الموضوع: الجبار
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 02:15 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح ابن القيم (ت:751هـ)[الشرح المطول]



قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( (الجَبَّارُ):
( (( الجَبَّارُ )) اسمٌ منْ أسماءِ التَّعظيمِ كالمُتَكَبِّرِ والمَلِكِ والعظيمِ والقَهَّارِ. قالَ ابنُ عبَّاسٍ في قولـِهِ تَعَالَى: {الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23] هوَ العظيمُ.
وجَبَرُوتُ اللهِ عظمتُهُ، والجَبَّارُ منْ أسماءِ الملوكِ. والْجَبْرُ: المَلِكُ، والجَبَابِرَةُ: المُلُوكُ، قالَ الشاعرُ:
* انْعَمْ صَبَاحاً أيُّهَا الجَبْرُ *
أيْ: أَيُّهَا المَلِكُ * *.
وقال السُّدِّيُّ: هوَ الذي يُجْبِرُ الناسَ وَيَقْهَرُهُم على ما يُرِيدُ.
وعلى هذا فالجَبَّارُ مَعْنَاهُ القهَّارُ.
وقالَ محمَّدُ بنُ كَعْبٍ: إنَّمَا سُمِّيَ الجَبَّارَ؛ لأنَّهُ جَبَرَ الخلقَ على ما أَرَادَ، والخَلْقُ أَدَقُّ شَأْناً منْ أنْ يَعْصُوا رَبَّهُم طَرْفَةَ عَيْنٍ إلاَّ بمشيئتِهِ.
قالَ الزجَّاجُ: الجَبَّارُ الذي جَبَرَ الخلقَ على ما أَرَادَ.
وقالَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ: الجَبَّارُ في صفةِ الربِّ سُبْحَانَهُ الذي لا يُنَالُ، ومنهُ قولُهُم: نخلةٌ جَبَّارَةٌ، إذا فَاتَتْ يَدَ المُتَنَاوِلِ.
فـ (( الجَبَّارُ )) في صفةِ الربِّ سبحانَهُ يَرْجِعُ إلى ثلاثةِ مَعَانٍ:
- المُلْكِ.
- والقَهْرِ.
- والعُلُوِّ. فإنَّ النخلةَ إذا طَالَتْ وَارْتَفَعَتْ وَفَاتَت الأَيْدِيَ سُمِّيَتْ جَبَّارَةً.

ولهذا جَعَلَ سبحانَهُ اسمَهُ الجَبَّارَ مَقْرُوناً بالعزيزِ والمُتَكَبِّرِ، وكلُّ وَاحِدٍ منْ هذهِ الأسماءِ الثلاثةِ تَضَمَّنَ الاسمَيْنِ الآخَرَيْنِ، وهذهِ الأسماءُ الثلاثةُ نَظِيرُ الأسماءِ الثلاثةِ، وهيَ الخالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ.
فالجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ يَجْرِيَانِ مَجْرَى التفصيلِ لِمَعْنَى اسمِ العزيزِ، كما أنَّ البَارِئَ المُصَوِّرَ تَفْصِيلٌ لِمَعْنَى اسمِ الخالقِ.

فالجَبَّارُ منْ أوصافِهِ يَرْجِعُ إلى كمالِ القدرةِ والعزَّةِ والمُلْكِ، ولهذا كانَ منْ أسمائِهِ الحُسْنَى، وأمَّا المخلوقُ فَاتِّصَافُهُ بالجَبَّارِ ذَمٌّ لهُ وَنَقْصٌ، كما قالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)}[غافر: 35]، وقالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45]؛ أيْ: مُسَلَّطٍ تَقْهَرُهُم وَتُكْرِهُهُم على الإيمانِ. وفي التِّرْمِذِيِّ وغيرِهِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (( يُحْشَرُ الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ، يَطَأُهُمُ النَّاسُ)) ([1]))([2]).

(وكذلكَ الجَبَّارُ منْ أوصافِهِ = والجبرُ في أوصافِهِ قِسْمَانِ
جَبْرُ الضعيفِ وَكُلُّ قلبٍ قدْ غَدَا = ذَا كسرةٍ فالجبرُ منهُ دَانِ
وَالثانِ جبرُ القهرِ بالعزِّ الذي = لا يَنْبَغِي لسواهُ منْ إنسانِ
ولهُ مُسَمًّى ثالثٌ وهوَ العُلُوُّ = فليسَ يَدْنُو منهُ منْ إنسانِ
مِنْ قولِهِم جَبَّارَةٌ للنخلةِ الـ = ـعَلْيَا الَّتِي فَاتَتْ لِكُلِّ بَنَانِ)([3])
). [المرتبع الأسنى: ؟؟]


** وقال عمرُو بنُ كُلثومٍ التَّغْلِبِيُّ في مُعَلَّقَتِه:
إِذَا بَلَغَ الرَّضِيعُ لَنَا فِطامًا = تَخِرُّ لَهُ الْجَبَابِرُ سَاجِدِينَا

([1]) رواهُ التِّرمذيُّ في كتابِ صفةِ القيامةِ / بابُ (47) الحديثُ (2492)، والحديثُ في مسندِ الإمامِ أحمدَ (6639) من حديثِ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، مرفوعًا إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ.
([2]) شِفَاءُ العَلِيلِ (1/310-312) .
قال رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى في شفاءِ العليلِ (1/310): (وأما الجَبْرُ فيَرْجِعُ في اللغةِ إلى ثلاثةِ أُصولٍ:
أَحَدُها: أن يُغْنِيَ الرجلَ من فقرٍ أو يَجْبُرَ عَظْمَهُ من كَسرٍ، وهذا من الإصلاحِ).
وهذا الأصلُ يُستعمَلُ لازمًا ومتعديًا. يُقالُ: جَبَرْتُ العَظْمَ وجَبَرَ. وقد جَمَعَ العَجَّاجُ بينَهُما في قولِه:
قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الإِلَهُ فَجَبَرْ
* الأصلُ الثانِي: الإكراهُ والقَهْرُ. وأكثرُ ما يُستعمَلُ هذا على أَفْعَلَ، يُقالُ: أَجْبَرْتُهُ على كذا، إذا أَكْرَهْتَهُ عليه، ولا يَكادُ يَجِيءُ جَبَرْتُهُ عليه إلا قليلاً.
والأصلُ الثالثُ: من العزِّ والامتناعِ. ومنه نَخْلَةٌ جَبَّارَةٌ قال الجَوْهَرِيُّ: والجَبَّارُ مِنَ النَّخْلِ ما طالَ وفاتَ اليدَ، قال الأَعْشَى:
طَرِيقٌ وَجَبَّارٌ رِوَاءٌ أُصولُه = عَلَيْهِ أَبَابِيلُ مِنَ الطَيْرِ تَنْعَبُ
وقال الأخفشُ في قولِه تعالَى: {إنَّ فيها قومًا جَبَّارِينَ} قالَ: أرادَ الطُّولَ والقوةَ والعِظَمَ. ذهبَ في هذا إلى الجَبَّارِ من النخلِ، وهو الطويلُ الذي فاتَ الأيدِيَ. ويقال: رَجُلٌ جَبَّارٌ، إذا كان طويلاً عظيمًا قويًّا تشبيهًا بالجَبَّارِ من النخلِ.
قال قتادةُ: كانت لهم أجسامٌ وخِلَقٌ عَجِيبَةٌ ليست لغيرِهم.
وقيلَ: الجبارُ هاهنا مِن جَبَرَهُ على الأمِرِ، إذا أَكْرَهَهُ عليه. قال الأزهريُّ: وهي لغةٌ معروفةٌ، وكثيرٌ من الحجازيينَ يَقُولُونَها، وكان الشافعيُّ رَحِمَهُ اللهُ يقولُ: جَبَرَهُ السلطانُ، ويجوزُ أن يكونَ الجَبَّارُ مِن أجْبَرَهُ على الأمرِ، إذا أَكْرَهَهُ.
قال الفرَّاءُ: لم أَسْمَعْ فَعَّالاً من أَفْعَلَ إلا في حَرْفَيْنِ وهما جَبَّارٌ من أَجْبَرَ، ودَرَّاكٌ مِن أَدْرَكَ. وهذا اختيارُ الزَّجَّاجِ، قال: الجبَّارُ مِن الناسِ العاتِي الذي يُجْبِرُ الناسَ على ما يُرِيدُ، وأما الجَبَّارُ مِن أسماءِ الربِّ تعالى فقد فَسَّرَهُ بأنه الذي يَجْبُرُ الكسيرَ ويُغنِي الفقيرَ والربُّ سُبحانَهُ كذلك. ولكن ليسَ هذا معنى اسمِه (الجبَّارِ)، ولهذا قَرَنَهُ باسمِه المُتَكَبِّرِ وإنما هو الجبروتُ وكان النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ يقولُ: ((سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالمَلَكُوتِ والكِبرِياءِ والعَظَمَةِ)).
([3]) القصيدةُ النُّونيَّةُ (246).


رد مع اقتباس