبط من هذه الآية ومن قوله تعالى: كانوا قليلًا من اللّيل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون [الذاريات: 17].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعهدت أبي رحمه الله يستغفر إثر كل مكتوبة ثلاثا بعقب السلام ويأثر في ذلك حديثا، فكأن هذا الاستغفار من التقصير وتفلت الفكر أثناء الصلاة، وكان السلف الصالح يصلون إلى طلوع الفجر ثم يجلسون للاستغفار إلى صلاة الصبح). [المحرر الوجيز: 8/ 447-449]


رد مع اقتباس