عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 03:50 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون * أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون}
هذا ابتداء إنحاء على عبدة الأصنام المشركين بالله عز وجل غيره، بين الله تعالى لهم أنهم كسائر البشر في أنهم إذا مسهم ضر دعوا الله سبحانه، وتركوا الأصنام مطروحة، ولهم في ذلك الوقت إنابة وخضوع، فإذا أذاقهم رحمته، أي: باشرهم أمره بها، والذوق مستعار، إذا طائفة تشرك به أصناما ونحو هذا، و"إذا" للمفاجأة، فلذلك صلحت في جواب "إذا" الأولى، بمنزلة الفاء، وهذه الطائفة هي عبدة الأصنام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويلحق من هذه الألفاظ شيء للمؤمنين إذا جاءهم فرج بعد شدة، فعلقوا ذلك بمخلوق، أو بحذق آرائهم، وغير ذلك; لأن فيه قلة شكر لله تبارك وتعالى، ويسمى تشريكا مجازا). [المحرر الوجيز: 7/ 26]

تفسير قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "ليكفروا" اللام لام كي، وقالت فرقة: هي لام الأمر على جهة الوعيد والتهديد. وأما قوله تعالى: "فتمتعوا" فأمر على جهة الوعيد والتقرير، أي: قل لهم يا محمد: فتمتعوا.
وقرأ أبو العالية: "فيتمتعوا" بياء قبل التاء، وذلك عطف على "ليكفروا"، أي: لتطول أعمارهم على الكفر، وفي حرف ابن مسعود: "فليتمتعوا"، وروي عن أبي العالية: "فيمتعوا" بضم الياء دون تاء أولى، وفي مصحف ابن مسعود: "تمتعوا"، كذا قال هارون. وقرأ عامة الناس: "تعلمون" بالتاء على المخاطبة، وقرأ أبو العالية: "يعلمون" بالياء على ذكر الغائب). [المحرر الوجيز: 7/ 26]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "أم" بمعنى (بل) وألف الاستفهام، كأنه أضرب عن صدر الكلام ورجع إلى هذه الحجة. و"السلطان" هاهنا: البرهان، من رسول أو كتاب ونحوه، والسلطان في كلام العرب جمع سليط، كرغيف ورغفان، وغدير وغدران، فهو مأخوذ من التسلط والتغلب، ولزم هذا الاسم في العرب الرئيس; لأنه سليط بوجه الحق، وهو اسم جمع من حيث أنواع الغلبة والملك عنده، وقال قوم: هو اسم مفرد وزنه فعلان.
وقوله تعالى: {فهو يتكلم} معناه أن يظهر حجتهم، ويغلب مذهبهم، وينطق بشركهم، قاله قتادة، فيقوم ذلك مقام الكلام، كما قال تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق}). [المحرر الوجيز: 7/ 26-27]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون * أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون}
لما ذكر تعالى حالة الناس متى تأتيهم شدة وضر ونجوا منه إلى سعة، ذكر في هذه الآية الأمر أيضا من الطرف الآخر بأن ذكر الرحمة ثم تعقب الشدة، فلهم في الرتبة الأولى تضرع ثم إشراك، ولهم في الثانية فرح وبطر ثم قنوط ويأس، وكل أحد يأخذ من هذه الخلق بقسط، فمنهم المقل والمكثر، إلا من ربطت الشريعة على قلبه، وتأدب بأدب الله تعالى، فصبر عند الضراء، وشكر عند السراء، ولم يبطر عند النعمة، ولم يقنط عند الابتلاء. وقوله تعالى: {بما قدمت أيديهم}، أي إن الله يمتحن الأمم، ويصيب منهم عند فشو المعاصي وظهور المناكر، وكذلك قد يصاب شخص بسوء أعماله بشيء وحده، ويعفو الله عن كثير. والقنوط: اليأس، وقرأ أبو عمرو، وجماعة. "يقنطون" بكسر النون، وقرأ نافع، والحسن، وجماعة بفتحها.
وجواب الشرط في قوله: (إن تصبهم) قوله; "إذا هم"، وذلك أنها للمفاجأة لا يبتدأ بها; لأنها بمنزلة الفاء، ويجاب بها الشرط، وأما التي للشرط أو التي فيها معنى الشرط فيبتدأ بهما). [المحرر الوجيز: 7/ 27]

تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم ذكر تعالى الأمر الذي من اعتبره لم ييأس من روح الله تعالى على حال، وهو أن الله تبارك وتعالى يخص من يشاء من عباده ببسط الرزق، فينبغي لكل عبد أن يكون راجيا ما عند ربه).[المحرر الوجيز: 7/ 27]

تفسير قوله تعالى: {فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر تعالى نبيه أمرا تدخل الأمة فيه، وهذا على جهة الندب إلى إيتاء ذي القربى حقه من صلة المال وحسن المعاشرة ولين القول.
قال الحسن: حقه المواساة في اليسر، قال: ومعظم ما قصد أمر المعونة بالمال، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "في المال حق سوى الزكاة"، وذلك للمسكين وابن السبيل حق، وبين أن حق هذين إنما هو في المال وغير ذلك، وكذلك يلزم القريب المعدم الذي يقضي حقه أن يقضي أيضا حق قريبه في جودة العشرة، و"وجه الله" هنا جهة عبادته ورضاه، و"المفلحون": الفائزون ببغيتهم، البالغون لآمالهم). [المحرر الوجيز: 7/ 27-28]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون * الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون * ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}
قرأ الجمهور: "وما آتيتم" بمعنى: أعطيتم، وقرأ ابن كثير: "وما أتيتم" بغير مد، بمعنى: ما فعلتم، كما تقول: أتيت صوابا وأتيت خطأ، وأجمعوا على المد في قوله: "وما آتيتم من ربا". والربا: الزيادة.
واختلف المتأولون في معنى هذه الآية، فقال ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، وطاوس: هذه آية نزلت في هبات الثواب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه; كالسلام وغيره، فهو وإن كان لا إثم فيه، فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تبارك وتعالى.
وقال ابن عباس أيضا، وإبراهيم النخعي: نزلت في قوم يعطون قراباتهم وإخوانهم على معنى تمويلهم ونفعهم والتفضل عليهم، وليزيدوا في أموالهم على جهة النفع لهم، وقال الشعبي: معنى الآية أن ما خدم الإنسان به أحدا، وخف به لينتفع في دنياه، فإن ذلك النفع الذي يجزى به الخدمة فلا يربو عند الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله قريب جزء من التأويل. ويحتمل أن يكون معنى هذه الآية النهي عن الربا في التجارات. لما حض عز وجل على نفع ذوي القربى والمساكين وابن السبيل أعلم أن ما فعل المرء من ربا ليزداد به مالا - وفعله ذلك إنما هو في أموال الناس - فإن ذلك لا يربوا عند الله تعالى ولا يزكو، بل يتعلق فيه الإثم ومحق البركة، وما أعطى الإنسان من زكاة تنمية لماله وتطهيرا، يريد بذلك وجه الله تعالى، فذلك هو الذي يجازى به أضعافا مضاعفة على ما شاء الله تعالى له.
وقال السدي: نزلت هذه الآية في ربا ثقيف; لأنهم كانوا يعملون بالربا وتعمله فيهم قريش.
وقرأ جمهور القراء السبعة: "ليربو" بالياء وإسناد الفعل إلى الربا، وقرأ نافع وحده: "لتربوا" بضم التاء والواو ساكنة، بمعنى: تكونوا ذوي زيادات، وهذه قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وأهل المدينة، والحسن، وقتادة، وأبو رجاء، والشعبي. قال أبو حاتم: هي قراءتنا، وقرأ أبو مالك: "لتربوها" بضمير المؤنث، و"المضعف" الذي هو ذو أضعاف من التراث، كما المؤلف الذي له آلاف، وكما تقول: أخصب إذا كان ذا خصب، وهذا كثير، ومنه أربى المتقدم في قراءة من قرأ: "لتربوا" بضم التاء). [المحرر الوجيز: 7/ 28-29]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم كرر مخاطبة الكفرة في أمر أوثانهم، فذكر أفعال الله تعالى التي لا شريك له فيها، وهي الخلق والرزق والإماتة والإحياء، ولا يمكن أن ينكر ذلك عاقل، ووقف الكفار - على جهة التقرير والتوبيخ - (هل من شركائهم) أي: الذين جعلوهم شركاء، من يفعل شيئا من ذلك؟ وهذا الترتيب بـ"ثم" هو في الإيجاد شيئا بعد شيء، ومن هنا أدخل الفقهاء الولد مع أبيه في تعقب الأجناس إذا كان اللفظ: "على أعقابهم، ثم على أعقاب أعقابهم". ثم نزه تبارك وتعالى نفسه عن مقالتهم في الإشراك. وقرأ الجمهور: "يشركون" بالياء من تحت، وقرأ الأعمش، وابن وثاب بالتاء من فوق). [المحرر الوجيز: 7/ 29]

رد مع اقتباس