معنى {ربّ العالمين}
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (معنى {ربّ العالمين}
وربوبيّة الله تعالى للعالمين ربوبيّة عامّة على ما تقدّم بيانه من معاني الربوبية.
- فهو تعالى {ربّ العالمين} الذي خلق العوالم كلَّها كبيرها وصغيرها على كثرتها وتنوعها وتعاقب أجيالها.
وفي هذه العوالم أممٌ لا يحصيها إلا من خلقها، وفي كل مخلوق من هذه المخلوقات دقائق وعجائب في تفاصيل خلقه تبهر العقول، أنشأها {ربّ العالمين} من العدم على غير مثال سابق؛ فيستدل المتفكّر في شأنها بما تبيَّن له من تلك العجائب على حكمة خالقها جل وعلا وسعة علمه، وعظيم قدرته، فتبارك الله رب العالمين.
- وهو ربُّ العالمين المالك لكلِّ تلك العوالم فلا يخرج شيء منها عن ملكه، وهو الذي يملك بقاءها وفناءها، وحركاتها وسكناتها، فيبقيها متى شاء، ويفنيها إذا شاء، ويعيدها إذا شاء.
- وهو ربّ العالمين الذي دبَّر أمرها، وسيّر نظامها، وقدّر أقدارها، وساق أرزاقها، وأعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى.
- وهو ربّ العالمين الذي له الملك المطلق والتصرّف التامّ، فما يقضيه فيها نافذ لا مردّ له، وما يريد به أحدا من خلقه من نفع أو ضرّ فلا حائل بينه وبينه، بل لا تملك جميع المخلوقات لنفسها نفعاً ولا ضراً إلا بإذنه جل وعلا.
- وهو ربّ العالمين الذي لا غنى للعالمين عنه، ولا صلاح لشؤونهم إلا به، كلّ نعمة ينعمون بها فإنما هي من فضله وعطائه، وكلّ سلامة من شرّ وضرٍّ فإنما هي بحفظه ورعايته وإذنه، فهم الفقراء إليه فقراً دائماً متّصلاً، وهو الغنّي الحميد.
- وهو ربّ العالمين الذي دلّت ربوبيّته للعالمين على كثير من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فلا يرتاب الموفَّق في بديع خلقه، وعجائب حكمته، وسَعَة مُلْكه، وشدّة قوّته، وتمام غناه، وعظمة مجده، وإحاطته بكل شيء، وقدرته على كلّ شيء، إلى غير ذلك من الصفات التي يدلّ عليها التفكّر في خلق الله تعالى وربوبيّته للعالمين.
- وهو تعالى {ربّ العالمين} المستحقّ لأن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن لا يجعلوا معه إلهاً آخر، كما أنهم لم يكن لهم ربٌّ سواه، ولهذا قال تعالى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}؛ فاحتجّ على توحيد العبادة باسم الربوبية.
والمقصود أنّ تأمُّلَ معاني الربوبية والتفكر في آثارها في الخلق والأمر يورث اليقين بوجوب التوحيد، وأنَّ العالم لا صلاح له إلا بأن يكون ربه واحدا، كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} وقال: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}). [تفسير سورة الفاتحة:159 - 160]