كيف كان تأثير السحر على النبي صلى الله عليه وسلم
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (وحُبِسَ رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عنْ عَائشَةَ خَاصَّةً، حتَّى أنكَرَ بصَرَهُ).[مصنف عبد الرزاق:11/13]
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (عَن معمرٍ، عَن عَطَاءٍ الخُراسَانِيِّ، عَن يحيَى بنِ يَعْمَرَ قَالَ: حُبِسَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَن عائشةَ سنةً، فبَينا هُو نائِمٌ أَتَاه مَلَكَانِ؛ فَقَعَدَ أحدُهما عندَ رأسِهِ والآخَرُ عندَ رِجلَيهِ؛ فَقَالَ أحدُهُمَا لصَاحِبهِ: سُحِرَ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ الآخَرُ: أَجَلْ، وَسِحْرُهُ في بئرِ أبي فُلان. فَلَمَّا أَصبحَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بذَلِكَ السِّحْرِ فَأُخرِجَ مِنَ تِلكَ البئرِ.
قالَ عبدُ الرَّزَّاق: قالَ مَعْمَرٌ في الرَّجلِ يجمع السِّحْرَ يغتَسِلُ بهِ إذَا قَرَأ عَلَيهِ القُرآنَ فَلا بَأْسَ بهِ). [مصنف عبد الرزاق:11/14] (م)
قالَ مَحْمُودُ بنُ حَمْزَةَ بنِ نَصْرٍ الكِرْمَانِيُّ (ت: 525هـ): (وفي كَيفِيَّةِ ذلك أقوالٌ:
أحَدُها: أنه إيهامُ الأَذَى وتَخَيُّلُ المَرَضِ، ولا تَأْثِيرَ له.
والثاني: أنه يُؤَثِّرُ كما تُؤَثِّرُ العينُ في المَعْيُونِ.
والثالثُ: أنه بِمَعُونَةِ الجِنِّ). [غرائب التفسير: 2/1412]
قال أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (قَوْلُه: (حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ)
قَالَ المَازِرِيُّ: أَنْكَرَ المُبْتَدِعَةُ هَذَا الحَدِيثَ وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَحُطُّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ، وَيُشَكِّكُ فِيهَا، قَالُوا: وَكُلُّ مَا أَدَّى إِلَى ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَزَعَمُوا أَنَّ تَجْوِيزَ هَذَا يَعْدَمُ الثِّقَةَ بِمَا شَرَعَهُ مِنَ الشَّرَائِع؛ إِذْ يُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَرَى جِبْرِيلَ وَلَيْسَ هُوَ ثَمَّ، وَأَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ. قَالَ المَازِرِيُّ: وَهَذَا كُلُّه مَرْدُودٌ؛لأنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى عِصْمَتِه فِي التَّبْلِيغِ، وَالمُعْجِزَاتُ شَاهِدَاتٌ بِتَصْدِيقِهِ، فَتَجْوِيزُ مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلافِه بَاطِلٌ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ الأمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَثْلأجْلِهَا وَلا كَانَتِ الرِّسَالَةُ مِنْ أَجْلِهَا فَهُوَ فِي ذَلِكَ عُرْضَةٌ لِمَا يَعْتَرِضُالبَشَرَ كَالأمْرَاضِ، فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَا لا حَقِيقَةَ لَهُ مَعَ عِصْمَتِه عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فِي أُمُورِ الدِّينِ.
قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ المُرَادَ بِالحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَاتِه وَلَمْ يَكُنْ وَطِأَهُنَّ، وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَعُ تَخَيُّلُه لِلْإِنْسَانِ فِي المَنَامِ فَلا يَبْعُدُ أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ فِي اليَقِظَةِ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِابْنِ عُيَيْنَةَ فِي البَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا، وَلَفْظُه (حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلا يَأْتِيهِنَّ)، وَفِي رِوَايَةِالحُمَيْدِيِّ (أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَه وَلا يَأْتِيهِمْ)
قَالَ الدَّاوُدِيُّ: " يُرَى " بِضَمِّ أَوَّلِه، أَيْ يَظُنُّ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: ضُبِطَتْ " يَرَى " بِفَتْحِ أَوَّلهِ.
قُلْتُ: وَهُوَ مِنَ الرَّأْيِلا مِنَ الرُّؤْيَةِ، فَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الظَّنِّ.
وَفِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ حَتَّى أَنْكَرَ بَصَرَه) وَعِنْدَه فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِالمُسَيَّبِ (حَتَّى كَادَ يُنْكِرُ بَصَرَه).
قَالَ عِيَاضٌ: فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى جَسَدِه وَظَوَاهِرِ جَوَارِحِه، لا عَلَى تَمْيِيزِه وَمُعْتَقَدِه.
قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَابْنِ سَعْدٍ: فَقَالَتْ أُخْتُ لَبِيدِ بْنِ الأعْصَمِ: (إِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ، وَإِلا فَسَيُذْهِلُهُ هَذَا السِّحْرُ حَتَّى يَذْهَبَ عَقْلُه).
قُلْتُ: فَوَقَعَ الشِّقُّ الأوَّلُ كَمَا فِي هَذَا الحَدِيثِ الصَّحِيحِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُالعُلَمَاءِ: لا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ أَنْ يُجْزَمَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِالخَاطِرِ يَخْطِرُ وَلا يَثْبُتُ، فَلا يَبْقَى عَلَى هَذَا لِلْمُلْحِدِ حُجَّةٌ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَالمُرَادُ بِالتَّخْيِيلِ المَذْكُورِ أَنَّهُ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نَشَاطِه مَا أَلِفَهُ مِنْ سَابِقِ عَادَتِه مِنْ الاقْتِدَارِ عَلَى الوَطْءِ، فَإِذَا دَنَا مِنَالمَرْأَةِ فَتَرَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ شَأْنُالمَعْقُودِ، وَيَكُونُ قَوْلُه فِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: " حَتَّى كَادَ يُنْكِرُ بَصَرَه " أَيْ صَارَ كَالَّذِي أَنْكَرَ بَصَرَه بِحَيْثُ إِنَّهُ إِذَا رَأَى الشَّيْءَ يُخَيَّلُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِه، فَإِذَا تَأَمَّلَهُ عَرَفَ حَقِيقَتَه.
وَيُؤَيِّدُ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي خَبَرٍ مِنَ الأخْبَارِ أَنَّهُ قَالَ قَوْلاً فَكَانَ بِخِلافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ.
وَقَالَ المُهَلَّبُ: صَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيَاطِينِلا يَمْنَعُ إِرَادَتَهمْ كَيْدَهُ، فَقَدْ مَضَى فِي الصَّحِيحِ أَنَّ شَيْطَانًا أَرَادَ أَنْ يُفْسِد عَلَيْهِ صَلاتَه، فَأَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ السِّحْرُ مَا نَالَهُ مِنْ ضَرَرِه مَا يُدْخِلُ نَقْصًا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْلِيغِ، بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ يَنَالَهُ مِنْ ضَرَرِ سَائِرِ الأمْرَاضِ مِنْ ضَعْفٍ عَنِالكَلامِ، أَوْ عَجْزٍ عَنْ بَعْضِالفِعْلِ، أَوْ حُدُوثِ تَخَيُّلٍلا يَسْتَمِرُّ، بَلْ يَزُولُ وَيُبْطِلُ اللَّهُ كَيْدَ الشَّيَاطِينِ.
وَاسْتَدَلَّ ابْنُالقَصَّارِ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ مِنْ جِنْسِالمَرَضِ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِالحَدِيثِ:((فَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ))، وَفِي الاسْتِدْلالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ، لَكِنْ يُؤَيِّدُالمُدَّعَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَالبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلائِلِ:(فَكَانَ يَدُورُ وَلا يَدْرِي مَا وَجَعُه)، وَفِي حَدِيثِابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَابْنِ سَعْدٍ: (مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُخِذَ عَنِ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ...) الحَدِيثَ). [فتح الباري:10/237]
قالَ أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ سِحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُه مُسْتَوْفًى قَرِيبًا. وَقَوْلُه فِيهِ: " قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ " سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ المَذْكُورِ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى كَلامِ سُفْيَانَ هَذَا فِي مُسْنَدِالحُمَيْدِيِّ وَلا ابنِأَبِي عُمَرَ وَلا غَيْرِهمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [فتح الباري:10/245]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (ورُوِيَ أنَّهُ كانَ يُخَيَّلُ لهُ أنَّهُ يَطَأُ زَوْجَاتِهِ وليسَ بواطِئٍ، قَالَ سُفيانُ: وهَذَا أَشَدُّ ما يكونُ منَ السِّحْرِ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 612]