ما ورد في نزول قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)}
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَّسولٍ وَلا نَبِيٍّ} الآية.
قال المفسرون: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب به بينه وبين قومه وذلك لحرصه على إيمانهم فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله وأحب يومئذ أن لا يأتيه من الله تعالى شيء ينفرون عنه وتمنى ذلك فأنزل الله تعالى سورة: {وَالنَجمِ إِذا هَوى} فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ: {أَفَرَأَيتُمُ اللّاتَ وَالعُزّى وَمَناتَ الثالِثَةَ الأُخرى} ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه وتمناه: «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإن جعل لها محمدًا نصيبًا فنحن معه فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام فقال: ماذا صنعت! تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله سبحانه وقلت ما لم أقل لك فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنًا شديدًا وخاف من الله خوفًا كبيرًا فأنزل الله تعالى هذه الآية فقالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فازدادوا شرًا إلى ما كانوا عليه.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن حيان قال: أخبرنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل العسكري قال: أخبرنا يحيى عن عثمان بن الأسود عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَفَرَأَيتُمُ اللّاتَ وَالعُزَّى وَمَناتَ الثالِثَةَ الأُخرى} فألقى الشيطان على لسانه (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتجى) ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اعرض علي كلام الله فلما عرض عليه فقال: أما هذا فلم آتك به هذا من الشيطان فأنزل الله تعالى: {وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}). [أسباب النزول: 319-321]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر من طريق بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال: (قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة{والنجم} -فلما بلغ -{أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى} ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى، فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} الآية).
وأخرجه البزار وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسبه، وقال: لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد وتفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور.
وأخرجه: البخاري عن ابن عباس بسند فيه الواقدي، وابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس.
وأورده: ابن إسحاق في السيرة عن محمد بن كعب، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب، وابن جرير عن محمد بن قيس، وابن أبي حاتم عن السدي.
كلهم بمعنى واحد.
وكلها إما ضعيفة أو منقطعة سوى طريق ابن جبير الأولى، قال الحافظ ابن حجر: لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا مع أن لها طريقين صحيحين مرسلين أخرجهما ابن جرير: أحدهما من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والآخر من طريق داود بن هند عن أبي العالية ولا عبرة بقول ابن العربي وعياض أن هذه الروايات باطلة لا أصل لها. انتهى). [لباب النقول: 178]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين