إدخال المصحف في أماكن التخلي ونحوها .. 
  قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا  خلاف  بين أهل العلم فى حظر إدخال المصحف فى أماكن التخلى لغير ضرورة ,  لكون الدخول بها مع انتفاء الضرورة ضربا من الأمتهان للمصاحف , وإخلالا بما  يجب لها من التعظيم , ولما روى من نزعه عليه السلام خاتمه عند دخوله  الخلاء , صيانة لما عليه من الذكر . بيد أن تعبير أهل العلم عن هذا الخطر  قد {88}
اختلف , فمنهم من عبر  عنه بالتحريم حتى قال بعض المحققين منهم , بأنه لا يتوقف عن القول بالتحريم  عاقل , وهو محمول على حال انتفاء الضرورة أو الحاجة , ويأتى فى كلام  المرداوى قريبا , ومنهم من عبر بالكراهة , ومراده الكراهة التحريمية بناء   على أصله فى كل ما كان المانع فيه ظنيا , وهو صنيع فقهاء الحنفية . ومنهم  من عبر عنه بالكراهة , وأطلق كالشافعية , ولم يظهر لى وجه إطلاقه هذا , بل  إن منهم من لم يقل بحظر إدخال المصحف إلى الخلاء لذات الإدخال , وإنما بنى  القول بالحظر على كونه حملا للمصحف حال الحدث , وهو ظاهر كلام الشمس الرملى  فى فتاويه .
فعلى قول الجمهور يحرم  الدخول بالمصحف إلى الخلاء , وأماكن قضاء الحاجة , سواء كان ذلك فى البنيان  أو خارجها , لاعتبار ذلك منافيا لما يجب من {89}
التعظيم للمصحف , ويعد  استخفاف به ما لم تدع إلى ذلك ضرورة , كخوف ضياع , أو وقوع بيد من ينتهكه  من كافر , أو مجنون , أو ما فى حكمه , كطفل وبهيمة , أو خوف عرق , أو حرق  مثلا . قالوا : فإذا وجب نزع خاتم عليه مكتوب ذكر , وتعينت تنحيته عن دخول الخلاء صيانة لذكر الله عزوجل عن الامتهان , فلأن يجب ذلك فى حق المصحف من طريق الأولى .
وقد ذهب إلى القول  بتحريم إدخال المصاحف إلى أماكن التخلى ما لم تدع إلى ذلك ضرورة جمهور أهل  العلم , كما سلف , وهو مقتضى كلام  فقهاء الحنفية , وبه صرح فقهاء المالكية  , ومال إليه الأذرعى والرملى من {90 }
الشافعية , وهو الذى  صرح به أصحابنا الحنابلة , حتى قال المرداوى وهو من محققيهم : ( قلت : أما  دخول الخلاء بمصحف من غير حاجة فلا شك فى تحريمه قطعا ولايتوقف فى هذا عاقل  ).
بل صرح بعض الفقهاء  بتحريم إدخال المصحف إلى الخلاء , وما فى حكمه : يستوى فيه حال قاصد قضاء  الحاجة , وحال من دخله لغرض آخر كأخذ شئ منه مثلا , بل ألحق بعضهم بالحكم  المذكور حكم كل مكان دنئ كحمام , وفندق , وملهى , وبيت ظالم , وزريبة حيوان  , واسطبل مثلا , إذ يعد إدخال المصحف فى هذه وأمثالها ضربا من الامتهان  للمصحف .
وفرق بعض الفقهاء بين  المصحف الكامل وبين ما كتب منه فى نحو صحيفة , وكالمكتوب على الدراهم ,  والتعاويذ , فمنعه فريق قياسا على المصحف , ورخص فيه آخرون لعموم البلوى ,  ومشقة التحرز , ولوجود هذه الأشياء مع معظم الناس فى غالب أوقاتهم وحاجتهم  الماسة إلى حملها فى أكثر أحيانهم . وفرقت طائفة ثالثة بين ما {91}
كان منها بساتر كالجيب  مثلا , وبين ما كان مكشوفا , فأجازته فى الأولى ومنعته فى الثانية , على أن  الجميع قد اتفقوا فى استحباب تنحيتها عند الدخول إلى المواطن المذكورة ,  إجلالا لذكر الله وإيفاء ومراعاة لما يستحقه من التعظيم والتكريم . والله  أعلم بالصواب ){92}