ما مقدار تأثير السحر؟
قالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ المَاوَرْدِيُّ (ت: 450هـ): (وفي {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4)} [الفلق: 4] ثلاثةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أنَّه إيهامٌ للأَذَى وتَخَيُّلٌ للمَرَضِ مِن غيرِ أنْ يَكُونَ له تأثيرٌ في الأَذَى والمَرَضِ، إلاَّ استشعارٌ رُبَّما أَحْزَنَ، أو طعامٌ ضارٌّ رُبَّما نَفَذَ بحِيلةٍ خَفِيَّةٍ.
الثاني: أنَّه قد يُؤْذِي بمَرَضٍ لعارِضٍ يَنْفَصِلُ فيَتَّصِلُ بالمسحورِ فيُؤَثِّرُ فيهِ كتأثيرِ العينِ، وكما يَنْفَصِلُ مِن فَمِ المُتَثَائِبِ ما يُحْدِثُ في المقابِلِ له مِثْلَه.
الثالثُ: أنه قد يكونُ ذلك بِمَعونةٍ مِن خَدَمِ الجِنِّ يَمْتَحِنُ اللَّهُ بعْضَ عِبَادِهِ). [النكت والعيون: 6/ 376]
قالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ السُّلَمِيُّ (ت:660 هـ): (وَأَثَرُهُ تَخْيِيلٌ للأَذَى وَالمَرَضِ، أَوْ يُمْرِضُ وَيُؤْذِي لعارضٍ يَنْفَصِلُ فَيَتَّصِلُ بالمسحورِ، فَيُؤَثِّرُ فيهِ كَتَأْثِيرِ العَيْنِ، وَكما يَنْفَصِلُ مِنْ فَمِ المُتَثَائِبِ ما يُحْدِثُ في المُقَابِلِ لهُ مِثْلَهُ، أَوْ قدْ يَكُونُ ذلكَ بِمَعُونَةٍ مِنْ خَدَمِ الجنِّ يَمْتَحِنُ اللَّهُ تَعَالَى بهِ بعضَ عِبَادِهِ). [تفسير القرآن: 3/510-511]
قالَ مُحْيِي الدِّين يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (قَالَ المَازِرِيُّ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي القَدْر الَّذِي يَقَع بِهِ السِّحْر، وَلَهُمْ فِيهِ اضْطِرَابٌ، فَقَالَ بَعْضُهم: لا يَزِيدُ تَأْثِيرُه عَلَى قَدْرِ التَّفْرِقَة بَيْن المَرْءِ وَزَوْجِه؛ لأنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِمَا يَكُونُ عِنْدَه، وَتَهْوِيلاً بِهِ فِي حَقِّنَا، فَلَوْ وَقَعَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ؛لأنَّ المَثَلَلا يُضْرَبُ عِنْدَالمُبَالَغَة إِلا بِأَعْلَى أَحْوَالِالمَذْكُورِ.
قَالَ: وَمَذْهَبُ الأشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَقْلاً لأنَّهُ لا فَاعِلَ إِلا اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَادَةٌ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلا تَفْتَرِقُ الأفْعَالُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَلَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِقُصُورِهِ عَنْ مَرْتَبَةٍ لَوَجَبَ المَصِيرُ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ لا يُوجَدُ شَرْعٌ قَاطِعٌ يُوجِبُ الاقْتِصَارَ عَلَى مَا قَالَهُ القَائِلُ الأوَّلُ، وَذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الآيَةِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي مَنْعِ الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ أَمْ لا؟). [شرح صحيح مسلم: 14/397]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (فإِنَّ السحرَ يُؤَثِّرُ بإِذنِ اللَّهِ تعالى المَرَضَ وَيَصِلُ إِلى أنْ يَقْتُلَ، فَإِذَا أَقَرَّ السَّاحِرُ أَنَّهُ قَتَلَ بِسِحْرِهِ وَهو مِمَّا يَقْتُلُ غَالِباً قُتِلَ بذلكَ عندَ الشَّافِعِيِّ، وَلا يُنَافِي قولَهُ تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]. كَمَا مَضَى بيانُهُ في المائدةِ). [نظم الدرر: 8/606]