عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م, 11:54 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

وصفه بأنّه شفاء

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنّه شفاء
وأمّا وصفه بأنّه شفاء؛
فقد ورد في مواضع من القرآن؛ منها قول الله تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}

وقوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}
وقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)}
فوصفه الله بأنّه شفاء؛ وجعل هذا الشفاء منحة خاصّة للمؤمنين؛ ففيه شفاء لنفوسهم من عللها وأدوائها التي مرجعها إلى أمرين:
- ظلمها بتعدّيها حدود الله؛ فيصيبها من مغبّة مخالفتها لهداه ما تشقى به.
- وجهلها بما ينفعها ويزكّيها ويكمّلها.
والأصل في وصف الإنسان أنّه ظلوم جهول؛ كما قال الله تعالى: { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)}
أي أن هذا من طبعه وعادته؛ فيتعدّى حدود الله اتّباعاً لهواه؛ فيظلم نفسه بما يجرّ عليها من البلاء والعلل والأدواء والعناء والشقاء.
ويجهل فينصرف إلى تناول ما يضرّه ولا ينفعه؛ ويشقيه ولا يشفيه.
وتتنوّع مظاهر الشقاء في النفس البشرية وتتفاوت بحسب بعدها عن هدى الله؛ وينشأ فيها من علل الجهل والظلم، والعُجْبِ والكبْر، والشكّ والحيرة، والشحّ والبخل، والحرص والحسد، والعشق والتعلقّ، وغيرها من العلل تجرّ على من اتّصف بها أو ببعضها ألواناً من الشقاء العظيم والعذاب الوبيل.
وتلك العلل تفسد التصوّر والإرادة؛ فيحصل بفساد التصوّر افتتان بفتن الشبهات؛ فيرى الباطل حقّاً، والحقّ باطلاً، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً؛ ويزداد بذلك عذاب حيرته وشكّه وظلمة قلبه.
ويحصل بفساد الإرادة افتتان بأنواع من الشهوات، وتعلّق القلب بها حتى يجد من أليم عذابها وعظيم مصابها ما تشقى به حياته، ويظلم به فؤاده.
واللبيب الموفّق إذا أبصر ما أصاب الناس من علل نفوسهم وأدوائها وما أنتجته لهم تلك العلل من عذاب وشقاء أدرك أنّه لا مخرج منها إلا بشفاء يأتي من الله؛ شفاء يصحّ به التصوّر فيعرف الحقّ وحسنه ويبصره بدلائله الظاهرة، ويتبيّن فضله وثمرته وحسن عاقبته، ويعرف الباطل وقبحه ويبصره بدلائله الظاهرة وإن هويته النفس وطمعت فيه للذة هاجمة أو خاطرة عابرة، ويتبيّن خطره وشؤمه وسوء عاقبته.
ويحتاج الإنسان مع هذا العلاج المعرفيّ النافع الذي أصله البصيرة وصحّة المعرفة إلى علاج سلوكي؛ ليتناول ما يصلح به قلبه، وتزكو به نفسه، وينشرح به صدره، وتستنير به بصيرته، ويستقيم به على ما ينفعه في جميع شؤونه، ويسلم به مما يضرّه ويفسد عليه ثمرات صلاحه ويضعفها.
وقد أنزل الله عزّ وجلّ هذا القرآن العظيم شفاءً للمؤمنين الذين آمنوا به واتّبعوا ما أنزل الله فيه من الهدى؛ فتحقّق لهم من الشفاء بقدر ما حقّقوا من الإيمان واتّباع الهدى.
ومن أبصر ما تقدّم أدرك عظيم منّة الله تعالى بهذا الشفاء العظيم؛ الذي حرم منه من حرم؛ فشقي في الدنيا والآخرة، وسعد به من عرف قدره وعظّمه فاغتبط به في الدنيا مع ما يرجو من فضل الله العظيم في الآخرة.
وقد جعل الله مع هذا الشفاء العظيم الذي هو المقصود الأعظم من الشفاء شفاءً من نوع آخر؛ فهو رقية نافعة من العلل والأدواء التي تصيب الروح والجسد، فكم شُفي به من عليل عجز الأطبّاء عن علاجه؛ ليتبيّن الناس آية من آيات الله فيه؛ وأنّ الله إذا شاء أن يشفي عبده فلا يعجزه شيء، ولا يردّ فضله عنه أحد.
وكم أُبطل به من سحرٍ قد أضرّ وأنكى.
وكم تعافى به من معيون ومحسود وممسوس وموسوس.
وكم اجتمع به شمل أسرة بعد تفرّق، وصلح به حال قوم بعد فساد أمرهم وتفرّقه، وكم سكنت به من نفوس، واطمأنّت به من قلوب، وانشرحت به من صدور، وصلحت به من أحوال.
وكلّ ذلك من الدلائل البيّنة على ما جعل الله فيه من الشفاء المبارك). [بيان فضل القرآن:57 - 59]

رد مع اقتباس