عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 02:17 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون}
اختلف أهل التّأويل في تأويل هذه الآية، فروي عن سلمان الفارسيّ أنّه كان يقول: «لم يجئ هؤلاء بعد ».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، قال: حدّثنا الأعمش، قال: سمعت المنهال بن عمرٍو، يحدّث عن عبّاد بن عبد اللّه، عن سلمان، قال: «ما جاء هؤلاء بعد الّذين {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون}».
- حدّثني أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن شريكٍ، قال: حدّثني أبي، قال حدّثني الأعمش، عن زيد بن وهبٍ وغيره، عن سلمان أنّه قال في هذه الآية: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون} قال: «ما جاء هؤلاء بعد».
- وقال آخرون بما حدّثني به، موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: « {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون} هم المنافقون، أمّا {لا تفسدوا في الأرض} فإنّ الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية».
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} يقول: لا تعصوا في الأرض. قال: فكان فسادهم على أنفسهم ذلك معصية اللّه جلّ ثناؤه، لأنّ من عصى اللّه في الأرض أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض، لأنّ إصلاح الأرض والسّماء بالطّاعة».
وأولى التّأويلين بالآية تأويل من قال: إنّ قول اللّه تبارك اسمه: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون} نزلت في المنافقين الّذين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإن كان معنيًّا بها كلّ من كان بمثل صفتهم من المنافقين بعدهم إلى يوم القيامة. وقد يحتمل قول سلمان عند تلاوة هذه الآية: «ما جاء هؤلاء بعد»، أن يكون قاله بعد فناء الّذين كانوا بهذه الصّفة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خبرًا منه عمّن هو جاء منهم بعدهم ولمّا يجئ بعد، لا أنّه عنى أنّه لم يمض ممّن ذلك صفته أحدٌ.
وإنّما قلنا أولى التّأويلين بالآية ما ذكرنا، لإجماع الحجّة من أهل التّأويل على أنّ ذلك صفة من كان بين ظهراني أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المنافقين، وأنّ هذه الآيات فيهم نزلت، والتّأويل المجمع عليه أولى بتأويل القرآن من قولٍ لا دلالة على صحّته من أصلٍ ولا نظيرٍ.
والإفساد في الأرض: العمل فيها بما نهى اللّه جلّ ثناؤه عنه، وتضييع ما أمر اللّه بحفظه، فذلك جملة الإفساد، كما قال جلّ ثناؤه في كتابه مخبرًا عن قيل ملائكته: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء} يعنون بذلك: أتجعل في الأرض من يعصيك ويخالف أمرك؟ فكذلك صفة أهل النّفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربّهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه وشكّهم في دين اللّه الّذي لا يقبل من أحدٍ عملاً إلاّ بالتّصديق به والإيقان بحقّيّته، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشّكّ والرّيب وبمظاهرتهم أهل التّكذيب باللّه وكتبه ورسله على أولياء اللّه إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً فذلك إفساد المنافقين في أرض اللّه، وهم يحسبون أنّهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها. فلم يسقط اللّه جلّ ثناؤه عنهم عقوبته، ولا خفّف عنهم أليم ما أعدّ من عقابه لأهل معصيته بحسبانهم أنّهم فيما أتوا من معاصي اللّه مصلحون، بل أوجب لهم الدّرك الأسفل من ناره والأليم من عذابه والعار العاجل بسبّ اللّه إيّاهم وشتمه لهم، فقال تعالى: {ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} وذلك من حكم اللّه جلّ ثناؤه فيهم أدلّ الدّليل على تكذيبه تعالى قول القائلين: إنّ عقوبات اللّه لا يستحقّها إلاّ المعاند ربّه فيما لزمه من حقوقه وفروضه بعد علمه وثبوت الحجّة عليه بمعرفته بلزوم ذلك إيّاه). [جامع البيان: 1/ 296 - 299]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا إنّما نحن مصلحون}.
- وتأويل ذلك كالّذي قاله ابن عبّاسٍ، الّذي حدّثنا به، محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: «{إنّما نحن مصلحون} أي قالوا: إنّما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب».
وخالفه في ذلك غيره.
- حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} قال: «إذا ركبوا معصية اللّه، فقيل لهم: لا تفعلوا كذا وكذا، قالوا: إنّما نحن على الهدى».
قال أبو جعفرٍ: وأيّ الأمرين كان منهم في ذلك، أعني في دعواهم أنّهم مصلحون، فهم لا شكّ أنّهم كانوا يحسبون أنّهم فيما أتوا من ذلك مصلحون، فسواءٌ بين اليهود والمسلمين كانت دعواهم الإصلاح أو في أديانهم، وفيما ركبوا من معصية اللّه، وكذبهم المؤمنين فيما أظهروا لهم من القول وهم لغير ما أظهروا مستبطنون، لأنّهم كانوا في جميع ذلك من أمرهم عند أنفسهم محسنين، وهم عند اللّه مسيئون، ولأمر اللّه مخالفون؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قد كان فرض عليهم عداوة اليهود وحربهم مع المسلمين، وألزمهم التّصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبما جاء به من عند اللّه كالّذي ألزم من ذلك المؤمنين، فكان لقاؤهم اليهود على وجه الولاية منهم لهم، وشكّهم في نبوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفيما جاء به أنّه من عند اللّه أعظم الفساد، وإن كان ذلك كان عندهم إصلاحًا وهدًى في أديانهم، أو فيما بين المؤمنين واليهود، فقال جلّ ثناؤه فيهم: {ألا إنّهم هم المفسدون} دون الّذين ينهونهم من المؤمنين عن الإفساد في الأرض {ولكن لا يشعرون} ). [جامع البيان: 1/ 299 - 300]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون (11) }
قوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض}
[الوجه الأول]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} قال: «يعني لا تعصوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية اللّه لأنّه من عصى اللّه في الأرض أو أمر بمعصية اللّه فقد أفسد في الأرض لأنّ صلاح الأرض والسّماء بالطّاعة».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون} أمّا لا تفسدوا في الأرض، فإنّ الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية». وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك من قول أبي العالية.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعيسى بن يونس- والسّياق لوكيعٍ- قالا: ثنا الأعمش، عن المنهال، عن عبّاد بن عبد اللّه الأسديّ، عن سلمان: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون} قال سلمان: «لم يجئ أهل هذه الآية بعد». ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 44 - 45]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قالوا إنّما نحن مصلحون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة، عن محمّد ابن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: «{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون} أي إنّما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب، يقول اللّه: {ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}». ). [تفسير القرآن العظيم: 1/45]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}.
- أخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} قال: «الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية».
- وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} قال: «إذا ركبوا معصية فقيل لهم لا تفعلوا كذا قالوا إنما نحن على الهدى».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: «{إنما نحن مصلحون} أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب».
- وأخرج وكيع، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله الأسدي قال: قرأ سلمان هذه الآية {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} قال: «لم يجيء أهل هذه الآية بعد». ). [الدر المنثور: 1/ 162 - 163]

تفسير قوله تعالى: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}.
وهذا القول من اللّه جلّ ثناؤه تكذيبٌ للمنافقين في دعواهم إذا أمروا بطاعة اللّه فيما أمرهم اللّه به، ونهوا عن معصية اللّه فيما نهاهم اللّه عنه. قالوا: إنّما نحن مصلحون لا مفسدون، ونحن على رشدٍ وهدًى فيما أنكرتموه علينا دونكم لا ضالّون. فكذّبهم اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قيلهم، فقال: {ألا إنّهم هم المفسدون} المخالفون أمر اللّه عزّ وجلّ، المتعدّون حدوده الرّاكبون معصيته، التّاركون فروضه وهم لا يشعرون ولا يدرون أنّهم كذلك، لا الّذين يأمرونهم بالقسط من المؤمنين وينهونهم عن معاصي اللّه في أرضه من المسلمين). [جامع البيان: 1/301]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12) وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء ألا إنّهم هم السّفهاء ولكن لا يعلمون (13) }
قوله تعالى: {ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الربيع ابن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: {ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} قال: « هم المنافقون». ). [تفسير القرآن العظيم: 1/45]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء ألا إنّهم هم السّفهاء ولكن لا يعلمون}
قال أبو جعفرٍ: وتأويل قوله: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس} يعني: وإذا قيل لهؤلاء الّذين وصفهم اللّه ونعتهم بأنّهم يقولون {آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} صدّقوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبما جاء به من عند اللّه كما صدّق به النّاس، ويعني بالنّاس المؤمنين الّذين آمنوا بمحمّدٍ ونبوّته وما جاء به من عند اللّه.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمّارٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: «{وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس} يقول: وإذا قيل لهم صدّقوا كما صدّق أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، قولوا: إنّه نبيٌّ ورسولٌ، وإنّ ما أنزل عليه حقٌّ، وصدّقوا بالآخرة، وأنّكم مبعوثون من بعد الموت».
وإنّما أدخلت الألف واللاّم في النّاس وهم بعض النّاس لا جميعهم؛ لأنّهم كانوا معروفين عند الّذين خوطبوا بذلك فى هذه الآية بأعيانهم. وإنّما معناه: آمنوا كما آمن النّاس الّذين تعرفونهم من أهل اليقين والتّصديق باللّه وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاء به من عند اللّه وباليوم الآخر، فلذلك أدخلت الألف واللاّم فيه كما أدخلتا في قوله: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم} لأنّه أشير بدخولهما إلى ناسٍ معروفين عند من خوطب بذلك). [جامع البيان: 1/ 301 - 302]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء}
قال أبو جعفرٍ: والسّفهاء جمع سفيهٍ، كما العلماء جمع عليمٍ، والحكماء جمع حكيمٍ والسّفيه: الجاهل الضّعيف الرّأي، القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضارّ ولذلك سمّى اللّه عزّ وجلّ النّساء والصّبيان سفهاء، فقال تعالى: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم الّتي جعل اللّه لكم قيامًا} فقال عامّة أهل التّأويل: هم النّساء والصّبيان لضعف آرائهم، وقلّة معرفتهم بمواضع المصالح والمضارّ الّتي تصرف إليها الأموال.
وإنّما عنى المنافقون بقيلهم أنؤمن كما آمن السّفهاء، إذ دعوا إلى التّصديق بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وبما جاء به من عند اللّه، والإقرار بالبعث، فقيل لهم: آمنوا كما آمن أصحاب محمّدٍ وأتباعه من المؤمنين المصدّقين به من أهل الإيمان واليقين والتّصديق باللّه وبما افترض عليهم على لسان رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وفي كتابه وباليوم الآخر، فقالوا إجابةً لقائل ذلك لهم: أنؤمن كما آمن أهل الجهل ونصدّق بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم كما صدّق به هؤلاء الّذين لا عقول لهم ولا أفهام.
- كالّذي حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: « {أنؤمن كما آمن السّفهاء} يعنون أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: « {قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء} يعنون أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: {قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء} قال: «هذا قول المنافقين، يريدون أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمّارٍة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء} يقولون: أنقول كما تقول السّفهاء؟ يعنون أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، لخلافهم لدينهم».). [جامع البيان: 1/ 302 - 304]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألا إنّهم هم السّفهاء ولكن لا يعلمون}.
قال أبو جعفرٍ: وهذا خبرٌ من اللّه تعالى عن المنافقين الّذين تقدّم نعته لهم ووصفه إيّاهم بما وصفهم به من الشّكّ والتّكذيب، أنّهم هم الجهّال في أديانهم، الضّعفاء الآراء في اعتقاداتهم واختياراتهم الّتي اختاروها لأنفسهم من الشّكّ والتكذيب والرّيب في أمر اللّه وأمر رسوله وأمر نبوّته، وفيما جاء به من عند اللّه، وأمر البعث، لإساءتهم إلى أنفسهم بما أتوا من ذلك، وهم يحسبون أنّهم إليها يحسنون. وذلك هو عين السّفه، لأنّ السّفيه إنّما يفسد من حيث يرى أنّه يصلح ويضيّع من حيث يرى أنّه يحفظ. فكذلك المنافق يعصي ربّه من حيث يرى أنّه يطيعه، ويكفر به من حيث يرى أنّه يؤمن به، ويسيء إلى نفسه من حيث يحسب أنّه يحسن إليها، كما وصفهم به ربّنا جلّ ذكره فقال: {ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} وقال: ألا إنّهم هم السّفهاء دون المؤمنين المصدّقين باللّه وبكتابه وبرسوله وثوابه وعقابه، ولكن لا يعلمون. وكذلك كان ابن عبّاسٍ يتأوّل هذه الآية.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمّارٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، «يقول اللّه جلّ ثناؤه: {ألا إنّهم هم السّفهاء} يقول: الجهّال {ولكن لا يعلمون} يقول: ولكن لا يعقلون».
وأمّا وجه دخول الألف واللاّم في السّفهاء فشبيهٌ بوجه دخولهما في النّاس في قوله: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس} وقد بيّنّا العلّة في دخولهما هنالك، والعلّة في دخولهما في السّفهاء نظيرتها في دخولهما في النّاس هنالك سواءٌ.
والدّلالة الّتي تدلّ عليه هذه الآية من خطأ قول من زعم أنّ العقوبة من اللّه لا يستحقّها إلاّ المعاند ربّه بعد علمه بصحّة ما عانده فيه نظيرة دلالة الآيات الأخر الّتي قد تقدّم ذكرنا تأويلها في قوله: {ولكن لا يشعرون} ونظائر ذلك). [جامع البيان: 1/ 304 - 305]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإذا قيل لهم آمنوا}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء أبو كريبٍ، ثنا عثمان بن سعيدٍ، الزّيّات، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: «{وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس} يقول: وإذا قيل لهم صدّقوا».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 45]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {كما آمن الناس}
- به عن ابن عبّاسٍ: «{كما آمن النّاس} صدّقوا كما صدّق أصحاب محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- أنّه نبيٌّ ورسولٌ، وأنّ ما أنزل اللّه حقٌّ، وصدّقوا بالآخرة وأنّكم تبعثون من بعد الموت».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 46]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قالوا أنؤمن}
- وبه عن ابن عبّاسٍ: « {قالوا أنؤمن} يقول: أنقول».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 46]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {كما آمن السّفهاء}
- وبه عن ابن عبّاسٍ قالوا: «{أنؤمن كما آمن السّفهاء} يقولون: أنقول كما يقول السّفهاء، يعنون أصحاب محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- بخلافهم لدينهم».
- حدّثنا عصام بن الرّوّاد، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء} يعنون أصحاب محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم».
وكذا فسّره السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 46]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {ألا إنّهم هم السّفهاء}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعي، د ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، «يقول اللّه: {ألا إنّهم هم السّفهاء} يقول: الجهّال».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 46]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولكن لا يعلمون}
- حدّثنا عليّ بن الحسين به، عن ابن عبّاسٍ: «{ولكن لا يعلمون} يقول: ولكن لا يعقلون».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 46]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا كما أمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون}.
- أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس} قال: «صدقوا كما صدق أصحاب محمد أنه نبي ورسول وأن ما أنزل عليه حق {قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} يعنون أصحاب محمد {ألا إنهم هم السفهاء} يقول: الجهال {ولكن لا يعلمون} يقول: لا يعقلون».
- وأخرج ابن عساكر في تاريخه بسند واه عن ابن عباس في قوله: {آمنوا كما من الناس} قال: «أبو بكر وعمر وعثمان وعلي».
- وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {كما آمن السفهاء} قال: «يعنون أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم».
- وأخرج عن الربيع، وابن زيد مثله). [الدر المنثور: 1/ 163 - 164]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنبأنا معمر بن قتادة في قوله: {وإذا خلو إلى شياطينهم} قال: «المشركون».). [تفسير عبد الرزاق: 1/39]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب
قال مجاهدٌ: {إلى شياطينهم} «أصحابهم من المنافقين والمشركين» {محيطٌ بالكافرين} [البقرة: 19]: «اللّه جامعهم» {على الخاشعين} [البقرة: 45]: «على المؤمنين حقًّا»
قال مجاهدٌ: {بقوّةٍ} [البقرة: 63]: «يعمل بما فيه»، وقال أبو العالية: {مرضٌ} [البقرة: 10]: «شكٌّ» {وما خلفها} [البقرة: 66]: «عبرةٌ لمن بقي» {لا شية} [البقرة: 71]: «لا بياض».
وقال غيره: {يسومونكم} [البقرة: 49]: " يولونكم الولاية، - مفتوحةٌ - مصدر الولاء، وهي الرّبوبيّة، إذا كسرت الواو فهي الإمارة، وقال بعضهم: الحبوب الّتي تؤكل كلّها فومٌ "
وقال قتادة: {فباءوا}: «فانقلبوا»، وقال غيره: «{يستفتحون} [البقرة: 89] يستنصرون، {شروا} [البقرة: 102]: باعوا، {راعنا} [البقرة: 104]: من الرّعونة، إذا أرادوا أن يحمّقوا إنسانًا، قالوا: راعنًا، {لا يجزي} [لقمان: 33]: لا يغني، {خطوات} [البقرة: 168]: من الخطو، والمعنى: آثاره {ابتلى} [البقرة: 124]: اختبر ». ). [صحيح البخاري: / 18]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله: بابٌ كذا)
لهم بغير ترجمةٍ قوله: (قال مجاهدٌ) إلى آخر ما أورده عنه من التّفاسير سقط جميع ذلك للسّرخسيّ قوله: ({إلى شياطينهم} أصحابهم من المنافقين والمشركين) وصله عبد بن حميدٍ عن شبابة عن ورقاء عن بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: « إلى أصحابهم »، فذكره ومن طريق شيبان عن قتادة قال: «إلى إخوانهم من المشركين ورءوسهم وقادتهم في الشّرّ»، وروى الطّبرانيّ نحوه عن ابن مسعود ومن طريق ابن عبّاسٍ قال: «كان رجالٌ من اليهود إذا لقوا الصّحابة قالوا إنّا على دينكم وإذا خلوا إلى شياطينهم وهم أصحابهم قالوا إنّا معكم»، والنّكتة في تعدية خلوا بإلى مع أنّ أكثر ما يتعدّى بالباء أنّ الّذي يتعدّى بالباء يحتمل الانفراد والسّخرية تقول خلوت به إذا سخرت منه والّذي يتعدّى بإلى نصٌّ في الانفراد أفاد ذلك الطّبريّ، ويحتمل أن يكون ضمّن خلا معنى ذهب وعلى طريقة الكوفيّين بأنّ حروف الجرّ تتناوب فإلى بمعنى الباء أو بمعنى مع.
قوله: ({محيطٌ بالكافرين} اللّه جامعهم) وصله عبد بن حميدٍ بالإسناد المذكور عن مجاهدٍ ووصله الطّبريّ من وجهٍ آخر عنه وزاد في جهنّم ومن طريق ابن عبّاس في قوله: {محيط بالكافرين} قال: {منزلٌ بهم النّقمة}
تنبيهٌ قوله: {واللّه محيط بالكافرين} جملة مبتدأٍ وخبرٍ اعترضت بين جملة {يجعلون اصابعهم} وجملة {يكاد البرق يخطف أبصارهم}
قوله: ({صبغة} دينٌ) وصله عبد بن حميدٍ من طريق منصورٍ عن مجاهدٍ قال: «قوله: {صبغة اللّه} أي دين اللّه».
ومن طريق بن أبي نجيحٍ عنه قال: «{صبغة اللّه} أي فطرة اللّه»، ومن طريق قتادة قال: «إنّ اليهود تصبغ أبناءها تهوّدًا وكذلك النّصارى وإنّ صبغة اللّه الإسلام وهو دين اللّه الّذي بعث به نوحًا ومن كان بعده»، انتهى.
وقراءة الجمهور صبغة بالنّصب وهو مصدرٌ انتصب عن قوله: {ونحن له مسلمون} على الأرجح، وقيل منصوبٌ على الإغراء أي الزموا وكأن لفظ صبغة ورد بطريق المشا كله؛ لأنّ النّصارى كانوا يغمسون من ولد منهم في ماء المعموديّة ويزعمون أنّهم يطهّرونهم بذلك فقيل للمسلمين الزموا صبغة اللّه فإنّها أطهر.
قوله: ({على الخاشعين} على المؤمنين حقًّا) وصله عبد بن حميدٍ عن شبابة بالسّند المذكور عن مجاهد وروى بن أبي حاتمٍ من طريق أبي العالية قال: في قوله: {إلّا على الخاشعين}، قال: «يعني الخائفين»، ومن طريق مقاتل بن حبّان قال:«يعني به المتواضعين».
قوله: ({بقوّةٍ} يعمل بما فيه)، وصله عبد بالسّند المذكور وروى بن أبي حاتمٍ والطّبريّ من طريق أبي العالية قال:« القوّة الطّاعة»، ومن طريق قتادة والسّدّيّ قال: «القوّة الجدّ والاجتهاد».
قوله: (وقال أبو العالية: «مرض شكّ»)، وصله بن أبي حاتمٍ من طريق أبي جعفرٍ الرّازيّ عن أبي العالية في قوله تعالى: {في قلوبهم مرض} «أي شكٌّ»، ومن طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ مثله ومن طريق عكرمة قال: «الرّياء» ومن طريق قتادة في قوله: {فزادهم اللّه مرضا}«أي نفاقًا».
وروى الطّبريّ من طريق قتادة في قوله: {في قلوبهم مرض} قال: «ريبةٌ وشكٌّ في أمر اللّه تعالى».
قوله: ({وما خلفها} عبرةً لمن بقي)، وصله بن أبي حاتمٍ من طريق أبي جعفرٍ الرّازيّ عن أبي العالية في قوله: {فجعلناها نكالًا لما بين يديها} «أي عقوبةً لما خلا من ذنوبهم»، {وما خلفها} «أي عبرةً لمن بقي بعدهم من النّاس».
قوله: ({لاشية فيها} لابياض فيها)، تقدّم في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء قوله: (وقال غيره يسومونكم يولونكم) هو بضمّ أوّله وسكون الواو، والغير المذكور هو أبو عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ ذكره كذلك في الغريب المصنّف، وكذا قال أبو عبيدة معمر بن المثنّى في المجاز ومنه قول عمرو بن كلثومٍ:

إذا ما الملك سام النّاس خسفًا....... أبينا أن نقرّ الخسف فينا


ويحتمل أن يكون السّوم بمعنى الدّوام أي يديمون تعذيبكم ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرّعي، وقال الطّبريّ: معنى يسومونكم يوردونكم أو يذيقونكم أو يولونكم.
قوله: (الولاية مفتوحةً) أي مفتوحة الواو (مصدر الولاء وهي الرّبوبيّة وإذا كسرت الواو فهي الإمارة) هو معنى كلام أبي عبيدة قال: في قوله تعالى: {هنالك الولاية لله الحق} الولاية بالفتح مصدر الولي وبالكسر ووليت العمل والأمر تليه وذكر البخاريّ هذه الكلمة وإن كانت في الكهف لا في البقرة ليقوّي تفسير يسومونكم يولونكم.
قوله: (وقال بعضهم الحبوب الّتي تؤكل كلّها فومٌ) هذا حكاه الفرّاء في معاني القرآن عن عطاءٍ وقتادة قال: «الفوم كل حب يختبز»، وأخرج بن جرير وبن أبي حاتم من طرق عن بن عبّاسٍ ومجاهدٍ وغيرهما: «أنّ الفوم الحنطة»، وحكى بن جرير أن في قراءة بن مسعودٍ الثّوم بالمثلّثة وبه فسّره سعيد بن جبيرٍ وغيره فإن كان محفوظًا فالفاء تبدل من الثّاء في عدّة أسماءٍ فيكون هذا منها واللّه أعلم.
قوله: (وقال قتادة فباءوا فانقلبوا) وصله عبد بن حميدٍ من طريقه.
قوله: (وقال غيره يستفتحون يستنصرون) هو تفسير أبي عبيدة وروى مثله الطّبريّ من طريق العوفيّ عن بن عبّاس ومن طريق الضّحّاك عن بن عبّاس قال: «أي يستظهرون»، وروى بن إسحاق في السّيرة النّبويّة عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخٍ لهم قالوا: «فينا وفي اليهود نزلت وذلك أنّا كنّا قد علوناهم في الجاهليّة فكانوا يقولون إنّ نبيًّا سيبعث قد أظلّ زمانه فنقتلكم معه فلمّا بعث اللّه نبيّه واتّبعناه كفروا به فنزلت»، وأخرجه الحاكم من وجهٍ آخر عن بن عبّاسٍ مطوّلًا.
قوله: (شروا باعوا)، هو قول أبي عبيدة أيضًا قال: «في قوله: {ولبئس ما شروا به أنفسهم} أي باعوا» وكذا أخرجه بن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ.
قوله: ({راعنا} من الرّعونة إذا أرادوا أن يحمّقوا إنسانًا قالوا راعنا) قلت: هذا على قراءة من نوّن وهي قراءة الحسن البصريّ وأبي حيوة ووجهه أنّها صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ أي لا تقولوا قولًا راعنًا أي قولًا ذا رعونةٍ، وروى بن أبي حاتمٍ من طريق عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قال: الرّاعن السّخريّ من القول نهاهم اللّه أن يسخروا من محمّدٍ ويحتمل أن يضمّن القول التّسمية أي لا تسمّوا نبيّكم راعنًا الرّاعن الأحمق والأرعن مبالغةٌ فيه وفي قراءة أبيّ بن كعبٍ لا تقولوا راعونا وهي بلفظ الجمع وكذا في مصحف بن مسعودٍ وفيه أيضًا أرعونا وقرأ الجمهور راعنا بغير تنوينٍ على أنّه فعل أمرٍ من المراعاة وإنّما نهوا عن ذلك لأنّها كلمةٌ تقتضي المساواة وقد فسّرها مجاهدٌ: «لا تقولوا اسمع منّا ونسمع منك»، وعن عطاءٍ: «كانت لغةً تقولها الأنصار فنهوا عنها»، وعن السّدّيّ قال: كان رجلٌ يهوديٌّ يقال له رفاعة بن زيدٍ يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيقول له ارعني سمعك واسمع غير مسمعٍ فكان المسلمون يحسبون أنّ في ذلك تفخيمًا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكانوا يقولون ذلك فنهوا عنه، وروى أبو نعيمٍ في الدّلائل بسند ضعيف جدا عن بن عبّاسٍ قال: « راعنا بلسان اليهود السّب القبيح فسمع سعد بن معاذٍ ناسًا من اليهود خاطبوا بها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال لئن سمعتها من أحدٍ منكم لأضربنّ عنقه ».
قوله: ({لاتجزى} لا تغني) هو قول أبي عبيدة في قوله تعالى: {لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئا} أي لاتغنى، وروى بن أبي حاتم من طريق السّديّ قال: يغنى لاتغنى نفسٌ مؤمنةٌ عن نفسٍ كافرةٍ من المنفعة شيئًا.
قوله: ({خطوات} من الخطو والمعنى آثاره) قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {لا تتبعوا خطوات الشّيطان} هي الخطا واحدتها خطوةٌ ومعناها آثار الشّيطان، وروى بن أبي حاتمٍ من طريق عكرمة قال: « خطوات الشّيطان نزغات الشّيطان»، ومن طريق مجاهدٍ:«خطوات الشّيطان خطاه »، ومن طريق القاسم بن الوليد قلت لقتادة فقال: «كلّ معصية اللّه فهي من خطوات الشّيطان»، وروى سعيد بن منصورٍ عن أبي مجلزٍ قال: « خطوات الشّيطان النّذور في المعاصي»كذا قال واللّفظ أعمّ من ذلك فمن في كلامه مقدّرةٌ.
قوله: ({ابتلى} اختبر) هو تفسير أبي عبيدة والأكثر، وقال: الفرّاء أمره وثبت هذا في نسخة الصّغانيّ). [فتح الباري: 8/ 161 - 163]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: (2 باب
وقال مجاهد: «{إلى شياطينهم} أصحابهم من المنافقين والمشركين {محيط بالكافرين} الله جامعهم {على} {الخاشعين} على المؤمنين حقًا »، وقال أبو العالية: «{مرض}شكّ {وما خلفها} عبرة لمن بقي {لا شية} لا بياض »).
أما تفاسير مجاهد فقال عبد بن حميد ثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذه الجمل الثّلاثة.
وأما تفاسير أبي العالية فقال ابن أبي حاتم ثنا عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني ثنا آدم بن أبي إياس ثنا أبو جعفر الرّازيّ عن الرّبيع بن أنس عن أبي العالية: «يقول الله: {في قلوبهم مرض} [البقرة: 10] يعني شكّ ».، وبه إلى أبي العالية في قوله: {وما خلفها} «أي عبرة لمن بقي بعدهم من النّاس».
وتفسير {لا شية} تقدم في أحاديث الأنبياء.
قوله: (وقال غيره {يسومونكم} [البقرة: 49] يولونكم) قلت: الغير هو أبي عبيدالقاسم بن سلام قاله في الغريب المصنّف له، وحكاه ابن جرير أيضا وتفسير الآيتين تقدم في أحاديث الأنبياء.
قوله فيه: (وقال قتادة:{فباؤوا} [البقرة: 61] فانقلبوا)، قال عبد الرّزّاق في تفسيره ثنا معمر عن قتادة بهذا.
قوله: (وقال بعضهم الحبوب الّتي تؤكل كلها فوم)، قلت: هو قول عطاء حكاه عنه الفراء في معانيه أسنده عنه الطّبريّ وغيره.
قوله فيه: (وقال مجاهد: {بقوّة} يعمل بما فيه)، قال عبد بن حميد ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا
قوله فيه: (وقال مجاهد: المنّ صمغه والسلوى الطير)، قال عبد ثنا شبابة ثنا ورقاء ح وقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا.
قوله: (وقال غيره {يستفتحون}[البقرة: 89] يستنصرون، {شروا}[البقرة: 102] باعوا، {راعنا} من الرعونة إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا راعنا، {لا يجزي} لا يغني {خطوات} من الخطو والمعنى آثاره).
أما تفسير {يستفتحون} فذكره عبد عن مجاهد بسنده المذكور.
وأما شروا ولا تجزي فرواه الطّبريّ عن السّديّ، وأما راعنا فروي عن الحسن نحوه). [تغليق التعليق: 4/ 171 - 174]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (بابٌ) أي: هذا باب، كذا وقع بلا ترجمة في رواية الكل.
(قال مجاهدٌ: {إلى شياطينهم} أصحابهم من المنافقين والمشركين)
أشار به إلى تفسير قوله تعالى: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} وهذا التّعليق وصله عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وروي عن قتادة قال: «إلى إخوانهم من المشركين ورؤوسهم »، ومعنى: خلوا رجعوا، ويجوز أن يكون من الخلوة يقال: خلوت به وخلوت معه وخلوت إليه والكل بمعنى واحد، والشيطان المتمرد العاتي من الجنّ والإنس ومن كل شيء، واشتقاقه من: شطن، أي: بعد عن الخير، وقيل: من شاط يشيط إذا التهب واحترق، فعلى الأول النّون أصليّة، وعلى الثّاني زائدة.
({محيطٌ بالكافرين}: الله جامعهم)
أشار به إلى آخر قوله تعالى: {أو كصيب من السّماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصّواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين}. وفسره بقوله: (الله جامعهم) وهذا وصله عبد بن حميد بالإسناد المذكور عن مجاهد، وقال الزّمخشريّ: وإحاطة الله بالكافرين مجاز، والمعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط حقيقة، وهذه الجملة اعتراض لا محل لها. انتهى. قلت: هي جملة إسمية، فالجملة لا يكون لها محل من الإعراب إلاّ إذا وقعت في موقع المفرد، ومعنى قوله: مجاز، استعارة تمثيلية شبه حاله تعالى مع الكفّار في أنهم لا يفوتونه ولا محيص لهم من عذابه بحال المحيط بالشّيء لأنّه لا يفوته المحاط.
({صبغةٌ}: دينٌ)
أشار بهذا إلى أن الصبغة الّتي في قوله تعالى: {صبغة الله} [البقرة: 138] مفسرة: بالدّين، وكذا فسرها مجاهد، رواه عنه عبد بن حميد من طريق منصور عنه قال: «صبغة الله، أي: دين الله ».، وروي من طريق ابن أبي نجيح عنه، قال: «صبغة الله أي: فطرة الله ».
({على الخاشعين}: على المؤمنين حقًّا)
أشار به إلى قول الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصّلاة وإنّها الكبيرة إلاّ على الخاشعين} [البقرة: 45] ثمّ فسر الخاشعين بقوله: (على المؤمنين حقًا) ووصله عبد بن حميد عن شبابة بالسند المذكور عن مجاهد، وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال: في قوله تعالى: {إلاّ على الخاشعين} [البقرة: 45] « يعني: الخائفين »، ومن طريق مقاتل بن حبان، قال: «يعني به المتواضعين ».
(قال مجاهدٌ: «{بقوّةٍ} يعمل بما فيه »).
أشار به إلى قوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوّة} [البقرة: 63 - 93] ثمّ فسر القوّة بقوله: (يعمل بما فيه)، وعن أبي العالية: «القوّة الطّاعة »، وعن قتادة والسّديّ: «القوّة الجد والاجتهاد ».
(وقال أبو العالية: «مرضٌ شكٌّ »).
أشار به إلى قوله تعالى: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا} ثمّ حكى عن أبي العالية أنه قال: «مرض شكّ »، ووصل هذا ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرّازيّ عن أبي العالية، واسمه: رفيع بن مهران الرياحي.
({وما خلفها}: عبرةٌ لمن بقي).
أشار به إلى قوله تعالى: {فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين} [البقرة: 66] ثمّ فسر قوله: {وما خلفها} بقوله: (عبرة لمن بقي) ومعنى الآية: {فجعلناها}، أي: المسخة الّتي تفهم من قوله قبل هذا: {فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا} أي: عبرة، تنكل من اعتبر بها، أي: تمنعه، ومنه النكل وهو القيد. قوله: {لما بين يديها} [البقرة: 65] أي: لما قبلها. قوله: {وما خلفها} [البقرة: 66] أي، وما بعدها من الأمم والقرون، وفسّر البخاريّ قوله: {وما خلفها} بقوله: (عبرة لمن بقي) بعدهم من النّاس، وكذا فسره أبو العالية، ورواه ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر عنه، وقال الزّمخشريّ: وقيل: نكالاً عقوبة منكلة لما بين يديها لأجل ما تقدمها من الذّنوب وما تأخّر منها.
({لا شية}: لا بياض).
أشار به إلى قوله تعالى: {إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها} ثمّ فسر قوله: {لا شية}، بقوله: (لا بياض) وقال الزّمخشريّ: {لا شية فيها}: لا لمعة في بقيتها من لون آخر سوى الصّفرة، فهي صفراء كلها حتّى قرنها وظلفها،
والشية في الأصل مصدر وشاه وشياً وشيه إذا خلط بلونه لون آخر قلت: أصل شية، وشي حذفت الواو منه ثمّ عوض عنها التّاء كما في عدّة.
(وقال: غيره).
أي: غير أبي العالية، وهو أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وأراد بهذا: أن تفسير الألفاظ المذكورة إلى هنا من قول أبي العالية المذكور، والّذي بعدها من قول غيره.
({يسومونكم}: يولونكم).
أشار به إلى قوله تعالى: {يسومونكم سوء العذاب} [البقرة: 49]، ثمّ فسر قوله: {يسومونكم} [الأعراف: 141] بقوله: {يولونكم} [إبراهيم: 6] بضم الياء وسكون الواو، وهو تفسير أبي عبيدة.
وقال الطّبريّ: معنى يسومونكم يوردونكم أو يذيقونكم أو يولونكم، وقيل: معناه يصرفونكم في العذاب مرّة كذا ومرّة كذا، كما يفعل في الإبل السّائمة.
({الولاية}: مفتوحة مصدر الولاء وهي الرّبوبيّة وإذا كسرت الواو فهي الإمارة).
أشار به إلى قوله تعالى: {هنالك الولاية لله الحق} [الكهف: 44] قوله: (مفتوحة) أي: حال كونها مفتوحة، الواو مصدر الولاء، وهي الربوبية، ومن أسماء الله تعالى: الوالي، وهو مالك الأشياء جميعها المنصرف فيها، ومن أسمائه: الوليّ لأمور العالم والخلائق القائم بها.
قوله: (وإذا كسرت الواو) أي: الواو الّتي في: الولاية، فتكون بمعنى: الإمارة، بسكر الهمزة، وهذا كلام أبي عبيدة حيث قال في قوله تعالى: {هنالك الولاية لله الحق}، «الولاية بالفتح مصدر الوليّ، وبالكسر مصدر وليت العمل والأمر تليه ».
(وقال بعضهم: الحبوب الّتي تؤكل كلّها فومٌ).
أشار بهذا إلى قوله تعالى: {فادع لنا ربك يخرج لنا ممّا تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها} [البقرة: 61] وحكى عن البعض وأراد به عطاء وقتادة: الحبوب الّتي تؤكل كلها فوم، بالفاء، وهكذا حكاه الفراء عنهما في: (معاني القرآن) حيث قال: كل حب يختبز، وروى ابن جرير الطّبريّ وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عبّاس ومجاهد وغيرهما: «أن الفوم الحنطة »، وقال الزّمخشريّ: البقل ما أنبتته الأرض من الخضر، والمراد به أطايب البقول الّتي يأكلها النّاس: كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها والفوم الحنطة، ومنه: فوموا لنا، أي: اخبزوا، وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش: الثوم، بالثاء المثلّثة، وبه فسره سعيد بن جبير وغيره.
(وقال قتادة: « {فباؤوا} فانقلبوا »).
أي: قال قتادة بن دعامة السدوسي في تفسير قوله: {فباؤوا بغضب من الله} «أي: فانقلبوا »، وقال الزّمخشريّ: فباؤوا، من قولك: باء فلان بفلان إذا كان حقيقا بأن يقتل به لمساواته له ومكافأته، أي: صاروا أحقاء بغضبه، وقال الزّجاج: البوء التّسوية، بقوله: باؤوا، أي: استوى عليهم غضب الله، ويقال: البوء الرّجوع أي: رجعوا وانصرفوا بذلك، وهو قريب من تفسير قتادة.
(وقال غيره: {يستفتحون} يستنصرون).
أي: وقال غير قتادة، وهو أبو عبيدة إن معنى قوله تعالى: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} [البقرة: 89] «يعني: يستنصرون»، وروى الطّبريّ من طريق الضّحّاك عن ابن عبّاس:« يستظهرون»، قال الله تعالى: {ولما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} قوله: {ولما جاءهم} أي: اليهود {كتاب من عند الله} وهو القرآن الّذي أنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم {مصدق لما معهم} يعني: من التّوراة، قوله: (وكانوا أي اليهود: من قبل، أي: من قبل مجيبي القرآن على لسان هذا الرّسول يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، فيقولون: إنّه سيبعث نبي في آخر الزّمان نقتلكم معه قتل عاد). قوله: {فلمّا جاءهم ما عرفوا} يعني: فلمّا بعث محمّد صلى الله عليه وسلم ورأوه وعرفوه {كفروا به فلعنة الله على الكافرين} قال الزّمخشريّ: أي: عليهم، وضعا للظّاهر موضع المضمر، واللّام للعهد، ويجوز أن يكون للجنس. ويدخلوا فيه دخولا أولياً.
({شروا}: باعوا).
أشار به إلى قوله تعالى: {ولبئس ما شروا به أنفسهم} [البقرة: 102] ثمّ فسره بقوله: (باعوا) وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السّديّ.
(راعنا من الرّعونة إذا أرادوا أن يحمّقوا إنساناً قالوا راعنا).
أشار به إلى قوله تعالى: {يا أيها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا قولوا أنظرنا} الآية نهى الله تعالى المؤمنين أن يشتبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقص، فإذا أرادوا أن يقولوا: إسمع لنا، يقولون: راعنا، ويورون بالرعونة الحماقة، ومنها: الراعن وهو الأحمق، والأرعن عن مبالغة فيه فنهى الله تعالى المؤمنين عن مشابهة الكفّارة قولا وفعلاً، فقال: {يا أيها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا} الآية، وروى أحمد من حديث ابن عمر عن النّبي صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم»، وقرأ عبد الله بن مسعود: عوناً، وقرأ الحسن: راعنا، بالتّنوين من الرعن وهو الحماقة أي: لا تقولوا قولا راعنا منسوبا إلى الرعن، بمعنى: رعينا، وقرأ الجمهور بلا تنوين على أنه فعل أمر من المراعاة، والّذي قاله البخاريّ يمشي على قراءة الحسن.
({لا تجزي}: لا تغني).
أشار به إلى قوله تعالى: {لا تجزي نفس عن نفس شيئا} [البقرة: 48] وفسره بقوله: {لا تغني} [البقرة: 123] وكذلك فسره أبو عبيدة، وروى ابن أبي حاتم من طريق السّديّ، قال: لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا.
({خطواتٍ}: من الخطو والمعنى آثاره).
أشار به إلى قوله تعالى: {ولا تتبعوا خطوات الشّيطان} [البقرة: 168 - 208] وقال: خطوات من الخطو والخطو مصدر خطا يخطو خطواً، والخطوة بالضّمّ بعدما بين القدمين في المشي، وبالفتح المرة، وجمع الخطوة في الكثرة: خطى، وفي القلّة: خطوات، بتثليث الطّاء، وفسّر خطوات الشّيطان بقوله: {آثاره} [الأنعام: 142] ). [عمدة القاري: 18/ 83 - 86]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب
قال مجاهدٌ: {إلى شياطينهم}«أصحابهم من المنافقين والمشركين»، {محيطٌ بالكافرين}«اللّه جامعهم»، {صبغة} «دين»، {على الخاشعين} «على المؤمنين حقًّا»، قال مجاهدٌ: «{بقوّةٍ} يعمل بما فيه»، وقال أبو العالية: «{مرضٌ} شكٌّ {وما خلفها} عبرةٌ لمن بقي {لا شية} لا بياض »، وقال غيره: {يسومونكم} يولونكم {الولاية} مفتوحةٌ مصدر الولاء وهي الرّبوبيّة، إذا كسرت الواو فهي الإمارة، وقال بعضهم: الحبوب الّتي تؤكل كلّها {فومٌ} وقال قتادة: {فباءوا} فانقلبوا، وقال غيره: {يستفتحون} يستنصرون {شروا} باعوا {راعنا} من الرّعونة إذا أرادوا أن يحمّقوا إنسانًا، قالوا: راعنا {لا تجزي} لا تغني {خطوات} من الخطو، والمعنى آثاره.
(باب) بالتنوين بغير ترجمة.
(قال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد عن ورقاء عن أبي نجيح عنه في قوله تعالى: {وإذا خلوا} ({إلى شياطينهم}): أي (أصحابهم من المنافقين والمشركين)، وسموا شياطين لأنهم ماثلوا الشياطين في تمرّدهم وهم المظهرون كفرهم إضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر. قال القطب: فهو استعارة وإضافة الشياطين إليهم قرينة الاستعارة.
وقال مجاهد أيضًا فيما وصله عبد بن حميد بالإسناد المذكور في قوله تعالى: {والله} ({محيط بالكافرين}) [البقرة: 19] أي (الله جامعهم)، زاد الطبري في جهنم، قال البيضاوي كالزمخشري: أي لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط، وجملة والله محيط اعتراض لا محل لها. وقال القطب: فهو استعارة تمثيلية شبه حال تقريع الكفار في أنهم لا يفوتونه ولا محيص لهم عن عذابه بحال المحيط بالشيء في أنه لا يفوته المحاط به، واستعير لجانب المشبه الإحاطة، وقوله: والجملة اعتراض لا على لها قال أبو حيان: لأنها دخلت بين هاتين الجملتين وهما: {يجعلون أصابعهم} و {يكاد البرق} وهما من قصة واحدة.
({صبغة}) أي (دين) يريد قوله تعالى: {صبغة الله} وهذا وصله أيضًا عبد بن حميد عن مجاهد أيضًا. وقال البيضاوي: أي صبغنا الله صبغته وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة تحلية المصبوغ.
وقال مجاهد أيضًا في قوله تعالى: {إلا} ({على الخاشعين}) أي (على المؤمنين حقًّا)، وصله عنه عبد بن حميد.
(قال مجاهد) أيضًا: ({بقوّة}) [البقرة: 63] أي (يعمل بما فيه)، وصله عنه عبد بن حميد أيضًا وسقط لأبي ذر قوله قال مجاهد:
(وقال أبو العالية): فيما وصله ابن أبي حاتم عنه في قوله تعالى: {في قلوبهم} ({مرض}) [البقرة: 10] أي (شك) ، وقال: أيضًا فيما وصله ابن أبي حاتم عنه في قوله تعالى: {نكالًا لما بين يديها} ({وما خلفها}) أي (عبرة لمن بقي) أي من بعدهم من الناس، وقوله تعالى: ({لا شية}) [البقرة: 71] فيها بالياء من غير همز أي (لا بياض) فيها.
(وقال غيره): هو أبو عبيد القاسم بن سلام في قوله تعالى: {يسومونكم} أي (يولونكم).
بضم أوّله وسكون الواو وقال في قوله تعالى: {هنالك} ({الولاية} مفتوحة) واوها (مصدر الولاء) بفتح الواو والمد (وهي الربوبية، وإذا كسرت الواو فهي الإمارة) بكسر الهمزة وإنما ذكر هذه ليؤيد بها تفسير يسومونكم: يولونكم.
(وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها {فوم})
ذكره الفراء في معاني القرآن عن عطاء وقتادة.
(وقال قتادة): فيما وصله عبد بن حميد في قوله: ({فباؤوا}) أي ( فانقلبوا . وقال غيره): في قوله تعالى: ({يستفتحون}) أي (يستنصرون) كذا قاله أبو عبيدة أي على المشركين ويقولون: اللهم أنصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت في التوراة، وقال في قوله تعالى: {ولبئس ما} ({شروا}) [البقرة: 102] {به أنفسهم} أي (باعوا) وقوله تعالى: ({راعنا}) (من الرعونة، إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانًا قالوا راعنا)، بالتنوين صفة لمصدر محذوف أي قولًا ذا رعن عن نسبة إلى الرعن والرعونة الحمق، والجملة في محل نصب بالقول، وفي قوله تعالى: ({لا تجزي})
[البقرة: 48] أي (لا تغني)، وفي قوله تعالى: {لا تتبعوا} ({خطوات}) {الشيطان} [البقرة: 168] (من الخطو، والمعنى آثاره). أي آثار الشيطان، وجميع ما ذكر من قوله قال مجاهد التالي الباب إلى هنا ثابت للمستملي والكشميهني، ساقط للحموي). [إرشاد الساري: 7/ 9]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزئون}.
قال أبو جعفرٍ: وهذه الآية نظيرة الآية الأخرى الّتي أخبر اللّه جلّ ثناؤه فيها عن المنافقين بخداعهم اللّه ورسوله والمؤمنين، فقال: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر} ثمّ أكذبهم تعالى ذكره بقوله: {وما هم بمؤمنين} وأنّهم بقيلهم ذلك يخادعون اللّه والّذين آمنوا، وكذلك أخبر عنهم في هذه الآية أنّهم يقولون للمؤمنين المصدّقين باللّه وكتابه ورسوله بألسنتهم: آمنّا وصدّقنا بمحمّدٍ وبما جاء به من عند اللّه، خداعًا عن دمائهم وأموالهم وذراريّهم، ودرءًا لهم عنها، وأنّهم إذا خلوا إلى مردتهم وأهل العتوّ والشّرّ والخبث منهم ومن سائر أهل الشّرك الّذين هم على مثل ما هم عليه من الكفر باللّه وبكتابه ورسوله وهم شياطينهم، وقد دلّلنا فيما مضى من كتابنا على أنّ شياطين كلّ شيءٍ مردته، قالوا لهم: {إنّا معكم} أي إنّا معكم على دينكم، وظهراؤكم على من خالفكم فيه، وأولياؤكم دون أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، إنّما نحن مستهزئون باللّه وبكتابه ورسوله وأصحابه.
- كالّذي حدّثنا محمّد بن العلاء: قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال حدّثنا بشر بن عمّارٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا} قال: «كان رجالٌ من اليهود إذا لقوا أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو بعضهم، قالوا: إنّا على دينكم، وإذا خلوا إلى أصحابهم وهم شياطينهم {قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزئون} ».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: «إذا خلوا إلى شياطينهم من يهود الّذين يأمرونهم بالتّكذيب، وخلاف ما جاء به الرّسول {قالوا إنّا معكم} أي إنّا على مثل ما أنتم عليه {إنّما نحن مستهزئون} ».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «{وإذا خلوا إلى شياطينهم} أمّا شياطينهم، فهم رءوسهم في الكفر ».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ العقديّ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٍ، عن قتادة، قوله: «{وإذا خلوا إلى شياطينهم} أي رؤسائهم وقادتهم في الشّرّ، قالوا: {إنّما نحن مستهزئون}».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أنبأنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: «المشركون».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو الباهليّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى بن ميمونٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: «إذا خلا المنافقون إلى أصحابهم من الكفّار ».
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو حذيفة، عن شبل بن عبّادٍ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: «أصحابهم من المنافقين والمشركين ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، عن عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: «إخوانهم من المشركين، {قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزئون} ».
- حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ في قوله: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا} قال: «إذا أصاب المؤمنين رخاءٌ، قالوا إنّا نحن معكم إنّما نحن إخوانكم، وإذا خلوا إلى شياطينهم استهزءوا بالمؤمنين.».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {شياطينهم}: «أصحابهم من المنافقين والمشركين ».
فإن قال لنا قائلٌ: أرأيت قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} فكيف قيل {: خلوا إلى شياطينهم}؟ ولم يقل خلوا بشياطينهم؟ فقد علمت أنّ الجاري بين النّاس في كلامهم خلوت بفلانٍ أكثر وأفشى من خلوت إلى فلانٍ، ومن قولك: إنّ القرآن أفصح البيان.
قيل: قد اختلف في ذلك أهل العلم بلغة العرب، فكان بعض نحويّي البصرة يقول: يقال خلوت إلى فلانٍ، إذا أريد به: خلوت إليه في الحاجةٍ خاصّةٍ؛ لا يحتمل إذا قيل كذلك إلاّ الخلاء إليه في قضاء الحاجة. فأمّا إذا قيل: خلوت به احتمل معنيين: أحدهما الخلاء به في الحاجة، والآخر: في السّخرية به، فعلى هذا القول {وإذا خلوا إلى شياطينهم} لا شكّ أفصح منه لو قيل: وإذا خلوا بشياطينهم لما في قول القائل: إذا خلوا بشياطينهم من التباس المعنى على سامعيه الّذي هو منتفٍ عن قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} فهذا أحد الأقوال.
والقول الآخر: أن توجّه معنى قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} وإذا خلوا مع شياطينهم، إذ كانت حروف الصّفات يعاقب بعضها بعضًا كما قال اللّه مخبرًا عن عيسى ابن مريم أنّه قال للحواريّين: {من أنصاري إلى اللّه} يريد مع اللّه، وكما توضع على في موضع من وفي وعن والباء، كما قال الشّاعر:

إذا رضيت عليّ بنو قشيرٍ ....... لعمر اللّه أعجبني رضاها

بمعنى عنّي.
وأمّا بعض نحويّي أهل الكوفة فإنّه كان يتأوّل أنّ ذلك بمعنى: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا} وإذا صرفوا خلاءهم إلى شياطينهم؛ فيزعم أنّ الجالب إلى المعنى الّذي دلّ عليه الكلام: من انصراف المنافقين عن لقاء المؤمنين إلى شياطينهم خالين بهم، لا قوله خلوا، وعلى هذا التّأويل لا يصلح في موضع إلى غيرها لتغيّر الكلام بدخول غيرها من الحروف مكانها.
وهذا القول عندي أولى بالصّواب، لأنّ لكلّ حرفٍ من حروف المعاني وجهًا هو به أولى من غيره، فلا يصلح تحويل ذلك عنه إلى غيره إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها. ولإلى في كلّ موضعٍ دخلت من الكلام حكمٌ وغير جائزٍ سلبها معانيها في أماكنها). [جامع البيان: 1/ 306 - 310]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما نحن مستهزئون}.
أجمع أهل التّأويل جميعًا لا خلاف بينهم، على أنّ معنى قوله: {إنّما نحن مستهزئون} إنّما نحن ساخرون، فمعنى الكلام إذًا: وإذا انصرف المنافقون خالين إلى مردتهم من المنافقين والمشركين قالوا: إنّا معكم على ما أنتم عليه من التّكذيب بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وبما جاء به ومعاداته ومعاداة أتباعه، إنّما نحن ساخرون بأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في قيلنا لهم إذا لقيناهم {آمنّا باللّه وباليوم الآخر}.
- كما حدّثنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمّارٍة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «قالوا: {إنّما نحن مستهزئون} ساخرون بأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{إنّما نحن مستهزئون} أي إنّما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم ».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ العقديّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: «{إنّما نحن مستهزئون} إنّما نستهزئ بهؤلاء القوم ونسخر بهم ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، عن عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{إنّما نحن مستهزئون} أي نستهزئ بأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ».). [جامع البيان: 1/ 311 - 312]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزئون (14) }
قوله تعالى: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا}
- وبه عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا} قال: «كان رجالٌ من اليهود إذا لقوا أصحاب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- أو بعضهم قالوا: إنّا على دينكم ».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة عن، محمد ابن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٌ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو سعيد ابن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:« {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا} أي صاحبكم رسول اللّه، ولكنّه إليكم خاصّةً ».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 46 - 47]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإذا خلوا}
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى الأنصاريّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قوله: «{خلوا} يعني مضوا ».
- حدّثنا عليّ بن الحسين: ثنا محمّد بن العلاء: ثنا عثمان بن سعيدٍ عن بشر ابن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{وإذا خلوا إلى شياطينهم} وهم إخوانهم. ».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثنا محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{وإذا خلوا إلى شياطينهم} من يهود الّذين يأمرونهم بالتّكذيب وخلاف ما جاء به الرّسول- صلّى اللّه عليه وسلّم. ».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: «إلى رؤسائهم وقادتهم في الشّرك والشّرّ ».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{وإذا خلوا إلى شياطينهم} إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين ».
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالك.
{وإذا خلوا إلى شياطينهم}
{اللّه يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون (15)}
يعني رؤس اليهود، وكعب بن الأشرف. قال أبو محمّدٍ: وكذا فسّره أبو العالية والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 47 - 48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قالوا إنّا معكم}
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٌ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{قالوا إنّا معكم} أي إنّا على مثل ما أنتم عليه ».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنما نحن مستهزؤن}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر، بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضحاك، عن ابن عبّاسٍ: «{قالوا إنّا معكم، إنّما نحن مستهزؤن} ساخرون بأصحاب محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- »، وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 48]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل: «{وإذا خلوا إلى شياطينهم} أصحابهم المنافقين والمشركين ».). [تفسير مجاهد: 69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}
- أخرج الواحدي والثعلبي بسنده عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله فقال عبد الله بن أبي: انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحبا بالصديق سيد بني تميم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحبا بسيد عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ بيد علي وقال: مرحبا بابن عم رسول الله وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيرا، فرجع المسلمون إلى النّبيّ وأخبروه بذلك فنزلت هذه الآية.».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذا لقوا الذين آمنوا} الآية، قال: «كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النّبيّ أو بعضهم قالوا: أنا على دينكم {وإذا خلوا إلى شياطينهم} وهم إخوانهم {قالوا إنا معكم} أي على مثل ما أنتم عليه {إنما نحن مستهزؤون} قال: ساخرون بأصحاب محمد {الله يستهزئ بهم} قال: يسخر بهم للنقمة منهم {ويمدهم في طغيانهم} قال: في كفرهم {يعمهون} قال: يترددون».
- وأخرج البيهقي في الأسماء عن ابن عباس في قوله: «{وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} وهم منافقو أهل الكتاب فذكرهم وذكر استهزاءهم وأنهم {وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم} على دينكم {إنما نحن مستهزؤون} بأصحاب محمد، يقول الله {الله يستهزئ بهم} في الآخرة يفتح لهم بابا في جهنم من الجنة ثم يقال لهم: تعالوا فيقبلون يسبحون في النار والمؤمنون على الأرائك وهي السرر في الحجال ينظرون إليهم فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم فضحك المؤمنون منهم فذلك قول الله {الله يستهزئ بهم} في الآخرة ويضحك المؤمنون منهم حين غلقت دونهم الأبواب، فذلك قوله: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون} [المطففون الآية 34] ».
- أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: «{وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} أي صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة {وإذا خلوا إلى شياطينهم} من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب {قالوا إنا معكم} أي إنا على مثل ما أنتم عليه {إنما نحن مستهزؤون} أي إنما نحن مستهزئون بالقوم ونلعب بهم».
- وأخرج ابن الأنباري عن اليماني أنه قرأ (وإذا لاقوا الذين آمنوا).
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {وإذا خلوا} قال:«مضوا».
- وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: «رؤوسهم في الكفر».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: «أصحابهم من المنافقين والمشركين».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: «إلى إخوانهم من المشركين ورؤوسهم وقادتهم في الشر {قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون} يقولون: إنما نسخر من هؤلاء القوم ونستهزئ بهم». ). [الدر المنثور: 1/ 164 - 167]

تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا الكلبي، عن أبي صالح: في قول الله عز وجل: {الله يستهزئ بهم} [سورة البقرة: 15]، قال: يقال لأهل النار وهم في النار: اخرجوا، فتفتح لهم أبواب النار، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج، والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم، فذلك قوله: {يستهزئ بهم}، ويضحك منهم المؤمنون حين غلقت دونهم، فذلك قوله: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون} [سورة المطففين: 34- 36] ).[الزهد لابن المبارك: 2/ 603]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اللّه يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون}
قال أبو جعفرٍ: اختلف في صفة استهزاء اللّه جلّ جلاله الّذي ذكر أنّه فاعله بالمنافقين الّذين وصف صفتهم، فقال بعضهم: استهزاؤه بهم كالّذي أخبرنا تبارك اسمه أنّه فاعلٌ بهم يوم القيامة في قوله تعالى: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للّذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا فضرب بينهم بسورٍ له بابٌ باطنه فيه الرّحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى} الآية، وكالّذي أخبرنا أنّه فعل بالكفّار بقوله: {ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثمًا} فهذا وما أشبهه من استهزاء اللّه جلّ وعزّ وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين وأهل الشّرك به، عند قائلي هذا القول ومتأوّلي هذا التّأويل.
وقال آخرون: بل استهزاؤه بهم: توبيخه إيّاهم ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه والكفر به، كما يقال: إنّ فلانًا ليهزأ منه اليوم ويسخر منه؛ يراد به توبيخ النّاس إيّاه ولومهم له، أو إهلاكه إيّاهم وتدميره بهم، كما قال عبيد بن الأبرص:

سائل بنا حجر ابن أمّ قطّام إذ ....... ظلّت به السّمر النّواهل تلعب

فزعموا أنّ السّمر وهي القنا لا لعبٌ منها، ولكنّها لمّا قتلتهم وشرّدتهم جعل ذلك من فعلها لعبًا بمن فعلت ذلك به؛ قالوا: فكذلك استهزاء اللّه جلّ ثناؤه بمن استهزأ به من أهل النّفاق والكفر به، إمّا إهلاكه إيّاهم وتدميره بهم وإمّا إملاؤه لهم ليأخذهم في حال أمنهم عند أنفسهم بغتةً، أو توبيخه لهم ولأئمّته إيّاهم قالوا: وكذلك معنى المكر منه والخديعة والسّخرية.
وقال آخرون: قوله: {يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم} على الجوّاب، كقول الرّجل لمن كان يخدعه إذا ظفر به: أنا الّذي خدعتك ولم تكن منه خديعةٌ ولكن قال ذلك إذ صار الأمر إليه، قالوا: وكذلك قوله: {ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين} واللّه يستهزئ بهم على الجواب، واللّه لا يكون منه المكر ولا الهزء، والمعنى عندهم أنّ المكر والهزء حاق بهم.
وقال آخرون: قوله: {إنّما نحن مستهزئون اللّه يستهزئ بهم} وقوله: {يخادعون اللّه وهو خادعهم} وقوله: {فيسخرون منهم سخر اللّه منهم} و{نسوا اللّه فنسيهم} وما أشبه ذلك، إخبارٌ من اللّه أنّه مجازيهم جزاء الاستهزاء، ومعاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج خبره عن جزائه إيّاهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الّذي عليه استحقّوا العقاب في اللّفظ وإن اختلف المعنيان، كما قال جلّ ثناؤه: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} ومعلومٌ أنّ الأولى من صاحبها سيّئةٌ إذ كانت منه للّه تبارك وتعالى معصيةً، وأنّ الأخرى عدلٌ لأنّها من اللّه جزاءٌ للعاصي على المعصية، فهما وإن اتّفق لفظاهما مختلفا المعنى، وكذلك قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} فالعدوان الأوّل ظلمٌ، والثّاني جزاءٌ لا ظلمٌ، بل هو عدلٌ؛ لأنّه عقوبةٌ للظّالم على ظلمه وإن وافق لفظه لفظ الأوّل، وإلى مثل هذا المعنى وجّهوا كلّ ما في القرآن من نظائر ذلك ممّا هو خبرٌ عن مكر اللّه جلّ وعزّ بقومٍ، وما أشبه ذلك.
وقال آخرون: إنّ معنى ذلك أنّ اللّه جلّ وعزّ أخبر عن المنافقين أنّهم إذا خلوا إلى مردتهم قالوا: إنّا معكم على دينكم في تكذيب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاء به، وإنّما نحن بما نظهر لهم من قولنا لهم صدّقنا بمحمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام وما جاء به مستهزئون؛ يعنون: إنّا نظهر لهم ما هو عندنا باطلٌ لا حقٌّ ولا هدًى، قالوا: وذلك هو معنى من معاني الاستهزاء، فأخبر اللّه أنّه يستهزئ بهم فيظهر لهم من أحكامه في الدّنيا خلاف الّذي لهم عنده في الآخرة، كما أظهروا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين في الدّين ما هم على خلافه في سرائرهم.
والصّواب في ذلك من القول والتّأويل عندنا، أنّ معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهار المستهزئ للمستهزإ به من القول والفعل ما يرضيه ويوافقه ظاهرًا، وهو بذلك من قيله وفعله به مورّطه مساءته باطنًا، وكذلك معنى الخداع والسّخرية والمكر.
فإذ كان ذلك كذلك، وكان اللّه جلّ ثناؤه قد جعل لأهل النّفاق في الدّنيا من الأحكام بما أظهروا بألسنتهم من الإقرار باللّه وبرسوله وبما جاء به من عند اللّه المدخلهم في عداد من يشملهم اسم الإسلام وإن كانوا لغير ذلك مستبطنين أحكام المسلمين المصدّقين إقرارهم بألسنتهم بذلك بضمائر قلوبهم وصحائح عزائمهم وحميد أفعالهم المحقّقة لهم صحّة إيمانهم، مع علم اللّه عزّ وجلّ بكذبهم، واطّلاعه على خبث اعتقادهم وشكّهم فيما ادّعوا بألسنتهم أنّهم به مصدّقون حتّى ظنّوا في الآخرة إذ حشروا في عداد من كانوا في عدادهم في الدّنيا أنّهم واردون موردهم وداخلون مدخلهم، واللّه جلّ جلاله مع إظهاره ما قد أظهر لهم من الأحكام الملحقتهم في عاجل الدّنيا وآجل الآخرة إلى حال تمييزه بينهم وبين أوليائه وتفريقه بينهم وبينهم؛ معدٌّ لهم من أليم عقابه ونكال عذابه ما أعدّ منه لأعدى أعدائه وشرّ عباده، حتّى ميّز بينهم وبين أوليائه فألحقهم من طبقات جحيمه بالدّرك الأسفل من النار. كان معلومًا أنّه جلّ ثناؤه بذلك من فعله بهم، وإن كان جزاءً لهم على أفعالهم وعدلاً ما فعل من ذلك بهم لاستحقاقهم إيّاه منه بعصيانهم له كان بهم بما أظهر لهم من الأمور الّتي أظهرها لهم من إلحاقه أحكامهم في الدّنيا بأحكام أوليائه وهم له أعداءٌ، وحشره إيّاهم في الآخرة مع المؤمنين وهم به من المكذّبين إلى أن ميّز بينهم وبينهم، مستهزئًا بهم وساخرًا ولهم خادعًا وبهم ماكرًا؛ إذ كان معنى الاستهزاء والسّخرية والمكر والخديعة ما وصفنا قبل، دون أن يكون ذلك معناه في حالٍ فيها المستهزئ بصاحبه له ظالمٌ أو عليه فيها عادلٍ، بل ذلك معناه في كلّ أحواله إذا وجدت الصّفات الّتي قدّمنا ذكرها في معنى الاستهزاء وما أشبهه من نظائره.
وبنحو ما قلنا فيه روي الخبر عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمّارٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {اللّه يستهزئ بهم} قال: «يسخر بهم للنّقمة منهم».
وأمّا الّذين زعموا أنّ قول اللّه تعالى ذكره: {اللّه يستهزئ بهم} إنّما هو على وجه الجواب، وأنّه لم يكن من اللّه استهزاءٌ ولا مكرٌ ولا خديعةٌ؛ فنافون على اللّه عزّ وجلّ ما قد أثبته اللّه عزّ وجلّ لنفسه وأوجبه لها، وسواءٌ قال قائلٌ: لم يكن من اللّه جلّ ذكره استهزاءٌ ولا مكرٌ ولا سخريةٌ بمن أخبر أنّه يستهزئ ويسخر ويمكر به، أو قال: لم يخسف اللّه بمن أخبر أنّه خسف به من الأمم، ولم يغرق من أخبر أنّه أغرقه منهم.
ويقال لقائل ذلك: إنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبرنا أنّه مكر بقومٍ مضوا قبلنا لم نرهم، وأخبر عن آخرين أنّه خسف بهم، وعن آخرين أنّه أغرقهم، فصدّقنا اللّه تعالى ذكره فيما أخبرنا به من ذلك، ولم نفرّق بين شيءٍ منه، فما برهانك على تفريقك ما فرّقت بينه بزعمك أنّه قد أغرق وخسف بمن قد أخبر أنّه أغرق وخسف به، ولم يمكر به أخبر أنّه قد مكر به؟ ثمّ نعكس القول عليه في ذلك فلن يقول في أحدهما شيئًا إلاّ ألزم في الآخر مثله.
فإن لجأ إلى أن يقول إنّ الاستهزاء عبثٌ ولعبٌ، وذلك عن اللّه عزّ وجلّ منفيٌّ.
قيل له: إن كان الأمر عندك على ما وصفت من معنى الاستهزاء، أفلست تقول: {اللّه يستهزئ بهم} وسخر اللّه منهم ومكر اللّه بهم، وإن لم يكن من اللّه عندك هزءٌ ولا سخريةٌ؟
فإن قال: لا، كذّب بالقرآن وخرج من ملّة الإسلام، وإن قال: بلى، قيل له: أفتقول من الوجه الّذي قلت: {اللّه يستهزئ بهم} وسخر اللّه منهم؛ يلعب اللّه بهم ويعبث، ولا لعب من اللّه ولا عبثٌ؟ فإن قال: نعم، وصف اللّه بما قد أجمع المسلمون على نفيه عنه وعلى تخطئة واصفه به، وأضاف إليه ما قد قامت الحجّة من العقول على ضلال مضيفه إليه. وإن قال: لا أقول يلعب اللّه به ولا يعبث، وقد أقول يستهزئ بهم ويسخر منهم؛ قيل: فقد فرّقت بين معنى اللّعب، والعبث، والهزء، والسّخرية، والمكر، والخديعة. ومن الوجه الّذي جاز قيل هذا ولم يجز قيل هذا افترق معنياهما، فعلم أنّ لكلّ واحدٍ منهما معنًى غير معنى الآخر.
وللكلام في هذا النّوع موضعٌ غير هذا كرهنا إطالة الكتاب باستقصائه، وفيما ذكرنا كفايةٌ لمن وفّق لفهمه). [جامع البيان: 1/ 312 - 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويمدّهم}.
قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ويمدّهم}.
فقال بعضهم بما حدّثني به، موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ويمدّهم} « يملي لهم».
وقال آخرون بما حدّثني به المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، عن ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قراءةً عن مجاهدٍ: {يمدّهم} قال: «يزيدهم».
وكان بعض نحويّي البصرة يتأوّل ذلك أنّه بمعنى: يمدّ لهم، ويزعم أنّ ذلك نظير قول العرب: الغلام يلعب الكعاب، يراد به يلعب بالكعاب. قال: وذلك أنّهم قد يقولون قد مددت له وأمددت له في غير هذا المعنى، وهو قول اللّه: {وأمددناهم} وهذا من أمددناهم، قال: ويقال قد مدّ البحر فهو مادٌّ، وأمدّ الجرح فهو ممدٌّ.
وحكي عن يونس الجرميّ أنّه كان يقول: ما كان من الشّرّ فهو مددت، وما كان من الخير فهو أمددت. ثمّ قال: وهو كما فسّرت لك إذا أردت أنّك تركته فهو مددت له، وإذا أردت أنّك أعطيته قلت: أمددت.
وأمّا بعض نحويّي الكوفة فإنّه كان يقول: كلّ زيادةٍ حدثت في الشّيء من نفسه فهو مددت بغير ألفٍ، كما تقول: مدّ النّهر، ومدّه نهر آخر غيره: إذا اتّصل به فصار منه. وكلّ زيادةٍ أحدثت في الشّيء من غيره فهو بألفٍ، كقولك: أمدّ الجرح، لأنّ المدّة من غير الجرح، وأمددت الجيش بمددٍ.
وأولى هذه الأقوال بالصّواب في قوله: {ويمدّهم} أن يكون بمعنى يزيدهم، على وجه الإملاء والتّرك لهم في عتوّهم وتمرّدهم، كما وصف ربّنا أنّه فعل بنظرائهم في قوله: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون} فكذلك قوله: {ويمدّهم في طغيانهم يعمهون} يعني: يذرهم ونتركهم فيه ويملي لهم ليزدادوا إثمًا إلى إثمهم.
ولا وجه لقول من قال ذلك بمعنى يمدّ لهم لأنّه لا تدافع بين العرب وأهل المعرفة بلغتها أن يستجيزوا قول القائل: مدّ النّهر نهرٌ آخر، بمعنى: اتّصل به فصار زائدًا ماء المتّصل به بماء المتّصل من غير تأوّلٍ منهم، ذلك أنّ معناه مدّ النّهر نهرٌ آخر، فكذلك ذلك في قول اللّه: {ويمدّهم في طغيانهم يعمهون}). [جامع البيان: 1/ 318 - 320]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {في طغيانهم}.
قال أبو جعفرٍ: والطّغيان الفعلان، من قولك: طغى فلانٌ يطغى طغيانًا إذا تجاوز في الأمر حدّه فبغى ومنه قول اللّه: {كلاّ إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} أي يتجاوز حدّه. ومنه قول أميّة بن أبي الصّلت:

ودعا اللّه دعوةً لات هنّا ........ بعد طغيانه فظلّ مشيرا

وإنّما عنى اللّه جلّ ثناؤه بقوله: {ويمدّهم في طغيانهم} أى: يملي لهم ويذرهم يبغون في ضلالتهم وكفرهم حيارى يتردّدون.
- كما حدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {في طغيانهم يعمهون} قال: «في كفرهم يتردّدون».
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {في طغيانهم} «في كفرهم».
- وحدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: {في طغيانهم يعمهون} «أي في ضلالتهم».
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {في طغيانهم} «في ضلالتهم».
- وحدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {في طغيانهم} قال: «طغيانهم، كفرهم وضلالتهم». ). [جامع البيان: 1/ 321 - 322]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يعمهون}.
قال أبو جعفرٍ: والعمه نفسه: الضّلال، يقال منه: عمه فلانٌ يعمه عمهانًا وعموهًا: إذا ضلّ ومنه قول رؤبة بن العجّاج يصف مضلّةً من المهامه:

ومخفقٌ من لهلهٍ ولهله ....... من مهمهٍ يجتبنه في مهمه.

أعمى الهدى بالجاهلين العمّه والعمه:
جمع عامهٍ، وهم الّذين يضلّون فيه فيتحيّرون.
فمعنى قوله جلّ ثناؤه إذن: {ويمدّهم في طغيانهم يعمهون} في ضلالهم وكفرهم الّذي قد غمرهم دنسه وعلاهم رجسه، يتردّدون حيارى ضلاّلاً لا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً؛ لأنّ اللّه قد طبع على قلوبهم وختم عليها، فأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها، فلا يبصرون رشدًا ولا يهتدون سبيلاً.
وبنحو ما قلنا في العمه جاء تأويل المتأوّلين.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {يعمهون} « يتمادون في كفرهم».
- وحدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يعمهون} قال: «يتمادون».
- وحدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: في قوله {يعمهون} قال: «يتردّدون».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {يعمهون} «المتلدّد».
- وحدّثنا محمّد بن عمرٍو الباهليّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى بن ميمونٍ قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {في طغيانهم يعمهون} قال: «يتردّدون».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال حدّثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- وحدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، عن ابن المبارك، عن ابن جريجٍ قراءةً عن مجاهدٍ مثله.
- وحدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {يعمهون} قال: «يتردّدون».). [جامع البيان: 1/ 322 - 324]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {اللّه يستهزئ بهم}
- به عن ابن عبّاسٍ: «يقول اللّه عزّ وجلّ: {اللّه يستهزئ بهم} يسخر منهم للنّقمة منهم».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويمدّهم}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يمدّهم} يقول: «يملي لهم».
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن حاتمٍ الهرويّ، أنبأ الحجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، « {يمدّهم} يزيدهم».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قوله: {ويمدّهم في طغيانهم يعمهون}، « يعني يتردّدون، يقول: زادهم ضلالة إلى ضلالتهم، وعمًى إلى عماهم».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {في طغيانهم}
[الوجه الأول]
- وبه عن أبي العالية في قوله: {ويمدّهم في طغيانهم} «يعني في ضلالتهم.».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {في طغيانهم} قال: « في كفرهم»، قال أبو محمّدٍ: وتابع أبا العالية قتادة والرّبيع بن أنسٍ، وتابع ابن عبّاسٍ السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 48 - 49]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {يعمهون}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يعمهون} قال: «يتمادون». وكذا فسّره السّدّيّ، وخالفه آخرون فقالوا: «يتردّدون».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يعمهون} قال: «في كفرهم يتردّدون».
وكذلك فسّره مجاهدٌ، وأبو مالكٍ، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان عن، الأعمش: {في طغيانهم يعمهون} قال: «يلعبون».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 49]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل:
{في طغيانهم يعمهون} «يعني في ضلالتهم يعني يترددون يقول زادهم الله ضلالة إلى ضلالتهم وعمى إلى عماهم».). [تفسير مجاهد: 69 - 70]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (- وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح في قوله: {الله يستهزئ بهم} قال: «يقال: لأهل النار وهم في النار اخرجوا وتفتح لهم أبواب النار فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم، فذلك قوله: {الله يستهزئ بهم} ويضحك عليهم المؤمنون حين غلقت دونهم، ذلك قوله: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون} [المطففون الآية 34 - 35] الآية.».
- وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ي قوله: {ويمدهم} قال: «يملي لهم»، {في طغيانهم يعمهون} قال: « في كفرهم يتمادون».
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يعمهون} قال: «يتمادون».
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل: {يعمهون} قال: «يلعبون ويترددون»، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: «نعم، أما سمعت قول الشاعر:

أراني قد عمهت وشاب رأسي ....... وهذا اللعب شين بالكبير.»

- وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ويمدهم} قال: «يزيدهم»، {في طغيانهم يعمهون} قال: «يلعبون ويترددون في الضلالة».). [الدر المنثور: 1/ 168 - 169]

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنبأنا معمر عن قتادة في قوله: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} حتى بلغ {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} قال: «هذه في المنافقين».). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 39] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}
قال أبو جعفرٍ: إن قال لنا قائلٌ: وكيف اشترى هؤلاء القوم الضّلالة بالهدى، وإنّما كانوا منافقين لم يتقدّم نفاقهم إيمانٌ فيقال فيهم باعوا هداهم الّذي كانوا عليه بضلالتهم التّى استبدلوها منه؟ وقد علمت أنّ معنى الشّراء المفهوم اعتياض شيءٍ ببذل شيءٍ مكانه عوضًا منه، والمنافقون الّذين وصفهم اللّه بهذه الصّفة لم يكونوا قطّ على هدًى فيتركوه ويعتاضوا منه كفرًا ونفاقًا؟
قيل: قد اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فنذكر ما قالوا فيه، ثمّ نبيّن الصّحيح من التّأويل في ذلك إن شاء اللّه.
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} «أي الكفر بالإيمان».
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} يقول: «أخذوا الضّلالة وتركوا الهدى».
- وحدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} «استحبّوا الضّلالة على الهدى».
- وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى بن ميمونٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: « {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} آمنوا ثمّ كفروا».
- وحدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
قال أبو جعفرٍ: فكأنّ الّذين قالوا في تأويل ذلك: أخذوا الضّلالة وتركوا الهدى، وجّهوا معنى الشّراء إلى أنّه أخذ المشتري المشتري مكان الثّمن المشترى به، فقالوا: كذلك المنافق والكافر قد أخذا مكان الإيمان الكفر، فكان ذلك منهما شراءً للكفر والضّلالة اللّذين أخذاهما بتركهما ما تركا من الهدى، وكان الهدى الّذي تركاه هو الثّمن الّذي جعلاه عوضًا من الضّلالة الّتي أخذاها.
وأمّا الّذين تأوّلوا أنّ معنى قوله: {اشتروا}: استحبّوا، فإنّهم لمّا وجدوا اللّه جلّ ثناؤه قد وصف الكفّار في موضعٍ آخر فنسبهم إلى استحبابهم الكفر على الهدى، فقال: {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى} صرفوا قوله: {اشتروا الضّلالة بالهدى} إلى ذلك وقالوا: قد تدخل الباء مكان على، وعلى مكان الباء، كما يقال: مررت بفلانٍ ومررت على فلانٍ بمعنى واحدٍ، وكقول اللّه جلّ ثناؤه: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك} يريد: على قنطارٍ، فكان تأويل الآية على معنى هؤلاء: أولئك الّذين اختاروا الضّلالة على الهدى، وأراهم وجّهوا معنى قول اللّه جلّ ثناؤه: {اشتروا} إلى معنى اختاروا، لأنّ العرب تقول: اشتريت كذا على كذا، واشتريته يعنون اخترته عليه.
ومن الاستراء قول أعشى بني ثعلبة:


فقد أخرج الكاعب المسترا ....... ة من خدرها وأشيع القمارا


يعني بالمستراة: المختارة.
وقال ذو الرّمّة في الاشتراء بمعنى الاختيار:


يذبّ القصايا عن شراةٍ كأنّها ....... جماهير تحت المدجنات الهواضب


يعني بالشّراة: المختارة.
وقال آخر في مثل ذلك:


إنّ الشّراة روقة الأموال ....... وحزرة القلب خيار المال


قال أبو جعفرٍ: وهذا وإن كان وجهًا من التّأويل فلست له بمختارٍ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قال: {فما ربحت تجارتهم} فدلّ بذلك على أنّ معنى قوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} معنى الشّراء الّذي يتعارفه النّاس من استبدال شيءٍ مكان شيءٍ وأخذ عوضٍ على عوضٍ.
وأمّا الّذين قالوا: إنّ القوم كانوا مؤمنين وكفروا، فإنّه لا مؤنة عليهم لو كان الأمر على ما وصفوا به القوم، لأنّ الأمر إذا كان كذلك فقد تركوا الإيمان، واستبدلوا به الكفر عوضًا من الهدى، وذلك هو المعنى المفهوم من معاني الشّراء والبيع، ولكنّ دلائل أوّل الآيات في نعوتهم إلى آخرها دالّةٌ على أنّ القوم لم يكونوا قطّ استضاءوا بنور الإيمان ولا دخلوا في ملّة الإسلام، أوما تسمع اللّه جلّ ثناؤه من لدن ابتدأ في نعتهم إلى أن أتى على صفتهم إنّما وصفهم بإظهار الكذب بألسنتهم بدعواهم التّصديق بنبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبما جاء به، خداعًا للّه ولرسوله وللمؤمنين عند أنفسهم واستهزاءً في نفوسهم بالمؤمنين، وهم لغير ما كانوا يظهرون مستبطنون، يقول اللّه جلّ جلاله: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}، ثمّ اقتصّ قصصهم إلى قوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} فأين الدّلالة على أنّهم كانوا مؤمنين فكفروا؟.
فإن كان قائل هذه المقالة ظنّ أنّ قوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} هو الدّليل على أنّ القوم قد كانوا على الإيمان فانتقلوا عنه إلى الكفر، فلذلك قيل لهم: اشتروا؛ فإنّ ذلك تأويلٌ غير مسلّمٍ له، إذ كان الاشتراء عند مخالفيه قد يكون أخذ شيءٍ بترك آخر غيره، وقد يكون بمعنى الاختيار وبغير ذلك من المعاني، والكلمة إذا احتملت وجوهًا لم يكن لأحدٍ صرف معناها إلى بعض وجوهها دون بعضٍ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها.
قال أبو جعفرٍ: والّذي هو أولى عندي بتأويل الآية ما روّينا عن ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ من تأويلهما قوله: {اشتروا الضّلالة بالهدى} أخذوا الضّلالة وتركوا الهدى، وذلك أنّ كلّ كافرٍ باللّه فإنّه مستبدلٌ بالإيمان كفرًا باكتسابه الكفر الّذي وجد منه بدلاً من الإيمان الّذي أمر به، أوما تسمع اللّه جلّ ثناؤه يقول فيمن اكتسب كفرًا به مكان الإيمان به وبرسوله: {ومن يتبدّل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سواء السّبيل} وذلك هو معنى الشّراء، لأنّ كلّ مشترٍ شيئًا فإنّما يستبدل مكان الّذي يؤخذ منه من البدل آخر بديلاً منه، فكذلك المنافق والكافر استبدلا بالهدى الضّلالة والنّفاق، فأضلّهما اللّه وسلبهما نور الهدى فترك جميعهم في ظلماتٍ لا يبصرون). [جامع البيان: 1/ 324 - 329]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فما ربحت تجارتهم}
قال أبو جعفرٍ: وتأويل ذلك أنّ المنافقين بشرائهم الضّلالة بالهدى خسروا ولم يربحوا، لأنّ الرّابح من التّجّار المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلاً هو أنفس من سلعته أو أفضل من ثمنها الّذي يبتاعها به، فأمّا المستبدل من سلعته بدلاً دونها ودون الثّمن الّذي يبتاعها به فهو الخاسر في تجارته لا شكّ، فكذلك الكافر والمنافق لأنّهما اختارا الحيرة والعمى على الرّشاد والهدى والخوف والرّعب على الخفض والأمن، فاستبدلا في العاجل بالرّشاد الحيرة، وبالهدى الضّلالة، وبالخفض الخوف، وبالأمن الرّعب؛ مع ما قد أعدّ لهما في الآجل من أليم العقاب وشديد العذاب، فخابا وخسرا، ذلك هو الخسران المبين.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك كان قتادة يقول: حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} «قد واللّه رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضّلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السّنّة إلى البدعة».
قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: فما وجه قوله: {فما ربحت تجارتهم} وهل التّجارة ممّا تربح أو توكس فيقال ربحت أو وضعت؟
قيل: إنّ وجه ذلك على غير ما ظننت؛ وإنّما معنى ذلك: فما ربحوا في تجارتهم لا فيما اشتروا ولا فيما شروا، ولكنّ اللّه جلّ ثناؤه خاطب بكتابه عربًا فسلك في خطابه إيّاهم وبيانه لهم مسلك خطاب بعضهم بعضًا وبيانهم المستعمل بينهم، فلمّا كان فصيحًا لديهم قول القائل لآخر: خاب سعيك ونام ليلك، وخسر بيعك، ونحو ذلك من الكلام الّذي لا يخفى على سامعه ما يريد قائله؛ خاطبهم بالّذي هو في منطقهم من الكلام فقال: {فما ربحت تجارتهم} إذ كان معقولاً عندهم أنّ الرّبح إنّما هو في التّجارة كما النّوم في اللّيل، فاكتفى بفهم المخاطبين بمعنى ذلك عن أن يقال: فما ربحوا في تجارتهم، وإن كان ذلك معناه، كما قال الشّاعر:


وشرّ المنايا ميّتٌ وسط أهله ....... كهلك الفتاة أسلم الحيّ حاضره


يعني بذلك: وشرّ المنايا منيّة ميّتٍ وسط أهله؛ فاكتفى بفهم سامع قيله مراده من ذلك عن إظهار ما ترك إظهاره وكما قال رؤبة بن العجّاج:


حارث قد فرّجت عنّي همّي ....... فنام ليلي وتجلّى غمّي


فوصف بالنّوم اللّيل، ومعناه أنّه هو الّذي نام. وكما قال جرير بن الخطفيّ:


وأعور من نبهان أمّا نهاره ....... فأعمى وأمّا ليله فبصير


فأضاف العمى والإبصار إلى اللّيل والنّهار، ومراده وصف النّبهانيّ بذلك). [جامع البيان: 1/ 330 - 332]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كانوا مهتدين}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وما كانوا مهتدين} ما كانوا رشداء في اختيارهم الضّلالة على الهدى، واستبدالهم الكفر بالإيمان، واشترائهم النّفاق بالتّصديق والإقرار). [جامع البيان: 1/ 332]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16) }
وقوله: {أولئك الّذين اشتروا}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} قال: «استحبّوا الضّلالة على الهدى».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 49]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {اشتروا الضّلالة بالهدى}
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة، عن محمّد ابن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ: عن ابن عبّاسٍ: {أولئك الّذين اشتروا الضلالة بالهدى} «أي الكفر بالإيمان».
- حدّثنا الحسن بن الصّبّاح، ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} « آمنوا ثمّ كفروا».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} يقول: «أخذوا الضّلالة وتركوا الهدى».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 49 - 50]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}
- حدثنا الحسن محمد بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، ثنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} قال: «هذه في المنافقين».
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ ابن أبي عروبة، عن قتادة، في قوله: {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} «قد- واللّه- رأيتموهم فخرجوا من الهدى إلى الضّلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن، إلى الخوف، ومن السّنّة إلى البدعة، يقول: {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}». ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 50]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {اشتروا الضلالة بالهدى} يقول: «آمنوا ثم كفروا فلما أضاءت ما حوله قال أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين وإلى الهدي وأما ذهاب نورهم فإقبالهم إلى الكافرين وإلى الضلالة».). [تفسير مجاهد: 70]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}.
- أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} قال: «الكفر بالإيمان».
- وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {اشتروا الضلالة بالهدى} قال: « أخذوا الضلالة تركوا الهدى».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} قال: «آمنوا ثم كفروا».
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} قال:«استحبوا الضلال على الهدى»،{فما ربحت تجارتهم} قال: «قد والله رأيتم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة».). [الدر المنثور: 1/ 169 - 170]


رد مع اقتباس