سورة الإسراء
[ من الآية (90) إلى الآية (93) ]
{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) }
قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حتّى تفجر لنا من الأرض (90)
[معاني القراءات وعللها: 2/99]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (حتى تفجّر لنا من الأرض) بضم التاء وفتح الفاء وتشديد الجيم وكسرها، وقرأ الباقون (حتى تفجر) بفتح التاء وسكون الفاء خفيفة.
قال أبو منصور: من قرأ (تفجّر) فهو من تفجير الماء، وهو فتحه، وشق سكرة الأرض عنه حتى ينفجر ماء الينبوع انفجارًا.
ومن قرأ (تفجر) فهو من فجرت السكر أفجره، إذا بثقته وفتحته، والفجر: الشق، وبه سمّي الصبّح فجرا لاشتقاق ظلمة الليل عن نور الفجر إما ساطعا وإما مستطيرا). [معاني القراءات وعللها: 2/100]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} [90].
قرأ أهل الكوفة بالتخفيف، ومن فجر يفجر: إذا شق الأنهار.
والباقون {حتى تفجر} بالتشديد وحجتهم قوله: {وفجرنا خلالهما نهرا} أي: مرة بعد مرة وكقوله: {فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا} [91] والتفجير لا يكون إلا من فجر، كما أن التكليم من كلم.
وقوله: {ينبوعا} يفعول من نبع الماء ينبع وينبع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/382]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضم التاء والتشديد وفتحها والتخفيف من قوله: حتى تفجر لنا [الإسراء/ 90].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (حتى تفجّر لنا) بضم التاء وفتح الفاء وتشديد الجيم مع الكسرة.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي حتى تفجر بفتح التاء وتسكين الفاء وضم الجيم مع التخفيف.
وجه قول من ثقل: أنهم أرادوا كثرة الانفجار من الينبوع، وهو وإن كان واحدا فلتكرر الانفجار فيه يحسن أن يثقل كما تقول: ضرب زيد إذا أكثر الضرب، فيكثر الفعل، وإن كان فاعله واحدا.
ووجه قول الكوفيين: تفجر، فلأن الينبوع واحد فلا يكون كقوله: (فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا) [الإسراء/ 91] لأن فجّرت الأنهار، مثل: غلّقت الأبواب، فلذلك اتفق الجميع على التثقيل في (تفجر). وتفجر يصلح للقليل والكثير، وتضعيف العين إنما يكون
[الحجة للقراء السبعة: 5/118]
للتكثير، وممّا يقوّي تفجر قوله: فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا [البقرة/ 60] وانفجر مطاوع فجرته). [الحجة للقراء السبعة: 5/119]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {حتّى تفجر لنا} بفتح التّاء وسكون الفاء وحجتهم قوله {ينبوعا} والينبوع واحد والتّشديد إنّما يكون للتكثير مرّة بعد مرّة فلا يحسن سعه فعل لما كان الينبوع واحدًا
[حجة القراءات: 409]
ويدل على هذا أنهم قرؤوا {فتفجر الأنهار} بالتّشديد لأنّها جماعة يكثر معها الفعل
وقرأ الباقون {حتّى تفجر لنا} بالتّشديد وحجتهم إجماع الجميع على التّشديد في قوله {وفجرنا خلالهما نهرا} والنّهر واحد كالينبوع فشددوا في فعل الواحد لتكرر الانفجار منه مرّة بعد مرّة). [حجة القراءات: 410]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {حتى تفجر} قرأ الكوفيون بفتح التاء والتخفيف، مع ضم الجيم، وقرأ الباقون بضم التاء والتشديد، مع كسر الجيم.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/50]
وحجة من شدد أنه حمله على المعنى، وذلك أنهم سألوه كثرة الانفجار من الينبوع، كأنه يتفجر مرة بعد مرة، فشدد ليدل التشديد على تكرير الفعل، وقد أجمعوا على التشديد في قوله: {فتفجر الأنهار} «الإسراء 91».
24- وحجة من خفف أنه حمله على اللفظ، وذلك أنه لما كان الينبوع الذي سألوه واحدًا خالف قوله: {فتفجر الأنهار} لكون الأنهار كثيرة، فوجب تخفيف الأول لما أتى بعد، من التوحيد، وتشديد الثاني لما أتى بعده من الكثرة، تقول: فجرت النهر وفجرت الأنهار، وقد أجمعوا على التخفيف في قوله: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا} «البقرة 60» و«انفجر» مطاوع «فجرته»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/51]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {حتَّى تَفْجُرَ} [آية/ 90] بفتح التاء وإسكان الفاء وضم الجيم وتخفيفها:
قرأها الكوفيون ويعقوب.
والوجه أنه لتقليل الفعل؛ لأن الينبوع واحدٌ، مع أن الفعل إذا كان مخففًا فقد يحتمل الكثرة كما يحتمل القلة، لكن المشدد يتعين للكثرة ويختص بها، وتخفيف الفعل ههنا للقلة، ويجوز أن يُراد به الكثرة على تكرر الانفجار.
وقرأ الباقون {تُفَجّرَ} مضمومة التاء، مفتوحة الفاء، مشددة الجيم مكسورتها.
والوجه أن الفعل المشدد يختص الكثير من الفعل، والمراد بالكثرة ههنا كثرة انفجار الماء من الينبوع، فلتكرر الانفجار حسن التفعيل وإن كان الينبوع واحدًا). [الموضح: 767]
قوله تعالى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)}
قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا (92)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي والحضرمي (كسفًا) في جميع القرآن بسكون السين، إلا في الروم فإنهم قرأوا (كسفًا) متحركة السين.
وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم ها هنا (كسفًا) مثقلة)، وكذلك في الروم، وسائر القرآن مخففا.
[معاني القراءات وعللها: 2/100]
وقرأ حفص (كسفًا) بالتثقيل في كل القرآن، إلا في (والطور) (وإن يروا كسفًا) خفف هذا وحده.
وقرأ ابن عامر ههنا " كسفًا " مثقلا، وخفف الباقي في جميع القرآن.
قال أبو منصور: من قرأ (كسفًا) جعلها جمع كسفة، وهي: القطعة.
ومن قرأ (كسفًا) فإنه يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون جمع كسفة، كما يقال: عشبة وعشب، وتمرة وتمر. والوجه الثاني: أن يكون الكسف واحدًا، ويجمع على (كسفًا).
وقال الزجاج: من قرأ (كسفًا) بسكون السين فكأنه قال: أو تسقطها طبقًا علينا.
قال: واشتقاقه من كسفت الشيء، إذا غطيته، ويقال: كسفت الشمس النجوم، إذا غطت نورها). [معاني القراءات وعللها: 2/101]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (22- وقوله تعالى: {كسفا} [92].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي {كسفا} بالسكون في كل القرآن إلا في (الروم) فإنهم ثقلوا، وزاد نافع وعاصم في رواية ابي بكر في (بني إسرائيل) الثقيل.
وقرأ ابن عامر في (بني إسرائيل) محركًا وأسكن الباقي وروى حفص
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/382]
بإسكان الذي في (الطور) وتثقيل ما عدا ذلك، فمن قال: كسفًا جعله جمع كسفةٍ مثل قطعة وقطع، ومن قال: كسفًا فيكون جمع كسفةٍ مثل تمرة وتمرٍ وبُسرة وبُسرٍ.
قال أبو عبيد وغيره: يكون مصدرًا إذا سكنت.
وحدثني ابن مجاهد قال: حدثنا محمد بن هارون عن الفراء قال: رأيت أعرابيًا في طريق مكة يسأل بزازًا فقال: أعطني كسفة أرقع بها قميصي). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/383]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح السين وإسكانها من قوله: كسفا [الإسراء/ 92].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (كسفا) [ساكنة] في كلّ القرآن إلا في الروم [48] فإنهم قرءوا كسفا متحركة.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: علينا كسفا متحركة هاهنا وفي الروم كسفا متحركة السين أيضا وسائر القرآن (كسفا) في الشعراء [187] وفي سبأ [9] والطور [44].
وروى حفص عن عاصم أنه يقرأ كسفا في كل القرآن إلّا في والطور، فإنه قرأ وإن يروا كسفا. السين ساكنة هذه وحدها خفيفة.
وقرأ ابن عامر غير ذلك كلّه: قرأ في بني إسرائيل بفتح السين، وفي سائر القرآن (كسفا) ساكنة السين.
قال أبو زيد: قالوا كسفت الثوب أكسفه كسفا إذا قطعته قطعا، والكسف: القطع، الواحدة قطعة، وكسفه، وقال أبو عبيدة: كسفا: قطعا. ومن جعله جمع كسفة قال: كسفا، مثل قطعة وقطع.
قال أبو علي: إذا كان المصدر: الكسف، فالكسف الشيء المقطوع، كالطّحن، والطّحن، والسّقي والسّقي ونحوه. ويجوز أن يكون الكسف جمع كسفة، مثل سدرة وسدر، فإذا كان كذلك جاز أن يكون قول ابن كثير ومن اتبعه: (أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفا)
[الحجة للقراء السبعة: 5/119]
أي: ذات قطع، وذلك أنّه أسقط فعل لا يتعدى إلّا إلى مفعول واحد، فإذا كان كذلك وجب أن ينتصب كسفا على الحال، والحال ذو الحال في المعنى، فإذا كان كذلك وجب أن يكون الكسف هو السماء، فيصير المعنى: أو تسقط السماء علينا مقطعة أو قطعا، وإنما قرءوا في الروم في قوله: الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا متحركة السين، لأن السحاب يكون قطعا، وإنّما يتضامّ عن تفرّق، فأمّا قوله: من خلاله [النور/ 43] فالذّكر يرجع إلى السحاب، وأما قراءة نافع وعاصم في رواية أبي بكر: (علينا كسفا) هاهنا، وفي الروم فقد مضى ما جاء من ذلك في الروم، وفي بني إسرائيل كذلك، لأن المعنى: تسقط السماء علينا كسفا، أي: قطعا، وكسف في جمع كسفة مثل: سدرة وسدر، وكسف على هذا يجوز أن يكون مثل: سدرة وسدر، ودرّة ودرر. وإذا لم يكن المعنى في بني إسرائيل: تسقط السماء علينا قطعة، وإنما المعنى تسقطها قطعا، كان التقدير ذات كسف.
فأما ما في الشعراء من قوله: فأسقط علينا كسفا فتقديره: قطعا، وهذا يقوي قراءة نافع وعاصم في إحدى الروايتين كسفا في بني إسرائيل. وفي الشعراء يتبين في اللفظ أيضا على أنه يراد به القطع وهو قوله: من السماء فكأنه دلّ على بعض السماء، وعلى قطع منها. وأما ما في سبأ من قوله: أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء فكما أن المعنى في قوله: إن نشأ نخسف بهم الأرض التي يتقلبون فيها ويتصرّفون في بلادهم ومساكنهم، وكذلك نسقط عليهم من السماء ما أظلّهم منها دون سائر السماء فهو واحد. وأمّا ما في
[الحجة للقراء السبعة: 5/120]
الطور من قوله: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا فقد أبان قوله: (ساقطا) والتذكير فيه أنه مفرد ليس بجمع، وإن كان جمعا فهو على حدّ شعيرة وشعير.
وما رواه حفص عن عاصم أنه قرأ كسفا في كلّ القرآن إلا في الطور، فقد ذكرنا وجه الجميع فيه، فيما مرّ وخصّ هذا الذي في الطور لوصفه بالواحد المذكر. وأما قراءة ابن عامر ما في بني إسرائيل كسفا بفتح السين فإن المعنى: أو تسقط السماء قطعا، وقرأ ما عدا التي في بني إسرائيل كسفا، فوجه ذلك: أن الذي في الطور قد مضى وجهه، وفي الشعراء كأنه قال: أسقط علينا قطعة من السماء، فاقترحوا إسقاط قطعة منها، ولم يقترحوا إسقاط جميعها، وكذلك في سبأ: أو تسقط عليهم كسفا من السماء أي: قطعة منها مظلّة لأرضهم دون سائرها، وأما قوله: الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا [الروم/ 48] أي: يجعل ما يلتئم ويجتمع من السحاب قطعة قطعة، فتمطر، فكأنه اعتبر ما يؤول إليه حال السحاب من الالتئام والاجتماع، كما اعتبر من قرأه كسفا حاله قبل، وكلتا القراءتين مذهب). [الحجة للقراء السبعة: 5/121]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفا}
قرأ نافع وابن عامر وعاصم {كسفا} متحركة السّين قال أبو عبيد كسفا متحركة السّين جمع كسفة مثل قطعة وقطع وكسرة وكسر
وقرأ الباقون {كسفا} ساكنة السّين جمع كسفة كما تقول بسرة وبسر الفرق بين الواحد والجمع طرح الهاء وليس بجمع تكسير). [حجة القراءات: 410]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {علينا كسفًا} قرأ نافع وعاصم وابن عامر بفتح السين وأسكن الباقون، وتفرّد حفص بفتح السين في الشعراء وسبأ، وتفرّد ابن عامر بإسكان السين في سورة الروم.
وحجة من فتح أنه جعله جمع «كسفة» والكسفة القطعة، و«الكَسف» بالفتح المصدر، و«الكسْف» الاسم كالطَحن والطَحن، فالمعن: أو تسقط السماء علينا قطعًا، أي قطعة بعد قطعة.
26- وحجة من أسكن أنه جعله اسمًا مفردًا كالطحن اسم الدقيق، فيكون المعنى: أو تسقط السماء علينا قطعة واحدة تظللنا، ويجوز أن يكون الكسْف بالإسكان جمع كسفة، كتمرة وتمر، فيكون في المعنى كقراءة من فتح بمعنى: قطعا، ونصب «كسفا» على الحال من السماء، إذ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/51]
لا يتعدى بـ {تسقط} فالمعنى: أو تسقط السماء علينا مقطعة أو قطعا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/52]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {كِسَفًا} [آية/ 92] بفتح السين:
قرأها نافعٌ وعاصم –ياش- وكذلك في الروم، وفي باقي القرآن بإسكان السين، وروى –ص- عن عاصم {كِسَفًا} محركة في كل القرآن إلا في الطور {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا} فإنه خففها.
وقرأ ابن عامر في بني إسرائيل {كِسَفًا} محركة السين، وفي سائر القرآن بالتسكين.
[الموضح: 767]
والوجه في كسفٍ بفتح السين أنه جمع كسفةٍ وهي القطعة، وكسفٌ مثل قطع، يقال كسفت الثوب كسفًا قطعته.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في الروم {كِسَفًا} محركة، وفي سائر القرآن {كِسْفًا} ساكنة السين.
والوجه في التسكين أنه اسمٌ للشيء المقطوع، يقال كسفت الشيء كسفًا بالفتح، وهذا كسفٌ بالكسر أي مقطوعٌ كالطحن بمعنى المطحون.
ويجوز أن يكون كسفٌ جمع كسفة كسدر جمع سدرةٍ.
وأما في الطور من قوله {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا} فقد ظهر أنه واحدٌ لقوله {سَاقِطًا} ). [الموضح: 768]
قوله تعالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل سبحان ربّي (93) قرأ ابن كثير وابن عامر (قال سبحان ربّي) بالألف، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة وأهل الشام.
وقرأ الباقون (قل سبحان ربّي) بغير ألف.
قال أبو منصور: من قرأ (قال) بلفظ الماضي، فهو خبر عن من قاله.
ومن قرأ (قل) فهو أمر للنبي صلى الله عليه، كأنه قال: قل يا محمد). [معاني القراءات وعللها: 2/101]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله تعالى: {قل سبحان ربي} [93].
قرأ ابن كثير وابن عامر {قال سبحان} على الخبر، وكذلك في مصحف أهل مكة والشام.
والباقون على الأمر، قل يا محمد: تنزيهًا لله مما ادعاه هؤلاء الكفرة من أن لله ولدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/383]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جل وعز: قل سبحان ربي [الإسراء/ 93] في ضم القاف وإسقاط الألف.
فقرأ ابن كثير وابن عامر: (قال سبحان ربي)، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والشام.
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو، وحمزة والكسائي: قل سبحان ربي بغير ألف.
[الحجة للقراء السبعة: 5/121]
وجه من قرأ: (قال سبحان ربي) أنّ الرسول، عليه السلام، قال عند اقتراحهم هذه الأشياء التي ليس في طاقة البشر أن يفعله، ويأتي به سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا، كقوله: إنما أنا بشر مثلكم [الكهف/ 110] وهذه الأشياء ليس في قوى البشر أن يأتوا بها، وإنما يظهرها الله، جلّ وعز، في أزمان الأنبياء علما لتصديقهم وليفصلهم بها من المتنبّئين. (وقل) على الأمر له بأن يقول ذلك.
ويقوّي ذلك قوله: قل إنما أنا بشر مثلكم ونحو ذلك مما يجيء على لفظ الأمر دون الخبر). [الحجة للقراء السبعة: 5/122]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل سبحان ربّي هل كنت إلّا بشرا رسولا}
قرأ ابن كثير وابن عامر (قال سبحان ربّي) على الخبر وحجتهما أن الرّسول صلى الله عليه قال عند اقتراحهم هذه الأشياء الّتي ليست في طاقة البشر أن يفعها فقال {سبحان ربّي هل كنت إلّا بشرا رسولا}
وقرأ الباقون {قل} على الأمر وحجتهم ما تقدم من المخاطبة
[حجة القراءات: 410]
للنّبي صلى الله عليه {وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا} {أو يكون لك} 90 و93 كذا إلى أن قال الله له {قل سبحان ربّي هل كنت إلّا بشرا رسولا} ويقوّي هذا ما بعده {قل لو كان في الأرض ملائكة} و{قل كفى باللّه شهيدا} ). [حجة القراءات: 411]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (27- قوله: {قل سبحان} قرأ ابن كثير وابن عامر بألف على الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم عما قال لهم، وقرأ الباقون {قل} على الأمر له أن يقول ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/52]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي} [آية/ 93] بالألف:
قرأها ابن كثير وابن عامر.
والوجه أنه على الإخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال عند اقتراحهم أشياء ليست مقدورة للبشر {هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}، وهذه الأشياء ليست في طوق
[الموضح: 768]
البشر، وإنما يظهرها الله تعالى على من كان نبيًّا دليلًا على صدقه، وكان قد أظهر على محمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات ما دل على صدقه، فلم يكن لهم بعدها اقتراح الآيات.
وقرأ الباقون {قُلْ} على الأمر.
والوجه أنه عليه السلام أُمر بأن يقول ذلك لهم، كما قال تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} ). [الموضح: 769]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين