مسائل في التفسير النبوي
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مسائل في التفسير النبوي
ومما ينبغي أن يعلم أن التفسير النبوي قد يكون فيه تنبيه على بعض أفراد العام، وإلحاق النظير بنظيره، أو التنبيه لما هو أولى منه بالحكم، ولذلك أمثلة منها:
1. تفسير الغاسق بالقمر في حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأراني القمر حين طلع ؛ فقال: «تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب». رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى.
وهذا تنبيه على شرّ لغاسق من جملة الغواسق قد يُغفل عنه، واسم الغاسق أعمّ من ذلك.
قال ابن جرير: (الليلُ إذا دخل في ظلامه: غاسق، والنجم إذا أفل: غاسق، والقمر: غاسق إذا وقب، ولم يخصِّص بعضَ ذلك، بل عمَّ الأمرَ بذلك؛ فكلُّ غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب) ا.هـ.
2. وتفسير المسجد الذي أسس على التقوى بأنه مسجده صلى الله عليه وسلم، مع أن سياق الآية في مسجد قباء، ففي الصحيحين من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله، أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟
قال: فأخذ كفا من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: «هو مسجدكم هذا» لمسجد المدينة).
وفي صحيح البخاري من حديث الزهري عن عروة في خبر قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: (فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة).
وبنو عمرو بن عوف هم أهل قباء.
وقد روى سعيد بن منصور عن عمار الدهني أنه قال: دخلت مسجد قباء أصلي فيه، فالتفتُّ عن يميني فأبصرني أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ فقال: (أحببتَ أن تصلي في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم؟).
وأبو سلمة هو راوي الحديث المتقدّم في أن المسجد الذي أسس على التقوى هو المسجد النبوي ، لكن هذا محمول على أنه للتنبيه على أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهذه الفضيلة من مسجد قباء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (قد ثبت عنه في الصحيحين أنه كان يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا، وذلك أن الله أنزل عليه: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} وكان مسجده هو الأحق بهذا الوصف، وقد ثبت في الصحيح أنه سئل عن المسجد المؤسس على التقوى؛ فقال: « هو مسجدي هذا » يريد أنه أكمل في هذا الوصف من مسجد قباء، ومسجد قباء أيضا أسس على التقوى، وبسببه نزلت الآية).
وقال أيضاً: (فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يظن ظان أن ذاك هو الذي أسس على التقوى دون مسجده فذكر أن مسجده أحق بأن يكون هو المؤسس على التقوى فقوله: {لمسجد أسس على التقوى} يتناول مسجده ومسجد قباء ويتناول كل مسجد أسس على التقوى بخلاف مساجد الضرار).
وقال أيضاً: (ثبت في الصحيح عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكبًا وماشيًا، كان يقوم في مسجده يوم الجمعة، ويقوم في قباء يوم السبت؛ لقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} وهذا يتناول مسجده، ومسجدَ قباء، ومسجدُه أحق بذلك من مسجد قباء، كما ثبت في الصحيح أنه سُئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» أي: هو أحق بهذا الوصف من غيره، كما قال لأهل الكساء: علي، وفاطمة، وحسن، وحسين: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» أي: هم أحق بذلك من غيرهم، والحصر يكون حصرًا للكمال كما تقول: عبد الله العالم، وإلا فالقرآن يدلّ على أن مسجد قباء أسس على التقوى، وعلى أن أزواجه من أهل بيته)ا.هـ). [طرق التفسير:40 - 42]