تفاسير القرن الثامن الهجري
تفسير قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {وتركنا بعضهم [يومئذٍ يموج في بعضٍ]} أي: النّاس يومئذ أي: يوم يدكّ هذا السّدّ ويخرج هؤلاء فيموجون في النّاس ويفسدون على النّاس أموالهم ويتلفون أشياءهم، وهكذا قال السّدّيّ في قوله: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ} قال: ذاك حين يخرجون على النّاس. وهذا كلّه قبل يوم القيامة وبعد الدّجّال، كما سيأتي بيانه [إن شاء اللّه تعالى] عند قوله: {حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدبٍ ينسلون * واقترب الوعد الحقّ} [الأنبيا: 96، 97] وهكذا قال هاهنا: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ ونفخ في الصّور فجمعناهم جمعًا} قال ابن زيدٍ في قوله: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ} قال: هذا أوّل يوم القيامة، {ونفخ في الصّور} على أثر ذلك {فجمعناهم جمعًا}.
وقال آخرون: بل المراد بقوله: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ} أي: يوم القيامة يختلط الإنس والجنّ.
وروى ابن جريرٍ، عن محمّد بن حميدٍ، عن يعقوب القمّيّ عن هارون بن عنترة، عن شيخٍ من بني فزارة في قوله: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ} قال: إذا ماج الإنس والجنّ قال إبليس: أنا أعلم لكم علم هذا الأمر. فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد بطّنوا الأرض، ثمّ يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة بطّنوا الأرض فيقول: "ما من محيصٍ". ثمّ يظعن يمينًا وشمالًا إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة بطّنوا الأرض فيقول: "ما من محيصٍ" فبينما هو كذلك، إذ عرض له طريقٌ كالشّراك، فأخذ عليه هو وذرّيّته، فبينما هم عليه إذ هجموا على النّار، فأخرج اللّه خازنًا من خزّان النار، فقال: يا إبليس، ألم تكن لك المنزلة عند ربّك؟! ألم تكن في الجنان؟! فيقول: ليس هذا يوم عتابٍ، لو أنّ اللّه فرض عليّ فريضةً لعبدته فيها عبادةً لم يعبده مثلها أحدٌ من خلقه. فيقول: فإنّ اللّه قد فرض عليك فريضةً. فيقول: ما هي؟ فيقول: يأمرك أن تدخل النّار. فيتلكّأ عليه، فيقول به وبذرّيّته بجناحيه فيقذفهم في النّار. فتزفر النّار زفرةً لا يبقى ملكٌ مقرّبٌ ولا نبيٌّ مرسل إلّا جثا لركبتيه
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ من حديث يعقوب القمّيّ به. رواه من وجهٍ آخر عن يعقوب، عن هارون عن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ} قال: الجن الإنس، يموج بعضهم في بعضٍ.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن العبّاس الأصفهانيّ، حدّثنا أبو مسعودٍ أحمد بن الفرات، حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، حدّثنا المغيرة بن مسلمٍ، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابرٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ يأجوج ومأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لأفسدوا على النّاس معايشهم، ولن يموت منهم رجلٌ إلّا ترك من ذرّيّته ألفًا فصاعدًا، وإنّ من ورائهم ثلاث أممٍ: تاويل، وتايس ومنسك". هذا حديثٌ غريبٌ بل منكرٌ ضعيفٌ.
وروى النّسائيّ من حديث شعبة عن النّعمان بن سالمٍ، عن عمرو بن أوسٍ، عن أبيه، عن جدّه أوس بن أبي أوسٍ مرفوعًا: "إنّ يأجوج ومأجوج لهم نساءٌ، يجامعون ما شاؤوا، وشجر يلقحون ما شاؤوا، ولا يموت منهم رجلٌ إلّا ترك من ذرّيّته ألفًا فصاعدًا"
وقوله: {ونفخ في الصّور}: والصّور كما جاء في الحديث: "قرنٌ ينفخ" فيه والّذي ينفخ فيه إسرافيل، عليه السّلام، كما قد تقدّم في الحديث بطوله، والأحاديث فيه كثيرةٌ.
وفي الحديث عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ وأبي سعيدٍ مرفوعًا: "كيف أنعم، وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته واستمع متى يؤمر". قالوا: كيف نقول؟ قال: "قولوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل، على اللّه توكّلنا"
وقوله {فجمعناهم جمعًا} أي: أحضرنا الجميع للحساب {قل إنّ الأوّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يومٍ معلومٍ} [الواقعة: 49، 50]، {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا} [الكهف: 47]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 199-200]
تفسير قوله تعالى: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وعرضنا جهنّم يومئذٍ للكافرين عرضًا (100) الّذين كانت أعينهم في غطاءٍ عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعًا (101) أفحسب الّذين كفروا أن يتّخذوا عبادي من دوني أولياء إنّا أعتدنا جهنّم للكافرين نزلًا (102)}
يقول تعالى مخبرًا عمّا يفعله بالكفّار يوم القيامة: إنّه يعرض عليهم جهنّم، أي: يبرزها لهم ويظهرها، ليروا ما فيها من العذاب والنّكال قبل دخولها، ليكون ذلك أبلغ في تعجيل الهمّ والحزن لهم.
وفي صحيح مسلمٍ، عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يؤتى بجهنّم تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام، مع كلّ زمامٍ سبعون ألف ملكٍ [يجرّونها]
ثمّ قال مخبرًا عنهم: {الّذين كانت أعينهم في غطاءٍ عن ذكري} أي: تعاموا وتغافلوا وتصامّوا عن قبول الهدى واتّباع الحقّ، كما قال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ} [الزّخرف: 36] وقال هاهنا: {وكانوا لا يستطيعون سمعًا} أي: لا يعقلون عن اللّه أمره ونهيه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 201]
تفسير قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال {أفحسب الّذين كفروا أن يتّخذوا عبادي من دوني أولياء} أي: اعتقدوا أنّهم يصحّ لهم ذلك، وينتفعون بذلك؟ {كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًّا} [مريم: 82]؛ ولهذا أخبر أنّه قد أعدّ لهم جهنّم يوم القيامة منزلًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 201]