وصية:
من مقاصد دراسة سير أعلام المفسرين من الصحابة أن يتبصّر طالب علم التفسير بأحوال الطبقة العليا من أئمة المفسرين، وأن يعرف قدراً صالحاً من سيرهم وأخبارهم وآثارهم وطرقهم في تعلّم التفسير وتعليمه، وحرصهم على الاهتداء بهدى القرآن، وأخذه بقوّة، وحسن التذكير بالقرآن، وإفادة طلاب العلم والعامّة بما فقهوه من معاني كلام الله تعالى.
وأن يتبيّن الآثار السلوكية لما تعلّمه الصحابة رضي الله عنهم من معاني القرآن، وكيف كان هذا العلم حياة لقلوبهم ونوراً لدروبهم، وعُدّة لهم في الفتن والمحن، وميراثاً نافعاً خلّفوه لمن بعدهم.
وليوازن بعد ذلك بين أحوال هؤلاء الأئمة وأحوال من يدّعون أنّهم يأتون في تفسير القرآن بما لم يعرفه الصحابة رضي الله عنهم ولا من بعدهم من التابعين، وليس هو من طريقتهم، كالذين يتكلفون تفسير القرآن بمناهج خاطئة، وطرق واهية، يكون في بعض ما يذكرون ما يفتن الناس من حق قليل مغمور في باطل كثير، لا يفيد يقينا ولا يهدي سبيلاً، وغاية ما يريدون أن يصلوا إليه الإبهارُ والإدهاش بما عرفوه من دقائق المسائل التي تدلّ بزعمهم على إعجاز القرآن، ويغفلون عن مقاصده العظمى، وإذا فُتّش كثير مما ذكروه وُجد فيه خطأ كثير؛ فأشغلوا الناس بطرقهم ومناهجهم في التفسير عن ورود المنهل الصافي العذب الذي يفيد اليقين، ويهدي إلى الحق، ويجد المؤمن فيه من دلائل الإصابة والتوفيق، وحسن الأثر على قلبه ونفسه ما يتبيّن به أنه هو المنهج الحقّ في تعلّم تفسير كتاب الله تعالى.
وكلّ علم يُؤخذ عن أئمّته، ولا ينبغي أن يكون لدى طالب علم التفسير أدنى تردد في اعتقاد أن هؤلاء الأعلام من الصحابة رضي الله عنهم هم الطبقة العليا من أئمة المفسّرين، وأنّ من اتّبع سبيلهم، وسار على منهاجهم، واهتدى بهديهم أصاب الطريق الصحيح الموصل إلى العاقبة الحسنة والفوز العظيم.
وأن من اتّبع غير سبيلهم واهتدى بغير هديهم ضلّ وفُتن، ولو وجد مما يغرّه ويظنّه صواباً أموراً مبهرة ومدهشة؛ فليس العبرة في العلم بالإبهار والإدهاش، فإن المسيح الدجال يأتي بأشدّ ما يبهر الناس ويدهشهم، وإنما العبرة بإصابة الحق الذي أراده الله، واتّباع الهدى الذي أمر الله به.
فمن عرف المقصد الأعظم من إنزال القرآن الكريم تبيّن له أنّ الصحابة رضي الله عنهم خير من أدرك هذا المقصد، وخير من اعتنى به وسعى لتحقيقه.
تنبيه:
ليس كلّ ما يُروى عن الصحابة رضي الله عنهم صحيح النسبة إليهم، بل مما روي عنهم ما لا تجوز نسبته إليهم، ولا الظنّ أنهم يقولون مثله، وقد روى بعض الكذابين والضعفاء من ذلك مرويات واهية وأخباراً باطلة، وراجت في بعض التفاسير التي لا يميّز أصحابها بين الصحيح والضعيف، والتفاسير التي يكون مراد أصحابها جمع ما يقدرون عليه مما روي في الآية ليُدرس ويفحص؛ فينقله عنهم من يظنّ أنهم يعتمدون تلك المرويات الباطلة في التفسير.
والتمييز بين صحيح ما ينسب إلى الصحابة وما لا يصحّ من واجبات أهل العلم بالتفسير وطرقه وأسانيده.
ولهذا التمييز طرق وقواعد وضوابط تيسّر على الطالب إدراك حكم كثير من تلك المرويات، يبحث بعضهما في باب "طرق التفسير" وبعضها في باب "أسانيد التفسير"، وإنما المراد هنا بيان عرض تاريخي موجز لعلم التفسير، وأن خير أئمة المفسرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم علماء أصحابه، وقد ذكرت من سيرهم وأخبارهم وفضائلهم ما يتجلّى به لطالب العلم فضلهم ومكانتهم في علم التفسير.