الموضوع: سورة النجم
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 4 صفر 1434هـ/17-12-2012م, 09:59 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الثانية: قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [39 / النجم / 53] نسخت بقوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان...} الآية فيجعل الولد الطفل يوم القيامة في ميزان أبيه ويشفع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء ويدل على ذلك قوله تعالى: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} [11 / النساء / 4] ).[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 58]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (
وفي والنّجم قوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى} [النجم: 39]
قال أبو جعفرٍ: للنّاس في هذا أقوالٌ:
فمنهم من قال: إنّها منسوخةٌ، ومنهم من قال: هي محكمةٌ فلا ينفع أحدًا أن يصدّق عنه أحدٌ، ولا أن يجعل له ثواب شيءٍ عمله. قالوا: وليس للإنسان إلّا ما سعى كما قال تعالى
وقال قومٌ: قد جاءت أحاديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأسانيد صحاحٍ وهي مضمومةٌ إلى الآية
وقال قومٌ الأحاديث لها تأويلٌ: وليس للإنسان على الحقيقة إلّا ما سعى فممّن تؤوّل عليه أنّ الآية منسوخةٌ ابن عبّاسٍ
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال حدّثني معاوية بن صالحٍ، قال: حدّثني عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: وقوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى} [النجم: 39] " فأنزل اللّه عزّ وجلّ بعد ذلك {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّاتهم} : فأدخل اللّه تعالى الآباء الجنّة بصلاح الأبناء "
قال محمّد بن جريرٍ: يذهب إلى أنّها منسوخةٌ
قال أبو جعفرٍ: كذا عندي في الحديث وكان يجب أن يكون أدخل اللّه الأبناء الجنّة بصلاح الآباء إلّا أنّه يجوز أن يكون المعنى على أنّ الآباء يلحقون بالأبناء كما يلحق الأبناء بالآباء
قال أبو جعفرٍ وحدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " إنّ اللّه تعالى يرفع ذرّيّة المؤمن معه في درجة الجنّة وإن كانوا دونه في العمل {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم} [الطور: 21] أي: نقصناهم "
وحدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: حدّثنا أحمد بن شكيبٍ الكوفيّ، قال حدّثنا محمّد بن بشرٍ العبديّ قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن سماعة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ،: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: " إنّ اللّه ليرفع ذرّيّة المؤمن معه في درجته وإن كان لم يبلغها بعمله ليقرّ بهم عينه ثمّ قرأ {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ} [الطور: 21] الآية "
فصار الحديث مرفوعًا عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وكذا يجب أن يكون؛ لأنّ ابن عبّاسٍ لا يقول هذا إلّا عن رسول اللّه صلّى الله عليه
وسلّم؛ لأنّه إخبارٌ عن اللّه تعالى بما فعله وبمعنى آيةٍ أنزلها تعالى
وأمّا قول من قال: لا ينفع أحدًا أن يصدّق عنه أحدٌ ولم يتأوّل الأحاديث فقولٌ مرغوبٌ عنه؛ لأنّ ما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يسع أحدًا ردّه قال جلّ وعزّ {وما آتاكم الرّسول فخذوه} [الحشر: 7] وقد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحاديث سنذكر منها شيئًا
حدّثنا أبو جعفرٍ قال حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال أخبرنا مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن سليمان بن يسارٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: " كان الفضل بن عبّاسٍ رديف رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فجاءته امرأةٌ من خثعمٍ تستفتيه فجعل الفضل بن عبّاسٍ ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يصرف وجه الفضل إلى الشّقّ الآخر فقالت: يا رسول اللّه إنّ فريضة اللّه على عباده بالحجّ أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الرّاحلة أفأحجّ عنه؟ قال: نعم وذلك في حجّة الوداع "
وفي حديث ابن عيينة، عن عمرٍو، عن الزّهريّ، عن سليمان، عن ابن عبّاسٍ، زيادةٌ وهي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لها: أرأيت لو كان على أبيك دينٌ أكنت تقضينه؟ قالت: نعم، قال: «فدين اللّه جلّ وعزّ أولى»
فقال قومٌ: لا يحجّ أحدٌ عن أحدٍ واحتجّ له بعض أصحابه فقال: في الحجّ صلاةٌ لا بدّ منها وقد أجمع العلماء على أن لا يصلّي أحدٌ عن أحدٍ قيل لهم الحجّ مخالفٌ للصّلاة مع ثبات السّنّة.
قال أبو جعفرٍ: وسنذكر قول من تأوّل الحديث
وقد روى شعبة، عن جعفر بن أبي وحشيّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاس، أنّ، رجلًا، قال: يا رسول اللّه إنّ أمّي توفّيت وعليها صيامٌ قال: «فصم عنها»
وقد قال من يقتدى بقوله من العلماء: لا يصم أحدٌ عن أحدٍ، فقال من أحتجّ له: هذا الحديث وإن كان مستقيم الإسناد، وسعيد بن جبيرٍ وإن كان له المحلّ الجليل فقد وقع في أحاديثه غلطٌ
وقد خالفه عبيد اللّه بن عبد اللّه، وعبيد اللّه من الإتقان على ما لا خفاء به
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن ابن شهابٍ عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ الهذليّ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، أنّ سعد بن عبادة، استفتى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
فقال: يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت وعليها نذرٌ قال: «فاقضه عنها»
وروى الزّهريّ، عن أبي عبد اللّه الأغرّ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((يلحق المسلم أو ينفع المسلم ثلاثٌ ولدٌ صالحٌ يدعو له، وعلمٌ نشره، وصدقةٌ جاريةٌ))
ونذكر قول من تأوّل هذه الأحاديث فيها أقوالٌ:
ومن العلماء من قال بالأحاديث كلّها ولم يجز فيها التّرك منهم أحمد بن حنبلٍ وكان هذا مذهبه فقال: يحجّ الإنسان عن الإنسان ويتصدّق عنه كما قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ((ومن مات وعليه صيام شهر رمضان أطعم عنه لكلّ يومٍ، ومن مات وعليه صيام نذرٍ صام عنه وليّه))، كما أمر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
ومن العلماء من قال ببعض الأحاديث فقال: يحجّ الإنسان عن الإنسان ولا يصوم عنه ولا يصلّي، وهذا مذهب الشّافعيّ، ومنهم من قال: لا يجوز في عمل الأبدان أن يعملها أحدٌ عن أحدٍ ولا يحجّ أحدٌ عن أحدٍ وهذا قول مالك بن أنسٍ
ومنهم من قال: الأحاديث صحيحةٌ ولكن هي محمولةٌ على الآية وإنّما يحجّ الإنسان عن الإنسان إذا أمره أو أوصى بذلك أو كان له فيه سعيٌ حتّى يكون موافقًا لقوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى} [النجم: 39]، ومنهم من قال: لا يعمل أحدٌ عن أحدٍ شيئًا فإن عمله فهو لنفسه كما قال عزّ وجلّ {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى} [النجم: 39]
وقال في الأحاديث سبيل الأنبياء عليهم السّلام أن لا يمنعوا أحدًا من فعل الخير
قال أبو جعفرٍ: وقول أحمد في هذا بيّنٌ حسنٌ وهو أصل مذهب
الشّافعيّ، فإن قال قائلٌ: فكيف يردّ هذا إلى الآية ففي ذلك جوابان
أحدهما أنّ ما قاله الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وصحّ عنه فهو مضمومٌ إلى القرآن
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا عيسى بن إبراهيم الغافقيّ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن ابن المنكدر، وأبي النّضر، عن عبيد اللّه بن أبي رافعٍ، عن أبيه، أو غيره عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لا ألفينّ أحدكم متّكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري ما وجدناه في كتاب اللّه اتّبعناه ))
قال أبو جعفرٍ: وهذا جوّاب جماعةٍ من الفقهاء أن يضمّ الحديث إلى القرآن كما قال تعالى {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلّا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ} [الأنعام: 145] ثمّ حرّم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كلّ ذي نابٍ من السّباع وكلّ ذي مخلبٍ من الطّير فكان مضمومًا إلى الآية، وكان أحمد رحمه اللّه من أكثر النّاس اتّباعًا لهذا حتّى قال: من احتجم وهو صائمٌ فقد أفطر هو وحاجمه كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
وفي الأحاديث تأويلٌ آخر فيه لطفٌ ودقّة وهو أنّ اللّه عزّ وجلّ إنّما قال: {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى} [النجم: 39] ولام الخفض معناها في العربيّة الملك والإيجاب فليس يجب للإنسان إلّا ما سعى وإذا تصدّق عنه غيره فليس يجب له شيءٌ إلّا أنّ اللّه تعالى يتفضّل عليه بما لم يجب له كما يتفضّل على الأطفال بإدخالهم الجنّة بغير عملٍ
قال أبو جعفرٍ: فعلى هذا يصحّ تأويل الأحاديث
وقد روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنّ، رجلًا، قال: يا رسول اللّه: إنّ أمّي افتلتت نفسها فماتت ولم توص أفأتصدّق عنها؟ قال: «نعم»
قال أبو جعفرٍ: فيكون في هذا الحديث ما ذكرنا من التّأويلات، وفيه من الغريب قوله افتلتت معناه ماتت فجأةً، ومنه قول عمر رضي اللّه عنه
كانت بيعة أبي بكرٍ رضي اللّه عنه فلتةً فوقى اللّه تعالى شرّها أي فجأةٌ
وفي هذا من المعنى أنّ عمر تواعد من فعل مثل ذلك، وذلك أنّ أبا بكرٍ رضي اللّه عنه كان له من الفضائل الباهرة الّتي لا تدفع ما يستوجب به الخلافة وأن يبايع فجأةً وليس هذا لغيره، وكان له استخلاف رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إيّاه على الصّلاة قال محمّد بن جريرٍ: «استخلافه إيّاه على الصّلاة بمعنى استخلافه إيّاه على إمامة المسلمين والنّظر في أمورهم؛ لأنّه استخلفه على الصّلوات الّتي لا تقيمها إلّا الأئمّة من الجمع والأعياد فروجع في ذلك فقال يأبى اللّه ورسوله والمسلمون إلّا أبا بكر»
وقال غير محمّد بن جريرٍ
روى شعبة، والثّوريّ، عن الأعمش، ومنصورٍ، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ((استقيموا ولن تحصوا واعلموا أنّ خير أعمالكم الصّلاة ولا يحافظ على الوضوء إلّا مؤمنٌ))
فلمّا استخلف رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أبا بكرٍ على خير أعمالنا كان ما دونه تابعًا له). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 3/51] (م)
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّانية قوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى} نسخ ذلك بقوله تعالى {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيتهم} الآية ولولا هذه لبطلت الشّفاعة).[الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 170]

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى}
قيل: هو منسوخ بقوله تعالى: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم} [الطور: 21] فأخبر أنه أدخل الأبناء المؤمنين مدخل آبائهم المؤمنين بصلاح الآباء.
والبيّن في هذا، الذي يوجبه النظر، وعليه أكثر العلماء أنه ليس بمنسوخ وأنه محكم، لا يعمل أحدٌ عن أحدٍ صلاةً ولا جهادًا، إلاّ ما خصّصته السنّة وبيّنته من جواز الحج عن من لم يحجّ من ميّت - وفي الحجّ عن الحيّ اختلافٌ كثير - ومن أجازه قال: إنما يجوز لعذرٍ نزل بالحيّ، وهو إذا بذل وأعطى لمن يحج عنه فقد سعى في خير، وكذلك
الميّت إذا أوصى بالحج فقد سعى في فعل الخير. فهما داخلان في سعي الساعين، الذين ضمن الله لهم الجزاء على سعيهم.
ومعنى الآية: أن الله جلّ ذكره ذكر أبناءً اتبعوا الآباء على إيمانهم، فأٌلحقوا بالآباء تفضلاً منه جلّ ذكره). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 424]

قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّانية: قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى} روي عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: هذه الآية منسوخةٌ بقوله: {واتّبعناهم ذرّيّتهم بإيمانٍ} قال: فأدخل الابن الجنّة بصلاح الآباء.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين، قال أبنا البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال بنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى} قال: فأنزل اللّه تعالى بعد هذا: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ} فأدخل اللّه الأبناء بصلاح الآباء الجنّة.
قلت: قول من قال: إنّ هذا نسخٌ غلطٌ، لأنّ الآيتين خبرٌ، والأخبار لا يدخلها النّسخ ثمّ إنّ إلحاق الأبناء بالآباء إدخالهم في حكم الآباء بسبب إيمان الآباء فهم كالبعض تبع الجملة، (ذاك) ليس لهم إنّما فعله اللّه سبحانه بفضله وهذه الآية تثبت ما للإنسان إلا ما يتفضّل به عليه). [نواسخ القرآن: 476]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وأما قوله عز وجل: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} الآية [النجم: 39] وقولهم: إنه منسوخ بقوله عز وجل: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} الآية [الطور: 21] قالوا: لأنه عز وجل أخبر أنه أدخل الأبناء مدخل الآباء وألحقهم بهم لصلاح الآباء، واحتجوا بقول ابن عباس رحمه الله: (هو المؤمن يرفع الله به ذريته لتقر بذلك عينه وإن كانوا دونه في العمل).
وعنه أيضا: (المؤمن يلحق الله به ذريته الصغار التي لم تبلغ الإيمان).
والجواب: أن هذا خبر من الله عز وجل لا يجوز نسخه، وليس قوله عز وجل: {والذين آمنوا واتبعتهم} الآية [الطور: 21] مما يعارض قوله عز وجل: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} الآية [النجم: 39]، ولو كان ذلك على ما توهموه لم تصح مضاعفة الحسنات، ولا أن تبدل بها السيئات، ولم تصح الصدقة عن الميت ولا الحج عنه، وقد صح في الخبر خلاف ذلك.
وأما إلحاق الأبناء بالآباء لصلاح الآباء فإنهم لم يعطوا سعي آبائهم، ولكنهم لما كانوا مؤمنين ضاعف الله لهم الحسنات، وألحقهم بآبائهم في الدرجات، وإنما يكون هذا نسخا لو أعطاهم أعمال آبائهم، وأما إكرامهم لأجل الآباء فلا يعارض قوله: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} الآية [النجم: 39]، وهذا كقوله عليه السلام: ((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء)) فهذا لما سن السنة الحسنة ضاعف الله له الأجر وما أعطاه سعي غيره، وأما الصدقة عن الميت والحج فإن الذي تصدق وحج لما نواه عن الميت ولم ينوه عن نفسه كان كالنائب عنه والوكيل فيه، وإنما يكون معارضا للآية لو نواه عن نفسه فأعطى ما عمل لنفسه لغيره، فليس للإنسان إلا ما سعى.
وأما من قال في قوله عز وجل: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} الآية [النجم: 39] هو محكم، فلا ينفع أحدا عمل أحد من صدقة ولا صيام ولا حج فقد خالف الخبر، وإن كانت الآية محكمة كما ذكر، إلا أن المعنى ما سبق وتقرر). [جمال القراء:1/372]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس