قوله تعالى{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(14)}
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال(ومن سورة الجاثية)وعن قوله عز وجل: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله} وهم المشركون فأنزل الله عز وجل للمؤمنين أن يغفروا لهم ثم نسخ ذلك بعد في براءة فقال : {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ).[الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/45]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (سورة الجاثية: مكية)قوله تعالى: {قل للذين آمنوا
يغفروا للذين لا يرجون أيام الله...} الآية [14 / الجاثية / 45] نزلت في عمر بن الخطاب ثم نسخت بآية السيف).[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 56]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الموضع الّذي في الجاثية)
قال اللّه جلّ وعزّ {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه ليجزي قومًا بما كانوا يكسبون} [الجاثية: 14]
قال جماعةٌ من العلماء هي منسوخةٌ فمن ذلك
ما حدّثناه عليل بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن هشامٍ، قال: حدّثنا عاصم بن سليمان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، {قل للّذين آمنوا} [الجاثية: 14] : " نزلت في عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه شتمه رجلٌ من المشركين بمكّة قبل الهجرة فأراد أن يبطش به فأنزل اللّه تعالى {قل للّذين آمنوا} [الجاثية: 14] يعني عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه {يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه} [الجاثية: 14] ويعفوا ويتجاوزوا للّذين لا يخافون مثل عقوبات الأيّام الخالية {ليجزي قومًا بما كانوا يكسبون} [الجاثية: 14] ثمّ نسخ هذا في براءة بقوله {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] "
قال أبو جعفرٍ حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله تعالى: {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه} [الجاثية: 14] قال: " نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] ). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/625-626]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (سورة الشّريعة)قوله تعالى {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام الله} نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك أنه كان بمكّة قد كلمه رجل من المشركين بهجر فهم به فوثب عليه فنزلت فيه {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام الله} واختلف المفسّرون فقالت طائفة لا ينالون نعمة الله وقال آخرون لا يخافون نقمة الله ثمّ صارت منسوخة بآية السّيف). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 159]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (سورة الجاثية (مكية)قوله تعالى: {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيام الله} الآية:
روى الضّحاك عن ابن عباس أنها نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه سبّه رجلٌ من المشركين بمكة، فأراد أن يبطش به فأمر في هذه الآية بالغفران والصّفح قال: ثم نسخ ذلك بالأمر بقتل المشركين حيث وجدوا - قاله قتادة وغيره -). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 409]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (باب: ذكر ما ادّعي عليه النّسخ في سورة الجاثية)قوله تعالى: {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه}.
جمهور المفسّرين على أنّها منسوخةٌ، لأنّها تضمّنت الأمر بالإعراض عن المشركين، واختلفوا في ناسخها على أربعة أقوال:
أحدها: آية السّيف.
أخبرنا عبد الوهّاب الحافظ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهرٍ الباقلاويّ، قالا: أبنا ابن شاذان، قال: بنا أحمد بن كامل، قال: بنا محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي قال حدّثني عمّي، عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ، {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه}.
قال: كان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعرض عن المشركين إذا آذوه، وكانوا يستهزئون به ويكذّبونه فأمره اللّه أن يقاتل المشركين كافّةً، فكان هذا من المنسوخ روى الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قال: نسخت بآية السّيف.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين، قال: أبنا البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال:
بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه} ونحو هذا من القرآن ممّا أمر اللّه فيه بالعفو عن المشركين فإنه نسخ ذلك بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقوله: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر}.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال:
حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا معمرٌ عن قتادة {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه}.
قال: نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
والقول الثّاني: أنّ ناسخها قوله في الأنفال: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب} وقوله في براءةٍ {وقاتلوا المشركين كافّةً} رواه سعيدٌ عن قتادة.
أخبرنا إسماعيل به أحمد قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه، قال: أبنا ابن بشران قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي قال: بنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة قال: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم}.
والثّالث: قوله: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر}.
أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: أبنا ابن أيّوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكرٍ النّجّاد قال: أبنا أبو داود، قال: بنا أحمد بن محمد، قال بنا ابن رجاءٍ عن همّامٍ عن قتادة {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه} ثمّ نسخ فقال: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه} الآية.
والرّابع: قوله: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا} قاله أبو صالحٍ.
ويمكن أن يقال: أنّها محكمةٌ، لأنّها نزلت على سببٍ وهو أنّهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بيرٍ فأرسل عبد اللّه بن أبيٍّ غلامه ليستقي الماء، فأبطأ عليه فلمّا أتى، قال ما حبسك؟ قال: غلام عمر ما ترك أحدًا يستقي حتّى ملأ قرب النّبيّ وقرب أبي بكرٍ وملأ لمولاه فقال عبد اللّه: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: (سمن) كلبك يأكلك فبلغ قوله عمر فاشتمل بسيفه يريد
التوجه إليه فنزلت هذه الآية. رواه عطاءٌ عن ابن عباس). [نواسخ القرآن: 458-461]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (سورة الجاثية){قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه} جمهور
المفسرين أنها تضمنت الإعراض عن المشركين ثم نسخها بآية السيف). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ:52- 53]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة الشريعة)قوله عز وجل: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله} الآية [الجاثية: 14].
روي عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض عن المشركين إذا آذوه، وكانوا يهزءون به ويكذبونه، ثم أمره الله عز وجل أن يقاتلهم كافة،
قال: (فكأن هذا من المنسوخ).
وقد قلت فيما تقدم إن ابن عباس رضي الله عنه يسمي تغير الأحوال: نسخا، وإنما يصح أن يكون هذا منسوخا على المراد بالنسخ عندنا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قادرا على قتالهم منهيا عنه ثم جاء الأمر بالقتال فيكون ذلك ناسخا، وليس في هذه الآية زيادة على الآيات التي أمر فيها بالصبر، وقد أشار فيها إلى وعيدهم والنصر عليهم بقوله سبحانه:
{ليجزي قوما بما كانوا يكسبون} الآية [الجاثية: 14].
وقد روي عن ابن عباس أيضا والضحاك وقتادة، أنها نزلت في رجل من المشركين سب عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فهم أن يبطش به فنزلت، وذلك بمكة قبل الهجرة، فإن أريد بالذين آمنوا عمر رضي الله عنه وأريد بالذين لا يرجون أيام الله ذلك الذي سبه، فقوله عز وجل: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} الآية [التوبة: 36] لا يكون ناسخا لهذه، وإن أريد العموم فقد كانوا غير قادرين على قتالهم، فلا يكونون منهيين عنه، وإنما كانوا مأمورين بالصبر.
وقال قتادة والضحاك: نسخها: {فإما تثقفنهم في الحرب} الآية [الأنفال: 57].
وقال أبو هريرة رحمه الله: (نسخها: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} الآية [الحج: 39]) ولو كان قولهم في النسخ راجعا إلى النقل لما اختلفوا في الناسخ ما هو، واختلافهم يدل على أنهم قالوا ذلك ظنا). [جمال القراء: 1/363-364]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين