قوله تعالى: { وَقَٰتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ(190)}
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [190 مدنية / البقرة / 2] هذه جميعا محكمة إلا قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه...} الآية [191 مدينة / البقرة / 2] منسوخة وناسخها قوله تعالى: {فإن قاتلوكم فاقتلوهم} [191 مدنية 2 البقرة / 2].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّانية عشرةقال جلّ وعزّ {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} [البقرة: 190]
قال ابن زيدٍ: " هي منسوخةٌ نسخها {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} [التوبة: 36] " وعن ابن عبّاسٍ: «أنّها محكمةٌ»
روى عنه ابن أبي طلحة {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} [البقرة: 190] قال: «لا تقتلوا النّساء والصّبيان ولا الشّيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السّلم وكفّ يده فمن فعل ذلك فقد اعتدى»
قال أبو جعفرٍ: وهذا أصحّ القولين من السّنّة والنّظر
فأمّا السّنّة: فحدّثنا أبو جعفرٍ قال: حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم رأى في بعض مغازيه امرأةً مقتولةً فكره ذلك ونهى عن قتل النّساء والصّبيان» وهكذا، يروى أنّ عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه كتب:
لا تقتلوا النّساء والصّبيان والرّهبان في دار الحرب فتعتدوا {إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} [البقرة: 190]
والدّليل على هذا من اللّغة أنّ فاعل يكون من اثنين فإنّما هو من أنّك
تقاتله ويقاتلك فهذا لا يكون في النّساء ولا في الصّبيان ولهذا قال من قال من الفقهاء: لا يؤخذ من الرّهبان جزيةٌ لقول اللّه جلّ وعزّ {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29] إلى {حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} [التوبة: 29] وليس الرّهبان ممّن يقاتل
فصار المعنى: وقاتلوا في طريق اللّه وأمره الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا فتقتلوا النّساء والصّبيان والرّهبان ومن أعطى الجزية فصحّ أنّ الآية غير منسوخةٍ
وقد تكلّم العلماء في الآية الثّالثة عشرة ). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الرّابعة عشرة قوله تعالى {وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} أي فتقاتلوا من لا يقاتلكم كان هذا في الابتداء ثمّ نسخ الله تعالى ذلك بقوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وبقوله {وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة} أي جميعًا وبقوله {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم} الآية). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا تعتدوا} الآية:
قال ابن زيد: نسخها الأمر بالقتال وبالقتل للمشركين.
وقيل: إنّها أوّل ما نزل في إباحة القتال. أبيح لهم أن يقاتلوا من قاتلهم، ولا يعتدوا فيقاتلوا من لم يقاتلهم ثم نسخ النهي عن قتال من لم يقاتلهم بالأمر بالقتال والقتل.
وقيل: أوّل ما نزل في إباحة القتال، قوله تعالى: {أذن للّذين يقاتلون بأنهم ظلموا} [الحج: 39]، فهي مكيّة وقيل: مدنية.
وعن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد أن الآية محكمةٌ غير منسوخةٍ، لكنّها مخصوصةٌ في النّهي عن قتل الصّبيان والنّساء والشيخ الفاني ومن ألقى السّلم وكفّ يده. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل هؤلاء، وعن قتل الرّهبان. فيكون معنى الآية: وقاتلوا في سبيل الله الذين فيهم مقدرةٌ على قتالكم، ولا تعتدوا فتقتلوا من ليس له مقدرةٌ على القتال، ولا من ليس من عادته القتال، كالنّساء والصّبيان، والكبير، والرهبان.
فهذا كلّه محكمٌ وحكمه باق معمولٌ به.).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّادسة عشرة: قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}.
اختلف المفسّرون في هذه الآية هل هي منسوخةٌ أو محكمةٌ على قولين:
أحدهما: أنّها منسوخةٌ ثمّ اختلف أرباب هذا القول في المنسوخ منها على قولين:
أحدهما: أنّه أوّلها، وهو قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم}، قالوا: وهذا يقتضي أنّ القتال إنّما يباح في حقّ من قاتل من الكفّار فأمّا من لم يقاتل فإنّه لا يقاتل ولا يقتل.
ثمّ اختلف هؤلاء في ناسخ ذلك على أربعة أقوال:
أحدهما: أنّه قوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً}.
والثاني: أنّه قوله تعالى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}.
والثّالث: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر}.
والرّابع: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
قلت: وهذا القول الّذي قالوا إنما أخذوه من دليل الخطاب (إنّما هو) حجّة ما لم يعارضه دليلٌ أقوى منه وقد عارضه ما هو أقوى منه كآية السّيف وغيرها ممّا يقتضي إطلاق قتل الكفّار، قاتلوا أو لم يقاتلوا.
فأمّا الآية الأولى الّتي زعموا أنّها ناسخةٌ فإنّها تشبه المنسوخة وتوافقها في حكمها، لأنّها إنّما تضمّنت قتال من قاتل.
وأمّا الآية الثّانية فإنّها إنّما تضمّنت قتال الّذين أمروا بقتالهم؛ لأن قوله {واقتلوهم} عطفٌ على المأمور بقتالهم.
وأمّا الآية الثّالثة: فإنّها تتضمّن قتال أهل الكتاب والآية الّتي ادّعي نسخها مطلقةٌ في كلّ من يقاتل.
وأمّا الرّابعة تصلح ناسخةً لو وجدت ما تنسخه وليس ههنا إلا دليل الخطاب، وليس بحجّةٍ ههنا على ما بيّنّا.
القول الثّاني: أنّ المنسوخ منها قوله: {ولا تعتدوا} للمفسّرين في معنى هذا الاعتداء خمسة أقوال:
أحدها: لا تعتدوا بقتل النّساء والولدان، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، وابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ.
الثّاني: بقتال من لم يقاتلكم، قاله أبو العالية، وسعيد بن جبيرٍ، وابن زيدٍ وهؤلاء إن عنوا من لم يقاتل، لأنّه لم يعدّ نفسه للقتال كالنساء
والولدان، والرّهبان فالآية محكمةٌ؛ لأنّ هذا الحكم ثابتٌ. وإن عنوا من لم يقاتل من الرّجال المستعدين للقتال توجه النسخ.
والثّالث: أنّ الاعتداء إتيان ما نهى اللّه عنه، قاله الحسن.
والرّابع: أنّه ابتداء المشركين بالقتال في الشّهر الحرام في الحرم قاله مقاتلٌ.
والخامس: لا تعتدوا بقتال من وادعكم وعاقدكم. قاله ابن قتيبة والظّاهر إحكام الآية كلها ويبعد ادعاء النسخ فيها.). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثالثة عشرة: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} قيل المنسوخ منها أولها لأنه اقتضى أنّ القتال إنّما يباح في حقّ من قاتل من الكفار دون من لم يقاتل ثم نسخ بآية السيف وهذا القائل إنما أخذه من دليل الخطاب ودليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لم يعارضه دليلٌ أقوى منه وقد عارضه ما هو أقوى منه كآية السّيف وغيرها وقال آخرون المنسوخ منها {ولا تعتدوا} قالوا والمراد به ابتداء المشركين بالقتال في الشهر الحرام والحرم ثم نسخ بآية السيف وهذا بعيد والصحيح إحكام جميع الآية.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (من ذلك قوله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} الآية [البقرة: 190] قيل: هي منسوخة نزلت في قتال من قاتل، ونسخها الأمر بقتال المشركين.
وهي محكمة؛ على أن قوله سبحانه: {ولا تعتدوا} أي: لا تعتدوا فيقتل الصبيان والنسوان ومن لا قدرة له على القتال كالشيخ الفاني والراهب الذي لا يقاتل.). [جمال القراء: 1/249-271]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين