قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (هنالك تبلو كلّ نفسٍ (30)
قرأ حمزة والكسائي (تتلوا) بالتاء، وقرأ الباقون (تبلوا) بالباء.
[معاني القراءات وعللها: 2/43]
قال أبو منصور: أما قوله (هنالك) فهو ظرف، والمعنى في ذلك الوقت، وهو منصرف ب (تبلوا)، إلا أنه غير متمكن، واللام زائدة، والأصل: (هناك) فكسرت اللام لسكونها وسكون الألف، والكاف للمخاطبة.
فمن قرأ (تبلوا) فمعناه: تخبر، أي: تعلم كل نفس ما قدّمت.
ومن قرأ (تتلوا) بتاءين فهو من التلاوة، أي: تقرأ كل نفس، ودليل ذلك قوله: (اقرأ كتابك).
وقال بعض المفسرين في قوله: (تتلو): تتبع كل نفس ما أسلفت، أي: قدمت من خير أو شر). [معاني القراءات وعللها: 2/44]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت} [30].
قرأ حمزة والكسائي بالتاء {تتلوا} من التلاوة.
وقرأ الباقون بالباء، وحجتهم: {يوم تبلى السرائر} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/267]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والباء من قوله [جلّ وعزّ]: هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت [يونس/ 30].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: تبلو بالباء.
وقرأ حمزة والكسائي: تتلو بالتاء.
قال أبو علي: أمّا من قال: تبلو فمعناه: تختبر من قوله سبحانه: وبلوناهم بالحسنات والسيئات [الأعراف/ 168] أي: اختبرناهم، ومنه قولهم: البلاء ثم الثناء. أي: الاختبار للمثني عليه، ينبغي أن يكون قبل الثناء، ليكون الثناء عن علم بما يوجبه. ومعنى اختبارها ما أسلفت: أنّه إن قدّم خيرا أو شرا جوزي عليه، كما قال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة/ 7 - 8]، وقوله: من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها [فصلت/ 46] ونحوها من الآية التي تدلّ على هذا المعنى.
ومن قال: تتلو فإنّه يكون من التلاوة التي هي القراءة،
[الحجة للقراء السبعة: 4/271]
ودليله قوله: أولئك يقرؤون كتابهم [الإسراء/ 71]، وقوله: اقرأ كتابك [الإسراء/ 14]، وقوله: ورسلنا لديهم يكتبون [الزخرف/ 80]، وقوله: ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [الكهف/ 49]، فإنّما يتلون ذكر ما كانوا قدّموه من صالح أعمالهم وسيّئها مما أحصاه الله ونسوه، فيكون: تتلو: تتبع. من قولهم: تلا بعد الفريضة: إذا أتبعها النفل.
قال:
على ظهر عاديّ كأنّ أرومه... رجال يتلوّن الصّلاة قيام
فيكون المعنى في: تتلو كل نفس: تتبع كلّ نفس ما أسلفت من حسنة وسيّئة، فمن أحسن جوزي بالحسنات، ومن أساء جوزي به، فيكون على هذا في المعنى كمن قرأ:
تبلو بالباء). [الحجة للقراء السبعة: 4/272]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت}
قرأ حمزة والكسائيّ (هنالك تتلو) بالتّاء قال الأخفش تتلو من التّلاوة أي تقرأ كل نفس ما أسلفت وحجته قوله {اقرأ كتابك} وقال آخرون {تتلو} أي تتبع كل نفس ما أسلفت
وقرأ الباقون {تبلو} بالباء أي تخبر وتعاين ومعنى تخبر تعلم كل نفس ما قدمت من حسنة أو سيّئة). [حجة القراءات: 331]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {هنالك تبلوا} قرأه حمزة والكسائي بتاءين، جعلاه من «التلاوة» منهم لأعمالهم، وهي القراءة لها من كتاب أعمالهم، فهم يقرؤونها يوم القيامة، دليله قوله: {فأولئك يقرءون كتابهم} «الإسراء 71» وقوله: {اقرأ كتابك} «الإسراء 14» وقوله: {ما لهذا الكتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} «الكهف 49» ويجوز أن يكون «تتلو» من «تبع يتبع» فيكون المعنى: هنالك تتبع كل نفس ما أسلفت من عمل، وقرأ الباقون «تبلو» بالباء من «الابتداء»، وهو الاختيار، أي: هنالك تختبر كل نفس ما أسلفت لها من عمل، أي: تطلع عليه لتجزى به، وقد تقدمت الحجة في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/517]
«كلمات» والاختلاف فيها في الأنعام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/518]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {هُنَالِكَ تَتْلُوا} [آية/ 30] بتاءين:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه من التلاوة وهي القراءة، أي تقرأ كل نفس ذكر ما قدمته من صالح الأعمال وسيئها، فحذف المضاف وهو الذكر، ومثل هذا في المعنى قوله تعالى {فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ}.
ويجوز أن يكون {تَتْلُوا}: تتبع، أي تتبع كل نفس ما أسلفت، أي تعول على جزاء ما قدمت.
وقرأ الباقون {تَبْلُوا} بالباء.
[الموضح: 622]
والوجه أنه من البلاء وهو الاختبار، يقول تختبر كل نفس ما أسلف من خير أو شر، أي تلاقي جزاءه). [الموضح: 623]