عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 01:00 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا فأخذهم الطّوفان وهم ظالمون (14) فأنجيناه وأصحاب السّفينة وجعلناها آيةً للعالمين (15)}
هذه تسليةٌ من اللّه تعالى لعبده ورسوله محمّدٍ صلوات اللّه وسلامه عليه، يخبره عن نوحٍ عليه السّلام: أنّه مكث في قومه هذه المدّة يدعوهم إلى اللّه ليلًا ونهارًا، وسرًّا، وجهارًا، ومع هذا ما زادهم ذلك إلّا فرارًا عن الحقّ، وإعراضًا عنه وتكذيبًا له، وما آمن معه منهم إلّا قليلٌ؛ ولهذا قال: {فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا فأخذهم الطّوفان وهم ظالمون} أي: بعد هذه المدّة الطّويلة ما نجع فيهم البلاغ والإنذار، فأنت -يا محمّد -لا تأسف على من كفر بك من قومك، ولا تحزن عليهم؛ فإنّ اللّه يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، وبيده الأمر وإليه ترجع الأمور، {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96،97]، واعلم أنّ اللّه سيظهرك وينصرك ويؤيّدك، ويذلّ عدوّك، ويكبتهم ويجعلهم أسفل السّافلين.
قال حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عبّاسٍ قال: بعث نوحٌ وهو لأربعين سنةٍ، ولبث في قومه ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا، وعاش بعد الطّوفان ستّين عامًا، حتّى كثر النّاس وفشوا.
وقال قتادة: يقال إنّ عمره كلّه [كان] ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا، لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلثمائة سنةٍ، ودعاهم ثلثمائةٍ ولبث بعد الطّوفان ثلثمائةٍ وخمسين سنةً.
وهذا قولٌ غريبٌ، وظاهر السّياق من الآية أنّه مكث في قومه يدعوهم إلى اللّه ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا.
وقال عون بن أبي شدّادٍ: إنّ اللّه أرسل نوحًا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلثمائة سنةٍ، فدعاهم ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا، ثمّ عاش بعد ذلك ثلثمائةٍ وخمسين سنةً.
وهذا أيضًا غريبٌ، رواه ابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ، وقول ابن عبّاسٍ أقرب، واللّه أعلم.
وقال الثّوريّ، عن سلمة بن كهيل، عن مجاهدٍ قال: قال لي ابن عمر: كم لبث نوحٌ في قومه؟ قال: قلت ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا. قال: فإنّ النّاس لم يزالوا في نقصانٍ من أعمارهم وأحلامهم وأخلاقهم إلى يومك هذا). [تفسير ابن كثير: 6/ 267-268]

تفسير قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فأنجيناه وأصحاب السّفينة} أي: الّذين آمنوا بنوحٍ عليه السّلام. وقد تقدّم ذكر ذلك مفصّلًا في سورة "هودٍ"، وتقدّم تفسيره بما أغنى عن إعادته.
وقوله: {وجعلناها آيةً للعالمين} أي: وجعلنا تلك السّفينة باقيةً، إمّا عينها كما قال قتادة: إنّها بقيت إلى أوّل الإسلام على جبل الجوديّ، أو نوعها جعله للنّاس تذكرةً لنعمه على الخلق، كيف نجّاهم من الطّوفان، كما قال تعالى: {وآيةٌ لهم أنّا حملنا ذرّيّتهم في الفلك المشحون. وخلقنا لهم من مثله ما يركبون. وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون. إلا رحمةً منّا ومتاعًا إلى حينٍ} [يس: 41-44]، وقال تعالى: {إنّا لـمّا طغى الماء حملناكم في الجارية. لنجعلها لكم تذكرةً وتعيها أذنٌ واعيةٌ} [الحاقّة: 11، 12]، وقال هاهنا: {فأنجيناه وأصحاب السّفينة وجعلناها آيةً للعالمين}، وهذا من باب التّدريج من الشّخص إلى الجنس، كقوله تعالى: {ولقد زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وجعلناها رجومًا للشّياطين} [الملك: 5] أي: وجعلنا نوعها، فإنّ الّتي يرمى بها ليست هي الّتي زينةٌ للسّماء. وقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ. ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ} [المؤمنون: 12، 13]، ولهذا نظائر كثيرةٌ.
وقال ابن جريرٍ: لو قيل: إنّ الضّمير في قوله: {وجعلناها}، عائدٌ إلى العقوبة، لكان وجهًا، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 6/ 268-269]

تفسير قوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا اللّه واتّقوه ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (16) إنّما تعبدون من دون اللّه أوثانًا وتخلقون إفكًا إنّ الّذين تعبدون من دون اللّه لا يملكون لكم رزقًا فابتغوا عند اللّه الرّزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون (17) وإن تكذّبوا فقد كذّب أممٌ من قبلكم وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين (18)}
يخبر تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء: أنّه دعا قومه إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، والإخلاص له في التّقوى، وطلب الرّزق منه وحده لا شريك له، وتوحيده في الشكر، فإنه المشكور على النعم، لا مسدٍ لها غيره، فقال لقومه: {اعبدوا اللّه واتّقوه} أي: أخلصوا له العبادة والخوف، {ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون} أي: إذا فعلتم ذلك حصل لكم الخير في الدّنيا والآخرة، واندفع عنكم الشّرّ في الدّنيا والآخرة). [تفسير ابن كثير: 6/ 269]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ أخبرهم أنّ الأصنام الّتي يعبدونها والأوثان، لا تضرّ ولا تنفع، وإنّما اختلقتم أنتم لها أسماءً، سمّيتموها آلهةً، وإنّما هي مخلوقةٌ مثلكم. هكذا روى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ. وبه قال مجاهدٌ، والسّدّيّ.
وروى الوالبيّ، عن ابن عبّاسٍ: وتصنعون إفكًا، أي: تنحتونها أصنامًا. وبه قال مجاهدٌ -في روايةٍ -وعكرمة، والحسن، وقتادة وغيرهم، واختاره ابن جريرٍ، رحمه اللّه.
وهي لا تملك لكم رزقًا، {فابتغوا عند اللّه الرّزق} وهذا أبلغ في الحصر، كقوله: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} [الفاتحة: 5]، {ربّ ابن لي عندك بيتًا في الجنّة} [التّحريم: 11]، ولهذا قال: {فابتغوا} أي: فاطلبوا {عند اللّه الرّزق} أي: لا عند غيره، فإنّ غيره لا يملك شيئًا، {واعبدوه واشكروا له} أي: كلوا من رزقه واعبدوه وحده، واشكروا له على ما أنعم به عليكم، {إليه ترجعون} أي: يوم القيامة، فيجازي كلّ عاملٍ بعمله). [تفسير ابن كثير: 6/ 269]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {وإن تكذّبوا فقد كذّب أممٌ من قبلكم} أي: فبلّغكم ما حلّ بهم من العذاب والنّكال في مخالفة الرّسل، {وما على الرّسول إلا البلاغ المبين} يعني: إنّما على الرّسول أن يبلغكم ما أمره الله تعالى به من الرّسالة، واللّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، فاحرصوا لأنفسكم أن تكونوا من السّعداء.
وقال قتادة في قوله: {وإن تكذّبوا فقد كذّب أممٌ من قبلكم} قال: يعزي نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وهذا من قتادة يقتضي أنّه قد انقطع الكلام الأوّل، واعترض بهذا إلى قوله: {فما كان جواب قومه}. وهكذا نصّ على ذلك ابن جريرٍ أيضًا.
والظّاهر من السّياق أنّ كلّ هذا من كلام إبراهيم الخليل، عليه السّلام [لقومه] يحتجّ عليهم لإثبات المعاد، لقوله بعد هذا كلّه: {فما كان جواب قومه}، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 6/ 269-270]

رد مع اقتباس