الحل والنُّشْرَة
معنى النُّشْرَة
قالَ أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطَّابيُّ البُسْتِيُّ (ت:388هـ): (النُّشْرَةُ: ضَرْبٌ مِنَ الرُّقْيَةِ وَالعِلاجِ يُعَالَجُ بهِ مَنْ كَانَ يُظَنُّ بهِ مَسُّ الجِنِّ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ نُشْرَةً لأَنَّهُ يُنَشَّرُ بهَا عَنْهُ، أَيْ: يُحَلُّ عَنْهُ مَا خَامَرَهُ مِنَ الدَّاءِ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الكَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ شَبيبٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى المِنْقَرِيُّ، حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، حَدَّثَنا الحَكَمُ بنُ عَطِيَّةَ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: النُّشْرَةُ مِنَ السِّحْرِ. قالَ: وَأَنشَدَنَا الأَصْمَعِيُّ مِنْ قَولِ جَرِيرٍ:
أَدْعُوكَ دَعْوَةَ مَلْهُوفٍ كَأَنَّ بهِ.....مَسًّا مِنَ الجِنِّ أَوْ رِيحًا مِنَ النُّشَرِ). [معالم السنن: 4/220 ]
قالَ أَحْمَدُ بنُ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ البَيهَقِيُّ (ت:458هـ): (بابُ النُّشْرَةِ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: النُّشْرَةُ ضَرْبٌ مِنَ الرُّقْيَةِ وَالعِلاجِ، يُعَالَجُ بِهِ مَنْ كَانَ يُظَنُّ مَسَّ الجِنُّ.
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ نُشْرَةً لأَنَّهُ يُنَشِّرُهَا عَنْهُ، أَيْ يَحُلُّ عَنْهُ مَا خَامَرَهُ مِنَ الدَّاءِ). [السنن الكبرى:9/351]
قالَ ابنُ الأثِيرِ المبارَكُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَزَرِيُّ (ت:606هـ): ((نشر) (س) فيه أنه سُئل عن النُّشْرِةِ فقال: هو من عملِ الشيطانِ النُّشْرة بالضم: ضرْبٌ من الرُّقْيةِ والعِلاجِ يُعالَجُ به مَن كان يُظَنُّ أنَّ به مَسًّا من الجِنِّ، سُميت نُشْرةً لأنه يُنَشَّرُ بها عنه ما خامَره من الداءِ، أي يُكْشَفُ ويُزالُ. وقال الحسنُ: النُّشْرةُ من السِّحرِ.
وقد نَشَّرْتُ عنه تَنشيرًا
ومنه الحديثُ [ فلعلَّ طَبًّا أصابَه ثم نَشَّرَه بقُلْ أعوذُ بربِّ الناسِ ] أي رَقَاهُ
والحديث الآخر [ هلا تَنَشَّرْتَ ] ). [النهاية في غريب الحديث: 5/54]
قال رُؤْبَةُ بنُ العَجَّاجِ:
كأنّـه إذ راحَ مسلوسَ الشَّمَقْ
نُشِّرَ عنه أو أسيراً قد عَتَقْ
منسرحاً إلا ذعاليبَ الخِرَقْ
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (النُّشْرَةُ تَقَعُ على معانٍ يَختلِفُ حُكْمُها باختلافِ المرادِ بها، وهي على أقسامٍ:
القسمُ الأولُ: الرُّقَى التي يُرقى بها المسحورُ والمعيونُ، وهذه حُكْمُها حكمُ الرُّقَى، ما جاز منها فهو جائزٌ، وما كان فيه شِركٌ أو ما لا يُعلمُ معناه فمنهيٌّ عنه.
القسمُ الثاني: التداوي بالأدويةِ المباحةِ المأمونِ ضررُها، فهذا لا بأسَ به.
القسمُ الثالثُ: الجمعُ بينَ الرقيةِ الشرعيةِ والأدويةِ المباحةِ كما في نُشْرَةِ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، فهذا جائزٌ أيضاً.
وقد جمعَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ لِمَا لَدَغَتْه العقربُ الرقيةَ والدواءَ، وقد تقدمَ الحديثُ في ذلك في بابِ الرُّقَى.
القسمُ الرابعُ: ما كان يفعَلُه بعضُ العربِ من ضروبِ التداوي من السحرِوالعينِ ومسِّ الجنِّ، ولهم في ذلك أخبارٌ مأثورةٌ عنهم، يأتي بيانُ بعضِها في أنواعِ النُّشْرَةِ.
منها: أن بعضَهم كان يجمَعُ أعواداً يابسةً ثم يُلقي عليها فأساً ذا رأسينِ، ثم يُوقدُ فيها حتى إذا حمِيَ الفأسُ بالَ عليه، فيزعُمونَ أنَّ المسحورَ إذا فعَلَ ذلك حلَّ عنه السحرُ.
ومنها: أن بعضَهم يجمَعُ من زَهْرِ البساتينِ والوادي زمنَ الربيعِ، ثم يطرَحُه في ماءٍويَغليه ثم يترُكه حتى يفتُرَ ثم يغتسِلُ به.
ومنها: أن يَقرَأَ في ماءٍ ثم يترُكُ تحتَ السماءِ مدةً ثم يشرَبُ منه المسحورُ ويغتسلُ منه.
ولهم في ذلك طُرُقٌ كثيرةٌ.
فهذا القسمُ مما وقع فيه الخلافُ بينَ أهلِ العلمِ لاختلافِ طرائقِ تلك النُّشَرِ، فمنها جائزٌ، وهو ما أُمِنَ فيه من الوقوعِ في الشركِ وتناولِ محرَّمٍ.
وكثيرٌ منها من عملِ الشيطانِ مما أثَروه عن بعضِ الكُهَّانِ والسَّحَرَةِ في حلِّ السحرِ،فهذا يُنْهَى عنه، وكذلك يُنهى عن غرائبِ النُّشَرِ التي لا يُدرى ما هي ولا يُعْرَفُ أثرُها.
والآثارُ الواردةُ عن السلفِ في الخلافِ في النُّشرةِ هي في هذا القسمِ، وهو ما كانت تفعَلُه العربُ من النُّشَرِ.
القسمُ الخامسُ: حلُّ السحرِ بالسحرِ، فهذا محرمٌ لا شكَّ في تحريمِه، ومَن أفتى بجوازه من متأخري الفقهاءِ من أتباعِ بعضِ المذاهبِ فقد غلِطَ غلطاً فاحشاً، وأساء فهمَ كلامِ السلفِ في هذا البابِ؛ إذ جعَلَ خلافَهم في النشرةِ العربيةِ خلافاً في مسألةِ حلِّ السحرِ بالسحرِ، وأين هذا من ذاك؟!
وما كان اللهُلِيُصْلِحَ عملَ المفسدينَ، ولا ليهديَ كيدَ الخائنينَ، وما كان اللهُليُحوجَ أولياءَه إلى أعدائِه.
فإن قلتَ: فقد يحتاجون إلى التداوي عند طبيبٍ كافرٍ.
قلتُ: شتَّانَ بينَ الحالتينِ، فالطبيبُ الكافرُ الذي يُوثَقُ به في صَنعتِه إنما أُبيحَ استطبابُه لِمَا عُرِفَ من عِلْمِه وأمانتِه، وإلا فلو تخلَّفَ أحدُهما لم يَجُزِ التداوي عنده.
وأما الساحرُ فلا أمانةَ له ولا علمَ لديه، سؤالُه سؤالُ كاهنٍ، وسيرتُه سيرةُ شِرِّيرٍ، ومَكْرُه غيرُ مأمونٍ.
فالساحرُمكَّارٌشرِّيرٌ، أفَّاكٌ أثيمٌ، عدوٌّ للهِ، عبدٌ للشياطينِ، يخدُمُهم ويتقرَّبُ إليهم ويُسارِعُ فيما يُحبُّونَه من الشرِّ والفسادِ، مقاصدُه شيطانيةٌ خبيثةٌ، ونفسُه شريرةٌ حقودةٌ، أفيُرْجَى من ورائِه خيرٌ؟!
يفرَحُ بما يصيبُ الناسَ من شرٍّ وبلاءٍ وفتنةٍ، ويحزَنُ لما يصيبُهم من الخيرِ والرحمةِ والأُلفةِ.
وقد كتَب اللهُ عليه أنه لا يُفلِحُ، ولو كان فيه خيرٌ في حلِّ السحرِ عن المسحورينَ لكانَ في هذا نوعُ فلاحٍ فيه.
وقد قال اللهُ تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ}[البقرة: 102] فالسحرُ لا نفعَ فيه.
وقد حدثني بعضُ مَن ذهَبَ إلى السَّحَرَةِ ليحلُّوا عنه السحرَأنه ما استفادَ إلا ضياعَ وقتِه وذَهابَ أموالِه في التردُّدِ عليهم وتلبيةِ طلباتِهم، حتى إذا خسِرَ كلَّ شيءٍ عادَ بخيبتِه وحَسَرَاتِه.
وقد سمِعتُ من بعضِ مَن تابَ من السحرةِ عجائبَ في مكرِهم بمَن يأتيهم ليطلُبَمنهم حلَّ السحرِ، وأنهم يضرونهم بأكثرَ مما يرجون نفعَهم.
ومِن مكرِهم أنهم يقولون لمن يأتيهم كذباً وزوراً: سحرك فلانٌ أو فلانةُ، فيقطعون ما أمر اللهُ به أن يوصلَ ويُفسدون في الأرضِ.
فكم من رحِمٍ قُطِعَتْ، ووشائجَ مُزِّقَتْ بسبب كذبِهم وإفكِهم.
ومِن مكرِهم: أنهم يَحتالون جهدَهم لإيقاعِ العبدِ في الشركِ وقطيعةِ الرحِمِ والظلمِ.
ومن مكرِهم: تحيُّلُهم لفعلِ الفواحشِ بمَن يأتيهم من النساءِ، ولهم في ذلك قصصٌ معروفةٌ اعترف بها بعضُهم واستفاضت بها المعرفةُ عن آخرينَ.
ومن مكرِهم: أنهم يَجتهدون في إصابةِ مَن يأتيهم بالوَهْنِ وقطعِ سُبُلِ ما ينفعُه ويُقوِّيه، ومن ذلك إضعافُ ثقتِه بمَن حولَه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، حتى يظَلَّ أسيراً لهم يَغُرُّونه ويُمَنُّونَه حتى ينسلِخَ من دينِه، والعياذُ باللهِ.
وبالجملةِ فمفاسدُ إتيانِهم كثيرةٌ وشرورُهم مستطيرةٌ، وقَى اللهُ المسلمين شرَّهم وردَّ كيدَهم في نحورِهم.
فلا ينبغي أنْ يرتابَ مؤمنٌ في حُرمةِ إتيانِهم لحلِّ السحرِ أو غيرِه، ويكفيك أن تتأمَّلَ مقاصدَ الشريعةِ لتعلمَ أن القولَ بإتيانِهم مناقضٌ لها من جميعِ الوجوهِ.
ولكن مَن عمِيت بصيرتُه واحتار قلبُه وأيِسَ من رحمةِ ربِّه طلَبَ الرحمةَ والشفاءَ من عدوِّه، نسأل اللهَ السلامةَ والعافيةَ).
أنواع النشرة
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (وقال الشَّعْبِيُّ: لا بأسَ بالنُّشرةِ العربيةِ التي لا تضُرُّ إذا وُطِئَتْ.
والنشرةُ العربيةُ: أن يَخرُجَ الانسانُ في موضعِ عِضاهٍ، فيأخُذُه عن يمينِه وشمالِه من كلِّ ثمرٍ، يدُقُّه ويقرَأُ فيه ثم يغتسِلُ به.
وفي كُتُبِ وَهْبٍ: أن تُؤخذَ سبعُ ورقاتٍ من سِدْرٍ أخضرَ فيدُقُّه بينَ حجرينِ، ثم يضرِبُه في الماءِ، ويقرَأُ فيه آيةَ الكُرسيِّ وذواتِ قُلْ، ثم يحسو منه ثلاثَ حَسَوَاتٍ، ويَغتسِلُ به، فإنه يُذْهِبُ عنه كل ما به إن شاء اللهُ، وهو جيدٌ للرجلِ إذا حُبِسَ من أهلِه). [مصنف عبد الرزاق:11/13]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبِي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ أَصَابَهُ نُشْرَةٌ، أَوْ سُمٌّ، أَوْ سِحْرٌ، فَلْيَأْتِ الفُرَاتَ، فَلْيَسْتَقْبِل الجِرْيَةَ، فَيَغْتَمِسُ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ). [مصنف ابن أبي شيبة: 7/387]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبِي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ؛ أَنَّ أُمَّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنِ النُّشَرِ؟ فَقَالَتْ: مَا تَصْنَعُونَ بِهَذَا؟ هَذَا الفُرَاتُ إِلَى جَانِبِكُمْ، يَسْتَنْقِعُ فِيهِ أَحَدُكُمْ سَبْعًا يَسْتَقْبِلُ الجِرْيَةَ). [مصنف ابن أبي شيبة: 7/386]
قالَ نَصْرُ بنُ مَرْزُوقٍ العُتَقِيُّ المِصْرِيُّ (ت:262هـ): (حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّشْرَةِ، فَقَالَتْ: (مَا تَصْنَعُونَ بالنُّشْرَةِ والفُرَاتُ إِلَى جَانِبكُمْ، يَنْغَمِسُ فِيهِ أَحَدُكُمْ سَبْعَ انْغِمَاسَاتٍ إِلَى جَانَبِ الجِرْيَةِ). [كما في التمهيد لابن عبد البر: 6/245]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ (ت : 333هـ): (سَمِعْتُ ابْنَ قُتَيْبَةَ يَقُولُ : ذَكَرُوا امْرَأَةً فِي البَادِيَةِ بِالحِجَازِ أَنَّهَا تَرْقِي بِرُقْيَةٍ عَجِيبَةٍ شَافِيَةٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهَا فَوْجًا فَوْجًا، فَأَتَيْتُهَا، وَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ فَصِيحَةٌ جِدًّا وَبَيْنَ يَدَيْهَا رَجُلٌ تَرْقِيهِ مِنَ العَيْنِ، فَقَالَتْ : أُعِيذُكَ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ، الَّتِي لا تَجُوزُ عَلَيْهَا هَامَّةٌ، مِنْ شَرِّ الجِنِّ وَشَرِّ الإِنْسِ عَامَّةً، وَشَرِّ نَظْرَةٍ لامَّةٍ، أُعِيذُكَ بِمُطْلِعِ الشَّمْسِ مِنْ شَرِّ ذِي مَشْيٍ هَمْسٍ، وَشَرِّ ذِي نَظَرٍ خَلْسٍ، وَشَرِّ ذِي قَوْلٍ دَسٍّ، وَشَرِّ الحَاسِدِينَ وَالحَاسِدَاتِ وَالنَّافِسِينَ وَالنَّافِسَاتِ وَالكَائِدِينَ وَالكَائِدَاتِ، نَشَّرْتُ عَنْكَ بِنُشْرَةِ نَشَّارٍ؛ عَنْ رَأْسِكَ ذِي الأشْعَارِ، وَعَنْ عَيْنَيْكَ ذَوَاتِ الأشْفَارِ، وَعَنْ فِيكَ ذِي المَحَارِ، وَظَهْرِكَ ذِي الفَقَارِ، وَبَطْنِكَ ذِي الأسْرَارِ، وَفَرْجِكَ ذِي الأسْتَارِ، وَيَدَيْكَ ذَوَاتِ الأظْفَارِ، وَرِجْلَيْكَ ذَوَاتِ الآثَارِ، وَذَيْلِكَ ذِي الغُبَارِ، وَكَانَ اللهُ لَكَ جَارٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ القُتَبِيُّ : المَشْيُ الهَمْسُ : الوَطْءُ الخَفِيُّ، وَالصَّوْتُ الخَفِيُّ أَيْضًا . وَالنَّظَرُ الخَلْسُ : هُوَ الَّذِي يُخْتَلَسُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ . وَالقَوْلُ الدَّسُّ : هُوَ الَّذِي يُدَسُّ وَيُحْتَالُ فِيهِ حَتَّى يَدْفَعَ القَبِيحَ . وَالنَّافِسُونَ وَالنَّافِسَاتُ : هُمُ العَائِنُونَ . وَالمَحَارُ : هُوَ جَمْعُ مَحَارَةٍ، الحَنَكُ [ الأعْلَى ] . وَالفَقَارُ : خَرَزُ الظَّهْرِ، وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ . وَبَطْنُكَ ذِي الأسْرَارِ؛ يَعْنِي : التَّكَسُّرَ فِي البَطْنِ، وَأَسْرَارُ الجَبْهَةِ: الخُطُوطُ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ أَسْرَارُ الرَّاحَةِ). [المجالسة:3/91-92]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: (لا بَأْسَ بِالنُّشْرَةِ العَرَبِيَّةِ الَّتِي إِذَا وُطِئَتْ لا تَضُرُّهُ، وَهِيَ أَنْ يَخْرُجَالإِنْسَانُ فِي مَوْضِعِ عِضَاهٍ فَيَأْخُذَ عَنْ يَمِينِه وَعَنْ شِمَالِه مِنْ كُلٍّ ثُمَّ يَدُقَّهُ وَيَقْرَأَ فِيهِ ثُمَّ يَغْتَسِلَ بِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ فِي كُتُبِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنْ يَأْخُذَ سَبْعَ وَرَقَاتٍ مِنْ سِدْرٍ أَخْضَرَ فَيَدُقَّهُ بَيْن حَجَرَيْنِ، ثُمَّ يَضْرِبَهُ بِالمَاءِ وَيَقْرَأَ فِيهِ آيَةَالكُرْسِيِّ وَالقَوَاقِلَ، ثُمَّ يَحْسُوَ مِنْهُ ثَلاثَ حَسَوَاتٍ، ثُمَّ يَغْتَسِلَ بِهِ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ عَنْهُ كُلَّ مَا بِهِ، وَهُوَ جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ إِذَا حُبِسَ عَنْ أَهْلِه.
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بجَوَازِ النُّشْرَةِالمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهمَا، ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى صِفَةِ النُّشْرَةِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ لِجَعْفَرٍ المُسْتَغْفِرِيِّ. قَالَ: وَجَدْتُ فِي خَطِّ نَصُوحِ بْنِ وَاصِلٍ عَلَى ظَهْرِ جُزْءٍ مِنْ تَفْسِيرِ قُتَيْبَةَ بْنِ أَحْمَدَالبُخَارِيِّ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ لِسَعِيدِ بْنِالمُسَيَّبِ: رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ أُخِذَ عَنِامْرَأَتِه، أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُنَشَّرَ؟ قَالَ: لا بَأْسَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الإِصْلاحَ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ.
قَالَ نَصُوحٌ: فَسَأَلَنِي حَمَّادُ بْن شَاكِرٍ: مَا الحَلُّ وَمَا النُّشْرَةُ؟ فَلَمْ أَعْرِفْهُمَا.
فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُجَامَعَةِ أَهْلِه وَأَطَاقَ مَا سِوَاهَا، فَإِنَّ المُبْتَلَى بِذَلِكَ يَأْخُذُ حُزْمَةَ قُضْبَانٍ وَفَأْسًا ذَا قِطَارَيْنِ وَيَضَعُهُ فِي وَسَط تِلْكَ الحُزْمَةِ، ثُمَّ يُؤَجِّجُ نَارًا فِي تِلْكَ الحُزْمَةِ حَتَّى إِذَا مَا حَمِيَ الفَأْسُاسْتَخْرَجَهُ مِنَالنَّارِ وَبَالَ عَلَى حَرِّه فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا النُّشْرَة فَإِنَّهُ يَجْمَعُ أَيَّامَ الرَّبِيعِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ وَرْدِالمَفَازَةِ وَوَرْدِالبَسَاتِينِ، ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي إِنَاءٍ نَظِيفٍ وَيَجْعَلُ فِيهِمَا مَاءً عَذْبًا، ثُمَّ يَغْلِي ذَلِكَ الوَرْدَ فِي المَاءِ غَلْيًا يَسِيرًا، ثُمَّ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا فَتَرَ المَاءُ أَفَاضَهُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ حَاشِدٌ: تَعَلَّمْتُ هَاتَيْنِ الفَائِدَتَيْنِ بِالشَّامِ.
قُلْت: وَحَاشِدٌ هَذَا مِنْ رُوَاةِ الصَّحِيحِ عَنِالبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَغْفَلَ المُسْتَغْفِرِيُّ أَنَّ أَثَرَ قَتَادَةَ هَذَا عَلَّقَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِه، وَأَنَّهُ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِه، وَلَوِاطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مَا اكْتَفَى بِعَزْوِهِ إِلَى تَفْسِيرِ قُتَيْبَةَ بْنِ أَحْمَدَ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ، وَأَغْفَلَ أَيْضًا أَثَرَ الشَّعْبِيِّ فِي صِفَتِه وَهُوَ أَعْلَى مَا اتَّصَلَ بِنَا مِنْ ذَلِكَ). [فتح الباري: 10/244-245]