الموضوع: المؤمن
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:27 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي


شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)



قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (المؤمن
المؤمن في صفات الله عز وجل على وجهين: أحدهما أن يكون من الأمان
أي: يؤمن عباده المؤمنين من بأسه وعذابه فيأمنون ذلك كما تقول: «آمن فلان فلانًا» أي: أعطاه أمانًا ليسكن إليه ويأمن. فكذلك أيضًا يقال: «الله المؤمن» أي: يؤمن عباده المؤمنين فلا يأمن إلا من آمنه. ومنه قول النابغة الذبياني:
فلا لعمر الذي قد زرته حججًا = وما هريق على الأنصاب من جسد
والمؤمن العائذات الطير تمسحها = ركبان مكة بين الغيل والسند
قال العلماء في قوله: «والمؤمن» يريد الله تبارك وتعالى أقسم به يريد: آمن الطير في الحرم، والعائذات: التي تعوذ بالبيت، فمن روى هكذا ينصب الطير وهو الوجه جعل العائذات في موضع نصب، وإبدال الطير منها للبيان والإيضاح كما تقول: «هذا الضارب الرجل آخاك».
ورواه بعضهم: «والمؤمن العائذات الطير» بالخفض على أن تجعل العائذات في موضع خفض وتبدل الطير منها على إجازتهم «هذا الضارب الرجل» بالخفض تشبيهًا بقولهم: «هذا الحسن الوجه».
قال سيبويه: لما قالوا: «هذا الحسن الوجه» فنصبوه تشبيهًا بـ «هذا الضارب الرجل» وإن لم يكن مثله في المعنى كذلك أجازوا «هذا الضارب الرجل» بالخفض تشبيهًا بـ «هذا الحسن الوجه» لأن كل شيئين تضارعا في العربية فحمل أحدهما على الآخر جاز حمل الآخر عليه في بعض المواضع. ورواه أبو عبيدة:
لا والذي آمن الغزلان تمسحها = ركبان مكة بين الغيل والسعد
وهذا تقوية للمذهب الأول وشرح للمؤمن، أن تأويله: الذي آمن الطير في الحرم. قال: والغيل والسعد: أجمتان كانتا مناقع ما بين مكة ومنى، يقال لأحدهما الغيل والآخرى السعد. وقال الأصمعي: لا يقال غيل لأن الغيل الغيضة، والغيل الماء الجاري، وقال: كان ماء يجري في أصل أبي قبيس يغسل عليه القصارون، وروايته الغيل بالفتح على هذا التأويل الذي ذكرته، ومن روى «بين الغيل» بالكسر فقال: الغيل هاهنا مكان، والسند: سند الجبل.
والوجه الآخر: أن يكون المؤمن من الإيمان وهو التصديق فيكون ذلك على ضربين: أحدهما: أن يقال: «الله المؤمن» أي مصدق عباده المؤمنين أي يصدقهم على إيمانهم فيكون تصديقه إياهم قبول صدقهم وإيمانهم وإثابتهم عليه. والآخر: أن يكون الله المؤمن أي: مصدق ما وعده عباده كما يقال: «صدق فلان في قوله وصدق» إذا كرر وبالغ، يكون بمنزلة ضرب وضرب، فالله عز وجل مصدق ما وعد به عباده ومحققه. فهذه ثلاثة أوجه في المؤمن سائغ إضافتها إلى الله.
ولا يصرف فعل هذه الصفة من صفاته عز وجل فلا يقال: «آمن الله» كما يقال: «تقدس الله، وتبارك الله»، ولا يقال: «الله يؤمن» كما يقال: «الله يحلم ويغفر» ولم يستعمل ذلك. كما قيل: «تبارك الله» ولم يقل: «هو متبارك» وإنما تستعمل صفاته على ما استعملتها الأمة واطلقتها، فالإيمان: التصديق، يقال: «آمنت بكذا وكذا» أي: صدقت به. كما قال: {الذين يؤمنون بالغيب} أي يصدقون بما غاب عنهم مما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل. كما قال حكاية عن أولاد يعقوب ليعقوب: {وما أنت بمؤمن لنا} أي: ما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين.
ويقال: «ما أومن بشيء مما يقول فلان» أي: ما أصدق به، وإيمان العبد بالله عز وجل: تصديقه به قولاً، وعقدًا، وعملاً. وقد سمى الله عز وجل الصلاة إيمانًا في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي: صلاتكم إلى بيت المقدس.
والإيمان في جميع تصرفه غير خارج عن معنى التصديق وما قاربه وتعلق به، ويقال: «آمن فلان بالله فهو مؤن». وأصل آمن أأمن فقلبت الثانية ألفًا فقيل آمن، فلا يصح همزتان إذا التقتا في كلمة واحدة ولا بد من قلب الثانية على حركة الأولى فإن كانت الأولى مفتوحة قلبت الثانية ألفًا كما قلبت في آدم، وآخر، وآمن وما أشبه ذلك. وإن كانت الأولى مكسورة قلبت الثانية ياء ولا تصح همزتان في كلمة واحدة، فإن كانتا من كلمتين جاز التخفيف والتحقيق كقوله عز وجل: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}. وكقولك: «يا زيد أأعطيت فلانًا؟» وما أشبه ذلك فلك في مثل هاتين الهمزتين إذا التقتا من كلمتين هكذا في وصل الكلام ولم يكن مبتدئًا بالهمزة الأولى خمسة أوجه: إن شئت حققت الأولى وخففت الثانية، وإن شئت خففت الأولى وحققت الثانية، وإن شئت حققتهما معًا، وإن شئت خففتهما معًا، واللغة الخامسة أن يزاد بين الهمزتين ألف تفرق بينهما فيقال: «يا زيد آأنت فعلت كذا؟» كما قال ذو الرمة:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل = وبين النقا آأنت أم أم سالم
تقديره أأنت أحسن أم أم سالم؟. وأنشد أبو زيد الأنصاري:
حزق إذا ما القوم أبدوا فكاهة = يفكر آإياه يعنون أم قردا؟
فأما إذا ابتدأت فقلت: «أأنت خرجت؟» «أأنت أعطيت زيدًا؟» فلا بد من تحقيق الأولى لأن الهمزة لا تخفف مبتدأة لأن المخفف يقرب من الساكن والساكن لا يبتدأ به، فأما الهمزتان إذا التقتا في كلمة واحدة فقلب الثانية على حركة الأولى لازم على ما أخبرتك به، وعليه إجماع العرب والنحويين إلا ما يجيء في الشواذ.
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني قال: أخبرني أبو زيد الأنصاري أنه سمع من العرب من يقول: «اللهم اغفر لي خطائئي» كقولك: «خطاععي» وهو جمع خطيئة فجمع بين الهمزتين في كلمة وحققهما كما ترى.
قال: وسمعت آخر يقول في جمع دريئة وهو ما يستتر به من الصيد درائيء كقولك درائع فحقق الهمزتين في كلمة واحدة. قال: والذي عليه الجماعة القلب والتغيير كقولك خطايا ودرايا.
ونظير الجمع بين همزتين في كلمة واحدة وتحقيقهما في الشذوذ وإن كان هو الأصل إثبات بعضهم الهمزة في يرى، وترى، ونرى، وأرى لأن إجماع العرب على حذف الهمزة من مستقبل «رأيت» وإثباتها في الماضي كما ترى فصار هذا المستعمل المستقبل المجمع عليه كالأصل، وصار الأصل وهو إثبات الهمز كالفرع الشاذ للإجماع على غيره فصار استعماله شاذًا فمن العرب من يثبت الهمز في يرى وترى وما أشبه ذلك فيقول: «أنت ترأى زيدًا» و«أنا أرأيتك إياه»، وأنشد الجماعة لسراقة البارقي.
أرى عيني ما لم ترأياه = كلانا عالم بالترهات
قال المازني: والوجه أن يقال «ترياه» فتحذف الهمزة ويحتمل قبح الزحاف لأنه أحسن من زيغ الأعراب. قال: والذين أنشدوه بإثبات الهمزة نفرت طباعهم عن قبح الزحاف فلم يبالوا زيغ الإعراب. وأنشد أبو زيد الأنصاري في مثل ذلك لرجل من بني نمير:
هل ترجعن ليال قد مضين لنا = والعيش مقتبل إذ ذاك أفنانا
إذا نحن في غرة الدنيا وبهجتها = والدار جامعة أزمان أزمانا
لما استمر بها شيحان مبتهج = بالبين عنك بها يرآك شنئانا
قال أبو زيد: وكل هؤلاء حقق الهمزة وهو قليل في الكلام، والتحقيق الأصل.
وتقول في اسم الفاعل من آمن: مؤمن بتحقيق الهمز وهو الأصل، والمفعول مؤمن به كذلك بالتحقيق وإن شئت خففت فلم تهمزه.
فأما الموقن فلا يجوز همزه وهو خطأ فاحش ولحن قبيح لأن الواو في «موقن» مبدلة من ياء وليست بهمزة إنما هو من أيقنت واليقين.
وأما المسلم فاشتقاقه من أسلم يسلم فهو مسلم: إذا استسلم للشيء وأنقاد له وكذلك قوله عز وجل: {وأمرنا لنسلم لرب العالمين}. وقالوا في قوله: {قالت الأعراب آمنا قل: لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} أي استسلمنا من خوف السيف.
واشتقاق المؤمن كما ذكرت لك من الإيمان وهو التصديق، وهذا أصلهما فإذا اعتقد المسلم في قلبه تصديق ما استسلم له وتحقيقه فهو مسلم مؤمن، وكذلك المؤمن: المصدق إذا استسلم لأمر من آمن به وانقاد له وأطاعه فهو مؤمن مسلم. فالمسلم حقيقة مؤمن حقيقة، والمؤمن حقيقة مسلم حقيقة في الشرع.
وهذا وجه اجتماعهما واتفاقهما، ووجه افتراقهما من حيث ذكرت لك أصل الاشتقاق، لأنه لا يقال لكل من استسلم لأمر إنسان أنه مصدق له، ولا لمن صدق بخبر أنه مسلم له. فالاستسلام غير التصديق. ولا يطلق المؤمن والمسلم هكذا إلا لمن دخل تحت الشرع وآمن بجميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم. فأما غير ذلك فإنما يقال له: «مؤمن بكذا وكذا» و«مسلم لكذا وكذا» مقرونًا بما يوضحه). [اشتقاق أسماء الله: 221-227]


رد مع اقتباس