عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 06:09 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم عاتب تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله: "وإذ تقول" الآية. واختلف الناس في تأويلها، فذهب قتادة، وابن زيد، وجماعة من المفسرين - منهم الطبري وغيره - إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب وهي في عصمة زيد، وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها، ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له: "اتق الله"، أي: فيما تقول عنها، وأمسك عليك زوجك، وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إياها، وهذا هو الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف. وقالوا: خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالة الناس في ذلك، فعاتبه الله تعالى على جميع هذا.
وقرأ ابن أبي عبلة: "ما الله مظهره"، وقال الحسن: ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليه من هذه الآية، وقال هو وعائشة رضي الله عنهما: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه، وروى ابن زيد في نحو هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب زيدا في داره فلم يجده، ورأى زينب حاسرة فأعجبته فقال: "سبحان الله مقلب القلوب" وروي في هذه القصة أشياء يطول ذكرها، وهذا الذي ذكرناه مستوف لمعانيها.
وذهب قوم من المتأولين إلى أن الآية لا كبير عتب فيها، ورووا عن علي بن الحسين أنه قد أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن زيدا يطلق زينب، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب وأنها لا تطيعه، وأعلمه بأنه يريد طلاقها، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية: "اتق الله" - أي في أقوالك "وأمسك عليك زوجك"، وهو يعلم أنه سيفارقها. وهذا هو الذي أخفى في نفسه، ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم من أنه سيتزوجها، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله تعالى بأن قال: "أمسك" مع علمه أنه يطلق، وأعلمه أن الله أحق بالخشية، أي في كل حال.
وقوله تعالى: {أنعم الله عليه} أي بالإسلام وغيره، وأنعمت عليه أي بالعتق، وهو زيد بن حارثة، وزينب هي بنت جحش هي بنت أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم أعلم تعالى أنه زوجها منه لما قضى زيد وطره منها لتكون سنة للمسلمين في أزواج أدعيائهم، وليبين أنها ليست كحرمة النبوة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد: "ما أجد في نفسي أوثق منك، فاخطب زينب علي"، قال: فذهبت ووليتها ظهري توقيرا للنبي عليه الصلاة والسلام، وخطبتها ففرحت وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها.
و"الوطر": الحاجة والبغية، والإشارة هنا إلى الجماع، وروى جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وطرا زوجتكها". وذهب بعض الناس من هذه الآية ومن قول شعيب: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين إلى أن ترتيب هذا المعنى في المهور ينبغي أن يكون: "أنكحه إياها" فيقدم ضمير الزوج لما في الآيتين، وهذا عندي غير لازم، لأن الزوج في الآية مخاطب فحسن تقديمه، وفي المهور الزوجان غائبان فقدم من شئت، ولم يبق ترجيح إلا بدرجة الرجال وأنهم القائمون.
وقوله تعالى: {وكان أمر الله مفعولا} فيه حذف مضاف تقديره: "وكان حكم أمر الله" أو "مضمن أمر الله"، وإلا فالأمر قديم لا يوصف بأنه مفعول، ويحتمل - على بعد - أن يكون "الأمر" واحد الأمور أي التي شأنها أن تفعل. وروي أن عائشة وزينب تفاخرتا، فقالت عائشة رضي الله عنها: أنا التي سبقت صفتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنة في سرقة حرير، وقالت زينب رضي الله عنها: أنا التي زوجني الله من فوق سبع سموات. وقال الشعبي: كانت زينب تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن، أن جدي وجدك واحد، وإن الله أنكحك إياي من السماء، وأن السفير في ذلك جبريل).[المحرر الوجيز: 7/ 121-124]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا * الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا * ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما * يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما * تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما}
هذه مخاطبة من الله تعالى لجميع الأمة، أعلمهم أنه لا حرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نيل ما فرض الله له وأباحه، من تزويج زينب بعد زيد، ثم أعلم أن هذا ونحوه هو السنن الأقدم في الأنبياء، من أن ينالوا ما أحل الله لهم، وحكى الثعلبي عن مقاتل وابن الكلبي أن الإشارة إلى داود عليه السلام، حيث جمع الله بينه وبين من فتن بها،
و"سنة" نصب على المصدر، أو على إضمار فعل تقديره: الزم أو نحوه، أو على الإغراء، كأنه قال: فعليه سنة الله. و"الذين خلوا" هم الأنبياء، بدليل وصفهم بعد بقوله: {الذين يبلغون رسالات الله}. و"أمر الله" في هذه الآية، أي: مأمورات الله والكائنات عن أمره، فهي مقدورة، وقوله: "قدرا" فيه حذف مضاف، أي: ذا قدر وعن قدر).[المحرر الوجيز: 7/ 124-125]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ ابن مسعود: "الذين بلغوا رسالات الله".
وقوله: {ولا يخشون أحدا إلا الله} تعريض بالعتاب الأول في خشية النبي صلى الله عليه وسلم الناس، ثم رد الأمر كله إلى الله، وأنه المحاسب على جميع الأعمال والمعتقدات، وكفى به لا إله إلا هو، ويحتمل أن يكون "حسيبا" بمعنى "محسبا"، أي كافيا). [المحرر الوجيز: 7/ 125]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} أذهب الله تعالى في هذه الآية ما وقع في نفوس منافقين وغيرهم من بعد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب زوجة دعيه زيد; لأنهم كانوا استعظموا أن تزوج زوجة ابنه، فنفى القرآن تلك الصورة في البنوة، وأعلم أن محمدا لم يكن في حقيقة أمره أبا أحد من رجال المعاصرين له، ولم يقصد بهذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد فيحتاج إلى الاحتجاج بأمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين، ومن احتج بذلك فإنه تأول نفي البنوة عنه بهذه الآية على غير ما قصد بها.
وقرأ ابن أبي عبلة وبعض الناس: "ولكن رسول الله" بالرفع على معنى: هو رسول الله، وقرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، والأعرج، وعيسى: "رسول" بالنصب على العطف على "أبا"، وهؤلاء قرؤوا "ولكن" بالتخفيف، وقرأت فرقة: "ولكن" بشد النون، فينتصب "رسول" على أنه اسم "لكن" والخبر محذوف.
وقرأ عاصم وحده، والحسن، والشعبي، والأعرج بخلاف: "وخاتم النبيين" بفتح التاء على معنى أنهم به ختموا، فهو كالخاتم والطابع لهم، وقرأ الباقون والجمهور بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم، أي جاء آخرهم، وروت عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام قال: "أنا خاتم ألف نبي"، بفتح التاء، وهذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام، مقتضية نصا أنه لا نبي بعده، وما ذكره القاضي ابن الطيب في كتابه المسمى بالهداية من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف، وما ذكره الغزالي في هذه الآية وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد إلحاد عندي، وتطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد عليه الصلاة والسلام النبوءة، فالحذر الحذر منه، والله الهادي برحمته. وقرأ ابن مسعود: "من رجالكم ولكن نبينا ختم النبيين"، قال الرماني ختم به عليه الصلاة والسلام الاستصلاح فمن لم يصلح به فميئوس من صلاحه.
وقوله: {وكان الله بكل شيء عليما} عموم، والمقصود به هنا علمه تبارك وتعالى بما رآه الأصلح لمحمد صلى الله عليه وسلم، وما قدره في الأمر كله). [المحرر الوجيز: 7/ 125-126]

رد مع اقتباس