الفرق بين الاسم والنعت لفظًا ومعنى
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) :( قد ذكرنا في الباب الأول مذهب من يفرق بين النعت والوصف، ومذهب من يجمع بينهما، فأما النعت فقد يكون اسمًا مشتقًا من فعل، واسمًا غير مشتق، وفعلاً وجملة، والاسم يكون على ضربين: مشتقًا وغير مشتق. ولا بد للنعت من أن يتضمن معنى فعل أو نسب أو خلقة أو صنعة كما ذكرت لك.
فالأسماء تنقسم أولاً قسمين: معرفة ونكرة نحو: رجل، وفرس، وزيد، وعمرو وهذا أول انقسام الأسماء ثم تتنوع بعد ذلك فتصير ستين نوعًا يجمعها كلها التنكير والتعريف. والتنكير أول والتعريف بعد، فالمنكور الاسم الشائع في جنسه، والمعروف: المخصوص من النكرات ما هو إلى المعارف أقرب. كما أن من المعارف ما
هو أكثر عمومًا. فأبعد النكرات من المعارف «شيء» وأقربها إلى المعارف رجل وفرس، وأقرب من هذا إليها ما قرن بنعت ففارق الإشاعة في أشباهه فإذا نزلت من فوق إلى أسفل قربت من التعريف، وإذا صعدت من أسفل إلى الفوق بعدت من التعريف.
والمعارف خمسة أجناس أعرفها المضمرات وهي أعرف المعارف من الظاهرات وهي تنقسم قسمين: المشاهد والغائب، والمشاهد ينقسم قسمين: أحدهما المخبر عن نفسه، والآخر المخاطب، فالمخبر عن نفسه أعرف من المخاطب لأنه لا يشارك في اسمه البتة، ومن ثم استوى فيه المذكر والمؤنث إذا قلت: أنا، وفعلت وما أشبه ذلك. وذلك أنه لا يلتبس، فلما لم يلتبس استوى فيه المذكر والمؤنث ولم يحتج إلى فصل.
والمخاطب دونه في التعريف وذلك أنه يجوز أن يكون بحضرتك اثنان أو أكثر فيتوهم كل واحد منهما أو منهم أنك خاطبته دون الآخر، فمن ثم فصلت بين خطاب المذكر والمؤنث في قولك: أنت وأنت، وقمت وقمت، واكرمتك واكرمتك فصار المخاطب دون المخبر في التعريف.
والغائب دونهما في مرتبة التعريف، وهو أعرف من الاسم العلم ألا ترى أنك تقول: «جاءني زيد» فيجوز أن يعرف المخاطب اثنين أو ثلاثة اسم كل واحد منهم زيد، فتحتاج إلى الوصف للفرق فتقول: «جاءني زيد الطويل أو القصير أو الاشقر أو الآدم أو الكاتب أو الفقيه» فتنعته وتصفه بما يفصله من غيره. وإذا قلت: ضربته أو كلمته لم تحتج إلى نعت لأنه لا يلتبس وذلك أن هذا كلام لا يجري إلا بعقب مذكور قد عرفه المخاطب بحلاه وأوصافه. فاستغنى عن النعت لذلك ولو لم يكن المخاطب عرفه كمعرفتك لم تضمره وكنت تظهره وتتبعه أوصافه وحلاه حتى تتقرر له معرفته، فلذلك صار الغائب المضمر أعرف من الظاهر.
ثم يتلوه في التعريف الاسم العلم، وذلك أنه ثابت على المسمى مظهرًا كان المسمى أو مبهمًا فلذلك صار أعرف من المبهم لأن المبهم يشار به إلى كل ما بحضرتك
نحو: هذا، وهذه أو إلى كل ما تراخى عنك نحو: ذاك، وتلك. والاسم العلم مخصوص نحو زيد، ومحمد، وجعفر.
ثم المضاف إلى المعارف بعد هذا يتعرف بالإضافة إلى المعروف، واختصاصك إياه بذلك. وقد ذكرنا أنواع الأسماء الستين في شرح كتاب الجمل مفسرة بما أغنى عن إعادته هاهنا والزيادة في هذا الكتاب. فالأسماء على ما قد بان ووضح تكون نكرات ومعارف، ومشتقة وغير مشتقة. هذا أصلها وتنفرد بالتنوين والإضافة وإدخال الألف واللام عليها والنعت والتصغير والنداء والنسبة والجمع لأن الأفعال في الحقيقة لا تلحقها في ذاتها تثنية ولا جمع ولا يحلق شيء من هذه الأشياء فعلاً ولا حرف معنى، وبهذا فرق بين الأسماء وأغبارها. فأما الأسماء المنعوت بها فهي تنقسم عشرة أقسام: تكون أسماء مبنية على الأفعال نحو: قائم وراكب ومركوب وضارب ومضروب ومقتول وما أشبه ذلك من الأسماء الفاعلين والمفعولين الجارية على أفعالها. فهذه الأسماء تكون نعوتًا في حال وأخبارًا في حال، وأحوالاً في حال، وأبدالاً وعطوفًا عطف الباين في حال. وتجري مجرى الأسماء المحضة التي لم تشتق في حال فتكون فاعلة ومفعولة، ويدخل عليها سائر عوامل الأسماء. فكونها نعوتًا: «جاءني زيد العاقل»، و«مررت بأخيك الكاتب»، و«قصدت أبا بكر الكاتب» وما أشبه ذلك. فهي في هذه المواضع وما أشبهها نعوت وأوصاف أوضحت عن المنعوت وفصلت بينه وبين مجانسه لأن سبيل المتكلم أن يبدأ بالاسم الأعرف الأشهر عند مخاطبه، فإن عرفه اكتفى به وإلا أتبعه من النعوت ما يزيد إيضاحًا ومعرفة. والذي والتي وثنيتهما وجمعهما تجري في النعوت على المعارف مجرى ما فيه الألف واللام سواء، لما يقع في صلاتها من الفوائد. وكذلك إذا قدم ذكر النكرة فإنما تتبعه النعت لتخلصه ممن شركه في بنيته وتقربه من المعروف بضروب من التخصيص كقولك: «مررت برجل عاقل» فصلت بالعقل بينه وبين من ليس بعاقل فصار فيه ضرب من التخصيص فلذلك صار قولك «مررت برجل عاقل» أخص من قولك «مررت برجل» وكذلك سائر النكرات إذا وصفت فإنما يفعل ذلك بها إبانة لها من غيرها. فإن كان المنعوت مستغنيًا عن النعت لشهرته لم يحتج إلى النعت إلا مدحًا أو ذمًا، وسنفرد لهذا بابًا إن شاء الله
تعالى. وكذلك إذا قلت: «جاءني الذي أكرمك»، و«قصدت الذي أبوه زيد» وما أشبه ذلك فقد نابت الذي عن منعوت مقدر قبلها على ذلك وقعت في كلامهم، وإن ذكرته قبلها لفظًا جاز أيضًا. وأما كونها أخبارًا فقولك: «زيد عاقل» فقد خبرت عنه بالعقل ولم تنعته به، والفرق بين النعت والخبر أن النعت يجيء موضحًا للمنعوت بما قد استقر عند المخاطب أنه فيه ولا يكتفي به دون الخبر، وتكون فائدة الخبر بعد ذكر النعت متوقعة، وبها يستغني الكلام ألا ترى أنك إذا قلت: «جاءني زيد الكاتب» فإنما تنعته بالكاتب عند من قد عرفه بذلك لتخرجه بذلك عن الإشاعة. وإذا قلت: «زيد كاتب» فإنما تخبر بهذا من لم يعلم أن زيدًا كاتب لتفيده ذلك، فهذا فرق بين النعت والخبر وأبين من هذا أنك إذا قلت: «زيد الكاتب» لمن قد عرفه بذلك وجعلت الكاتب نعتًا لزيد فالكلام ناقص بعد لم يفده شيئًا، فسبيلك أن تقول: «زيد الكاتب» لتفيده ما لم يكن عنده وإن جعلت الكاتب خبرًا لا نعتًا تم الكلام به. ومثل ذلك: «أن زيدًا الكاتب منطلق» إذا جعلت «الكاتب» نعتًا نصبته كما ترى، وجعلت «المنطلق» خبرًا، وإن جعلت «الكاتب» خبرًا استغنيت عن «المنطلق» فقلت: «إن زيدًا الكاتب» فجعلته خبرًا ورفعته ولذلك قال بعضهم وقد سمع مؤذنًا يقول: «أشهد أن محمدًا رسول الله» بالنصب فقال له: ويحك فعل ماذا؟ لأنه لم يأت بالخبر. وكذلك مجرى هذه الأسماء في باب كان والظن في كونها نعوتًا في حال وأخبارًا في حال.
قال سيبويه: إذا كان الاسم لا يعرف إلا بنعته فهو والنعت بمنزلة اسم واحد معروف. قال الفراء: إذا كان الاسم مستغنيًا عن النعت فالنعت تكرير ولا ضمير فيه. وإذا كان غير مستغن ففيه ضميره. وأما كونها أحوالاً فقولك: «جاءني زيد اركبًا»، و«انطلق عبد الله مسرعًا»، والبدل قولك: «زيد ذاهب مسرع» تجعل «مسرعًا» بدلاً من «ذاهب»، وإن جعلته حالاً فنصبته جاز. وأما كونها أسماء محضة فقولك: «رأيت راكبًا» و«مررت بقائم» و«جاءني راكب» وما أشبه ذلك. ولها أحكام
في إجرائها مجرى الفعل في عمله وامتناعها من ذلك في بعض الأحوال ليس هذا موضع ذكره.
وتكون النعوت أسماء مأخوذة من الأفعال على غير طريقة الفاعلين والمفعولين نحو: معطار، ومذكار، وصبور، وشكور، وغدور، وجديد، ودهين. وما أشبه ذلك من الأسماء المشتقة الخارجة عن طريق أسماء الفاعلين والمفعولين في أوضاع النحو ألا ترى أن «معطارًا» ليس باسم الفاعل من «تعطر» ولا من «عطر»، ولا هو باسم المفعول، وكذلك مذكار، وصبور، وشكور، وغدور ليس على: اذكر ولا صبر، ولا شكر، ولا غدر لأن اسم الفاعل من ذلك: مذكر، وصابر، وشاكر، وغادر ومجرى هذه الأسماء في النعوت موضحة لما تجري عليه مجرى ما تقدم. وتفارقها في امتناعها من أعلام التأنيث، وفي أحكامها في التثنية والجمع، وعملها عمل تلك الأسماء.
ويكون ضرب من هذه الأسماء للمبالغة، وفي عملها خلاف نحو: ضراب، وضروب، وضريب وقد مضى ذكرها في أول الكتاب.
والضرب الرابع منها ما لم يكن مستعملاً فعله نحو: قيسي، وتميمي، ومضري، وهاشمي، وأنصاري، وبدري وما أشبه ذلك من النسب ليس يكاد ينطق بفعل كل واحد منها.
والخامس: أسماء ينعت بها دالة على الخلق والطبائع نحو: الطويل، والقصير، والحسن، والقبيح، والعاقل، والشجاع، والجبان وما أشبه ذلك.
والسادس: أسماء الأعداد قد ينعت بها نحو قولك: «عندي إبل مائة» و«رأيت إبلاً مائة»، قال الشاعر وهو الأعشى:
لئن كنت في جب ثمانين قامة = ورقيت أسباب السماء بسلم
والضرب السابع: ما كان جنسًا مضافًا إليه وربما نعت به كقولك: «هذا خاتم حديد»، و«ثوب خز»، و«باب ساج». هذا وجه الكلام يضاف إلى جنسه ليوضحه، وقد يجريه بعض العرب على أوله موضحًا له فيقول: «هذا باب حديد»، و«خاتم فضة»، و«سرج خز». ومنهم من ينصبه على التمييز فيقول: «هذا خاتم حديدًا»، و«جبة خزا»، يذهب إلى المقدار، ويقول في ضرب من هذا الباب: «مررت بسرج خز
صفته» بالخفض إذا لم تكن صفته الخز بعينه وإنما أردت التشبيه، فكأنك قلت: «كالخز صفته» وإن كانت صفته من الخز قلت: «مررت بسرج خز صفته» بالرفع، وكذلك «مررت بدار ساج [بابها، وساج بابها]» وكذلك «مررت برجل عسل شرابه، وعسل شرابه» وعلى هذا فقس.
والضرب الثامن: ما كان منقولاً من النعوت إلى غير صاحبه في الحقيقة، وإنما ينقل إلى ما كان من سببه ومتعلقًا به نحو قولك: «مررت برجل قائم أبوه» فتصف الرجل بقيام أبيه لأنه من سببه، وكذلك: «مررت برجل راكبة جاريته» و«منطلقة أمته» و«كريمة أمه» وما أشبه ذلك، ومنه «مررت برجل حسن الوجه» فالحسن للوجه ثم نقلته إلى الرجل لأنه لشيء من سببه. فجميع هذا الباب إذا أضفته جرى تذكيره وتأنيثه على الأول فإن لم تضفه ورفعت الثاني به جرى تذكيره وتأنيثه على الثاني كقولك: «مررت بامرأة قائم زوجها» فتذكر قائمًا لأنك رفعت الزوج ولا ذكر فيه من المرأة فتدبر هذا فعليه مجرى هذا الباب.
ولو قلت: «مررت بامرأة خصي الزوج» لم يجز لأن النساء لا يوصفن بالخصاء. وقد حصل النعت لها بخفضك الزوج، فلو قلت: «مررت بامرأة خصي زوجها» فرفعت الزوج جاز عند بعضهم لأنه لا ذكر في الخصي من المرأة وإن كان قد جرى عليها لفظًا. وأجود من ذلك أن تقول: «خصي زوجها» فتخلصه له لأنه لا يكون منها. ولو قلت: «مررت بامرأة أمرد زوجها» جاز فإن قلت: «مرداء الزوج» لم يجز لأنه لا يقال: «امرأة مرداء» كما لا يقال «خصي» وقد أجازه الأخفش فيما حكي عنه، وقال: قد حكي عن العرب: شجرة مرداء إذا تحات ورقها.
والتاسع: ما كان صناعة ينعت بها نحو: بقال، وعطار، وصواف، وبيطار، ونحاس وما أشبه ذلك.
والعاشر: ما كان من نعوت الأنثى على جهة النسب فتجيء بلفظ التذكير
نحو: «امرأة طالق، وحائض، ومرضع، وعاشق، وناكح، ومطفل» وما أشبه ذلك. فهذه وجوه لأسماء المنعوت بها وما يخرج شيء منها عن بعض هذه الوجوه، وأما كون الأفعال نعوتًا فإن الأفعال كلها نكرات فلا ينعت بها إلا النكرات، وإن اتبعت المعارف في مواقع النعوت كانت أحوالاً لها، وكذلك جميع ما ينعت به إذا كان نعتًا للنكرات كان حالاً مع المعارف، تقول من ذلك: «مررت برجل يكرم زيدًا» فالفعل وصف للرجل والمعنى: «مررت برجل مكرم زيدًا»، وكذلك: «جاءني غلام يركض» والمعنى راكض، ولا يكون الفعل نعتًا للاسم إلا إذا كان تقديره تقدير اسم يقع ذلك الموقع. وإنما جاز في الأفعال المستقبلة ذلك لأنها مضارعة للأسماء الفاعلين. وتقول: «جاءني زيد يركض» أي راكضًا تقديره بالحال كما ترى، و«مررت بعبد الله يأكل» أي مررت به آكلاً، قال الله جل وعز: {من لدنك وليا يرثني} ويرثني: قرئ بالجزم على الجواب، وبالرفع على النعت كأنه قال: وليًا وارثًا. وكذلك قوله: {ولا تمنن تستكثر} أي: مستكثرًا. وتستكثر بالجزم على الجواب.
وقد ينعت بالماضي كقولك: «مررت برجل ضرب أخاك»، و«جاءني رجل خاطب محمدًا» وهذا مستعار والأول أجود.
وأما الجمل التي تكون صفات فمنها الأفعال التي ذكرناها لأنه لا يكون فعل إلا بفاعل فهي وفاعلوها جملة قد نعت بها، ومنها قولك: «مررت برجل ماله كثير» وضع هذه الجملة خفض نعت للرجل، وكذلك ما أشبههه.
وللنعوت خصائص تنفرد بها من الأسماء التي ليست بنعوت من جموع وأبنية ليس هذا موضع ذكرها).
[اشتقاق أسماء الله: 268-274]