أنواع السنة
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أنواع السنة
والسنة مبيّنة للقرآن، وشارحة له، وهي على ثلاثة أنواع: قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله، وإقراره، وكلّ ما أفهمَ بيانَ مرادِ اللهِ عز وجلّ في كتابه من ذلك بنصّ صريح فهو تفسير نبويٌّ للقرآن.
فمثال التفسير القولي: قول النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال: «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار» رواه الترمذي
من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأصله في الصحيحين.
- ومن أمثلته أيضاً ما رواه معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قيل لبني إسرائيل: {ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم} فبدلوا، فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة» رواه البخاري ومسلم.
ورواه الترمذي أيضاً ولفظه: (قال: "دخلوا متزحفين على أوراكهم" أي منحرفين).
قال الترمذي:(وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} قال: قالوا: حبة في شعرة).
والتفسير العملي له أمثلة كثيرة:
- منها: تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى إقامة الصلاة المأمور بها في قول الله تعالى: {وأقيموا الصلاة} وقوله: {أقم الصلاة} بأدائه للصلاة أداءً بيّن فيه أركانها وواجباتها وشروطها وآدابها، وقال لأصحابه: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
- ومنها: تفسيره صلى الله عليه وسلم لمعنى إتمام الحجّ المأمور به في قوله تعالى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة لله} بأدائه لمناسك الحج على الوجه الذي رضيه الله تعالى، وأمر أصحابه أن يأخذوا عنه مناسكهم.
- وكذلك كثير من العبادات والمعاملات التي ورد الأمر بها في القرآن فإنّ هدي النبي صلى الله عليه وسلم تفسير عملي لمراد الله تعالى بها.
ومثال التفسير بالإقرار:
- إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما نزل قول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} في شأن رجلٍ أذنب ذنباً.
فقال الرجل: يا رسول الله، أهي في خاصة، أو في الناس عامة؟
فقال عمر: (لا، ولا نعمة عين لك، بل هي للناس عامة).
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «صدق عمر» والحديث في مسند الإمام أحمد من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس عن عمر.
- وإقراره لعمرو بن العاص لما تيمم من الجنابة في شدة البرد؛ كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داوود من حديث عمران بن أبي أويس عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل؛ فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا).
وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن واجب القبول بالشروط المعتبرة لقبول الحديث وهي صحة الإسناد، وسلامة الحديث من الشذوذ والعلة القادحة.
فإذا صحّ التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز لأحد مخالفته.
والسنة لا تعارض القرآن أبداً، ومَن توهّم التعارض فهو لخطئه في فهم الآية، أو فهم الحديث، أو أنّ الحديث غير صحيح أو أنّ أحدهما منسوخ.
قال ابن القيم رحمه الله: (السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه؛ فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها.
الثاني: أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له.
الثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه.
ولا تخرج عن هذه الأقسام؛ فلا تعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم، تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، بل هو امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله)ا.ه)ـ. [طرق التفسير:30 - 33]