قوله تعالى {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًۭا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)}
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (فأول ذلك قوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا...} الآية [26 مدنية / البقرة] منسوخة وناسخة قوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} [85 مدنية / آل عمران / 3].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّانية قوله تعالى {إن الّذين آمنوا والّذين هادوا} والنّاس في ذلكقائلان فقالت طائفة منهم مجاهد والضّحّاك ابن مزاحم هي محكمة وقدرونها ويقرؤونها بالمحذوف المقدر فيكون التّقدير على قولهما إن الّذين آمنوا ومن آمن من الّذين هادوا والنّصارى وقال الأكثرون هي منسوخة وناسخة عندهم {ومن يبتغ غير الصائبين الإسلام دينا فلن يقبل منه}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {إنّ ٱلّذين آمنوا وٱلّذين هادوا} إلى قوله: {فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 62]
أكثر العلماء على أنها محكمةٌ، ونزلت في من كان قبل بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم.
وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: هي منسوخةٌ بقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه} [آل عمران: 85] الآية.
والصّواب أن تكون محكمةً؛ لأنها خبرٌ من الله بما يفعل بعباده الّذين كانوا على أديانهم قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا لا ينسخ. لأنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً من الأوّلين والآخرين.).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّانية: (قوله) تعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا} الآية..اختلف المفسّرون في معنى هذه الآية على ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّ المعنى: إنّ الّذين آمنوا من هذه الأمّة، والّذين هادوا، وهم أتباع موسى، (والنّصارى، وهم) أتباع عيسى، والصابؤون: الخارجون من الكفر إلى الإسلام من آمن، أي: من دام منهم على الإيمان.
والثّاني: إنّ الّذين آمنوا بألسنتهم وهم، المنافقون والّذين هادوا:
وهم اليهود، والنّصارى والصابؤن: وهم كفّارٌ أيضًا،: من آمن أي من دخل في الإيمان بنيّةٍ صادقةٍ.
والثّالث: إنّ المعنى (إنّ الّذين آمنوا) ومن آمن من الّذين هادوا، فيكون قوله: بعد هذا: من آمن راجعًا إلى المذكورين مع الذين آمنوا،
ومعناه: من يؤمن [منهم] وعلى هذه الأقوال الثّلاثة لا وجه لادّعاء نسخ هذه الآية. وقد قيل: إنّها منسوخةٌ بقوله: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه}.
فأخبرنا المبارك بن عليٍّ (الصّيرفيّ) قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن قريشٍ، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكيّ، قال: أخبرنا محمّد بن إسماعيل الورّاق، قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: حدّثنا يعقوب بن سفيان قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين} الآية. قال: فأنزل اللّه تعالى بعد هذه الآية {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
قلت: فكأنّه أشار بهذا إلى النّسخ وهذا القول لا يصحّ لوجهين:
أحدهما: أنّه إن أشير بقوله: {والّذين هادوا والنّصارى} إلى من كان تابعًا
لنبيّه قبل أن يبعث النّبيّ الآخر فأولئك على الصّواب وإن أشير إلى من كان في زمن نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ من ضرورة من لم يبدّل دينه ولم يحرّف أن يؤمن بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ويتّبعه.
والثّاني: أنّ هذه الآية خبرٌ والأخبار لا يدخلها النّسخ.). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ):(الثانية: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا} زعم قوم إنّها منسوخةٌ بقوله {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} وهذا لا يصح لأنه إن أشير إلى من كان في زمن نبي تابعا لنبيه قبل بعثة نبي آخر فأولئك على الصّواب.
وإن أشير إلى من كان في زمن نبينا فإن من ضرورته أن يؤمن بنبينا عليه السلام ولا وجه للنسخ ويؤكده أنها خبر والخبر لا ينسخ.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
روابط ذات صلة: