سورة المؤمنون
[من الآية (62) إلى الآية (70) ]
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)}
قوله تعالى: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)}
قوله تعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)}
قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)}
قوله تعالى: {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65)}
قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)}
قوله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سامرًا تهجرون (67)
قرأ نافع وحده (تهجرون) وقرأ الباقون (تهجرون) بفتح التاء وضم الجيم.
قال أبو منصور: من قرأ (تهجرون) فالمعنى: إنكم إذا سمرتم هجرتم النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن، من الهجران.
وجائز أن يكون معنى (تهجرون): تهذرون، من قولك: هجر الرجل في منامه إذا هذى، والمعنى: أنكم تقولون فيه ما ليس فيه، وما لا يضره، فهو كالهذيان.
ومن قرأ (تهجرون) فمعناه: تفحشون، من أهجرت.
والاسم: الهجر، وكانوا يسبّون النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خلوا حول البيت ليلاً، حدثنا الحسين عن عثمان عن
[معاني القراءات وعللها: 2/192]
عفان قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا حميد الأعرج عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان يقرأ (سامرًا تهجرون) يقول: الهجر في القول). [معاني القراءات وعللها: 2/193]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {سامرا تهجرون} [67].
قرأ نافع (تهجرون) بالضم من أهجر إهجارًا: إذا أهذي. يقال أهجر المريض: إذا تكلم بما لا يفهم.
وكان الكفار إذا سمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلموا بالفحش، وهذوا وسبوا. فقال الله جل وعز: {مستكبرين به} أي: بالقرآن. وقيل: بالبيت العتي، سامرًا وجمعه: سمار، وهم الذين يتحدثون بالليل في السمر. والسمر: ظل القمر، يقال: الفخت، والدارة حول القمر: الهالة والساهور: غلاف القمر. وقد قرئ {مستكبرين به سامرا تهجرون} و{سمرا تهجرون} فمن قرأ سمرا جعله جمع سامر مثل غائب، وغيب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/92]
وقد جعل بعضهم الإهجار ها هنا: الترك.
وقرأ الباقون {تهجرون} من الهجران. يقال هجر فلان فلانا: إذا صرمه، وهجر بلاده: إذا خرج منها وتركها، فشبه الله تعالى من ترك القرآن والعمل به كالمهاجر لرشده). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/93]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ نافع وحده: (تهجرون) [المؤمنون/ 67] بضم التاء وكسر الجيم. وقرأ الباقون: تهجرون بفتح التاء وضمّ الجيم.
من قرأ: تهجرون فالمعنى: أنكم كنتم تهجرون آياتي وما يتلى عليكم من كتابي فلا تنقادون له وتكذبون به، كقوله: قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين [المؤمنون/ 66 - 67] بالبيت والحرم لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم، وقال: أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم [العنكبوت/ 67] و (تهجرون) تأتون بالهجر، وهو الهذيان وما لا خير فيه من الكلام،
وفي الحديث في زيارة القبور: «زورها ولا تقولوا هجرا»). [الحجة للقراء السبعة: 5/298]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود وابن عباس وعكرمة: [سُمَّرًا يُهَجِّرُونَ].
وروي عن ابن محيص: [سُمَّرًا يُهْجِرُونَ].
قال أبو الفتح: السمَّرُ جمع سامِر، والسامِرُ: القوم يَسْمُرُون، أي: يتحدثون ليلا.
قال ذو الرمة:
وكَمْ عَرَّسَتْ بَعْدَ السُّرَى مِنْ مُعَرَّسٍ ... بِهِ مِنْ عَزِيفِ الجنِّ أصواتُ سَامِرِ
وروينا عن قطرب أن السامر قد يكون واحدا وجماعة وأما [يُهْجَرُون]، بسكون الهاء، وضم الياء فتفسيره: يفحشون القول، يقال: هَجَرَ الرجلُ في منطقِهِ، إذا هذى، وأهْجَرَ: أفحش. قال الشماخ:
[المحتسب: 2/96]
كَمَا جِدَةِ الأعْرافِ قالَ ابنُ ضَرَّةٍ ... عَلَيْها كَلَامًا جَارَ فيهِ وأهْجَرًا
وقال الحسن في {تَهْجُرُونَ} أي: تهجرون كتابي ونبيي. وأما [تُهْجِّرُونَ] فينبغي والله أعلم أن يكون تكثرون من الهجر، وهو الهذيان، أو هجر النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب الله، أو تكثرون من الإهجار، وهو إفحاش القول؛ لأن فَعَّلَ تأتي للتكثير.
وروينا عن أبي حاتم قال: قرأ [سُمَّارًا] أبو رجاء، فهذا ككاتِب وكُتّاب، وشارب وشُرّاب. ولو ذهب ذاهب إلى أن معنى [تُهْجِّرُونَ]، أي تكثرون من الهذيان حتى تكونوا -وأنتم في سواد الليل لقلة احتشامكم لظهور ذاك عليكم- كأنكم مهجّرون، أي: مبادون به غير مسايرين له، كالذي يهجّر في مسيره، أي: يسير في الهاجرة، فهذا كقولك لصاحبك: أنت مساترا معلن، وأنت محسنا مسيءٌ، أي: أنت في حال مساترتك معلن، وأنت في حال إحسانك عندي مسيء- لكان وجها). [المحتسب: 2/97]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({مستكبرين به سامرا تهجرون} 68
قرأ نافع {سامرا تهجرون} بضم التّاء وكسر الجيم من أهجر يهجر إذا هذى فمعنى تهجرون أي تهذون وقالوا أهجر المريض إذا تكلم بما لا يفهم فكان الكفّار إذا سمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه تكلموا بالفحش وسبوا النّبي صلى الله عليه فقال جلّ وعز {مستكبرين به} أي بالقرآن أي يحدث لكم بتلاوته عليكم استكبارا {سامرا تهجرون} قال ابن عبّاس تأتون بالهجر والهذيان وما لا خير فيه وفي الحديث في زيارة القبور
زوروها ولا تقولوا هجرا ويجوز أن تكون الهاء للبيت العتيق سامر وجمعه سمار وهم الّذين يتحدثون باللّيل في السمر والسمر ظلّ القمر
وقرأ الباقون بفتح التّاء المعنى أنكم تهجرون النّبي صلى الله عليه وآياتي وما يتلى عليكم من كتابي فشبه الله تعالى من ترك القرآن والعمل به كالهاجر لرشده). [حجة القراءات: 489]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {تهجرون} قرأه نافع بضم التاء، وكسر الجيم، وقرأ الباقون بفتح التاء، وضم الجيم.
وحجة من ضم الجيم أنه جعله من الهجر، وهو الهذيان وما لا خير فيه من الكلام.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/129]
13- وحجة من فتح التاء أنه جعله من الهجر، أي: تهجرون آيات الله، فلا تؤمنون بها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/130]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {سَامِرًا تُهْجِرُونَ} [آية/ 67] بضم التاء وكسر الجيم:
قرأها نافع وحده.
والوجه أنه من الهُجْرِ بضم الهاء، وهو الكلام الذي لا خير فيه، يقال: أهجر، إذا أتى بالهُجر، والمعنى: تأتون بالهذيان وبما لا طائل فيه من الكلام.
وقرأ الباقون {تَهْجُرُونَ} بفتح التاء وضم الجيم.
والوجه أن المراد أنكم كنتم تهجرون آياتي وما يتلى عليكم من القرآن، فتُعرِضون عن سماعها والإيمان بها، وهو من الهَجر بفتح الهاء وهو القطيعة.
ويجوز أن يكون من الهُجر أيضًا، فقد يقال: هَجر في مرضه إذا هذى يهجُر). [الموضح: 897]
قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)}
قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)}
قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)}