هل يقتل سَحَرة أهل الذمة؟
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابنِ المُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيرِ، أَنَّ يَهُودَ بَنِي زُرَيْقٍ سَحَرُوا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ قَتَلَ مِنْهُمْ أَحَداً). [مصنف عبد الرزاق:1/369]
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (أخبرَنا ابنُ جُرَيجٍ، عَنْ إِسماعِيلَ وَيعقوبَ وَغيرِهِمَا، قَالُوا: لا يُقْتَلُ سَاحِرُهُمْ، وَهُو أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صُنِعَ بهِ بَعْضُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْتُلِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبَهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ العَهْدِ.
وخَبَرُ جَزْءِ بنِ مُعَاوِيَةَ فِي كِتَابِ عُمَرَ إِلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ كُلَّ سَاحِرٍ.
وَخَبَرُ جُنْدَبٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: يَضْرِبُ ضَرْبَةً يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ). [مصنف عبد الرزاق:1/369]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ (ت:256هـ):(بابٌ: هَلْ يُعْفَى عَنِ الذِّمِّيِّ إِذَا سَحَرَ؟ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، سُئِلَ: أَعَلَى مَنْ سَحَرَ مِنْ أَهْلِ العَهْدِ قَتْلٌ؟ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ قَدْ صُنِعَ لَهُ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ صَنَعَهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ). [صحيح البخاري/كتاب الجزية]
أقوال العلماء
قالَ مَالِكُ بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ الأَصْبَحِيُّ (ت:179هـ): (السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ هُوَ مَثَلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 102] فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ، ذَلِكَ إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ). [الموطأ: 2/872]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ (ت:204هـ): (وَالسِّحْرُ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَيُقَالُ لِلسَّاحِرِ: صِفِ السِّحْرَ الذي تَسْحَرُ بِهِ؛ فَإِنْ كانَ ما يَسْحَرُ بِهِ كَلامَ كُفْرٍ صَرِيحٍ اسْتُتِيبَ منه، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ فَيْئًا.
وَإِنْ كان ما يَسْحَرُ بِهِ كَلامًا لا يَكُونُ كُفْرًا، وكانَ غيرَ مَعْرُوفٍ، ولم يَضُرَّ بِهِ أَحَدًا نُهِيَ عَنْهُ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ.
وَإِنْ كانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ أَحَدًا من غَيْرِ قَتْلٍ فَعَمَدَ أَنْ يَعْمَلَهُ عُزِّرَ.
وَإِنْ كان يَعْمَلُ عَمَلاً إذَا عَمِلَهُ قُتِلَ المَعْمُولُ بِهِ، وقال: عَمَدْتُ قَتْلَهُ قُتِلَ بِهِ قَوَدًا، إلاَّ أَنْ يَشَاءَ أَوْلِيَاؤُهُ أَنْ يَأْخُذُوا دِيَتَهُ حَالَّةً في مَالِهِ.
وَإِنْ قال: إنَّمَا أَعْمَلُ بهذا لأَقْتُلَ، فَيُخْطِئُ القَتْلَ وَيُصِيبَ، وقد مَاتَ مِمَّا عَمِلْتُ بِهِ؛ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَلا قَوَدَ.
وَإِنْ قال: قد سَحَرْتُهُ سِحْرًا مَرِضَ منه ولم يَمُتْ منه، أَقْسَمَ أَوْلِيَاؤُهُ لَمَاتَ من ذلك العَمَلِ، وَكَانَتْ لهم الدِّيَةُ، وَلا قَوَدَ لهم.
وَلا يُغْنَمُ مَالُ السَّاحِرِ إلا في أَنْ يَكُونَ السِّحْرُ كُفْرًا مُصَرَّحًا.
وَأَمْرُ عُمَرَ أَنْ يُقْتَلَ السُّحَّارُ عِنْدَنَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنْ كان السِّحْرُ كما وَصَفْنَا شِرْكًا، وَكَذَلِكَ أَمْرُ حَفْصَةَ، وَأَمَّا بَيْعُ عَائِشَةَ الجَارِيَةَ ولم تَأْمُرْ بِقَتْلِهَا فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ لم تَعْرِفْ ما السِّحْرُ فَبَاعَتْهَا لأنَّ لها بَيْعَهَا عِنْدَنَا، وَإِنْ لم تَسْحَرْهَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ السِّحْرَ شِرْكٌ ما تَرَكَتْ قَتْلَهَا إنْ لم تَتُبْ أو دَفَعَتْهَا إلَى الإِمَامِ لِيَقْتُلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عن النبيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَحَدِ هذه المَعَانِي عِنْدَنَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ).[الأم:1/255-256]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ التَّيْمِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ (ت:535هـ): (وَيَلْزَمُ السَّاحِرَ مِنَ العُقَوبَةِ مَا يَلْزَمُ سَائِرَ الجُنَاةِ بِجِنَايَاتِهِمْ). [الحجة في بيان المحجة: 1/519]
قالَ مُحْيِي الدِّين يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالمَسْأَلَةِ مِنْ فُرُوعِ الفِقْهِ فَعَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ، وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ بِالإِجْمَاعِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الإِيمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُ مِنَ السَّبْعِ المُوبِقَاتِ، وَسَبَقَ هُنَاكَ شَرْحُه، وَمُخْتَصَرُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا، وَقَدْ لا يَكُونُ كُفْرًا، بَلْ مَعْصِيَتُه كَبِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الكُفْرَ كَفَرَ، وَإِلاَّ فَلا.
وَأَمَّا تَعَلُّمُه وَتَعْلِيمُه فَحَرَامٌ، فَإِنْ تَضَمَّنَ مَا يَقْتَضِي الكُفْرَ كَفَرَ، وَإِلا فَلا.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الكُفْرَ عُزِّرَ، وَاسْتُتِيبَ مِنْهُ، وَلا يُقْتَلُ عِنْدنَا، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُه.
وَقَالَ مَالِكٌ: السَّاحِرُ كَافِرٌ، يُقْتَلُ بِالسِّحْرِ، وَلا يُسْتَتَابُ، وَلا تُقْبَلُ تَوْبَتُه، بَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُه.
وَالمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الخِلافِ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ ؛لأَنَّ السَّاحِرَ عِنْدَه كَافِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدنَا لَيْسَ بِكَافِرٍ، وَعِنْدنَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ المُنَافِقِ وَالزِّنْدِيقِ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قَالَ أَصْحَابُنَا: فَإِذَا قَتَلَ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ إِنْسَانًا، وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا لَزِمَهُ القِصَاصُ.
وَإِنْ قَالَ: مَاتَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ، وَقَدْ لا، فَلا قِصَاصَ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَالكَفَّارَةُ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِه لا عَلَى عَاقِلَتِه ؛لأَنَّ العَاقِلَةَ لا تَحَمَّلُ مَا ثَبَتَ بِاعْتِرَافِ الجَانِي.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلا يُتَصَوَّرُ القَتْلُ بِالسِّحْرِ بِالبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِاعْتِرَافِ السَّاحِر. وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [شرح صحيح مسلم: 14/396]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (فإِنَّ السحرَ يُؤَثِّرُ بإِذنِ اللَّهِ تعالى المَرَضَ وَيَصِلُ إِلى أنْ يَقْتُلَ، فَإِذَا أَقَرَّ السَّاحِرُ أَنَّهُ قَتَلَ بِسِحْرِهِ وَهو مِمَّا يَقْتُلُ غَالِباً قُتِلَ بذلكَ عندَ الشَّافِعِيِّ). [نظم الدرر: 8/606]
قالَ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم (ت: 1420هـ): (وقدْ تَقَدَّمَ للشيخِ - رحمةُ اللَّهِ تعالى عَلَيْنَا وعليهِ - مَبْحَثُ السِّحْرِ وأقسامِه وأحكامِه وكلِّ ما يَتَعَلَّقُ به، عندَ الكلامِ على قَوْلِه تعالى: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} [طه: 69] مِن سُورَةِ طه، ما عدا مَسألةً واحدةً، وهي حُكْمُ ما لو قَتَلَ أو أَتْلَفَ شَيئاً بسِحْرِهِ، فما يكونُ حُكْمُه؟ ونُورِدُها مُوجَزَةً:
مَسألةٌ: ذَكَرَ ابنُ قُدَامَةَ في (المُغْنِي) رَحِمَه اللَّهُ النوعَ السادسَ مِن أنواعِ القتْلِ: أنْ يَقْتُلَه بسِحْرٍ يَقْتُلُ غالباً، فيَلْزَمُه القَوَدُ. وإنْ كانَ مِمَّا لا يَقْتُلُ غالباً ففيه الدِّيَةُ. اهـ.
وذَكَرَ النووِيُّ في (المِنْهَاجِ شَرْحِ مُغْنِي المُحْتَاجِ) للشافعيَّةِ التنبيهَ على أنه يُقْتَلُ كذلك.
وذَكَرَ مِثْلَه ابنُ حَجَرٍ في (الفتْحِ): أنَّ الساحِرَ يُقْتَلُ إذا قَتَلَ بسِحْرِه). [تتمة أضواء البيان: 9/342]